الخيط والإبرة .. مجموعة قصصية ...

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبد الفتاح أفكوح
    السندباد
    • 10-11-2007
    • 345

    الخيط والإبرة .. مجموعة قصصية ...

    [align=center]العود أحمد
    ... فما إن رأوه مقبلا عليهم، حتى حثوا أنفسهم على ملاقاته مصافحين إياه بحرارة، ومعانقين له باشتياق، وسائلين عن سبب غيابه وعما تقلب فيه من الأحوال، بعدما طال به وبهم الإنتظار، وامتد بينهم حبل النأي والإفتقار، وبعد أن اشتد عليهم وعليه ظمأ الفراق والحنين مضطرين جميعا، وليس بمحض الإختيار ...
    عهدوه يوم غاب عنهم مكرها بشعر لامع منساب كشلال شديد السواد، فإذا هم به وقد حل بينهم من جديد مشتعل الرأس بالبياض، وألفوا رؤيته قبيل مفارقته لهم غصبا منتصب القامة يمشي، لكنه عاد إليهم منحني الظهر يدب على ثلاث، ثم إنهم اعتادوا النظر إليه في ما مضى سليما معافى، فإذا به اليوم بينهم سقيما هزيلا ببصر ضعيف وسمع ثقيل، وهو ذات الرجل الذي لم يعرفوه قبيل اختفائه إلا جهير الصوت صافي النبرة، لكنه آب إليهم بصوت مهموس، تكاد أسماعهم تخطئه من شدة الهمس ...
    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
    aghanime@hotmail.com [/align]
    التعديل الأخير تم بواسطة عبد الفتاح أفكوح; الساعة 18-03-2008, 06:29.
  • عبد الفتاح أفكوح
    السندباد
    • 10-11-2007
    • 345

    #2
    [align=center]الإنتظار
    ... فما إن فرغوا من جمع الوثائق المطلوبة منهم، سيرا على القدم والرأس، حتى أتوا من فورهم لمقابلة المدير في مكتبه الخاص وكأنهم قد دعوا إلى حفل العرس، وبعضهم يمني بعضا بقضاء الحاجة وبنسيان تعب الأمس، فدخلوا المؤسسة وبأيديهم ما احتطبوه من إدارات عدة بمشقة النفس، وقد طردوا من أفئدتهم ما خلصوا إليه من الحسرة الشديدة وقمة اليأس، وظنوا أن عقولهم قد صفت وعادت إليهم أخيرا بريئة من السقم والبأس، وحسبوا أن أدمغتهم قد شفيت تماما من صداع الرأس ...
    قامت لاستقبالهم مرحبة بهم رئيسة ديوانه، فطلبت الإنتظار منهم في قاعة الضيوف إلى حين فراغه من بعض شؤونه، ثم إنها وعدتهم بإخباره عن طلبهم مقابلته في حينه، فما كان منهم إلا أن شكروا لها ما جادت به عليهم في أوانه، ولم تكن إلا بضع خطوات حتى وجدوا أنفسهم قد التزموا أماكنهم مرتقبين حلول وقت أذانه ...
    طال عليهم أمد الإنتظار، وملوا من قراءة ما ورد في الجرائد من قصاصات الأخبار، وما اشتملت عليه من المقالات الطوال والقصار، فنظر بعضهم إلى بعض مستائين مما يجري على مرأى ومسمع وفي وضح النهار، ثم إنهم ألقوا إلى الساعة المصلوبة على الجدران بالأبصار، فنفذ صبرهم وكادت أنفسهم الأمارة بالسوء أن تفقدهم السكينة والوقار ...
    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
    aghanime@hotmail.com[/align]

    تعليق

    • عبد الفتاح أفكوح
      السندباد
      • 10-11-2007
      • 345

      #3
      [align=center]الشاهد
      ... ثم إنه لم ير يوما إلا عصي الدمع شيمته الصبر، ولم يسمع منه أحد أي شكوى مما ناله منه القهر، وحتى آثار الحزن الشديد لم يجد لها المبصر رسما قط على محياه، وكذلك لم يطلع على جرح الألم الذي حفر في نفسه عميقا أحد سواه، ولم يكشف لأحد كي الظلم الذي وشم فؤاده وأدماه ...
      كان صبيا سعيدا في زمن مضى يسعى بين والديه، وكانت أمه تشفق كثيرا عليه، وتضطرب عيناها بالدمع الشجي كلما نظرت إليه، أما أبوه فظل يواري خشيته من فراق ابنه في يوم قادم لا يستطيع له تحديدا، لكنه يشعر كل لحظة باقترابه ولا يراه بعيدا ...
      شب الصبي فصار يعد من أقرانه الفتيان، وسرعان ما حل اليوم المجهول ليشهد الفتى هلاك أمه وأبيه في ذات الآن، وليقرأ ببصره وسمعه فاتحة الأحزان، ثم ليعاين هدم البيت الذي قضى فيه صباه، ويحضر تحطيم الأشجار وردم البئر وكل الذي أبوه بناه، فلم يكن بصره ليخطئ ما أتى فجأة وغدرا على الأغراس والعشب الأخضر من دوس وقطع، وتهشيم وقلع، ولم يكن ليعمى عما زحف مدمرا على أرض أجداده من حفر وجرف وإغراق، وتسميم وقصف وإحراق، ثم إن أذنيه لم يكن ليطبق عليهما الصمم، وقد اجتاح سمعه الأنين والصراخ والألم، وعصف به هدير الجرافات في ليلة شبت فيها الظلم ...
      د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي[/align]aghanime@hotmail.com

      تعليق

      • عبد الفتاح أفكوح
        السندباد
        • 10-11-2007
        • 345

        #4
        [align=center]على الرابط التالي
        ... وأخيرا وبعد جهد جهيد، وبعد مضي وقت أنفقه غير قصير، عثر على ما كان يبحث عنه، فاستبشر خيرا وقر عينا بما وجد، ثم إنه سارع إلى أخذ ورقة صغيرة وقلم، فخط حروفا قليلة، وحرص على الإحتفاظ بها في مكان آمن عصي على النسيان ...
        لم يكن ما اهتدى إليه بعد طول بحث وتنقيب بالأمر الهين، ولا من قبيل ما يزهد فيه، ولا حتى بالشأن الذي لا يحفل به، بل كان ما ظفر به عملة نادرة، وضالة ذات قيمة بالغة بالنسبة إليه، بل كان عزاء له في ما يعانيه من مكابدات، ويتقلب فيه من أحوال عسيرة في ظرفه الراهن ...
        أخذ يقرأ بشوق وحنين، ويتلقى بروية وتأمل ما أفضى به إليه ذلك الرابط، وهو لا يصدق ما تقع عليه عيناه من كلمات، وما ينبعث منها حيا في ذهنه ومخيلته، فإذا به يحس قشعريرة تسري ببطء في جسده، وخيل إليه ما ولى وانقضى من حياته يسعى بين يديه ...
        د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي[/align]aghanime@hotmail.com

        تعليق

        • عبد الفتاح أفكوح
          السندباد
          • 10-11-2007
          • 345

          #5
          [align=center]إلى إشعار آخر
          ... فكم انتظروا ذلك اليوم بفارغ الصبر، وكم أمسوا وأصبحوا يعدون ما تبقى من الأيام والليالي بينهم وبين الموعد، الذي ضرب لهم منذ زمن، وعندما حل يوم الحسم ضيفا بينهم، توجعوا فرادى وجماعات إلى حيث دعوا لعقد الإجتماع بهم، فلم يتخلف منهم أحد، إذ حرصوا على حضور ساعة الفصل دون تردد أو إبطاء ...
          قدموا قصد المشاركة بهمة عالية، فكانت خطاهم حثيثة وهم في طريقهم إلى حيث المكان المعلوم، وشاهدة على صدق عزمهم الأكيد، فطمحوا إلى إنجاح اللقاء وبلوغ الغاية من عقده، وأجالوا في أذهانهم ما حلموا به كثيرا، وترقبوا حدوثه قبل أن يجتمعوا ...
          لم يتمكنوا من تحقيق مبتغاهم وتعذر عليهم تدارك الأمر وتجاوز المانع، إذ استقرت أعينهم على لوحة كتب عليها: تأجل عقد اللقاء إلى إشعار آخر ...
          د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
          aghanime@hotmail.com[/align]

          تعليق

          • عبد الفتاح أفكوح
            السندباد
            • 10-11-2007
            • 345

            #6
            [align=center]الغصة
            ... ثم إن ذكرى ذلك الحدث الأليم القديم، كلما انبعثت من جديد، وهي تسعى بآثارها الدامية في نفسه هدما وتمزيقا، إلا وجد لها في فؤاده نبضا حارقا، وفي سمعه أحس لها صوتا طارقا، وجرى على إثرها من عينيه دمعا حارا دافقا ...
            ففي يوم ولى من حياته ولن يعود، ظل في حال عصيبة لا يحسد عليها، إذ رأى ما تشيب له الولدان، وسمع ما لم يخطر له يوما، وما لم يكن لديه في الحسبان، فتبادر إلى ذهنه يومها أنه يقرأ جريمة شنيعة منكرة بلا عنوان ...
            بكى ساعة وقوع الحادث الدامي بكاء شديدا، ونزف قلبه ألما على ألم وقهرا مزيدا، فجمدت تفاصيل المشهد المرعب الدم في عروقه، قبل أن تنحت جراحا غائرة جامدة في ذهنه دون حراك، ولم تمهله سطوة ما يجري أمام عينيه أن يسأل نفسه: ما الذي دهاك؟ ولم يمكنه ما بطش بسمعه عنيفا، من صراخ الضحايا المكلومين، ونهش منكر الأصوات الجائرة الغاصبة، من استعادة توازنه المفقود في دوامة ذلك الدمار غير المعهود ...
            د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
            aghanime@hotmail.com
            [/align]

            تعليق

            • عبد الفتاح أفكوح
              السندباد
              • 10-11-2007
              • 345

              #7
              [align=center]وأخيرا
              ... ثم ما إن بنى الليل خيمته ومد أسبابها ودق أوتادها، حتى أحس بالحمى تهب على جسده هبوب الريح العاتية، وإذا بجبينه يتصبب عرقا، وبرئتيه تزداد ضيقا وتمزقا، وبأنفاسه تغوص في سواد العتمة غرقا، ثم إن النوم فر لشدة ما ألم به من عينيه فرقا ...
              جثم الصمت وقد أرخى سدوله على صدره، وخيل إليه أن الروح فارقته وأن جثمانه قد استقر في قبره، فلم يتأخر الهلع عن زيارته، إذ أرعد في سمعه وأبرق في بصره، ولم يمهله الظمأ قليلا، إذ أحكم قبضته على حلقه، وإلى الماء زاد حر الجو في شوقه ...
              ثم إنه لما رأى ما آلت إليه حاله في تلك الليلة العصيبة، وقد شد وثاقه ما ابتلي به من مصيبة، تذكر طيشه في أيام ظنها بعيدة منه بعد آثارها الرهيبة، وتذكر في أخرى بطشه وهي منه قريبة، فبدت له الدنيا لأول مرة واعظة في حلة عجيبة، وكأنها تهمس بالقرب من أذنيه بكلمات ليست عنه غريبة ...
              د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
              aghanime@hotmail.com[/align]

              تعليق

              • عبد الفتاح أفكوح
                السندباد
                • 10-11-2007
                • 345

                #8
                [align=center]هيهات
                ... فناداه غير مخلص: لئن مددت إلي يد العون، وقد رأيتني ما أنا فيه من ظرف عصيب، لأكونن لك من الشاكرين، ولأدعون لك صادقا بالخير وحسن الخاتمة وبالجزاء الأوفى الجميل، ولأذكرنك وأذكرنبل صنيعك معي ما دمت حيا أرزق بين الأحياء المنتظرين قضاء نحبهم، ثم لأختمن كل دعاء لك بآمين ...
                أشفق المنادى على من ناداه مستغيثا، وإن كان الشك في ما أفصح له عنه قد غلب تصديقه، فأسرع غير متردد إلى أداء ما عليه من واجب دون توان، وأنفق من خالص الجهد وثمين الوقت في سبيل ذلك ما احتسبه لله عز وجل، فجرد النية من كل رياء وطمع زائل، وإذا بمن طلب نجدته قد فرجت كربته، وذهب ما كان به من هم وغم ...
                ثم ما إن أخذت فرحة النجاة مكانها في قلب المستنجد بيد العون، وما إن أسفرت عن ألقها في بريق عينيه، وعاد إليه الإنشراح، وانجلت عنه ظلمة الكآبة، حتى أنكر ما كان فيه من كرب شديد، وتجاهل ما وعد به من كان سببا في نجاته وعدم هلاكه، فلم يحجم عن مقابلة الجميل بالجحود والنكران، ولم يستح إذ بقي وفيا لما دأب عليه من سوء الصنيع، وإذ ارتد إلى ما شب وشاب عليه ...
                د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                aghanime@hotmail.com[/align]

                تعليق

                • عبد الفتاح أفكوح
                  السندباد
                  • 10-11-2007
                  • 345

                  #9
                  [align=center]باب الحوار
                  ... ثم إنهم ضربوا لأنفسهم موعدا اتفقوا على أن لا يخلفوه، وأجمعوا أمرهم على أن يجود كل واحد منهم أثناء تحاورهم بما لديه من فكر ثاقب، ورأي سديد، ونظر بعين البصيرة ...
                  فما إن ضمهم المجلس حتى شب بينهم الخصام سريعا كالحريق، وغاص في نفوسهم سم الغرور عميقا كسهم رشيق، ثم سرعان ما دبت بينهم الأهواء وتشابكت فضاع الطريق، وهبت عليهم ريح العداوة كجرح غائر عتيق، فصاروا جميعا في غياباته المعتمة كالغريق ...
                  ضاقت جدران المكان بأصواتهم المتعالية وصمت بما لا تطيق، واشتعل شهيقهم وزفيرهم حمما جبت ما بين الأخ والشقيق، وثيابهم بأيديهم شقت ومزقت أشنع تمزيق، فلفظ كل منهم في وجه أخيه من فمه ما لا يليق، أما مائدة اجتماعهم المستديرة فهشمت ودقت ثم إنهم حولوها إلى دقيق ...
                  فما كان منهم بعد ذلك سوى أن فتحوا جميع الأبواب، إلا بابا واحدا ظل على قيد الإغلاق إلى أجل خالد في نومه الثقيل، هيهات أن يفيق ...
                  د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                  aghanime@hotmail.com[/align]

                  تعليق

                  • عبد الفتاح أفكوح
                    السندباد
                    • 10-11-2007
                    • 345

                    #10
                    [align=center]آخر الأخبار
                    ... أما الآن فإليكم أعزائي المشاهدين الخبر الأخير ...
                    ثم إن جميع المراسلين والمبعوثين الإخباريين في سائر بقاع العالم، أكدوا اليوم بزوغ ظاهرة مثيرة للإنتباه، وجديرة بالإهتمام والعناية والمتابعة، ونظرا لما تكتسيه من أهمية بالغة، فالواجب أن يبلغ الشاهد منكم نص هذا الخبر إلى الغائب كما هو دون زيادة أو نقصان ...
                    لقد ساد السلم أخيرا كافة أنحاء العالم دون خلاف أو قتال عليه وبذات العنوان، وأشرقت شمسه مضيئة بعد طول انتظار في كل الأوطان، ولقد غدت الحرب نكرة في خبر كان، وانجلت ظلمتها بإصباح ظاهر للعيان، وبسكينة جميلة كسحر البيان، ونشر الأمن أجنحته في كل مكان، وكذلك الناس ازدانوا بحلة الإيمان، وحرصوا جميعا على التوحيد وعبادة الرحمن، ولم يعد على ظهرها موضع قدم للكفر والشيطان ...
                    ثم إن الإنسان تطهر من الحقد والحسد تقربا من الواحد الديان، وتجرد من العداوة والبغضاء والشنآن، ولزم التحلي بمكارم الأخلاق في كل مقام وأوان، وتمسك بالعروة الوثقى وبذكر من في كل يوم هو في شأن، كما تزود بالتقوى عندما فقه جيدا ما تعنيه كل من عليها فان، وتحرى الصدق في سيرته توقيا للخسران، ونأى بنفسه عن قول الزور والبهتان، واليوم قد أصبح الناس دون استثناء يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر والطغيان، بقدر ما يسارعون إلى حب الخيرات ومقت الأوثان، ولا يغفلون عن التحدث بنعمة الله في الأفراح والأحزان ...
                    لقد اتخذ أهل الأرض اليوم، أيها المشاهدون الكرام، العدل منارة لهم ولم يخسروا الميزان، واعتمدوا الإحسان منهجا في آن، وعملوا بما جاء من امر ونهي في القرآن، فهنيئا لكم ولي ولأبناء آدم، ممن أدركوا يومنا هذا، بهذا الخبر الذي حلق وأضاء في سماء عصرنا دون سابق إعلان أو استئذان...
                    نظر الرجل إلى زوجه مندهشا مما انساب في أذنيه كالنسيم، وعلامات الإستفهام تضطرب في عينيه، ونظرت المرأة إلى زوجها وأثر الإستغراب يكاد ينبعث من عينيها، وكذلك كانت ذات الحال متقاسمة بينهما وبين أبنائهما، فأصبح كل منهم يسبح شاردا في ما سمع من كلمات عذبة على لسان المذيع، في حين ساد غرفة جلوسهم صمت لم يعهدوا له مثيلا في الأفراح، ولم يشهدوا له نظيرا في الأقراح ...
                    د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                    aghanime@hotmail.com
                    [/align]

                    تعليق

                    • عبد الفتاح أفكوح
                      السندباد
                      • 10-11-2007
                      • 345

                      #11
                      [align=center][align=center]طلب عمل
                      ... وبعد أخذ ورد بينه وبين نفسه، قرر أن يحرر مرة أخرى بعض الكلمات ليرسلها عبر البريد إلى مؤسسة خاصة عثر مؤخرا على عنوانها، عسى أن تتم الإستجابة لطلبه هذه المرة ...
                      ثم إنه جلس منفردا بالقلم بين أصابعه الثلاثة وبالورقة على المكتب الصغير أمامه، فشرع بعد أن أثبت تاريخ اليوم يخيط الحروف، ويرصف الكلمات، التي حرص على انتقائها بعناية، فظل على تلك الحال إلى أن بلغ بالقلم في هذه الحلة المخيطة: ... وإني لا أشك في رحابة صدركم، وكريم عنايتكم، وبالغ اهتمامكم ...
                      أمسك عن الكتابة هنيهة، وقد أسفر ثغره عن ذات البسمة، التي يأنس بها وتأنس به كلما هم بتحرير أشباه هذا الطلب، وهي بالنسبة إليه الزائرة المعتادة، بل المميزة بين باقي بسماته ...
                      تابع خياطة الحروف المتبقية وأتمها، ثم ذيل ما خاط بتوقيعه، وألقى على نص الطلب نظرة أخيرة، وبرفق أودعه في الظرف الموسوم بعنوان سكناه، وبعنوان المؤسسة، وكذا بالطابع البريدي، وقبل أن يجد نفسه أمام صندوق البريد، وهو يضع حلته المخطوطة الجديدة فيه، التي اجتهد في سبيل عرضها مميزة، طمعا منه في أن تسر الناظر فيها، لم ينس أن يلقي عليها نظرة الوداع الأخير ...
                      د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                      aghanime@hotmail.com
                      [/align][/align]

                      تعليق

                      • عبد الفتاح أفكوح
                        السندباد
                        • 10-11-2007
                        • 345

                        #12
                        [align=center]عابرة سبيل
                        ... فهكذا كانت بالأمس تغار، وهي اليوم على حالها كما كانت ينظر إليها بعين السمو والإكبار، وكذلك ستبقى مرتحلة من مكان إلى مكان منارة ومنار، وشاهدة غير مقيمة بين هؤلاء ووسط أولئك وهي بريئة من الزيغ والعثار ...
                        تمشي في سكينة ووقار، وتتطلع متأنية إلى من سيحييها دون حساب وبغير تقتير أو مقدار، فإذا بأكثرهم يتجاهلون عبورها باحتقار، ولا يأبهون لمبادرتها إياهم بالتحية بلا ستار، ولو علموا ما فيه صلاحهم وجزاء الأخيار، وفقهوا سبيل الرشاد ونهج الأحرار، لأقبلوا عليها شاكرين حامدين من سخرها لهم ولسائر العباد في الليل والنهار، ولتحدثوا بنعم الله المنعم القهار، ولأقروا بفقرهم إلى الغني الوهاب الستار ...
                        كم تجلت لهم مشفقة عليهم بنظرتها، وكم دلتهم على كنوزها، ونادتهم بخفيض صوتها، ثم كم دعتهم إلى ركوب سفينة النجاة، وأنارت لهم سبيل الرشاد في الحياة، لكنهم صموا بصائرهم، وعطلوا أبصارهم، فتنكروا لها واستصغروا شأنها جاهلين، وهم يحسبون أنهم لم يخطئوا عين الصواب بصنيعهم المشين، فظلوا لها جاحدين مفارقين، ومكثوا على جحودهم وظلمهم لأنفسهم عاكفين، ثم إنها عبرت بعد مكث بينهم غير قصير بأسى عليهم دفين، ولسان حالها يقول: ما على الرسول إلا البلاغ المبين ...
                        د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                        aghanime@hotmail.com[/align]
                        التعديل الأخير تم بواسطة عبد الفتاح أفكوح; الساعة 18-03-2008, 06:35.

                        تعليق

                        • عبد الفتاح أفكوح
                          السندباد
                          • 10-11-2007
                          • 345

                          #13
                          [align=center]الجمل وما حمل
                          ... فهاهم قد خلصوا إلى اليوم الذي لم يطيقوا على بلوغه صبرا، وها هو اليوم المنتظر قد حل بينهم ضيفا مرتحلا، ثم ها هي ذي أعينهم تكاد تطرد من محاجرها مجبرة جشعا منهم وطمعا، وها هي ذي قلوبهم على وشك أن تنخلع قهرا من صدورهم لشدة غبطتهم وسرورهم بما يترقبون هطوله وبحوره، ولاشتداد فرحهم بما انتظروا وصوله وشادوا قصوره ...
                          عبثا يوارون أمام الحاضرين المعزين لهم ما يضمرون، وعبثا يجهدون أنفسهم من أجل تثبيت أقنعة الحزن على وجوههم وحركاتهم، وعبثا يحرصون على أن يلبسوا ما يلفظون به متصنعين من كلمات في هذه الساعة ثياب الأسى وألم الفراق ...
                          لم يتركوا قليلا ولا كثيرا إلا اتخذوه سبيلا إلى تملقه والتقرب منه، ولم يغادروا صغيرا من الهدايا ولا كبيرا عظم في أعينهم إلا وأهدوه إليه منافقين، لكنه فطن منذ البدء لفساد طويتهم وضلالهم البعيد، وأدرك بالحجة والدليل من بداية تحويمهم إلى غاية تحليقهم حوله، وقد أرغمه المرض على ملازمة الفراش، قبح ما قد بدا مقروءا على محياهم ومخفيا موءودا في صدورهم، ثم لقد أفشى له تهافتهم على نيل رضاه، وتنافسهم في طلب السبق إلى الفوز بالحظوة عنده سوء نيتهم ومبلغ ظلمهم الشديد، فكان كلما نظر إلى وجوههم الباسمة غصبا إلا وأشفق عليهم مما أغرقوا فيه أنفسهم من ظلمات الجهل متعمدين غير مكرهين ...
                          لقد توهموا غناه وهو الفقير الغني بكنز القناعة، وألبسوه في مخيلاتهم حلل الثراء، ولم يشكوا لحظة واحدة في ما تنطوي عليه خزائن، نسبوها إليه في أحلام يقظتهم قبل المنام، من المال الوفير والذهب الغزير، إلا أنهم فوجئوا في ذات اليوم بما لم يخطر لهم على بال، وبما لم يكن لديهم في الحسبان ...
                          د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                          aghanime@hotmail.com
                          [/align]

                          تعليق

                          • عبد الفتاح أفكوح
                            السندباد
                            • 10-11-2007
                            • 345

                            #14
                            [align=center]اللقاء
                            ... ثم إنه ما إن فتح الباب حتى وجد أمامه وجها لم يره منذ زمن غير قريب، وصادف ابتسامة لم تظفر بها عيناه منذ أمد بعيد، ولم يجالس صاحبهما مذ أن استودعه الله في تلك البلدة المغمورة، وفي ذلك الظرف العصيب ...
                            باغثه الوجه وفاجأته الإبتسامة، فشرد بصره في هيئة صاحبهما وفي ملامحه، التي وإن أخذ تقدم السن منها غير قليل، لم تكن لتخفى عنه أو تواري أحد أقرانه زمن الطفولة، كما أن الأعوام الكثيرة المنصرمة والفاصلة بينهما قد عجزت عن تنكير وجه الصديق، وعز عليها النيل من إشراقة ابتسامته ...
                            حلقت الفرحة وجالت في سماء فؤاده ما شاء الله لها أن تحلق وتجول، وترقرق الدمع شجنا في عينيه، فأقبل على صاحبه مرحبا وشاكرا طرق بابه، وأقبل عليه الصديق الزائر مصافحا ومعانقا ...
                            - من؟ أخي باسم؟ - هو بذاته وصفاته.
                            د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                            aghanime@hotmail.com
                            [/align]

                            تعليق

                            • عبد الفتاح أفكوح
                              السندباد
                              • 10-11-2007
                              • 345

                              #15
                              [align=center]الغريق
                              ... فما إن أخذ كل منهم مكانا للجلوس داخل الغرفة، حتى انغمسوا في الحديث عما هم مجتمعون من أجله، إلا الجد فقد لزم صمته المألوف لديهم، ثم إن أصواتهم صارت ترتفع شيئا فشيئا، وبدأت نظراتهم الشزراء تحتد وتحتد، وشرعت أوداجهم في الإنتفاخ، فإذا بما يلفظونه من كلمات وما يقومون به حركات قد تشابك، وأمسك بعضه برقاب بعض، وإذا بالآذان قد اكتسحها الصمم، وبظلمة المشاحنة قد أطبقت على الأعين، فشبت نيران الخصومة، واندلعت حرائق العداوة ...
                              لم يقدروا الجد حق قدره، ولم يقيموا كعادتهم وزنا لحضوره بينهم، بل إنهم أغرقوا قارب الحياء والمروءة والمحبة في بحور حقدهم وحسدهم المتبادل، وكدروا ماء العقل والصبر والروية بأوساخ طيشهم وعبثهم، فلم يكن تبسمهم، منذ أن دقوا بينهم عتمة الضلالة، في وجوه بعضهم البعض غير دليل على ما عاث فسادا في قلوبهم من المكر والخداع، ولم يكن المدح المرسل منهم وإليهم في حضورهم دون غيابهم سوى إمعانا في ما لوثوا به أفئدتهم من الغدر والدسائس والنفاق ...
                              ثم إن عيني الجد اغرورقتا بالدمع السخين، وسرعان ما فاضت بالحديث الحنظل المرير، فنطقت ملامح وجهه ونظراته إليهم بما جثم على قلبه من الأسى والأسف، وبالذي أخرس لسانه من الحسرة والعسف، فما كان منه، وهو الذي لم يضن عليهم يوما بإسداء النصح الجميل، إلا أن قام متوكئا على عصاه، فتركهم حزينا منكسر الخاطر في حالهم مغرقون ...
                              د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
                              aghanime@hotmail.com
                              [/align]

                              تعليق

                              يعمل...
                              X