حتى آخرِ قطرةِ صَبْر.../ آسيا رحاحليه /

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • آسيا رحاحليه
    أديب وكاتب
    • 08-09-2009
    • 7182

    حتى آخرِ قطرةِ صَبْر.../ آسيا رحاحليه /


    حتى آخر قطرة صبر....


    "لماذا لا يثخننا بالجراح سوى من نحب ...
    و لا يخذلنا إلا من ائتمنّاهم على فوانيس العمر ؟ "
    آسيا

    لملمتُ أحلامي التي بعثرَها سلوكه المجنون... جمعت في صدري فتات عمري و أشلاء قلبي.. وضعتُ في الحقيبة ثيابي, صوري , ورسائلي إليه أيام ربيع الحب و اخضرار الأماني .. تأبّطت بقيةً من كرامة و حضنتُ في يسراي كفّا صغيرة ككف دمية ... و غادرت .
    كان الوقت مبكّرا و شمس الصيف تجلد بسياط وهجها وجه الصباح .الناس ذابلون , نصف أحياء , ينْسِلون من البيوت و الحيّ يتمطّى في كسل و يستعيد ببطء فوضى أمسه البائد .
    عند ناصية الشارع توقفت . نظرت خلفي . لم أقصد ذلك. لم يكن فعلا إراديا .ترى لم التفتّ ؟ هل خلّفت هنالك ما يمكن أن أشتاقه أو أندم عليه ؟ ماذا تركت سوى كومة من العمر المحترق و طيف امرأة أنهكها الانتظار و ما عادت تجيد لعبة الصبر والاحتمال ..
    حثثت الخطوة هاربة من الجحيم .أشدّ على كف طفلي , أتشبّث بها كأنما لتمنحني قوّة ما . أحسّها بضّة , ساخنة , تعرق بين أناملي , تكاد تذوب في يدي و صوت أمي مطرقة مجنونة تدق جمجمتي بلا هوادة ..عبارتها تلاحقني , تشدّ تلابيب فكري , تلكز خاصرة قلبي , تطنّ في أذني..."عليك أن تتحمّلي .. كل مطلقة هي امرأة فاشلة..فاشلة ..هل تفهمين ؟ "..أيعقل ذلك؟.هل النجاح أن أتبدّد برضاي و إرادتي لأصبح مثل أمي .. بقايا امرأة ؟ هيكل لحميّ يدقّ في صدره قلب محدودب طاعن في الهم ؟.. هل عليّ أن أستمر معه لكي يقلّدني العالم وسام البطولة , تصفّق لي عائلتي و يرضى عني أهلي و يباركني أبي و تبلّل أمي بقُبلاتها و دموعها وجنتيّ , كما في كل مرّة , و هي تهمس : اصبري . أنت ابنتي حقا ...أنسيت كم صبرت أنا على أبيك ؟
    آه...ليتني نسيت ..ليت كابوس طفولتي لم يتغلغل في مسامات عقلي و لا يقض يقظتي و منامي... عند انتصاف الليالي حين يعود أبي إلى البيت يقطر ثمالة , يجرجر قدميه ,يدق الباب بقوة , تفتحين له... تتشاجران و يعلو صراخكما و نهبّ من تحت الأغطية فزعين , مرتعشين مثل صغار عصافير روّعها برشق حجر طفل شقيّ .
    كم أحببتِ أبي ..و كم أحببتُ زوجي !..لماذا لا يثخّننا بالجراح سوى من أحببنا و لا يخذلنا إلا من ائتمنّاهم على فوانيس العمر ؟
    تيار مؤلم يسري في ذراعي الأيمن . ربما يجدر بي أن أستقل تاكسي . أمرّر الحقيبة ليسراي و أمسك طفلي بيمناي ...صغيري ..حبيبي. إنّه لا يفقه شيئا مما يحدث.. يبتسم للمارة , ينظر في الواجهات , يتابع السيارات. يطالبني بشراء الحلوى ..آه. لو كنت أكبر سنا !..لو أستطيع الاعتماد عليك !
    رأسي يؤلمني ..كل جسدي يؤلمني و الحقيبة ثقيلة ...كم مؤسف أن يختزل العمر و يخبأ في حقيبة ولكن حين تأخذ العلاقة ملامح اللحظة المفخخة التي تسبق الطوفان , يجب الإسراع بالرحيل , و حين يسقط الحب في جب الخراب علينا أن نبادر بتهريب أجمل ذكرياتنا معه لكي نقتات عليها في شتاء العمر.
    يحيّرني السؤال : أين يذهب الحب حين يقتله الآخر فينا ؟ أم أنه أيضا يخضع لمعادلة الأشياء جميعها...لا شيء يضيع , كل شيء يتحوّل ؟ كان المفروض أن يتحوّل إلى عشرة و صحبة و مودة و رحمة... نعم ..كان ممكنا لو لم تنافسني الكأس في حبّه .. ربما قبلت بالنصيب و رضخت للواقع لو أنها امرأة..و لكن ..الخمرة..و إلى حد اللاوعي بنفسه و بيته و مسؤولياته ..لا !...يا الهي ! صعب..لا أستطيع أن أتحمَل ..
    كانت الأيام تنساب عسلا مصفّى في بداية زواجنا , إلى أن عاد ذات ليلة متأخرا..تسبقه رائحة نفاذة .. .." حبيبتي .. لا تقلقي ..كنت مع بعض الرفاق .. تحتّم عليّ مجاراتهم و شربت كأسا..كأسا فقط " ..صمتت و تغاضيت خاصة حين أقنعتني صديقة لي أن بعض الرجال هكذا.. يلجأون للشرب من باب الفضول و المغامرة و حب الإكتشاف ثم يقلعون عنه.. لكن عقلي لم يقتنع أن الخمر و النساء لا يسيران في خطّين متوازيين..
    و فعلا..صارت الكأس كؤوسا و ليال من السهر و العربدة و المجون و عالم أحمر , مختلف , لا وجود لي فيه .
    فظيع حقا أن تحتقر من أحببت ! أفظع من الكراهية .!.. ما تصوّرت أن أحس يوما نحوه بغير الحب ,أبدا , أن أصل بمشاعري إلى حدود الاحتقار و تتّسخ ذكرياتي معه بآثار صفعاته و رذاذ شتائمه .
    لذلك... مع آخر قطرة صبر حسمت أمري و اتّخذت قراري ..
    يحدث في نقطة من مسار العمر أن نتوقّف و نقرّر تغيير الاتجاه , كما يحدث في حالات كثيرة أن يكون البتر هو الحل الأخير..
    -لا تحاولوا...هذه المرّة لن أعود إليه...سوف أطلب الطلاق .
    احتبست الأنفاس , تلبّدت الوجوه .والدتي صعقت كأنّ أفعى لدغتها , والدي تهالك فوق كرسي واضعا رأسه بين كفيّه . أختي هرعت نحوي . خلّصتني من الحمل الثقيل , قبّلت ابني ...طلبت منه أن يلعب في الحديقة ثم أجلستني بجانبها على الكنبة .
    و سقط الصمت فوق الرؤوس .
    يعلمون أن قراري بالانفصال كان بين مدّ و جزر ..منذ زمن ليس بالقصير..كان عليه أن يختار بيني و ابنه أو الكأس اللعينة...كم صبرتُ على عناده و استحملت طيشه و رعونته ..غالطت فيه نفسي و تجاهلت إلحاح كبريائي.. أهديه الحب معطرا بشذى أنوثتي فكان نصيبي الخوف و القلق .
    سنوات و أنا أستجدي القدر و أستعير من الصبر أنفاسا عذراء أنفخها في رئة زواجنا لكي يعيش , بينما هو يتفنّن في خنقه . كم أرّقتني الوساوس و الهواجس و كم كانت المسافة بيني و بين العقل تتسّع كل يوم أكثر حتى صرت على بعد رفّة جفن من الجنون ..!
    صبرت و تحمّلت...وظللت أمنّي القلب بفجر لا يأتي..
    و لكن ...قطرة أفاضت الكأس .
    كانت عقارب الساعة قد جاوزت منتصف ليلة ثقيلة جاثمة على صدر الصيف .. لم أتحمّل رؤيته على تلك الحال ..مستحيل..لن يحدث هذا من جديد.. من هذا المتشرّد ؟...أين الرجل الذي أحببت و تزوجت ؟
    و ترتسم أمامي للمرّة الألف صورة أبي..نفس الهيئة..و نفس التاريخ .. يتكرر في أبشع ملامحه...يستنسخ المأساة....أسمع صراخ أمي , الركلات تنهال على جسدها الواهن ..و أراني واقفة في فتحة باب الغرفة المقابلة , أرتعد من الخوف و الدموع تغسل وجنتي .أمسك بفستان أختي ..نناشد أبي أن يتوقف .. أن يرحمها و يرحمنا.. نبكي و نترجّاه و يضيع صراخنا في لجّة سكره .
    " عدت للشرب مجددا ؟ ألم نتفق أنك ستتوقّف ؟ ألم تعدني بذلك ؟ " صرخت فيه من خلف سور الذكرى .... يقترب مني مترنّحا..يتجشأ..تملأ المكان رائحة نتنة كرائحة الجيف...يمدّ يديه نحوي.. " نعم...تعالي ..اقتربي عزيزتي ...".
    تنهار أعصابي و ألقي بجمر الكلمات في وجهه المحتقن "لا تلمسني ...ابتعد عني.. أنت تقرفني . أكره أنفاسك ..أكرهك ! أحتقرك ! "
    يترنّح أكثر ..يكاد يسقط ..يفقد اتّزانه غير أن الصفعة لم تفقد طريقها إلى وجهي ..تلتها صفعات و ركلات في كل شبر من جسدي .. و سيل من الشتائم تفتّقت عنها قريحته فجأة . أحسست بالألم في منطقة ما خلف رأسي ...و بخيط رفيع ساخن ينحدر مدغدغا عنقي.. . عرفت فيما بعد أنها دماء من جراء انفراط القرط من أذني ..
    كان ابني قد أفاق....ضممته لصدري أهدّئ من روعه و...يا الهي ..تلك النظرة في عينيه ..ملأتني بالرعب , أشعرتني بالذنب فخلعت برقع التردّد و الحيرة... مرّة واحدة .
    و ...
    حين مددت يدي لأوقّع على أوراق الطلاق كنت كمن يلج بوابة السلام..و كنت حزينة ...قليلا فقط ..ليس من أجلي , بل من أجل ابني و قررت منذ تلك اللحظة أن أحيا له . نسيت نفسي و أني جميلة و مرغوبة و ضاقت دائرة حياتي حتى ما عادت تتسع لسواه... صرت أتنفس من خلال أنفاسه و أرى نعيم الدنيا في ضحكة عينيه الخضراوين ...
    ملأ وجوده الوجود. و تلخّص الكون من حولي في شخصه الصغير .. أوصدت باب قلبي عن كل تيار حب إلى أن كان يوم...
    استدعيت لحضوراجتماع للأولياء ..و التقيت بمدير مدرسة ابني...وحين صافحت كفه الخضراء و نظرت في عينيه الدافئتين أيقنت أنه رجل حياتي فعلا ..
    تزوجنا و أصبح حبيبي الغالي و حضني الآمن و الأب الرؤوم لابني و عرفت أخيرا معنى الحنان و طعم السعادة .
    التأمت جراح قلبي ...و ذلك الثقب الأسود الذي أحدثه طلاقي في صفحة أيامي ملأه رجلا حياتي بالضياء و الهواء .

    التعديل الأخير تم بواسطة آسيا رحاحليه; الساعة 31-05-2011, 19:21.
    يظن الناس بي خيرا و إنّي
    لشرّ الناس إن لم تعف عنّي
  • مالكة حبرشيد
    رئيس ملتقى فرعي
    • 28-03-2011
    • 4544

    #2
    "لماذا لا يثخننا بالجراح سوى من نحب ...
    و لا يخذلنا إلا من ائتمنّاهم على فوانيس العمر ؟

    لملمت ما تبقى مني ....
    حملت حقيبتي ....
    قررت الرحيل
    ليكن سراحا ... هروبا
    المهم أن أخترق الأقفال
    أتحدى الحواجز
    وأنا أعلم علم اليقين
    أنني سأجد لي في كل
    العيون سجنا ....
    في كل كلمة صفعة
    في كل ابتسامة مغارة

    كنت هنا عزيزتي آسيا
    كانت كلماتك سوطا يلسع جسدي
    لكن النهاية سقتني من نبع المفاجأة
    حتى الارتواء


    تعليق

    • آسيا رحاحليه
      أديب وكاتب
      • 08-09-2009
      • 7182

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة مالكة حبرشيد مشاهدة المشاركة
      "لماذا لا يثخننا بالجراح سوى من نحب ...
      و لا يخذلنا إلا من ائتمنّاهم على فوانيس العمر ؟

      لملمت ما تبقى مني ....
      حملت حقيبتي ....
      قررت الرحيل
      ليكن سراحا ... هروبا
      المهم أن أخترق الأقفال
      أتحدى الحواجز
      وأنا أعلم علم اليقين
      أنني سأجد لي في كل
      العيون سجنا ....
      في كل كلمة صفعة
      في كل ابتسامة مغارة

      كنت هنا عزيزتي آسيا
      كانت كلماتك سوطا يلسع جسدي
      لكن النهاية سقتني من نبع المفاجأة
      حتى الارتواء


      تعرفي أختي الكريمة مالكة ..
      كانت النهاية الأولى التي كتبتها سوداوية و قاتمة و قاتلة..
      لكن قلت لمّ لا نجرّب الفرح ؟
      فغيّرت النهاية و كانت على هذا الشكل.
      شكرا لك و تقبّلي مودّتي اختاه.
      يظن الناس بي خيرا و إنّي
      لشرّ الناس إن لم تعف عنّي

      تعليق

      • محجوبة صغير
        عضو الملتقى
        • 12-05-2011
        • 56

        #4
        إلى الصديقة القاصّة الودود: آســـــيا

        المرأة سرّ الحياة وبلسـمها ..رحيقها وحنظلها..كلّ شيئ خلق لها ومن أجلهــا..لكن وفي لحظة عربدة
        يفسد هذا التوازن من لدن رجل لم يقرأ في حياته:" موسوعة الجمال والحب".
        أشكرك مرتين :الأولى على السرد المبهر حيث سافرت فيه هذه المظطهدة المسكينة دون محرم(الزوج المتسلط) والثانية النهاية السعيدة من رجل آخر عوّضها حرمان الأول.
        نص متواطئ مع الجمال والإبهار.. دام قلمك يسكرنا.
        محجوبة صغير

        تعليق

        • إيمان الدرع
          نائب ملتقى القصة
          • 09-02-2010
          • 3576

          #5
          نعم يا آسية الحبيبة ...
          ليس أجمل من نهايات تتحسّسين فيها النصر على القهر ، والظلم ..
          وتتخلّصين من قيد ينتهك الرّوح، والجسد، والفؤاد، من غير طائلٍ ..
          تحت مسمّياتٍ عدّة من معجم إرثٍ ثقيلٍ ..يزهق الأيّام من غير ثمن ..
          قرأت مرّة لكاتب كبيرٍ بعض الوصايا:
          خذي الدنيا غلابا
          تمتّعي بحياتك
          حقّقي رغباتك
          لا تتراجعي عن قناعاتك
          وطموحاتك
          لا تكوني أسيرة مشكلة
          أو حدثٍ
          أو شخص ..
          ورأيت كلّ هذي الوصايا في نصّك ..
          سلمتْ أناملك ..
          ومع أطيب أمنياتي ..تحيّاتي ..
          وتصبحين على خير عزيزتي

          تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

          تعليق

          • ريما ريماوي
            عضو الملتقى
            • 07-05-2011
            • 8501

            #6
            نعم وانا من مؤيدي النهايات السعيدة, حتى وانا صغيرة كنت اقرا نهاية القصة
            اذا كانت تنتهي بموت البطلة او البطل لم اكن اقراها بالمرة اذا توفر لدي البديل.
            استمتعت بقصتك لولا ما فيها من حزن وخيبة امل, وقرار الطلاق قرار صعب نتخذه
            ولكنه في بعض المرات يكون الحل الوحيد لمشكلة مستعصية كالعلاج بالبتر تماما.
            استمتعت بقراءتك كثيرا, يسلموا الايادي وتحياتي.
            التعديل الأخير تم بواسطة ريما ريماوي; الساعة 31-05-2011, 21:12.


            أنين ناي
            يبث الحنين لأصله
            غصن مورّق صغير.

            تعليق

            • آسيا رحاحليه
              أديب وكاتب
              • 08-09-2009
              • 7182

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة ريما ريماوي مشاهدة المشاركة
              نعم وانا من مؤيدي النهايات السعيدة, حتى وانا صغيرة كنت اقرا نهاية القصة
              اذا كانت تنتهي بموت البطلة او البطل لم اكن اقراها بالمرة اذا توفر لدي البديل.
              استمتعت بقصتك لولا ما فيها من حزن وخيبة امل, وقرار الطلاق قرار صعب نتخذه
              ولكنه في بعض المرات يكون الحل الوحيد لمشكلة مستعصية كالعلاج بالبتر تماما.
              استمتعت بقراءتك كثيرا, يسلموا الايادي وتحياتي.
              مرورك أسعدني عزيزتي ريما .
              شكرا لك و تقبّلي محبّتي و تقديري.
              يظن الناس بي خيرا و إنّي
              لشرّ الناس إن لم تعف عنّي

              تعليق

              • آسيا رحاحليه
                أديب وكاتب
                • 08-09-2009
                • 7182

                #8
                المشاركة الأصلية بواسطة محجوبة صغير مشاهدة المشاركة
                المرأة سرّ الحياة وبلسـمها ..رحيقها وحنظلها..كلّ شيئ خلق لها ومن أجلهــا..لكن وفي لحظة عربدة
                يفسد هذا التوازن من لدن رجل لم يقرأ في حياته:" موسوعة الجمال والحب".
                أشكرك مرتين :الأولى على السرد المبهر حيث سافرت فيه هذه المظطهدة المسكينة دون محرم(الزوج المتسلط) والثانية النهاية السعيدة من رجل آخر عوّضها حرمان الأول.
                نص متواطئ مع الجمال والإبهار.. دام قلمك يسكرنا.
                محجوبة صغير
                أعتذر منك أختي محجوبة لكوني تجاوزت سهوا مداخلتك..
                مع أني أسعد بمرورك و يهمني رأيك..دائما .
                و أنا أشكرك ألف مرّة ..
                دمت بخير.
                يظن الناس بي خيرا و إنّي
                لشرّ الناس إن لم تعف عنّي

                تعليق

                • آسيا رحاحليه
                  أديب وكاتب
                  • 08-09-2009
                  • 7182

                  #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة إيمان الدرع مشاهدة المشاركة
                  نعم يا آسية الحبيبة ...
                  ليس أجمل من نهايات تتحسّسين فيها النصر على القهر ، والظلم ..
                  وتتخلّصين من قيد ينتهك الرّوح، والجسد، والفؤاد، من غير طائلٍ ..
                  تحت مسمّياتٍ عدّة من معجم إرثٍ ثقيلٍ ..يزهق الأيّام من غير ثمن ..
                  قرأت مرّة لكاتب كبيرٍ بعض الوصايا:
                  خذي الدنيا غلابا
                  تمتّعي بحياتك
                  حقّقي رغباتك
                  لا تتراجعي عن قناعاتك
                  وطموحاتك
                  لا تكوني أسيرة مشكلة
                  أو حدثٍ
                  أو شخص ..
                  ورأيت كلّ هذي الوصايا في نصّك ..
                  سلمتْ أناملك ..
                  ومع أطيب أمنياتي ..تحيّاتي ..
                  وتصبحين على خير عزيزتي
                  إيمان الغالية على قلبي..
                  فعلا..تلك الوصايا هي ما أردت تمريره في هذا النص..
                  و أنه ليس على المرء عموما و المرأة خاصة أن تواصل السير على الدرب إذا كان مليئا بالشوك و الحصى .
                  تحياتي الصادقة لك و فيض من الحب و التقدير.
                  يظن الناس بي خيرا و إنّي
                  لشرّ الناس إن لم تعف عنّي

                  تعليق

                  • فايزشناني
                    عضو الملتقى
                    • 29-09-2010
                    • 4795

                    #10
                    أختي آسيا
                    عنوان جميل جداً
                    يقولون : الاحترام قبل الحب
                    وأنت قلت : فظيع أن أحتقر من أحببت
                    استوقفتني مفردات وجمل وصور أكثر من رائعة
                    أين يذهب الحب ؟؟؟؟ ولكل منا إجابة
                    ذكريات نقتات عليها في شتاء العمر
                    ملامح اللحظة المفخخة
                    أستعير من الصبر أنفاساً عذراء أنفخها في رئة زواجنا لكي يعيش
                    ( كمن يجري عملية إنعاش لمريض فقد وعيه ونبضه للحظات )
                    يستنسخ المأساة ( نفس الطعم والمرارة وإن اختلفت الألوان والحجوم )
                    في البداية توقعت أن تصبر وتستمر معه وتضع على جرحها ملحاً
                    ولكن بطريقة خاطفة وهادئة خرجت من حياته ... ودخلت قفصاً جديداً
                    كعادتي استمتعت بنص جميل
                    شكراً لك من القلب
                    هيهات منا الهزيمة
                    قررنا ألا نخاف
                    تعيش وتسلم يا وطني​

                    تعليق

                    • محمد فطومي
                      رئيس ملتقى فرعي
                      • 05-06-2010
                      • 2433

                      #11
                      لو أنّها رواية و جاءت بهذا الدّفىء الّلغويّ و الزّخم الفنّي و الاشتقاقات البديعة الصّادقة لقرأتها على مرحلتين على أقصى تقدير.
                      يقول أحد الكتاب :الصّحن يُقرأ و الكتاب يُؤكل.
                      راوحت في أسلوبك بين خفّة التلقّي و حلاوته مع ثقل المضامين و البنية.
                      يحيّرني السؤال : أين يذهب الحب حين يقتله الآخر فينا ؟
                      مقطع جميل أعتقد أنّ النصّ برمّته يدور في فلكه.
                      يحيّرني السّؤال ذاته أنا أيضا،و ربّما اتّكأت على تفسير صحّي للمسألة: لا شيء يزول ،كلّ شيء يتحوّل.

                      أعجبني نصّك أستاذة آسيا،فشكرا لك.
                      مودّتي لك أيتها المبدعة.
                      مدوّنة

                      فلكُ القصّة القصيرة

                      تعليق

                      • وسام دبليز
                        همس الياسمين
                        • 03-07-2010
                        • 687

                        #12
                        المشاركة الأصلية بواسطة آسيا رحاحليه مشاهدة المشاركة
                        حتى آخر قطرة صبر....


                        "لماذا لا يثخننا بالجراح سوى من نحب ...
                        و لا يخذلنا إلا من ائتمنّاهم على فوانيس العمر ؟ "
                        آسيا

                        لملمتُ أحلامي التي بعثرَها سلوكه المجنون... جمعت في صدري فتات عمري و أشلاء قلبي.. وضعتُ في الحقيبة ثيابي, صوري , ورسائلي إليه أيام ربيع الحب و اخضرار الأماني .. تأبّطت بقيةً من كرامة و حضنتُ في يسراي كفّا صغيرة ككف دمية ... و غادرت .
                        كان الوقت مبكّرا و شمس الصيف تجلد بسياط وهجها وجه الصباح .الناس ذابلون , نصف أحياء , ينْسِلون من البيوت و الحيّ يتمطّى في كسل و يستعيد ببطء فوضى أمسه البائد .
                        عند ناصية الشارع توقفت . نظرت خلفي . لم أقصد ذلك. لم يكن فعلا إراديا .ترى لم التفتّ ؟ هل خلّفت هنالك ما يمكن أن أشتاقه أو أندم عليه ؟ ماذا تركت سوى كومة من العمر المحترق و طيف امرأة أنهكها الانتظار و ما عادت تجيد لعبة الصبر والاحتمال ..
                        حثثت الخطوة هاربة من الجحيم .أشدّ على كف طفلي , أتشبّث بها كأنما لتمنحني قوّة ما . أحسّها بضّة , ساخنة , تعرق بين أناملي , تكاد تذوب في يدي و صوت أمي مطرقة مجنونة تدق جمجمتي بلا هوادة ..عبارتها تلاحقني , تشدّ تلابيب فكري , تلكز خاصرة قلبي , تطنّ في أذني..."عليك أن تتحمّلي .. كل مطلقة هي امرأة فاشلة..فاشلة ..هل تفهمين ؟ "..أيعقل ذلك؟.هل النجاح أن أتبدّد برضاي و إرادتي لأصبح مثل أمي .. بقايا امرأة ؟ هيكل لحميّ يدقّ في صدره قلب محدودب طاعن في الهم ؟.. هل عليّ أن أستمر معه لكي يقلّدني العالم وسام البطولة , تصفّق لي عائلتي و يرضى عني أهلي و يباركني أبي و تبلّل أمي بقُبلاتها و دموعها وجنتيّ , كما في كل مرّة , و هي تهمس : اصبري . أنت ابنتي حقا ...أنسيت كم صبرت أنا على أبيك ؟
                        آه...ليتني نسيت ..ليت كابوس طفولتي لم يتغلغل في مسامات عقلي و لا يقض يقظتي و منامي... عند انتصاف الليالي حين يعود أبي إلى البيت يقطر ثمالة , يجرجر قدميه ,يدق الباب بقوة , تفتحين له... تتشاجران و يعلو صراخكما و نهبّ من تحت الأغطية فزعين , مرتعشين مثل صغار عصافير روّعها برشق حجر طفل شقيّ .
                        كم أحببتِ أبي ..و كم أحببتُ زوجي !..لماذا لا يثخّننا بالجراح سوى من أحببنا و لا يخذلنا إلا من ائتمنّاهم على فوانيس العمر ؟
                        تيار مؤلم يسري في ذراعي الأيمن . ربما يجدر بي أن أستقل تاكسي . أمرّر الحقيبة ليسراي و أمسك طفلي بيمناي ...صغيري ..حبيبي. إنّه لا يفقه شيئا مما يحدث.. يبتسم للمارة , ينظر في الواجهات , يتابع السيارات. يطالبني بشراء الحلوى ..آه. لو كنت أكبر سنا !..لو أستطيع الاعتماد عليك !
                        رأسي يؤلمني ..كل جسدي يؤلمني و الحقيبة ثقيلة ...كم مؤسف أن يختزل العمر و يخبأ في حقيبة ولكن حين تأخذ العلاقة ملامح اللحظة المفخخة التي تسبق الطوفان , يجب الإسراع بالرحيل , و حين يسقط الحب في جب الخراب علينا أن نبادر بتهريب أجمل ذكرياتنا معه لكي نقتات عليها في شتاء العمر.
                        يحيّرني السؤال : أين يذهب الحب حين يقتله الآخر فينا ؟ أم أنه أيضا يخضع لمعادلة الأشياء جميعها...لا شيء يضيع , كل شيء يتحوّل ؟ كان المفروض أن يتحوّل إلى عشرة و صحبة و مودة و رحمة... نعم ..كان ممكنا لو لم تنافسني الكأس في حبّه .. ربما قبلت بالنصيب و رضخت للواقع لو أنها امرأة..و لكن ..الخمرة..و إلى حد اللاوعي بنفسه و بيته و مسؤولياته ..لا !...يا الهي ! صعب..لا أستطيع أن أتحمَل ..
                        كانت الأيام تنساب عسلا مصفّى في بداية زواجنا , إلى أن عاد ذات ليلة متأخرا..تسبقه رائحة نفاذة .. .." حبيبتي .. لا تقلقي ..كنت مع بعض الرفاق .. تحتّم عليّ مجاراتهم و شربت كأسا..كأسا فقط " ..صمتت و تغاضيت خاصة حين أقنعتني صديقة لي أن بعض الرجال هكذا.. يلجأون للشرب من باب الفضول و المغامرة و حب الإكتشاف ثم يقلعون عنه.. لكن عقلي لم يقتنع أن الخمر و النساء لا يسيران في خطّين متوازيين..
                        و فعلا..صارت الكأس كؤوسا و ليال من السهر و العربدة و المجون و عالم أحمر , مختلف , لا وجود لي فيه .
                        فظيع حقا أن تحتقر من أحببت ! أفظع من الكراهية .!.. ما تصوّرت أن أحس يوما نحوه بغير الحب ,أبدا , أن أصل بمشاعري إلى حدود الاحتقار و تتّسخ ذكرياتي معه بآثار صفعاته و رذاذ شتائمه .
                        لذلك... مع آخر قطرة صبر حسمت أمري و اتّخذت قراري ..
                        يحدث في نقطة من مسار العمر أن نتوقّف و نقرّر تغيير الاتجاه , كما يحدث في حالات كثيرة أن يكون البتر هو الحل الأخير..
                        -لا تحاولوا...هذه المرّة لن أعود إليه...سوف أطلب الطلاق .
                        احتبست الأنفاس , تلبّدت الوجوه .والدتي صعقت كأنّ أفعى لدغتها , والدي تهالك فوق كرسي واضعا رأسه بين كفيّه . أختي هرعت نحوي . خلّصتني من الحمل الثقيل , قبّلت ابني ...طلبت منه أن يلعب في الحديقة ثم أجلستني بجانبها على الكنبة .
                        و سقط الصمت فوق الرؤوس .
                        يعلمون أن قراري بالانفصال كان بين مدّ و جزر ..منذ زمن ليس بالقصير..كان عليه أن يختار بيني و ابنه أو الكأس اللعينة...كم صبرتُ على عناده و استحملت طيشه و رعونته ..غالطت فيه نفسي و تجاهلت إلحاح كبريائي.. أهديه الحب معطرا بشذى أنوثتي فكان نصيبي الخوف و القلق .
                        سنوات و أنا أستجدي القدر و أستعير من الصبر أنفاسا عذراء أنفخها في رئة زواجنا لكي يعيش , بينما هو يتفنّن في خنقه . كم أرّقتني الوساوس و الهواجس و كم كانت المسافة بيني و بين العقل تتسّع كل يوم أكثر حتى صرت على بعد رفّة جفن من الجنون ..!
                        صبرت و تحمّلت...وظللت أمنّي القلب بفجر لا يأتي..
                        و لكن ...قطرة أفاضت الكأس .
                        كانت عقارب الساعة قد جاوزت منتصف ليلة ثقيلة جاثمة على صدر الصيف .. لم أتحمّل رؤيته على تلك الحال ..مستحيل..لن يحدث هذا من جديد.. من هذا المتشرّد ؟...أين الرجل الذي أحببت و تزوجت ؟
                        و ترتسم أمامي للمرّة الألف صورة أبي..نفس الهيئة..و نفس التاريخ .. يتكرر في أبشع ملامحه...يستنسخ المأساة....أسمع صراخ أمي , الركلات تنهال على جسدها الواهن ..و أراني واقفة في فتحة باب الغرفة المقابلة , أرتعد من الخوف و الدموع تغسل وجنتي .أمسك بفستان أختي ..نناشد أبي أن يتوقف .. أن يرحمها و يرحمنا.. نبكي و نترجّاه و يضيع صراخنا في لجّة سكره .
                        " عدت للشرب مجددا ؟ ألم نتفق أنك ستتوقّف ؟ ألم تعدني بذلك ؟ " صرخت فيه من خلف سور الذكرى .... يقترب مني مترنّحا..يتجشأ..تملأ المكان رائحة نتنة كرائحة الجيف...يمدّ يديه نحوي.. " نعم...تعالي ..اقتربي عزيزتي ...".
                        تنهار أعصابي و ألقي بجمر الكلمات في وجهه المحتقن "لا تلمسني ...ابتعد عني.. أنت تقرفني . أكره أنفاسك ..أكرهك ! أحتقرك ! "
                        يترنّح أكثر ..يكاد يسقط ..يفقد اتّزانه غير أن الصفعة لم تفقد طريقها إلى وجهي ..تلتها صفعات و ركلات في كل شبر من جسدي .. و سيل من الشتائم تفتّقت عنها قريحته فجأة . أحسست بالألم في منطقة ما خلف رأسي ...و بخيط رفيع ساخن ينحدر مدغدغا عنقي.. . عرفت فيما بعد أنها دماء من جراء انفراط القرط من أذني ..
                        كان ابني قد أفاق....ضممته لصدري أهدّئ من روعه و...يا الهي ..تلك النظرة في عينيه ..ملأتني بالرعب , أشعرتني بالذنب فخلعت برقع التردّد و الحيرة... مرّة واحدة .
                        و ...
                        حين مددت يدي لأوقّع على أوراق الطلاق كنت كمن يلج بوابة السلام..و كنت حزينة ...قليلا فقط ..ليس من أجلي , بل من أجل ابني و قررت منذ تلك اللحظة أن أحيا له . نسيت نفسي و أني جميلة و مرغوبة و ضاقت دائرة حياتي حتى ما عادت تتسع لسواه... صرت أتنفس من خلال أنفاسه و أرى نعيم الدنيا في ضحكة عينيه الخضراوين ...
                        ملأ وجوده الوجود. و تلخّص الكون من حولي في شخصه الصغير .. أوصدت باب قلبي عن كل تيار حب إلى أن كان يوم...
                        استدعيت لحضوراجتماع للأولياء ..و التقيت بمدير مدرسة ابني...وحين صافحت كفه الخضراء و نظرت في عينيه الدافئتين أيقنت أنه رجل حياتي فعلا ..
                        تزوجنا و أصبح حبيبي الغالي و حضني الآمن و الأب الرؤوم لابني و عرفت أخيرا معنى الحنان و طعم السعادة .
                        التأمت جراح قلبي ...و ذلك الثقب الأسود الذي أحدثه طلاقي في صفحة أيامي ملأه رجلا حياتي بالضياء و الهواء .
                        ويحلو الأدب بأدبك الرفيع
                        ترى أين يرحل الحب ؟
                        تراه يموت أم يهرب؟
                        كيف تتحول الزهرة التي طالما تنفسنا عبيرها إلى شوكة تنخز روحنا
                        كيف ...
                        أسيا دام يراعك سيدتي نابضا بالحب والجمال
                        مودتي

                        تعليق

                        • ربيع عقب الباب
                          مستشار أدبي
                          طائر النورس
                          • 29-07-2008
                          • 25792

                          #13
                          يظل الأمر غير قابل للموازنة
                          بين تلك الرقعة الدافقة حبا
                          حبا أقول لا كراهية .. و كيف تحول كل شىء إلى هذا اللون الرافض
                          و الرحيل آخر الأمر !!
                          الحالة لن تتقبل بعد , ربما تحتاج بعض وقت لجرح كى يلتئم ، أو نقول
                          أصبحنا شبه أصحاء .. جرح و جرح .. هو لم يكن جرحا واحدا بليغا .. أبدا
                          و كان الانفصال حلا لا بد منه
                          و كان لا بد أن تكون هنا نهاية القصة بلا كلمة زائدة أو ناقصة .. لأن
                          المطروح هنا عبر زمان ومكان محددين سلفا و من خلال سياق العمل فى رقعة المتن
                          أما ما أتي بعد فيعتبر حاشية أو هامش كان لا بد أن يعزل عن العمل حتى لا يرهله ،
                          و يبعده عن القص القصير !!

                          البديل الذى من الممكن أن نتبعه فى مثل هذه ، باعتبارى كاتب و متذوق
                          أن يكون ما كان فى الحاشية هو المتن
                          و تفجير ما كان كحالة اجترار .. فقط !!

                          و سبحان مغير الأحوال
                          ما بين الطلاق و تلك المقابلة مع مدير المدرسة زمن من الهم و الغم و الكوابيس
                          أو ربما شكل من التحرر الذى ربما رأيت بعضه أو نتفا منه .. ليس الأمر بتلك
                          السهولة العجيبة ... و ما عهدتك كذلك !!!

                          تقبلي تحياتي و محبتي آسيا الرائعة !
                          التعديل الأخير تم بواسطة ربيع عقب الباب; الساعة 01-06-2011, 19:41.
                          sigpic

                          تعليق

                          • عبدالمنعم حسن محمود
                            أديب وكاتب
                            • 30-06-2010
                            • 299

                            #14
                            لعلّه الصدأ المستلقي في داخلي الذي حال بيني وبين التعاطف ..
                            تعاطفي مع المرأة التي في النص
                            فهي تدير صراعها الداخلي ولا تلقي نظرة خارجه إلا نادرا:
                            (
                            الناس ذابلون نصف أحياء, ينْسِلون من البيوت و الحيّ يتمطّى في كسل و يستعيد ببطء فوضى أمسه البائد). كما أنها لا تتيح فرصة لإراقة قليل من ظلال الشك
                            على الأقل في أطراف تجربتها،
                            وتخمين ما حدث أو سيحدث :
                            (
                            ترى لِمَ التفتّ ؟)
                            جميل هذا الفراغ
                            ولكن سرعان ما تحضر الإجابات وكأنها أسئلة :
                            (
                            ماذا تركت سوى كومة من العمر المحترق و طيف امرأة أنهكها الانتظار و ما عادت تجيد لعبة الصبر والاحتمال ؟)،
                            وحتى (حتى) الراقدة في جبهة العنوان تقول ذلك،
                            إنها ممعنة في الإمعان للدرجة التي جففت عبرها آخر قطرة من قطرات الصبر،
                            لكن طبيعة تداعي التجربة تفرض مثل هذا العنوان،
                            ولا يمكن تحييده بأية حال ليكون عاكسا لعالم غير مُحيد.
                            لاقيمة للتعاطف أو عدمه، ما دام الشخصية تبني تجربتها بشكل ناجح، جاذب وفني مرسوم بدقة بتأرجحه بين امتدادين ..
                            أعلى وأسفل ..،
                            فجاءت الحيثيات وفق منحنيات متفرقة ومتفاوتة،
                            تتصاعد وتيرتها كثيرا :
                            (
                            تأبّطت بقيةً من كرامة و حضنتُ في يسراي كفّا صغيرة ككف دمية ... و غادرت / أمرّر الحقيبة ليسراي و أمسك طفلي بيمناي / عند انتصاف الليالي حين يعود أبي ..).
                            وتنخفض قليلا (لماذا لا يثخّننا بالجراح / حين يسقط الحب في جب الخراب علينا / يحدث في نقطة من مسار العمر أن نتوقّف ..).
                            وتستقيم بينهما (هل النجاح أن أتبدّد برضاي / هل عليّ أن أستمر معه).
                            و لا قيمة للتعاطف أو عدمه، مادام بريق النص يكشف ضمورا مهما في حركة الزمن عبر إشارات الأم :
                            (
                            و هي تهمس : اصبري. أنت ابنتي حقا ... أنسيت كم صبرت أنا على أبيك)
                            ليبدو الأمر كأنه وراثة، أو يجب إعادة صياغته في ثوب جديد.
                            و للتعاطف أو عدمه قيمته، مادامت الخاتمة ذات سمة تعويضية، قفزت فوق منحنيات التوقع بشكل قصدي حاسم، كأنها مجرد تعويض أخير في حياة نادرا ما تهب تعويضات كاملة.
                            /
                            دائما يوجد في النص متسع لكلمة أخرى /.
                            هذا ما يوحي به متسع الرحابة
                            الذي تتميزين به أختي المبدعة آسيا.
                            كل الاحترام والتقدير والإعجاب
                            التواصل الإنساني
                            جسرٌ من فراغ .. إذا غادره الصدق


                            تعليق

                            • آسيا رحاحليه
                              أديب وكاتب
                              • 08-09-2009
                              • 7182

                              #15
                              المشاركة الأصلية بواسطة فايزشناني مشاهدة المشاركة
                              أختي آسيا
                              عنوان جميل جداً
                              يقولون : الاحترام قبل الحب
                              وأنت قلت : فظيع أن أحتقر من أحببت
                              استوقفتني مفردات وجمل وصور أكثر من رائعة
                              أين يذهب الحب ؟؟؟؟ ولكل منا إجابة
                              ذكريات نقتات عليها في شتاء العمر
                              ملامح اللحظة المفخخة
                              أستعير من الصبر أنفاساً عذراء أنفخها في رئة زواجنا لكي يعيش
                              ( كمن يجري عملية إنعاش لمريض فقد وعيه ونبضه للحظات )
                              يستنسخ المأساة ( نفس الطعم والمرارة وإن اختلفت الألوان والحجوم )
                              في البداية توقعت أن تصبر وتستمر معه وتضع على جرحها ملحاً
                              ولكن بطريقة خاطفة وهادئة خرجت من حياته ... ودخلت قفصاً جديداً
                              كعادتي استمتعت بنص جميل
                              شكراً لك من القلب
                              نعم ..فعلا الإحترام قبل الحب و حتى بعد الكره.. و أنا سعدت بمرورك و كلماتك أخي فايز. شكرا من القلب و اتمنى ان تجد في نصوصي دائما ما يمتعك.
                              يظن الناس بي خيرا و إنّي
                              لشرّ الناس إن لم تعف عنّي

                              تعليق

                              يعمل...
                              X