(الديك) الفريد .. ألن بامانكو

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عزالدين ميرغني
    عضو الملتقى
    • 18-04-2011
    • 34

    (الديك) الفريد .. ألن بامانكو

    الديك الفريد


    للكاتب / ألن بامانكو


    من دولة الكونغو


    من مجلة ثقافات الجنوب 2004


    ترجمها عن الفرنسية / عز الدين ميرغني



    مضت السنوات ..


    الآن وصلتُ إلى (لوبولو) قرية أجدادي جنوب الكونغو برازافيل.


    كان في إنطباعي احساس غريزي، بأن الحيوانات تنظر إلىّ بطريقة غريبة كأنما كانت تعرف بأنني من سلالة سيدها جدي (موكيلا).


    كنت طفلا أضحك عندما يرسم لي جدي خروفا ويقول لي بأنه من جدوده وأسلافه، وأن هذه العنزة كانت أخت أبيه، وهذه اليمامة لم تكن سوى أخيه الذي اختفى غرقا في مياه نهر (موكوكولو) الهادرة.


    كنت اعتبر هذه من الحكايات والأساطير التي يقولها جدي على سبيل الحكي الشفاهي للأطفال، مأخوذة من الأسلاف ومتمثلة حية فيه وفي اعتقاداته.


    رغم أنني كنت أتساءل أحيانا :


    - كيف يمكن للحيوان أن يكون نسخة للإنسان الآدمي أو العكس ؟.


    في ذلك الزمان نبهني جدي وحذرني قائلا :


    - يمكنك أن تلعب مع أيّ حيوان في هذه القرية إلا ذلك (الديك) المستوحد الفريد والذي يمر أمامنا، أنظر إليه .. أليس هو (ديك) فريد ؟!


    ختم كلامه وهو يقول .. لن أضيف، أو أقول لك أكثر من ذلك، ولكن عدني لو أنك فعلا تحب جدك، فهذا (الديك) هو النسخة الثانية لي !.


    هذا العجوز ذو العرف الأحمر الضخم وريشه المنتفش على طريقة أسنان الخنازير البرية الحادة، وأظافره التي تدل على أنه من أجيال (ديكية) قديمة وسالفة تركت أثارها مع تقلبات الزمن على هذا (الديك) العجوز، يسرح ويمرح حرا في قريتنا.
    إنني تقريبا أرى هذا (الديك) في كل مكان، كأنما يتتبع أثاري مثل جدي.


    بدأت أحس عندما أراه كأني أرى جدي يراقبني حقيقة، وأنه قريب مني جدا، ويستخدم شخصيته الثانية لحمايتي من هوام الأرض وحشراتها السامة والقاتلة.


    كنت عندما أراه أحس بأنني أملك حارسا شخصيا أمينا.


    في المساء ينام هذا المخلوق الفريد واقفا أمام باب كوخنا بعين واحدة، ويترك الأخرى مفتوحة.


    في النهار يتجول متبخترا في الفناء من حولنا، فهو لا يأوي تحت أشجار المانجو الخضراء الضخمة إلا عندما يحس أن السماء ملبدة بالغيوم وستهطل الأمطار الغزيرة، أو أن الشمس متعامدة مع المريخ ربما.



    عندما يترحل جدي في القرى المجاورة فإن (الديك) الفريد يتبعه كظله كأنه يحرسه، وكل (ديوك) القرى تحس بمقدمه الفريد .. تتصايح، والدجاج (يكاكي) في تضامن حيواني بديع.


    الغريب أن (الديوك) لا تقاتله ولا تقترب منه.



    بمرور الزمن أخذ يفتقد الاحساس بالزمن، يخلط بين الليل والنهار، يعلن عن قدوم الفجر والليل لا يزال في ثلثه الأول يغطي الجبال والوهاد والوديان !.


    ترى هل يريد بذلك بأن يؤكد بأنه (ديك) غير عادي وليس مثل (الديوك) الأخرى.


    الحق يقال أنني بدأت انزعج منه، فقد أخذ يترك مخلفاته على الكوخ الطيني الذي لا يمكن غسله وتنظيفه بسهولة.


    بدأت ألاحقه وأطارده، وكان يحب أن يقيظني، يخرج ثم يعود بسرعة، أطارده مرة أخرى حتى يختفي تحت أشجار الذرة الشامي المثمرة.


    في قرانا دائما نخاف ونحذر من الحيوان المختبيء، حتى لو كان (ديك) فريد وغير عادي.


    عندما أعود خائفا خائبا إلى القرية أجده فجأة واقفا أمام الباب كأنه لم يفعل شيئا.


    هذا اللعين أسبه في سري، التقط قطعة خشب لألقنه درسا، وفجأة اسمع صوتا غاضبا من خلفي يقول ..


    - ماذا تفعل..؟، إنه جدي.


    لم أره غاضبا كمثل ذلك اليوم ..!


    ناداني ..


    - تعال معي يجب أن أتحدث معك ..


    يمسكني من يدي عندما اقترب منه، ثم يأخذني خلف الكوخ ويطلب مني الجلوس على الأرض ويقول لي ويداه تعبثان بلحيته الصغيرة ..


    - إنك تريد أن تقتلني .. نعم أنها الحقيقة لا تستطيع انكارها ..


    قالها وهو يتنهد في حسرة وغضب ..


    - أعرف يا بني أنك إذا اعتديت على هذا (الديك) كأنك تعتدي عليّ أنا شخصيا، هل تعتدي عليّ يا بني وتضرب جدك ؟، إنك ستفهم ذلك في يوم من الأيام، ما يؤلمني هل سأكون حيا وموجودا في تلك اللحظة ؟



    آه أيها الجد العظيم (موكويلا) كنت من عالم غير عالمنا اليوم .. إفريقيا أصيلا .. ترحمك السماء، ويعم الأمان روحك الطاهرة.


    في قريتنا يحكون أنه مات نتيجة لطمع وقسوة عمي (بوباكي)، لقد أكل عمي هذا (الديك) في أحد الأعوام.


    كان العم يعيش على بعد أمتار من مسكن جدي، وفي نهاية كل عام تتناقش الأسرة حول كيفية الاحتفال السنوي ببداية العام الجديد، وتختار (ديكا) من حظيرة الدواجن التي يمكلها جدي.


    في نهاية شهر ديسمبر اقترح عمي أن يذبح (الديك) وعلل ذلك بأن (الديك) قد كبر وشاخ، ولا يقدم أية خدمة، زيادة على ذلك أنه صار قذرا كثير الأوساخ.


    في تلك اللحظة كان جدي صامتا حزينا، بينما (الديك) اختفى ولم يظهر إلا في الخامس من يناير بداية العام الجديد.


    في هذا الوقت كان ضحية الاحتفال (ديكا) شابا من (ديوك) الحظيرة، رغم ذلك اقترح عمي مرة أخرى أن نذبح (الديك) العجوز.


    هرب (الديك) مرة أخرى، وفي هذه المرة لم يستطع البعد خارج القرية، اصطاده عمي عند رجوعه من أمام منزل جدي، قام بجذ عنقه بضربة واحدة.


    استمر الاحتفال والغناء والرقص طويلا.


    الوحيد الذي كان لا يشاركنا الرقص والفرح هو جدي، كان بعيدا منا منزويا في مكان قصي.



    في نهاية النهار انسحب جدي –آخر الأسلاف الباقية، والحكمة المنهمرة- إلى غرفته يهمم وينهنه قائلا ..


    - كنت أعتقد صادقا بأنني شخض محترم ومحبوب في هذه الأسرة، وللأسف تأكد لي أنني كنت غير ذلك، آه .. لكم كنت مغشوشا طيلة عمري ولم أعرف ذلك، على العموم أتمنى لكم عيدا سعيدا وسنة مباركة وأنتم تلتهمونني، هنيئا لكم لحمي وعظمي ..


    في اليوم الثاني ذهب عمي يطرق الباب في العاشرة صباحا - باب والده- وجده ممددا على الأرض، يداه معكوفتان وحواليه ريش (الديك) الفريد، ومنذ ذلك اليوم حرمت أسرتنا لحم (الديوك).
  • محمد فطومي
    رئيس ملتقى فرعي
    • 05-06-2010
    • 2433

    #2
    أحسنت أخي عز الدّين .
    أبدعت و أنت تنقل لنا هذه القصّة الرّائعة.
    يسرّني أخي العزيز أن تساهم معنا في هذا الرّكن الجميل.
    اختيارك يدلّ على ذوق و حسّ مرهف.
    أمتعتنا بحقّ أستاذ عز الدين.
    مودّتي و تقديري.
    مدوّنة

    فلكُ القصّة القصيرة

    تعليق

    • عزالدين ميرغني
      عضو الملتقى
      • 18-04-2011
      • 34

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة محمد فطومي مشاهدة المشاركة
      أحسنت أخي عز الدّين .
      أبدعت و أنت تنقل لنا هذه القصّة الرّائعة.
      يسرّني أخي العزيز أن تساهم معنا في هذا الرّكن الجميل.
      اختيارك يدلّ على ذوق و حسّ مرهف.
      أمتعتنا بحقّ أستاذ عز الدين.
      مودّتي و تقديري.
      القاص المبدع جدا
      محمد فطومي
      سعدت جدا بمعرفتك
      وأحببتك أكثر حينما قرأت لك
      ما قمت بتعريبه لكتاب مرموقين
      معجب أنا بقدرتك في القص
      كإعجابي بلغتك هنا في هذا القسم
      الجميل والمغاير والذي نادرا
      ما تجده في موقع آخر
      شكرا لك هذا الترحيب أستاذي الحبيب.

      تعليق

      • موسى الثنيان
        أديب وكاتب
        • 12-09-2011
        • 15

        #4
        القصة ذات أبعاد رمزية

        فما خلف إصرار الجد على أنه الديك


        اختيار موفق ومميز

        شكرا لنقلك وترجمتك الرائعة
        التعديل الأخير تم بواسطة موسى الثنيان; الساعة 11-10-2011, 09:31.

        تعليق

        • ربيع عقب الباب
          مستشار أدبي
          طائر النورس
          • 29-07-2008
          • 25792

          #5
          عز الدين الجميل شكرا
          أولا على الاختيار الذكي
          فهذا كاتب رائع
          يتبع أثره فى الدوريات
          فعنده الكثير مما يقال .. عن هناك الذي نجهل
          رغم أننا من قاطني هذه القارة البكر .. لم تزل
          و ثانيا .. على الترجمة الجميلة و الأمنية و لغتك الثرية

          تقبل خالص محبتي أخي الجميل
          sigpic

          تعليق

          • عباس العكري
            أديب وكاتب
            • 07-07-2016
            • 139

            #6
            [aimg=borderSize=0,borderType=none,borderColor=blac k,imgAlign=none,imgWidth=,imgHeight=]https://1.bp.blogspot.com/-9hg6eLYCX7M/V45h-rd-VAI/AAAAAAAADfE/6gCLdya9oRkInWy9EJ_sqVhF2xSF5a_3wCLcB/s1600/%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AF%25D9%258A%25D9%2583 %2B%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2581%25D8%25B1%25D9%2 58A%25D8%25AF.png[/aimg]

            تعليق

            يعمل...
            X