القراءة التأويليّة وقصديّة النّص

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • بلقاسم علواش
    العـلم بالأخـلاق
    • 09-08-2010
    • 865

    القراءة التأويليّة وقصديّة النّص

    القراءة التأويلية وقصدية النّص


    توطـئة

    لاشك أنّ الكاتب ـ أي كاتب ـ حين يكتب نصّه، لا يكتب من فراغ، بل ينهل من ركام كبير من النصوص التي قرأها واختزنتها ثقافته، وتمتلئ بها ذاكرته، وعندما يباشر النّاص فعل الكتابة، فإنه يتناص مع مخزونه الثقافي، وتحضر تلك النصوص المقروءة سابقا عن زمن الكتابة لحظة الكتابة، وتتزاحم على فكره، تحضر وتمارس حضورها وتأثيرها، وقد يكون تأثير بعضها طاغيا مهيمنا، ولا فكاك للكاتب منها ومن حضورها، رغم أن تلك المؤثرات النصية، بعضها سابق للفعل الإبداعي، وبعضها الآخر مرافق لمرحلة مخاض النص، إلا أن الثابت في كل هذا أن كل تلك النصوص تمارس التأثير وتلقي به كالكابوس الذي يسيطر على ذهن الكتاب، كما عبر عن ذلك كارل ماركس، فلا يستطيع الفكاك من تسلطها، ولا يمكنه الإدعاء أنه ابتعد عنها، بل هي حاضرة مهيمنة بطريقة ما، بأنساقها، بتعابيرها، بأسلبتها، بحقولها المعرفية والدلالية، ومن هنا يحق لنا القول أن وجود مادة إبداعية خالصة جديدة غير مسبوقة ضرب من ضروب الخيال، ومن هنا أيضا يجد القارئ الذي يواجه النّص هديرا من الدلالات، تختلف باختلاف القرّاء، ويختلف القرّاء في توليدها والاهتداء إليها، لأن القراء ليسوا سواءً في أدواتهم التي يواجهون بها المقروء، فمن يواجه نصًّا بترسانة محكمة من النصوص السابقة ـ التي قرأها ـ ليس كمن يقرأ لأول وهلة، دون رصيد نصيّ سابق، ومن هو متمكن ضليع ليس كمن هو مبتدئ هاو، ومن هو ناقد حصيف ليس كمن هو قارئ منتق ذواق، والكاتب حين يكتب النّص، تكون له رؤيته، ويكون له هدفه، ويسجل في النّص موقفه ورأيه برؤيته الخاصة التي تؤطرعمله، ومن هنا، يحق لنا التساؤل، أليس للكاتب مقصدية؟ أليس هو من يحق له حصر دلالة النص لأنه منتجه؟ ولو سلمنا بشرعية هذه الأسئلة سنكون قد قتلنا الإبداع وقضينا على النصوص بموت أصاحبها، وإن سلمنا جدلا بصدقية ذلك، فمَنْ للنص بعد موت صاحبه؟ ومَنْ للأعمال الكبيرة بعد رحيل منتجيها؟ فهل يقبل العقل أن تطمس لوحات بيكاسو مثلاً، لأن صاحبها غادرنا، وهو فقط من يعرف قصديتها، لأنه راسمها وحامل ريشتها، وإن تركنا القصدية في النص أو في الأثر الإبداعي منه تبدأ وإليه تعود وتنتهي، فهل نقبل تعدد التأويلات والقراءات وتعدد الدلالات من النص الواحد، بين قارئ وآخر؟ وهل تنتهي الدلالات والقراء كثر يتعددون جيلا بعد جيل، ولكل جيل ثقافته، وأدواته القرائية/النقدية، فهل القصدية المعتبرة هي للنص؟ أم للقراء؟ أم للمؤلف مولّد النص ومنتجه؟

    إن الكاتب حين يكتب نصه، لا يكتب عبثا، ولا يكتب عابثاً، بل هو يصُّفُ الجمل ويرقب تراكيبها وتراكيب كلماتها، ويحرص على قواعدها اللغوية والتعبيرية، فلا يفعل هذا هدراً ومضيعة، إنما هو يريد إرسال رسالة محددة، يخاطب أناسا محددين، يريد أن يقول قولا يراه ملائما، أو يعتقد أنه حق، أو أنه جميل ونافع وغيرها، غير أن المكتوب ينفصل عن مؤلِّفه/كاتبه لحظة ميلاده، مثله في هذا مثل اللوحة التشكيلية، هاته التي وإن نسبت إلى فنان أنتجها إلا أنها تبقى هي من يمارس التأثير في الناظرين/المتلقين، وليس ذلك الفنان، الذي لن يبقى حيًّا دائما، وليس بإمكانه البقاء أمام لوحته يوجّه ويفسر ويشرح للمتابعين طول الوقت، والوقت يختلف بين المنتج قصيرالوقت وبين القارئ الذي يتجدد جيلا بعد جيل، بل أجيالا بعد أجيال، إذا يمرّ الفنّان والنّاص والمبدع ويبقى النّص، يبقى النّص يمارس فتنته، يغري، يمتِع، يمتِّع، يفتن، يمارس كل صنوف الغواية، يجلب إليه القراء كل حين، فثمة ما يعيق قصدية النّاص/المبدع في الاستمرار، بينما لا شيء هناك يعيق قصدية النص وقصدية القارئ، لأنهما الباقيان، أما المنتجون/المبدعون فليس في وسعهم إن ارتحلوا عنا العودة من العالم الآخر لتنوير الأحياء من القراء بمقصديتهم من النصوص التي أنتجوها، فثمة قراء لهم حريتهم الكاملة في قراءة النص على النحو الذي يشاؤون، يؤولون قصدية هذا النّص/المقروء وفق معطيات ثقافتهم الخاصة، والتي هي ليست بالضرورة ثقافة الكاتب، ولا ثقافة عصر الكاتب، ووفق معطيات النص المقروء ضمن الأسيقة التي تفرض على النص، أو يفترضها القارئ، أو هي الشروط الموضوعية التي أحاطت بميلاد النص كالأسيقة الاجتماعية والتاريخية والأيديولوجية وغيرها، وسواء كانت أسيقة لميلاد النص، أو أسيقة لميلاد فعل القراءة الواعي.

    هذه مجموعة أسئلة، سنحاول مقاربتها في إشكالية قوامها:
    التأويلية وقصدية النص


    آملين أن يسعفنا الوقت في إتمامها

    تحياتي



    يتبع في القريب
    التعديل الأخير تم بواسطة بلقاسم علواش; الساعة 18-05-2011, 15:47.
    لا يَحـسُـنُ الحـلم إلاّ فـي مواطـنِهِ
    ولا يلـيق الـوفـاء إلاّ لـمـن شـكـرا

    {صفي الدين الحلّي}
  • عائده محمد نادر
    عضو الملتقى
    • 18-10-2008
    • 12843

    #2
    الزميل القدير
    بلقاسم بن علواش
    كلما قرأت لك أكثر
    كلما اكتشفت أنك ثروة وطنية علينا أن نتابعها ونصونها لأنك تمتلك الخامة الأصلية والأصيلة وتمتلك من أدواتك التي تطرح بها طروحاتك ورؤاك التي نادرا ما أجدها تبتعد عن الحقيقة وإن فعلت ذلك فمؤكد يعود هذا لأن الموضوع له أكثر من وجه
    موضعك هنا أراه يجب أن يعمم لتعم الفائدة على الجميع لما تمكنت فيه من تقديم دراسة بسيطة ومبسطة للقص والقصاصين وكيفية التعامل مع النصوص
    موضوع يجب أن يقرأه كل من يريد أن يدخل مضمار الكتابة لأنه سيفتح أمام القاريء بوابة مضيئة فعلا
    سأتابع الرؤية ولكن لا تنقطع زميلي لأن لك رأي قد لا يختلف عليه اثنين
    وربما علينا أن نناقش الأمر بين فترة وأخرى
    أشكرك لأنك معنا
    شكرا لأنك بهذه الروحية وهذا العقل المنفتح
    ودي ومحبتي لك سيدي الكريم

    الممسوس

    الممسوس! أي ريح صرصر عصفت اليوم الشمس مبتورة الخيوط، وشبح القادم ينسل خفية يغطي وجهه غروب أصهب. لم أكد أعرفه لولا وشم أنزله على كفه في ليلة دهماء غاب عنها القمر، أريق فيها الكثير من دمه وحبر صبه فوق الجرح، يدمغ يده فيه ويئن مبتلعا وجعه. لم تك ملامحه تشبه ذاك الشاب الجسور الذي ملأ حيطان الشارع برسومه، وأنا صبي ألاحقه مثل ظله/
    الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

    تعليق

    • بلقاسم علواش
      العـلم بالأخـلاق
      • 09-08-2010
      • 865

      #3
      أستاذتي عائدة الغالية كريمة المعرفة
      كنت ناوياً الاستمرار في الموضوع، وكانت فكرته تحفزني وتشغلني أيضا، وكنت أوطن نفسي على العود إليه، لكن يبدو أنني نسيته كما نسيت وعدي فيه وبالتالي نسيت نفسي.
      لما رأيتُ حلحلتكِ له تذكرت صغري، حينما كانت والدتي تحمل إبرة الخياطة وتضعها في مكان ما، لكنها بعد مدة أجدها تتساءل عنها، فكنت أخفي معرفتي في داخلي وأتركها في حركية البحث، وفي داخلي حرقة السؤال: كيف هي من دسها ينساها وأنا الذي يرقب من بعيد مازال يذكر مكانها؟ كنت أظنها تتظاهر بكبرها وضعف ذاكرتها؟ حتى أدركني ما كان قد أدركها، كم أضحك على بساطة تقييمي في صغري؟
      لقدصرت أسافر أحيانا للمكان البعيد وعندما أعزم على العود يتصاعد الشك إلى ذهني، أشك في إتمام أموري التي أتيت من أجلها، وأشرع في رحلة تذكر مستعصية، فأحيانا تسعفني الذاكرة وأحيانا تصدمني بالتذكر إلا بعد العودة إلى البيت لتشعرني بالخيبة!!!
      هذا حالي أستاذتي عائدة، لقد شرقت بي الموضوعات يمنة ويسرة ونسيت هذا الموضوع، ولعلّ عدم التفاعل من الإخوة الأعضاء زاد في حجم النسيان، لكن حتما سنعود، وإلى هذا الموضوع بالذات لابد أن نعود، لأنه يفتح الرؤية أو يوسع أفقها أمام الفعل الإبداعي وأمام الفعل النقدي معا.
      أشكرك أيتها الرائعة، التي أخجلتني ببهاء كلماتها، هل تعلمين أنكِ لست أُمًّا فقط ولا كاتبةً فقط، بل ومربية بأحسن الطرق البيداغوجية/التربوية التي تاسر المتلقي، والتي قد لايحسنها جهابذة المعرفة في كبرى مظان العلم.
      كل التحية والتقدير سيدتي الماجدة عائدة

      لا يَحـسُـنُ الحـلم إلاّ فـي مواطـنِهِ
      ولا يلـيق الـوفـاء إلاّ لـمـن شـكـرا

      {صفي الدين الحلّي}

      تعليق

      • عائده محمد نادر
        عضو الملتقى
        • 18-10-2008
        • 12843

        #4
        الزميل القدير
        بلقاسم بن علواش
        أعرف أنك تستحق التقدير كله
        وأعرف أني أستحق أيضا
        لكن
        لنتفق على صيغة معينة نفيد بها الأجيال التي تأتي بعدنا
        لنكن السباقين كي نعطي مما وهبنا الله من موهبة كي يتخذ من خبرتنا شباب المستقبل رأي ورؤية
        لنضع جدولا أو أساسيات يستفيد منها ذوي الموهبة ومن خلال رؤانا التي ربما تندرج ضمن ذوي الخبرة إن جاز التعبير
        ولم لا وقد كتبنا مئات النصوص التي صابت وخابت واستفدنا من خبرات آخرين سبقونا
        لنكن القدوة
        ولنفد الجيل الجديد بما نستطيع كي نترك بصماتنا
        وأسماء ربما سيفخر بها أحفادنا
        وليست هي مقالة عصماء ولا قصيدة بل مؤكد أني أريدك أن تساعدني وأسندك كي تثمر جهودنا خيرا بعون الله
        لا أملك اللحظة إلا أن أقول لك
        قم ضع يدك بيدي وبهذا سنترك لمن يأتون بعدنا أثرا
        أو
        لبنة أولى للأثر
        هكذا فعلوا من كانوا قبلنا
        ولنفعل نحن أيضا
        ودي ومحبتي لك

        الممسوس

        الممسوس! أي ريح صرصر عصفت اليوم الشمس مبتورة الخيوط، وشبح القادم ينسل خفية يغطي وجهه غروب أصهب. لم أكد أعرفه لولا وشم أنزله على كفه في ليلة دهماء غاب عنها القمر، أريق فيها الكثير من دمه وحبر صبه فوق الجرح، يدمغ يده فيه ويئن مبتلعا وجعه. لم تك ملامحه تشبه ذاك الشاب الجسور الذي ملأ حيطان الشارع برسومه، وأنا صبي ألاحقه مثل ظله/
        الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

        تعليق

        • د مرتضى الشاوي
          عضو الملتقى
          • 08-07-2011
          • 85

          #5
          القصدية مطلوبة لكل من المنتج المبدع والقاريء لأن القراءة النموذجية لا تقوم فقط على أساسية او ضرورية النص فقط بل وعلى أساسية الذات القارئة فالقراءة ابداع ثان او ابداع من الدرجة الثانية كما يرى الدارسون .
          وبعبارة أدق فإن العمل الادبي يشير حتماً او يقصد الى معنى ما بل يتضمن مجموعة من المعاني المتعددة والمختلفة .
          وقد قيل إن القراءة ليست عملية تنطبع خلالها الكلمات او العلامات في عين القاريء او في وعيه تماما كما يحدث في عملية التصوير الفوتغرافي
          ولهذا السبب فان القاريء اذا كان شاردا او متعبا فسوف تفلت منه جلّ العلاقات الدلالية النصية ولن يتوصل ابداً الى دفع الموضوع الى التشكل والتبلور
          واذا تحققت القراءة من بعد داخلي وهو اهم بعد وظيفي من ابعاد العمل ذاته تتحقق المقصدية بفعالية اكبر على نطاق واسع لأن القراءة ليست واقعة خارجية ومن اجل ان يبلغ الناقد جمالية التلقي وفق نظريتي التلقي والتاثير ترتكز على علاقة جدلية بين التاثير والتلقي او بين النص والمتلقي .
          موضوعك جميل برتابته لطيف بمعلوماته رشيق بمفرداته يحرك في نفسية المنتج والقاريء ابعاد القراءة التأويلية لمقصدية النص .

          تعليق

          يعمل...
          X