Morocco palace

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبد اللطيف الخياطي
    أديب وكاتب
    • 24-01-2010
    • 380

    Morocco palace

    Morocco palace*


    صب الزجاجة في الكأس ، صب الكأس في جوفه، وصفق على النادل . استوى في جلسته . ثم، فجأة، لمعت في رأسه فكرة..
    استل ورقة مائدة من كأس أمامه وقلم بيك من جيب معطفه ، وشرع يكتب..

    ورقــــــــــــــــــة أولــــــــــــــــــــــى:

    " صب الزجاجة في الكأس ، صب الكأس في جوفه، وصفق على النادل ..."
    من خلفه مرت خديجة خلال عودتها من المرحاض، وداعبته على رأسه:
    ــ نزار.
    ــ مش تحـ
    كانت أسرع . كممت فمه براحة يدها ، وسألته إن كان ما يكتبه من أجلها أم من أجل الأخرى . أشاح عنها ، فقبلته على جبهته ومضت . تأملها من الخلف .. القحبة! تعرف أنه يكره أن يلمس أحد رأسه ، ومع ذلك تفعل بحجة حبها رؤية الغضب في عينيه " أنت أسد حقيقي حين تغضب .. يا قطي اللطيف " كانت تقول له، فيما بعد ، حين يستعيد هدوءه . أما هو فكان يستشعر تحويم الذبابة فوق رأسه . ليس للأمر علاقة بتسريحة شعره ،كما قد يتبادر إلى الذهن، لأنه لا يمشط شعره أصلا.. لا ، لم يكن الأمر كذلك و إنما فقط لأنه كان يتوقع دائما انسحاق دماغه تحت ضربة غادرة...
    وقته قصير ، لا مجال لتقليب المواجع . سوف تأتي جميلة بين لحظة و أخرى . في الإنتظار عليه أن يكتب شيئا..

    في نفس الموضوع.. ورقة خارج السيــاق

    خديجة...
    لأني عكر المزاج
    ولأنك تسببين لي الإزعاج
    غلقت قلبي
    بألف مزلاج
    و مزلاج

    طوى الورقة على اثنين.. على أربعة.. لفها على شكل سيجارة وجعل يمررها تحت أنفه. أخذت أساريره تنقبض وتتشنج، فيما ساقه اليمنى انطلقت تتأرجح ، في حركة بندولية، فوق ساقه اليسرى تحت الطاولة.
    جاء النادل، أخذ زجاجة فارغة ، فتح العامرة ووضعها مكان الأولى في حركة دربة ، و كذلك فعل مع الثانية ثم الثالثة و الرابعة و الخامسة. تسلم منه الورقة.. باسمه ،ربت على كتفه وانصرف.

    رب الحكاية يعود إلى ورقته

    سكب نصف زجاجة في كأسه، عبه و أشعل سيجارة. وضع الولاعة فوق العلبة، دفعها إلى زاوية الطاولة و عاد إلى ورقته الأولى.
    " صب الزجاجة في الكأس ،صب الكأس في جوفه ،و صفق على النادل..."
    حاول أن يتذكر . سحب نفسا من سيجارته ، تركه يسافر في رئتيه . عب نصف الجعة المتبقي من الزجاجة مباشرة ، ثم نفث على دفقتين سحابة دخان أبيض.عبثا يحاول .. كلمة واحدة فقط ويتواصل النسج.. اللعينة ...!كلمة يحسها على سن القلم ، وفي رأسه تنغل كدودة : دودة صغيرة وبيضاء كتلك التي رآها في رأس خروف ، حين اضطر لشي الرؤوس تحت نافذة حبه الأول (منذ ذات العيد لم يقرب لحم الرأس، و لم يعد يسعفه الشعر)...
    تذكر عياد (صديقه الذي جن) وشكواه الدائمة من الأفعى المستوطنة جمجمته والحاكمة عليه بأفظع العذابات . تشتد عليه فتراه يلف ذراعيه حول رقبته ، يتلوى ويعوي كلما زحفت عبر رقبته نحو عموده الفقري... لكن هذا ليس هو الموضوع .
    أحس بها في أذنه . حرك رأسه فسقطت في الكأس .. مصيبة أخرى!.. كان النادل بعيدا قرب المرقص، حيث كانت خديجة تتلوى فوق الحلبة. دعك عقب السيجارة في المنفضة . أخذ الكأس وسار بها نحو البارمان:
    ــ أريد كأسا أخرى . هذه سقطت فيها دودة
    الكأس مترعة حتى حافتها برغوة بيضاء . رفعها البارمان أمام عينيه وتأملها في الضوء ، قبل أن يضعها تحت " الكونطوار" ويعطيه بدلها أخرى نظيفة مغمغما "الدودة فيك"...
    عاد " نزار " إلى ورقته :
    صب الزجاجة في الكأس ، صب الكأس في جوفه ، وصفق على النادل...
    طالما كتب " قصائد " وزعها على العاهرات في " المغرب بلاص" والحانات الأخرى . الآن يود أن يجرب حظه مع القصة.. الفراغ شاسع ، رهيب و قاس . أطرافه ترتجف و أسنانه تصطك.. كأنه منفي وسط صحراء صقيعية.. مساحات شاسعة من البياض ، و لا علامة سوداء واحدة تلوح في الأفق .. ولا كلمة...
    بلمسة خفيفة على شعره، من أنامل يتمنى شعب "المغرب بلاص" لحسها ، أضاع الكلمة التي يتوقف عليها مصير هذه القصة . لكنه لن يستسلم . الآلهة لا تنهزم .. هو رب هذه الحكاية وسيبعث فيها الحياة .
    صب الزجاجة في الكأس ، صب الكأس في جوفه ،و... و بيد متشنجة مزق الورقة.

    ورقـــــــــــــــــــــــة أخـــــــــــرى

    صب الزجاجة في الكأس ، صب الكأس في جوفه ، وصفق على النادل. وقته قصير ، لا مجال لتقليب المواجع . جميلة سوف تأتي بين لحظة وأخرى، فليفكر في أشياء جميلة. . ليفكر في جميلة نفسها . طبعا جميلة اليوم لن تكون جميلة الأمس. . عمر بأكمله يفصلهما . " الزمن أوجد لها أسماء بعدد حانات المدينة" قالت له خديجة .
    كيف هي الآن ؟ شكلها لايعنيه . قد يكون صادفها في إحدى " الحفر" ونام معها دون أن يعرفها.. احتمال وارد..!
    أغمض عينيه ، فإذا بها أمامه تنظر إليه من فوق . جميلة ، كعارضة أزياء . تقف في سروال لاصق على كعب عال . تقدم ساقا و تؤخر أخرى ،و ترفع كأسا نحو الثريا كأنها تمثال الحرية ، بينما يلثم شعر قمحي( كانت سمراء حين أحبها !) فاكهتي صدرها الرحب . سال لعابه شهوة إلى الفاكهة .. مد يده إلى واحدة فانقطفت على أصابعه، مثل " سويهلة" ناضجة . تعفنت في الآن وتحللت دودا أبيض . بينما انهارت جميلة ..انساخ حبه الأول ، وزحف الدود على بلاط " المغرب بلاص" .
    نفض يديه وكمي معطفه . أخذ زجاجته المتبقية ، تخطى كتلة الدود وانسحب . كانت خديجة ترتاح على الكنبة أمام المرقص . جلس إليها وأسند رأسه إلى صدرها فولعت له لفافة و دستها له بين شفتيه . ما لبثت السيجارة أن انطفأت ، لانت وسقطت تزحف على فخذه .. وتر إصبعيه الإبهام والوسطى وقصفها ، في اشمئزاز، فاستقرت على ياقة أحدهم . استدار هذا صوبه، حدجه بنظرة متهمة ، متوعدة ، وتقدم نحوه .
    أغمض "نزار" ـ وقد شعر بالخطر ـ عينيه و تظاهر بالنوم . لكنه أحس باندلاق سائل بارد على رأسه و رقبته فانتفض مرعوبا ليتفاجأ بخديجة و النادل يقفان عند رأسه ، و بالمغرب بلاص وقد بدأ يخلو من شعبه ، و بالفرقة الموسيقية تعزف المقطع الأخير من النشيد الوطني"الله. الوطن . الملك " و بأوراقه وسجائره و قلمه و زجاجته الأخيرة على الطاولة . طلب دقيقة واحدة ودون أن ينتظر مزق الورقة .

    ورقــــــــــــــــــــــــــة أخـــيــــــــــــــــــــــــــــرة

    صب الزجاجة في الكأس ، صب الكأس في جوفه ، و صفق النادل.




    * مرقص شهير بمدينة طنجة يعزف به النشيد الوطني في ختام السهرة .
    التعديل الأخير تم بواسطة عبد اللطيف الخياطي; الساعة 02-06-2011, 10:27.
    [frame="2 98"]
    زحام شديد في المدينة.
    أما الوجوه فلا تعكس سوى الفراغ المهول
    [/frame]
  • ربيع عقب الباب
    مستشار أدبي
    طائر النورس
    • 29-07-2008
    • 25792

    #2
    لا أدرى صديقي عبد اللطيف لما هاجمتني صور ولاة بني أمية كالوليد
    و غيره ، و أيضا عمامة هذا الشيخ الذى خلفها للنادل على باب المرقص
    ثم حين خروجه أعطاه بدلا منها زعبوطا دون أن يدرى !!

    رأيتك هنا و قد حاولت بقدرة معرفية تلوين التناقض الصارخ
    ما بين هذا الكاتب و ما يعتمل فى صدره
    ما بينه و بين كأسه التى لا تفرغ إلا لتمتلئ
    ما بين خديجة و جميلة .. و جريمة هذا المثقف و انتظاره الذى لم يشف غليلي كقاريء

    هذا التناقض العجيب و المرير ما بين المرقص الشهير و النشيد الوطني
    و تلك اللزمة التى دأبت على تلوين المتن بها
    لترسيخ تلك اللعبة أو الضحكة المكتومة فى روح و قلب هذا الكاتب
    دون أن توغل بنا فى خلفيات قد تكون مفيدة و ضرورية

    بالتأكيد لو كان بلا قضية ما
    مثل ما رأينا من كتابنا العظام فى العصور البائدة
    و انغماسهم فى الشرب حد التهتك و ربما العمى و الموت أو الجنون
    و لكن مالي أرى قضيته عاطفية .. مالى أتعاطف معه ، و مع ألمه الكامن
    أدور معه ، و أتجرع معه خيبات ، أكاد ألمسها .. و لكنها تحلق برغمي كما دخان !!

    مازلت فى حاجة لقراءة أخري
    دم طيبا جميلا
    sigpic

    تعليق

    • عبد اللطيف الخياطي
      أديب وكاتب
      • 24-01-2010
      • 380

      #3
      أخي ربيع، القضية أكبر من قصة قصيرة .. نعم يلزمها رواية حسب تعبيرك .. لهذا داخ الكاتب و بقي يدور حول تلك اللازمة. سعدت كثيرا بقراءتك الرائعة محبتي
      [frame="2 98"]
      زحام شديد في المدينة.
      أما الوجوه فلا تعكس سوى الفراغ المهول
      [/frame]

      تعليق

      يعمل...
      X