المقامة " السّطيفية "..!*
قمنا مع أذان الصبح مبكرين ؛ ثلة من عشاق الثقافة والفكر والمبدعين، ورجال العلم والمؤرخين.. نسابق قرن الشمس أن يبقينا في هجيرها مصفدين، يقودنا همام من الطراز الأول المجربين. فلاحت لنا "القنطرة" بعد ساعة ببرد الهنا تحيّينا.. فلوّحنا مع " ناصر" 1 لبيداء اليباب مودّعين، ونحن لا نرجو العود إليها مسرعين..
ودندن الجمع منا مغنين من محبي "الشعبي" وما لا أعلم له تلاحينا، فأنا من أفقرهم في ذا الميدان منذ كنت جنينا ، فبدوت بينهم أميّا أو هجينا. وبعد لأي أشار " فوزي " 2 علينا أن هلمّوا نقارع سنّ الحرب بالشعر والقريض إن كنتم له محبين ، فقلت ألآ يا حياك الله فأنا لي في ذلك نصيب وحفظ يرضيكم ويرضينا، فإذا الخلان كلهم من بين شاعر مفلق أو حافظ ملأ صدره دواوينا.
وانبرى لنا مصقع من ركب الحافلة متحديا ومستهينا... فثارت ثائرة الإخوان واستعدّوا متحفزين وقالوا : "هات ما عندك يا نديم الجنّ ويا قرين الشياطين.."
فشمّر عن لسان ذرب وأبرز صدرا يعج بالشعر أفانينا، فكنا له أكفاء وكان لنا وحده الكفؤ المستهين.
فجاذبناه صدور القصيد دررا وقوافيه جوهرا ثمينا، فما عزّ علينا كلم ولا ندّ حرف له في الأذن طنينا، إلى أن لاحت "سطيف" فوق علا الهضاب باسطة أكفها؛ يسراها كما اليمين. وارتدت تلالها من الأخضر السندسي خضابا، فدخلناها فاتحين بابا فبابا..فأشارت أن هلموا على المحبة والترحاب .. وبدأنا بمتحفها ننقب في تاريخها عن العجب العجاب فنرى حضارة عريقة نفخ فيها الأولون الروح من تراب، ثم غدت بعد حين من الدهر كأرض يباب، وجاءت ساعة اللعب واللهو فأرخينا للصغار الزمام وأملنا الرّكاب.. وراحوا يمرحون دون وجل أو مهاب، فمن راكب عجلة تعلو به فوق السحاب، ومن ممتط أخطبوطا دوّارا في السّاح جوّابا، أو سفينا كأنه فوق العاتي من العباب، ومن زائر لحديقة الحيوان فيها ذوات المخالب والأنياب.
ثم غدونا جمعيا إلى مطعم قريب قد صفّ لنا من المأكولات ما لذ وطاب ... وبعد ساعة حثثنا السّير إلى "الجميلة" الساحرة عجلين نمر في طريقها مر السحاب.. حتى دنونا منها ولم نطو بعد للعلم سجل كتاب؛ فرأينا من آثار الرومان ما يروي ضمأ سائح أو باحث نقاب.
وأقام لنا الهُمامان "فوزي" و"عتيق" سباق أوراق "البندير" فيها فخاخ وألعاب وأشعار منتخبات وآي الكتاب، و علم يجلو عن الأذهان مبهمات الأسباب .. فمن ورقة تأمرك أن تأتي بشعر مستطاب، أو قرآن من الآي العذاب، و أخرى لنكتة منك تصاب، أو قفزة في الهواء تؤدّيها حقا غير ارتياب ... أو هديّة من الخلدونية تنالها خالصة لا يشركك فيها الأصحاب .. وربما دعتك ورقة منها للبكاء أو "النداب" فلا تتمنّع أو تحجم فأنت ملزم بنصّ قانون السّباق الغلاب.
وطافت الشمس في كبد السّماء ثم مالت تزمع الغياب، فلملمنا شتاتنا وعدنا على طريقنا نقارع سنّ حرب الشعر ونرشف منه الرضاب، إلى أن علونا "بومنقوش" 3 ونادى كلٌّ منا وكره فاستجاب.
ـــــــــــــــــــــ
قمنا مع أذان الصبح مبكرين ؛ ثلة من عشاق الثقافة والفكر والمبدعين، ورجال العلم والمؤرخين.. نسابق قرن الشمس أن يبقينا في هجيرها مصفدين، يقودنا همام من الطراز الأول المجربين. فلاحت لنا "القنطرة" بعد ساعة ببرد الهنا تحيّينا.. فلوّحنا مع " ناصر" 1 لبيداء اليباب مودّعين، ونحن لا نرجو العود إليها مسرعين..
ودندن الجمع منا مغنين من محبي "الشعبي" وما لا أعلم له تلاحينا، فأنا من أفقرهم في ذا الميدان منذ كنت جنينا ، فبدوت بينهم أميّا أو هجينا. وبعد لأي أشار " فوزي " 2 علينا أن هلمّوا نقارع سنّ الحرب بالشعر والقريض إن كنتم له محبين ، فقلت ألآ يا حياك الله فأنا لي في ذلك نصيب وحفظ يرضيكم ويرضينا، فإذا الخلان كلهم من بين شاعر مفلق أو حافظ ملأ صدره دواوينا.
وانبرى لنا مصقع من ركب الحافلة متحديا ومستهينا... فثارت ثائرة الإخوان واستعدّوا متحفزين وقالوا : "هات ما عندك يا نديم الجنّ ويا قرين الشياطين.."
فشمّر عن لسان ذرب وأبرز صدرا يعج بالشعر أفانينا، فكنا له أكفاء وكان لنا وحده الكفؤ المستهين.
فجاذبناه صدور القصيد دررا وقوافيه جوهرا ثمينا، فما عزّ علينا كلم ولا ندّ حرف له في الأذن طنينا، إلى أن لاحت "سطيف" فوق علا الهضاب باسطة أكفها؛ يسراها كما اليمين. وارتدت تلالها من الأخضر السندسي خضابا، فدخلناها فاتحين بابا فبابا..فأشارت أن هلموا على المحبة والترحاب .. وبدأنا بمتحفها ننقب في تاريخها عن العجب العجاب فنرى حضارة عريقة نفخ فيها الأولون الروح من تراب، ثم غدت بعد حين من الدهر كأرض يباب، وجاءت ساعة اللعب واللهو فأرخينا للصغار الزمام وأملنا الرّكاب.. وراحوا يمرحون دون وجل أو مهاب، فمن راكب عجلة تعلو به فوق السحاب، ومن ممتط أخطبوطا دوّارا في السّاح جوّابا، أو سفينا كأنه فوق العاتي من العباب، ومن زائر لحديقة الحيوان فيها ذوات المخالب والأنياب.
ثم غدونا جمعيا إلى مطعم قريب قد صفّ لنا من المأكولات ما لذ وطاب ... وبعد ساعة حثثنا السّير إلى "الجميلة" الساحرة عجلين نمر في طريقها مر السحاب.. حتى دنونا منها ولم نطو بعد للعلم سجل كتاب؛ فرأينا من آثار الرومان ما يروي ضمأ سائح أو باحث نقاب.
وأقام لنا الهُمامان "فوزي" و"عتيق" سباق أوراق "البندير" فيها فخاخ وألعاب وأشعار منتخبات وآي الكتاب، و علم يجلو عن الأذهان مبهمات الأسباب .. فمن ورقة تأمرك أن تأتي بشعر مستطاب، أو قرآن من الآي العذاب، و أخرى لنكتة منك تصاب، أو قفزة في الهواء تؤدّيها حقا غير ارتياب ... أو هديّة من الخلدونية تنالها خالصة لا يشركك فيها الأصحاب .. وربما دعتك ورقة منها للبكاء أو "النداب" فلا تتمنّع أو تحجم فأنت ملزم بنصّ قانون السّباق الغلاب.
وطافت الشمس في كبد السّماء ثم مالت تزمع الغياب، فلملمنا شتاتنا وعدنا على طريقنا نقارع سنّ حرب الشعر ونرشف منه الرضاب، إلى أن علونا "بومنقوش" 3 ونادى كلٌّ منا وكره فاستجاب.
ـــــــــــــــــــــ
* سطيف ثاني مدينة جزائريّة من حيث عدد السكان ، تزخر بروائع الآثار ( عاصمة الهضاب العليا ).
1 – ناصر وهابي صاحب نظرية تخطئة سكان الصحراء باختيارهم لها سكنا.
2 – فوزي مصمودي رئيس جمعية الخلدونية (بسكرة).
3 - بومنقوش جبل بمدخل مدينة بسكرة الشمالي ذكره أمير شعراء الجزائر محمّد العيد آل خليفة في شعره.
1 – ناصر وهابي صاحب نظرية تخطئة سكان الصحراء باختيارهم لها سكنا.
2 – فوزي مصمودي رئيس جمعية الخلدونية (بسكرة).
3 - بومنقوش جبل بمدخل مدينة بسكرة الشمالي ذكره أمير شعراء الجزائر محمّد العيد آل خليفة في شعره.
تعليق