أخبرْ أبا تمام عنا ...
أخبِـرْ أبـا تمـام أنّ سيوفَنـا
صَدَأتْ على أغمـادهـا من مِعْطَبِ
فالصمتُ أفصحُ بالحديثِ حُجاجةً
من كل أعطابِ السيـوف العُطَّبِ
فاستسرق الرؤيا على جَدثٍ عَسى
تلك الـرؤى تُنبيك هولَ المَكْرَب
أين القِوامة بالكـلام إذا انْفـنى
كلُّ الكـلامِ بِفيـهِ خِبٍّ أجـرَب
خَنِعُ المُطَأطَأِ للعِـدا ويجـوسه
تِيـهٌ المُتـاهِ بمَشْرِقٍ وبمغـرِب
هل، يا تُرى، هو ذاك من نأملْ به
لا، والذي خلق الضيـاءَ المُتْرِب
فاستسرِق الرؤيا وقلْ ماذا تَرى
من لي سوى رؤياك، قلْ لا تَرْتبِ
يا ابن القفارِ البِيدِ مسكنُه الذي
عافتْ بمسكنِه الضباعُ، فيا غَبي
اسمعْ أبا تمـام في قـولٍ له
أَفديه فيه الصدقَ أُمِّـي أو أبـي:
نحنُ الأوائلُ قد فخُرْنا ماضياً
مجداً يطـارحُ مَجتَباً من مُجتَبِ
كم قد نَهَدنا للبطولةِ شُـرَّعاً
كلَّ السيوفِ بُغاةَ بأسِ المَضرِب!!
بالأمسِ تحترقُ القلوبُ مهابةً
منَّـا بِعِـزِّةِ كفِِّنـا المُتَـلهِّـب
واليومَ تطرحُكم مذلةُ خاضعٍ
ويعيـثُ فيكم كـلُّ خَنْعٍ مُتعِب
واليوم يأسركم ببطشِ طُغاتكم
كلُّ البلا من هَوْلِ غولٍ مرعِب
فَصَهٍ أبا تمامَ، حسبُك لن تجدْ
من مَسمَعٍ فينا، ومِن مُتَـأهَّب
هل خِلتَ إنا قد نَهَدْنا ساكناً
مما أفضَّتْ من الحديثِ المُعتِب
إنا نِيامٌ، يا أُخَيَّ، ألَمْ ترَ؟؟
من نومِنا موتَ الضميرِ المُنعِب
أوَما سمعتَ شخيرَنا مَلأَ الدُّنا
مِلءَ الخُـوارِ بثَغْرِ عِجْلٍ مُزرِب
أينَ الأوائلُ إذ أناديهم سـدىً
هلاّ استفاقوا للنـدا من مَطلَبـي
أينَ المهَلهَلُ عن تَشَرْذمِ أمةٍ
طَرِبتْ على الأحلام كل المَطرَب
أين العناتيرُ الذين تحجَّروا
في غَوْرِ طَيَّات الزمانِ المُخضَب
كيف الزمانُ بلحظةٍ يقتاتُهم
ليعيشَ مصلـوباَ بحال أصعَب؟!
قلْ يا أبا تمامَ ما تبغي، فلنْ
يندى لكَ الدمـعُ القبيـعُ بمَهدبي
عندي من الحزنِ الأليم مساحةٌ
ما قد يفجرُ مِـلءِ نجمٍ أشهـبِ
يا أمةً سِيسَتْ على أقـراحها
فِتنُ الدجى من بُؤسِ ذات المَحرَب
كم صانها التأريخ في أَزْمانِها!!
ولَكَمْ تفـاخرَ في رُبـاها مَنقَبي!!
حتى إذا انبلجَ الصباحُ بِشدوه
وانْداحَ منه ضيـاؤه في مَسربي
فَقْنا على هَوْل المصابِ، فَحَبْونا
كان المُصابُ نَحيرَنا في المَنكِب
نحن الذين أضَعْنا تاريخاً حفـا
بالمكـرِمات، بكـلِ حرِّ أو أبِيّْ
نحن الطغاةُ، ومن سوانا، إننا
قومٌ صيـامُ الحـقِ في المُتوثَّب
وثبوا على التحريفِ لا أمٌ لهم
بُغْيَ اشتقـاقِ دلالـةٍ للمـأرَب
حتى اشتروا بِدَعاً لمفهوم (الخَنَا)
من كل إجحـافٍ وكـلِّ تشبُّب
وحشوا بملئِ عقولنا قاموسَهم
فخُذوا بما قالوا ضِعافُ المَنكِب:
ما ذاك خَنْعٌ إنْ وُطِئنا هـامةً
أو ذاك ذلٌّ من بُـؤَاسٍ مُرهِب
هو ذاك مفهوم (السلامِ) وليس ذا
مفهـومُ (محتَلٍّ) بلَغْـوِ الأجدب
هو ذاك من نَعْماءٍ قومِ، إنهم
سبحانَهممِلءَ (السـلامِ) المُجلََب
هو ذاك (تحريرٌ) فليس يشوبه
عيبُ الذي قد صـاغَ كلَّ مُعَيَّب
إني بَراءٌ منكمو، من فِعلـكم
يا قومُ قد كَبحُوا جِمـاح المَركَب
ولَسَوفَ أعلنُ للضمير فِعالَكم
إنْ كان قد بقي الضميرُ بمَذهَبي
حسن محمد نجيب صهيوني
تعليق