الإوَز، والثَّورات العربية!!
.
.
.
.
.
تذكرون أن تجربتي السابقة مع ذاك الشارع المظلم من شوارع الثورات العربية كانت مفزعة؛ لهذا فضلتُ هذه المرّة أن أتابع أخبار الثورات من شرفة الملتقى (البلكونة)، والحمد لله أنّ تلك الشرفة كانت تُطلّ على جميع شوارع الثورات (خمسة وخميسة في عين من لا يصلي على النبي)، ولقد اخترت الجلوس في الشرفة لسببين؛ أولهما: قناعتي بأن ذلك يُجَنّبُني مواجهة بلطجية الملتقيات، والثاني: اعتقادي بأن ذلك قد يمنحني مساحة أفضل للرؤية؛ لكن مقعدتي لم تكد تستقر على الكرسي الذي استعرته من عمنا الموجي حتى رنّ هاتفي المحمول لأجد صوت السيدة حرمي المصون تسألني عن عدد الإوزات التي دفعنا ثمنها مقدّما لجارتنا "أم محمود"؛ فأكّدت لها أننا سلّمناها ثمن عشر إوزات بالتمام والكمال، فإذا بصوت حرمي المصون صارخًا في أذني:
ولكن "أم محمود" تريد أن تغالطني في عدد الإوز.. إنها تريد - اعتمادًا على الحركة الكثيرة للإوز - أن تعطني تسع إوزات على أنهن عشر!!
تعجّبتُ سائلا:
- كيف هذا؟
- ..............
(جلبة وضجيج، ثم إغلاق الخط بمعرفة حرمنا المصون )
جلستُ بيني وبين نفسي أفكر في الضمير الذي انعدم، والذمم التي خربت، والناس الذين لا يستحون، ولكنّ ذهني سرعان ما وجّه الأمر وجهة أخرى تتعلق بمدى منطقية أفعالنا وعلاقاتنا وحوارنا كبشر.
في هذه الأثناء ارتفعت بعض الأصوات من الشارع إياه ففهمتُ أن خناقة قد نشبت بين اثنين من أعضاء الملتقى هناك، ولأن الشارع مظلم كما تعلمون فقد اعتمدتُ على حاسة السمع وحدها محاولا تمييز الأصوات لمعرفة شخصيتيْ المشتبكيْن؛ صاح الأول:
- أنت تعرف أن نظامنا هو النظام الممانع الوحيد الذي يساند قضية العرب الأساسية؟
- ولكنه لم يطلق رصاصة (فشنك) واحدة على مدى أربعين عاما لتحرير أرضه المحتلة، وعندما تحركت قواته وجدناها تسير في الاتجاه العكسي!!
- يجب أن تعلم أنّ لكل حادث حديث، وأنكم توقدون نار الفتنة بين أبناء الشعب عندما تدعمون المتظاهرين.. نحذّركم؛ فالساكت عن الحقّ شيطان أخرس!!
- أي ساكت؟ وأي حق؟ أليس الأولى أن تنصحوا نظامكم بالكفّ عن قتل المتظاهرين؟!
- أنت إنسان جاهل ودموي!!
- ..........
(جلبة وضجيج، ثم فضّ المشاجرة - أقصد إغلاق الموضوع - بمعرفة أستاذنا الموجي)
لأعود فأسألُ نفسي من جديد:
أي أسلوب حوار هذا؟
ولماذا لا يفكّر كلٌّ منّا فيما يقوله الآخر قبل أن يردّ عليه؟
هل نحلم أن يأتي يومٌ نجد أحد المتحاوريْن يعترف للآخر بأنه كان مخطئًا وأنّه غيّرَ قناعته بعد حوار هادئ مع زميله؟
إن ما يحدث يعبّر عن المنطق المفقود في علاقاتنا وحوارنا وأفعالنا، وهو ما جعلني أعود فأتذكّر الجبهة الأخرى؛ تُرى ماذا تمّ في موضوع الإوزات؟ وللحقّ فإنني لم أكد أسأل نفسي حتى وجدتُ هاتفي ينتفض صارخًا (ربما بفعل ظهور اسم حرمنا على شاشته)؛ فسألتها متلهفًا:
- خيرًا؛ ماذا فعلتِ مع "أم محمود"
- لقد أحضرتُ عشر نسوة من الجيران وطلبتُ أن تمسك كلُّ منهن إوزة واحدة لنحسم – بطريقة لا تقبل الشك – عدد الإوزات، ولمّا بقيت إحدى النساء بلا إوزة سألتها:
- هل اقتنعتِ بأنهن تسع إوزات؟
أجابتني:
- بل عشر!!
- ولكن ماذا تقولين في تلك المرأة الواقفة أمامك بلا إوزة؟!
- أقول إنها امرأة بليدة خائبة؛ لقد كانت أمامها الإوزات كثيرات؛ لماذا لم تتمكن قبل غيرها من الإمساك بواحدة؟!
وعند هذه الجملة استوقفتُ زوجتي لأستوثق من صحة ما قالت، فأكدّتْ لي أن ذاك هو ما حدث من "أم محمود فعلاً"، فوجدتني أضحك ضحكًا هستيريا مندهشًا من عقم حوارنا العربي- العربي، ولسان حالي يقول: (حقًّا.. إنَّ شرَّ البليّة ما يُضحك!!)
ولكن "أم محمود" تريد أن تغالطني في عدد الإوز.. إنها تريد - اعتمادًا على الحركة الكثيرة للإوز - أن تعطني تسع إوزات على أنهن عشر!!
تعجّبتُ سائلا:
- كيف هذا؟
- ..............
(جلبة وضجيج، ثم إغلاق الخط بمعرفة حرمنا المصون )
جلستُ بيني وبين نفسي أفكر في الضمير الذي انعدم، والذمم التي خربت، والناس الذين لا يستحون، ولكنّ ذهني سرعان ما وجّه الأمر وجهة أخرى تتعلق بمدى منطقية أفعالنا وعلاقاتنا وحوارنا كبشر.
في هذه الأثناء ارتفعت بعض الأصوات من الشارع إياه ففهمتُ أن خناقة قد نشبت بين اثنين من أعضاء الملتقى هناك، ولأن الشارع مظلم كما تعلمون فقد اعتمدتُ على حاسة السمع وحدها محاولا تمييز الأصوات لمعرفة شخصيتيْ المشتبكيْن؛ صاح الأول:
- أنت تعرف أن نظامنا هو النظام الممانع الوحيد الذي يساند قضية العرب الأساسية؟
- ولكنه لم يطلق رصاصة (فشنك) واحدة على مدى أربعين عاما لتحرير أرضه المحتلة، وعندما تحركت قواته وجدناها تسير في الاتجاه العكسي!!
- يجب أن تعلم أنّ لكل حادث حديث، وأنكم توقدون نار الفتنة بين أبناء الشعب عندما تدعمون المتظاهرين.. نحذّركم؛ فالساكت عن الحقّ شيطان أخرس!!
- أي ساكت؟ وأي حق؟ أليس الأولى أن تنصحوا نظامكم بالكفّ عن قتل المتظاهرين؟!
- أنت إنسان جاهل ودموي!!
- ..........
(جلبة وضجيج، ثم فضّ المشاجرة - أقصد إغلاق الموضوع - بمعرفة أستاذنا الموجي)
لأعود فأسألُ نفسي من جديد:
أي أسلوب حوار هذا؟
ولماذا لا يفكّر كلٌّ منّا فيما يقوله الآخر قبل أن يردّ عليه؟
هل نحلم أن يأتي يومٌ نجد أحد المتحاوريْن يعترف للآخر بأنه كان مخطئًا وأنّه غيّرَ قناعته بعد حوار هادئ مع زميله؟
إن ما يحدث يعبّر عن المنطق المفقود في علاقاتنا وحوارنا وأفعالنا، وهو ما جعلني أعود فأتذكّر الجبهة الأخرى؛ تُرى ماذا تمّ في موضوع الإوزات؟ وللحقّ فإنني لم أكد أسأل نفسي حتى وجدتُ هاتفي ينتفض صارخًا (ربما بفعل ظهور اسم حرمنا على شاشته)؛ فسألتها متلهفًا:
- خيرًا؛ ماذا فعلتِ مع "أم محمود"
- لقد أحضرتُ عشر نسوة من الجيران وطلبتُ أن تمسك كلُّ منهن إوزة واحدة لنحسم – بطريقة لا تقبل الشك – عدد الإوزات، ولمّا بقيت إحدى النساء بلا إوزة سألتها:
- هل اقتنعتِ بأنهن تسع إوزات؟
أجابتني:
- بل عشر!!
- ولكن ماذا تقولين في تلك المرأة الواقفة أمامك بلا إوزة؟!
- أقول إنها امرأة بليدة خائبة؛ لقد كانت أمامها الإوزات كثيرات؛ لماذا لم تتمكن قبل غيرها من الإمساك بواحدة؟!
وعند هذه الجملة استوقفتُ زوجتي لأستوثق من صحة ما قالت، فأكدّتْ لي أن ذاك هو ما حدث من "أم محمود فعلاً"، فوجدتني أضحك ضحكًا هستيريا مندهشًا من عقم حوارنا العربي- العربي، ولسان حالي يقول: (حقًّا.. إنَّ شرَّ البليّة ما يُضحك!!)
تعليق