كان يعلم في أعماقه بأنه قد لا يعود جسدا .. حيث تستطيع أمه أن تناديه لتوقظه كل صباح للخروج باكرا وهى تحمل بيدها فنجان قهوته كعادتها.. هناك حيث يصارع من أجل لقمة عيشه ، وإخوته في ساحة السوق الرئيسي للمخيم.. فيفترش بسطته المتواضعة في مكانه المخصص ليبدأ يومه الذي ينتهي مع غياب الشمس..لكن أمرا ما خيم على تفكيره، واستحوذ على عقله؟ بعد العشاء، كان الاجتماع يضمه مع ثلة من رفاقه في تلك الليلة التي استبقت لحظة الانطلاق.. حيث اتخذ الشباب قرارهم بالإجماع ...
تقاطرت جموعهم صباحا، تنسل من بين الأزقة خفافا ..يتجمعون في نقاط متفق عليها ..ما لبثت أن تحركت حافلات تم استئجارها خصيصا، لتقلهم إلى أقرب نقطة حدودية في هضبة الجولان المحتلة...
اقتربت الحافلات بصعوبة تزحف عجلاتها على طريق وعرة ، حتى تراءت لهم بالعين المجردة حدود فلسطين الشمالية.. وظهرت بوضوح تلك الجدران من الأسلاك الشائكة ..وهنا أفرغت الحافلات حمولتها من شباب العودة.. رافعين رايات الوطن .. يندفعون في تحدّ ٍعجيب للمحتل.. كان بالانتظار يرقبهم عن كثب ..تأكد بأنهم لا يحملون غير رايات خفاقة بسواعد الإصرار وعزيمة الثائرين.. تقدموا أكثر فأكثر.. قطعوا الأسلاك الشائكة .. زحفوا أسفلها لتنتصب قاماتهم بشموخ وإباء، حيث داسوا ثرى الأرض المحتلة..تدفقوا مندفعين على تراب ارض الآباء والأجداد .. وازداد حقد الجنود بمناظير القناصة ..وتوتر أعصابهم من مشاهدة الشباب الأعزل إلا من إيمانه بعدالة قضيته وقدسيتها.. وتفاقم حقدهم أكثر عندما بدأ الشباب قذفهم بالحجارة..ما بين رصاص ودخان وحجارة، بدأ الشهداء يتساقطون.. نادى أكرم رفاقه :أسرعوا ..لقد سقط فؤاد شهيدا ..ما أن انتهى من جملته حتى صرخ محمد مستغيثا: بتر الكلاب ساقي ..لا اشعر بها ولا أقوى على النهوض.. يزحف أكرم على بطنه.. يحاول أن يسحب محمد بعيدا عن مرمى نيران القناصة ..يفلح أخيرا بوضعه خلف صخرة يتخذها ساترا لهما...يتركه ليعود مسرعا إلى حيث رفاقه المندفعين من أسفل السياج الشائك.. يبدأون بإلقاء الحجارة نحو الجنود وتعلو حناجرهم بالهتاف لفلسطين والحرية والعودة.. ترتفع هستيريا الجنود فيمعنوا بإطلاق النيران على شباب أعزل إلا من حجارة يلتقطها بقبضته..يزداد إصرار الشباب .. تقوى العزيمة مع تزايد الصرخات بالتكبير والهتاف ويستمر تساقط الشهداء ..الموقف عصيب يستشعره أكرم ورفاقه بلغة عيونهم ..المنطقة أصبحت تقطر دما والخطر يحدق بكل شيء يتحرك..لا وجود لسيارات الإسعاف.. حملوا الجرحى والشهداء على الأكتاف... انه مشهد عز وتضحية وفداء ..
مر وقت ليس بالقصير.. سالت دماء غزيرة عزيزة.. وروت بطاحا عطشى للحرية والخلاص.. كان أكرم لايزال يهتف ملوحا بعلم فلسطين ..يرجمهم بحجارته كالقنابل في وقعها المعنوي على نفوس الجنود المرتعبين ثم يتخفى وراء إحدى الصخور التي يزخر بها المكان..ليردوا برصاص القنص أو زخات من أسلحة رشاشة، تنطلق من خلف الخطوط بشكل عشوائي .. كان يسمع أزيزها من فوق الرؤوس ..
ينسحب الشباب بعد أن زاد عدد الشهداء في مواجهة غير متكافئة.. لكن رسالتها أقوى من غطرسة المحتلين...يلتفت أكرم إلى رفاقه من المخيم وقد تبلل قميصه بدمائهم الزكية.. ولم يجد أحدا منهم.. ليطلق صرخة مدوية ترج السماء.. يعلو التكبير.. ويعلو اسم فلسطين عاليا يعانق أرواح من مضوا شهداء في سبيل الأوطان...
في اليوم التالي تنطلق جماهير مخيم اليرموك لتشييع الأبطال..كان أكرم في المقدمة لا يزال يهتف معاهدا دم الشهداء .. فجأة يبدأ الرصاص بالانهمار على جموع الجماهير! يتدافع الشباب نحو مصادر النار.. يصرخ أكرم: إنهم في ذاك المبنى؟ بلمح البصر يصلونه ويشعلون النيران فيه.. يزداد إطلاق النار على المشيعين ! يتساقط الشهداء في مشهد يتكرر لكنه برصاص الغدر والخيانة لتلك الجماعة المارقة والحاقدة ..إنها بنادق مأجورة ترمى شباب المخيم بنذالة وجبن ..يزداد الهرج والمرج ..تسقط الأقنعة عن رموز معينة.. تتعرى بكل فجاجة ووقاحة وخسة أمام الجماهير..لتزداد شراسة وعنادا، تمعن في التقتيل والترويع.. تأتى سيارات الإسعاف لنقل الجثث والجرحى..الذين اكتظ بهم مستشفى المخيم.. يتأخر أكرم في العودة للبيت.. تذهب أم أكرم إلى المستشفى الوحيد حيث الجرحى وأكداس الشهداء الأبرياء..يتجمد الدم في عروقها؟ تضرب بكفيها على صدرها حين يقع نظرها على أكرم مضرج بدمائه ..كان مبتسما عندما اعتقدت بأنه مصاب.. فتقدمت منه تناديه: أكرم حبيبي ..أكرم ..أكرم ..لكنه لم يجب نداء أمه، ولن تستطيع لاحقا أن توقظه في كل صباح، وفنجان قهوته المفضلة بيدها .
(إهداء إلى شهداء مخيم اليرموك اللذين سقطوا برصاص جماعة جبريل العميلة)
تقاطرت جموعهم صباحا، تنسل من بين الأزقة خفافا ..يتجمعون في نقاط متفق عليها ..ما لبثت أن تحركت حافلات تم استئجارها خصيصا، لتقلهم إلى أقرب نقطة حدودية في هضبة الجولان المحتلة...
اقتربت الحافلات بصعوبة تزحف عجلاتها على طريق وعرة ، حتى تراءت لهم بالعين المجردة حدود فلسطين الشمالية.. وظهرت بوضوح تلك الجدران من الأسلاك الشائكة ..وهنا أفرغت الحافلات حمولتها من شباب العودة.. رافعين رايات الوطن .. يندفعون في تحدّ ٍعجيب للمحتل.. كان بالانتظار يرقبهم عن كثب ..تأكد بأنهم لا يحملون غير رايات خفاقة بسواعد الإصرار وعزيمة الثائرين.. تقدموا أكثر فأكثر.. قطعوا الأسلاك الشائكة .. زحفوا أسفلها لتنتصب قاماتهم بشموخ وإباء، حيث داسوا ثرى الأرض المحتلة..تدفقوا مندفعين على تراب ارض الآباء والأجداد .. وازداد حقد الجنود بمناظير القناصة ..وتوتر أعصابهم من مشاهدة الشباب الأعزل إلا من إيمانه بعدالة قضيته وقدسيتها.. وتفاقم حقدهم أكثر عندما بدأ الشباب قذفهم بالحجارة..ما بين رصاص ودخان وحجارة، بدأ الشهداء يتساقطون.. نادى أكرم رفاقه :أسرعوا ..لقد سقط فؤاد شهيدا ..ما أن انتهى من جملته حتى صرخ محمد مستغيثا: بتر الكلاب ساقي ..لا اشعر بها ولا أقوى على النهوض.. يزحف أكرم على بطنه.. يحاول أن يسحب محمد بعيدا عن مرمى نيران القناصة ..يفلح أخيرا بوضعه خلف صخرة يتخذها ساترا لهما...يتركه ليعود مسرعا إلى حيث رفاقه المندفعين من أسفل السياج الشائك.. يبدأون بإلقاء الحجارة نحو الجنود وتعلو حناجرهم بالهتاف لفلسطين والحرية والعودة.. ترتفع هستيريا الجنود فيمعنوا بإطلاق النيران على شباب أعزل إلا من حجارة يلتقطها بقبضته..يزداد إصرار الشباب .. تقوى العزيمة مع تزايد الصرخات بالتكبير والهتاف ويستمر تساقط الشهداء ..الموقف عصيب يستشعره أكرم ورفاقه بلغة عيونهم ..المنطقة أصبحت تقطر دما والخطر يحدق بكل شيء يتحرك..لا وجود لسيارات الإسعاف.. حملوا الجرحى والشهداء على الأكتاف... انه مشهد عز وتضحية وفداء ..
مر وقت ليس بالقصير.. سالت دماء غزيرة عزيزة.. وروت بطاحا عطشى للحرية والخلاص.. كان أكرم لايزال يهتف ملوحا بعلم فلسطين ..يرجمهم بحجارته كالقنابل في وقعها المعنوي على نفوس الجنود المرتعبين ثم يتخفى وراء إحدى الصخور التي يزخر بها المكان..ليردوا برصاص القنص أو زخات من أسلحة رشاشة، تنطلق من خلف الخطوط بشكل عشوائي .. كان يسمع أزيزها من فوق الرؤوس ..
ينسحب الشباب بعد أن زاد عدد الشهداء في مواجهة غير متكافئة.. لكن رسالتها أقوى من غطرسة المحتلين...يلتفت أكرم إلى رفاقه من المخيم وقد تبلل قميصه بدمائهم الزكية.. ولم يجد أحدا منهم.. ليطلق صرخة مدوية ترج السماء.. يعلو التكبير.. ويعلو اسم فلسطين عاليا يعانق أرواح من مضوا شهداء في سبيل الأوطان...
في اليوم التالي تنطلق جماهير مخيم اليرموك لتشييع الأبطال..كان أكرم في المقدمة لا يزال يهتف معاهدا دم الشهداء .. فجأة يبدأ الرصاص بالانهمار على جموع الجماهير! يتدافع الشباب نحو مصادر النار.. يصرخ أكرم: إنهم في ذاك المبنى؟ بلمح البصر يصلونه ويشعلون النيران فيه.. يزداد إطلاق النار على المشيعين ! يتساقط الشهداء في مشهد يتكرر لكنه برصاص الغدر والخيانة لتلك الجماعة المارقة والحاقدة ..إنها بنادق مأجورة ترمى شباب المخيم بنذالة وجبن ..يزداد الهرج والمرج ..تسقط الأقنعة عن رموز معينة.. تتعرى بكل فجاجة ووقاحة وخسة أمام الجماهير..لتزداد شراسة وعنادا، تمعن في التقتيل والترويع.. تأتى سيارات الإسعاف لنقل الجثث والجرحى..الذين اكتظ بهم مستشفى المخيم.. يتأخر أكرم في العودة للبيت.. تذهب أم أكرم إلى المستشفى الوحيد حيث الجرحى وأكداس الشهداء الأبرياء..يتجمد الدم في عروقها؟ تضرب بكفيها على صدرها حين يقع نظرها على أكرم مضرج بدمائه ..كان مبتسما عندما اعتقدت بأنه مصاب.. فتقدمت منه تناديه: أكرم حبيبي ..أكرم ..أكرم ..لكنه لم يجب نداء أمه، ولن تستطيع لاحقا أن توقظه في كل صباح، وفنجان قهوته المفضلة بيدها .
(إهداء إلى شهداء مخيم اليرموك اللذين سقطوا برصاص جماعة جبريل العميلة)
تعليق