وقبّل تلّه الأخضر...
بفيض الطفولة الغامر انحنت أمام هشاشة كرات الثلج التي غطّت الشرفة وجعلتها ترفل بثياب العرس.
أمسكت بكرةٍ بين يديها..وراحت تتذوق طعم البرودة اللاذع فيها...وما هي إلا لحظات حتّى حولت حرارة أنفاسها الثلج إلى ماءٍ راح يبحث عن منفذ لينساب من بين أصابعها...ويغوي في طريقه كرات أخرى بالتدفق مثله...
راحت تنعم الانتباه إلى مايجري بألمٍ شديد...هي تعلم أنّ هذا الثلج لن يدوم...سيذوب ماءً في الغد القريب...ولكنّها أحسّت بالذنب لأنّها أوّل من فتح باب ذوبانه وانحلاله.
شعرت بوخز يلتهم أصابعها...بل يمتص الدم فيها...وكأنّها تتجمّد..فهرعت إلى الداخل تبحث عن دفء يعيد الحياة إلى أوصالها...
ألقت نظرةً سريعةً من خلال النافذة على كرات الثلج المتدفقة من نعم السماء...وقررت العودة إلى الفراش مرّةً أخرى...
كان البياض يغطّي كلّ شيء...حتّى أشجار البرتقال وكثيب التلّة الذي كان يغتسل بالخضرة استحال أبيض أيضاً..!!
ولكنّ ثمّة دفء منعش يبثّه بياض الثلج هذه المرّة...حتّى إنّها لم ترتد من الثياب ما يقيها برده...
أحست بطفولتها تسعى لاهثةً إليها...على ذات التّلة التي احتضنتها معه... تلعب...تركض...تغنّي...وترقص...
وهاهي الآن لا ينقصها إلا وجوده لتتابع لعب أيّام الطفولة...
ظلّه لاح من خلال البياض أنشودة حب...لم تتمالك نفسها ركضت لتحضن الوهم...لتجد نفسها تحتضن حضوره وروحه.
هو الآن أمامها...عبق أنفاسه الحرّى يتدفق إليها حاملاً ترانيم طفولةٍ لم يقدّر لها أن تكتمل...
لم تفكر حينها أين هي...وكيف عادت إلى مرتع طفولتها على ذات التلّة...!!!؟؟
كانت تريد الاندماج في حضوره...وفقط...هو هنا ولا شيء يهم...
وقصصه التي مازال يتلوها منذ الصغر تتراقص الآن من بين شفتيه شلال ذكرى...هو هنا...معها
لم تفكّر بأنّها لم تعد تلك الطفلة...وأنّه قبل أوانه لم يعد كذلك ...
يكفي أنّ عينيها تسبحان في أغوار عينيه...ويديها تمسكان بحرارة ودفء يديه...ومازالت تلك الكلمة تلوح من خلال عينيه منذ الطفولة تنتظرها...
وما زالت...
كانت تستمع إلى قصصه وأحاديثه...وكأنها مع كلّ كلمة تخرج من بين شفتيه تثمل بكؤوس من النبيذ المعتق حملها إلى ما فوق السحاب ...ودار بها الكون ...إلى أن نبّه بصوته روحها الهائمة وقال:
- هيّا يا أميرتي...لنستلقي معاً على هذا الثلج الأبيض ...كما كنّا نفعل على عشب التلّة الأخضر
نظرت حولها لترى الثلج المسيطر على كلّ شيء...بل لترى البياض وقد استبدّ بالمكان ولم يسمح لأيّ لونٍ بدخول مملكته...حتّى سمرته الذهبيّة غسلها الثلج وحوّلها إلى بياضٍ تشوبه الحمرة
ثيابه بيضاء على غير العادة...كان بكلّه يشعّ نوراً بل ضياء...
مرّةً أخرى تجاهلت كلّ هذا...ولم تسأله شيئاً...خوفاً على حميميّة اللّحظة...وأسلمت نفسها لهمسٍ راح يلوّنه بالورد على مسامعها
استلقيا معاً على الثلج الحاني...وراحت تتأمّل تقاسيم البراءة في وجهه...ونور الجمال الذي يشعّ منه...
ثمّ سرحت في حلمها بأن يتفوّه بتلك الكلمة التي طال حضنها كجنينٍ آن له أن يتعرّف وجه الكون...تلك الكلمة التي حوّلت أيّامها إلى انتظارٍ طال أمده...ونفد صبره.
نظر إليها...وعاجل روحها بالرد...وكأنّه كان يتسلل بين أفكارها...قال:
- أحبّك يا أميرتي...أحبّك.
وانحنى برأسه إليها...لم تتمالك نفسها من الفرح وأسرعت بإجابته إلى قبلةٍ كان قد همّ بغزلها كحريرٍ ناعمٍ على شفتيها...
ومع حرارة نلك القبلة...راح يذوب ...ويذوب...ليتحوّل إلى ماء...تماماً ككرة الثلج على تلك الشرفة...
إلى أن أصبح بقعة ماءٍ كبيرة...وفجأةً تحولت هذه البقعة إلى دمٍ قانٍ تفوح منه رائحة تعبق بالمسك...انتشرت تلك الرائحة في ذلك المكان، وأعادت إليه لونه الأخضر...مع رائحة البرتقال ...وإذ بالحياة تضجّ فيه من جديد.
فتحت عينيها مذعورة...لتجد نفسها على السرير...بين بياض الشراشف والوسائد...وكنجمةٍ مشعة كانت صورته تتوسط ذلك المكان ...كما العادة.
أمسكت بالصورة واحتضنت الوهم فيها...وراحت تتطلع إليها وتسائلها عن سرّ فشل تلك القبلة حتّى في أحلامها..
- آهٍ يا طفلي الكبير...مازلت أذكر يوم تركتني وحيدةً على تلك التلّة قائلاً((أكملي اللعب وحدك...آن لي أن أكبر..نحن يا أميرتي في وطنٍ لا يسمح لنا بإكمال الطفولة...))
وقبل أن ترسل يدي شرعت في إعداد قبلةٍ منعك نضوجك المبكّر عن إكمالها ...ليتك لم تنضج.
كانت ماتزال مسافرةً مع لحظات الطفولة...عندما رنّ الهاتف ، ليرمي بها في واقع اكتمال نضوج ذلك الطفل!!؟؟
هذه المرّة نجحت قبلته...ولكن لثغر تلّه الأخضر.
غفران طحّان
بفيض الطفولة الغامر انحنت أمام هشاشة كرات الثلج التي غطّت الشرفة وجعلتها ترفل بثياب العرس.
أمسكت بكرةٍ بين يديها..وراحت تتذوق طعم البرودة اللاذع فيها...وما هي إلا لحظات حتّى حولت حرارة أنفاسها الثلج إلى ماءٍ راح يبحث عن منفذ لينساب من بين أصابعها...ويغوي في طريقه كرات أخرى بالتدفق مثله...
راحت تنعم الانتباه إلى مايجري بألمٍ شديد...هي تعلم أنّ هذا الثلج لن يدوم...سيذوب ماءً في الغد القريب...ولكنّها أحسّت بالذنب لأنّها أوّل من فتح باب ذوبانه وانحلاله.
شعرت بوخز يلتهم أصابعها...بل يمتص الدم فيها...وكأنّها تتجمّد..فهرعت إلى الداخل تبحث عن دفء يعيد الحياة إلى أوصالها...
ألقت نظرةً سريعةً من خلال النافذة على كرات الثلج المتدفقة من نعم السماء...وقررت العودة إلى الفراش مرّةً أخرى...
كان البياض يغطّي كلّ شيء...حتّى أشجار البرتقال وكثيب التلّة الذي كان يغتسل بالخضرة استحال أبيض أيضاً..!!
ولكنّ ثمّة دفء منعش يبثّه بياض الثلج هذه المرّة...حتّى إنّها لم ترتد من الثياب ما يقيها برده...
أحست بطفولتها تسعى لاهثةً إليها...على ذات التّلة التي احتضنتها معه... تلعب...تركض...تغنّي...وترقص...
وهاهي الآن لا ينقصها إلا وجوده لتتابع لعب أيّام الطفولة...
ظلّه لاح من خلال البياض أنشودة حب...لم تتمالك نفسها ركضت لتحضن الوهم...لتجد نفسها تحتضن حضوره وروحه.
هو الآن أمامها...عبق أنفاسه الحرّى يتدفق إليها حاملاً ترانيم طفولةٍ لم يقدّر لها أن تكتمل...
لم تفكر حينها أين هي...وكيف عادت إلى مرتع طفولتها على ذات التلّة...!!!؟؟
كانت تريد الاندماج في حضوره...وفقط...هو هنا ولا شيء يهم...
وقصصه التي مازال يتلوها منذ الصغر تتراقص الآن من بين شفتيه شلال ذكرى...هو هنا...معها
لم تفكّر بأنّها لم تعد تلك الطفلة...وأنّه قبل أوانه لم يعد كذلك ...
يكفي أنّ عينيها تسبحان في أغوار عينيه...ويديها تمسكان بحرارة ودفء يديه...ومازالت تلك الكلمة تلوح من خلال عينيه منذ الطفولة تنتظرها...
وما زالت...
كانت تستمع إلى قصصه وأحاديثه...وكأنها مع كلّ كلمة تخرج من بين شفتيه تثمل بكؤوس من النبيذ المعتق حملها إلى ما فوق السحاب ...ودار بها الكون ...إلى أن نبّه بصوته روحها الهائمة وقال:
- هيّا يا أميرتي...لنستلقي معاً على هذا الثلج الأبيض ...كما كنّا نفعل على عشب التلّة الأخضر
نظرت حولها لترى الثلج المسيطر على كلّ شيء...بل لترى البياض وقد استبدّ بالمكان ولم يسمح لأيّ لونٍ بدخول مملكته...حتّى سمرته الذهبيّة غسلها الثلج وحوّلها إلى بياضٍ تشوبه الحمرة
ثيابه بيضاء على غير العادة...كان بكلّه يشعّ نوراً بل ضياء...
مرّةً أخرى تجاهلت كلّ هذا...ولم تسأله شيئاً...خوفاً على حميميّة اللّحظة...وأسلمت نفسها لهمسٍ راح يلوّنه بالورد على مسامعها
استلقيا معاً على الثلج الحاني...وراحت تتأمّل تقاسيم البراءة في وجهه...ونور الجمال الذي يشعّ منه...
ثمّ سرحت في حلمها بأن يتفوّه بتلك الكلمة التي طال حضنها كجنينٍ آن له أن يتعرّف وجه الكون...تلك الكلمة التي حوّلت أيّامها إلى انتظارٍ طال أمده...ونفد صبره.
نظر إليها...وعاجل روحها بالرد...وكأنّه كان يتسلل بين أفكارها...قال:
- أحبّك يا أميرتي...أحبّك.
وانحنى برأسه إليها...لم تتمالك نفسها من الفرح وأسرعت بإجابته إلى قبلةٍ كان قد همّ بغزلها كحريرٍ ناعمٍ على شفتيها...
ومع حرارة نلك القبلة...راح يذوب ...ويذوب...ليتحوّل إلى ماء...تماماً ككرة الثلج على تلك الشرفة...
إلى أن أصبح بقعة ماءٍ كبيرة...وفجأةً تحولت هذه البقعة إلى دمٍ قانٍ تفوح منه رائحة تعبق بالمسك...انتشرت تلك الرائحة في ذلك المكان، وأعادت إليه لونه الأخضر...مع رائحة البرتقال ...وإذ بالحياة تضجّ فيه من جديد.
فتحت عينيها مذعورة...لتجد نفسها على السرير...بين بياض الشراشف والوسائد...وكنجمةٍ مشعة كانت صورته تتوسط ذلك المكان ...كما العادة.
أمسكت بالصورة واحتضنت الوهم فيها...وراحت تتطلع إليها وتسائلها عن سرّ فشل تلك القبلة حتّى في أحلامها..
- آهٍ يا طفلي الكبير...مازلت أذكر يوم تركتني وحيدةً على تلك التلّة قائلاً((أكملي اللعب وحدك...آن لي أن أكبر..نحن يا أميرتي في وطنٍ لا يسمح لنا بإكمال الطفولة...))
وقبل أن ترسل يدي شرعت في إعداد قبلةٍ منعك نضوجك المبكّر عن إكمالها ...ليتك لم تنضج.
كانت ماتزال مسافرةً مع لحظات الطفولة...عندما رنّ الهاتف ، ليرمي بها في واقع اكتمال نضوج ذلك الطفل!!؟؟
هذه المرّة نجحت قبلته...ولكن لثغر تلّه الأخضر.
غفران طحّان
تعليق