هو ذا الربيع ينثر زهوره في كل مكان ..ينشر رائحة ورود حديثة التفتح في كل الأنحاء ..تداعب البسمة الوردية ذلك الجمال الأخاذ في الوجنتين الورديتين لأمي..فتقول لها بلغة الطبيعة أحلى الكلمات ..وترحل بها إليها ..تجعلها تنام لفترات متقطعة و تنهض باسمة حالمة في كل حين ..زقزقة العصافير تملأ المكان ..صوت بارد و دافئ في نفس الوقت يتناغم صاعدا و نازلا ..ولا يترك أثرا للحزن ..
ذاك هو حال الربيع في مزرعتنا الصغيرة ، مع الطبيعة الرائعة الخلابة ..تجعلني أطيل النظر في عيني أمي التي تعمل بجد منذ الصباح ، فتخرج الخراف الصغيرة من مخبئها الصغير ..وتطعم حيوانات المزرعة و طيورها النقية الطاهرة طهر المكان ..وصفاء الجو الناعم الذي يتناول فسحة شاسعة جدا ..ثم تعود إليّ مليئة بالنشاط ..وحبات العرق الذهبية تتلألأ في جبهتها البيضاء .. كلها جد و نشاط ، بداخلها حب كبير للمزرعة و لكل ما في المزرعة ، هذا فصل العمل الذي يسبق الحصاد ..ونحن بصدد استقبال موسم أكثر خيرا إن شاء الله ..
تعودت على رؤية جدتي تطوف بأرجاء المنزل و المزرعة لتضع لمستها على كل شيء يأتي أمامها ..مبدعة في كل يوم ..صانعة للفرق في كل مرة ..فرق شاسع بين الربيع و الخريف و الشتاء و الصيف ..بين الأمس و اليوم ..بين الجمال و البهاء ..تصنف كل شيء ببراعة كبيرة ..و اليوم هي ذي أمي تتبع ظلها ، و تسعى جاهدة في سد فراغ كان قد خيب على المكان منذ وقت ..حتى لا تختفي رائحة النشاط و الجمال بالبيت ولا بالمزرعة ..ولا بالضيعة ..
كنت أتأمل في كل أفراد العائلة ..في النشاط و القوة الكامنة داخل نفوسهم ، في الصفاء و الطيبة التي تميز كل واحد منهم ..في روعة البريق داخل عيني كبارهم ..بريق إصرار و جمال ..فكنت أدعوا الله أن يحفظ هذه الوجوه النيرة مع بعضها ..أن يحافظ على التناسق الذي صنعه العمل بينهم ،تأملت بدأبهم بالعمل فتخيلت خلية النحل ..و نشاط النملة ، وكلاهما مكرمتان بذكرهما سورتين في كتاب صحيح وطاهر جدا ..
عمق الحب للمكان يرتسم في جهد كل منهم ..صغار العائلة يمسكون أمورا سهلة ليصلوا إلى مرحلة صعبة ، فيساعدون الكبار في بعض الأمور ..و يتعلمون كيف يتقنونها أكثر و أكثر ..أما الكبار فلا تكاد تشعر بهم سوى وقد أنجزوا كل أعمالهم في زمن قياسي جدا ..
لا ألبث أن أدخل معهم في معمعة عمل دؤوب ..عمل يراه العديد من الناس قاسيا ..كنت أراه قاسيا ..لكنه ممتع للغاية ..ممتع جدا ، ولا أطيق عليه صبرا ..فمتعته تكمن في صعوبته ، بل في تحدي صعوبته..
جميل هو العمل المضني، و أجمل منه الراحة التي تأتي بعده ، راحة الجسد و التفكير ..راحة الضمير و صفاء التفكير ...
رائحة الطبيعة تدغدغ الجوارح المرهفة بالحس الضحوك .وتشعل أجيج ثورة الزهور والحب الصادق ..قلوب تتآلف في ظل روعة الاخضرار التي ترتسم في كل صوب ..فتنعش القاصي قبل الداني ..
يحس الفرد بشيء من الفخر و قد امتزج مع قربان من الطمأنينة ..يلتهم فيها بشراهة ثمار عرقه المتلألئ طوال اليوم ..يحس وقد أنجز كل أعماله و بصدق كبير ، وقد خدم مزرعته الواسعة في تكافل عائلي سادته السعادة التامة ..بتفاؤل عظيم يكفيه ليقضي سبع سنوات ضاحكا و ستة شهور بعدها مبتسما ..ضاما ذراعيه بكفيه ومقبلا قلبه بيمناه ..ذلك هو أعظم تفاؤل ..وتلك هي روعة الحياة ..يتذكر خلالها المرء جنة قد وعد بها ..وقد أعدت له و لطيبته في الدنيا ..
أتمنى بعدها لو أن كل الناس يذوقون طعم العمل اللذيذ ..ويتركون الراحة التي تولد التعب ، يتنفسون هواءً نقيا قد امتزج بنشاط و حالة اجتماعية تسرهم و تذكرهم بالكثير من الأفراح .و ينسيهم معنى الحزن ..
محمد توفيق صابر
27/12/2007
الجزائر
ذاك هو حال الربيع في مزرعتنا الصغيرة ، مع الطبيعة الرائعة الخلابة ..تجعلني أطيل النظر في عيني أمي التي تعمل بجد منذ الصباح ، فتخرج الخراف الصغيرة من مخبئها الصغير ..وتطعم حيوانات المزرعة و طيورها النقية الطاهرة طهر المكان ..وصفاء الجو الناعم الذي يتناول فسحة شاسعة جدا ..ثم تعود إليّ مليئة بالنشاط ..وحبات العرق الذهبية تتلألأ في جبهتها البيضاء .. كلها جد و نشاط ، بداخلها حب كبير للمزرعة و لكل ما في المزرعة ، هذا فصل العمل الذي يسبق الحصاد ..ونحن بصدد استقبال موسم أكثر خيرا إن شاء الله ..
تعودت على رؤية جدتي تطوف بأرجاء المنزل و المزرعة لتضع لمستها على كل شيء يأتي أمامها ..مبدعة في كل يوم ..صانعة للفرق في كل مرة ..فرق شاسع بين الربيع و الخريف و الشتاء و الصيف ..بين الأمس و اليوم ..بين الجمال و البهاء ..تصنف كل شيء ببراعة كبيرة ..و اليوم هي ذي أمي تتبع ظلها ، و تسعى جاهدة في سد فراغ كان قد خيب على المكان منذ وقت ..حتى لا تختفي رائحة النشاط و الجمال بالبيت ولا بالمزرعة ..ولا بالضيعة ..
كنت أتأمل في كل أفراد العائلة ..في النشاط و القوة الكامنة داخل نفوسهم ، في الصفاء و الطيبة التي تميز كل واحد منهم ..في روعة البريق داخل عيني كبارهم ..بريق إصرار و جمال ..فكنت أدعوا الله أن يحفظ هذه الوجوه النيرة مع بعضها ..أن يحافظ على التناسق الذي صنعه العمل بينهم ،تأملت بدأبهم بالعمل فتخيلت خلية النحل ..و نشاط النملة ، وكلاهما مكرمتان بذكرهما سورتين في كتاب صحيح وطاهر جدا ..
عمق الحب للمكان يرتسم في جهد كل منهم ..صغار العائلة يمسكون أمورا سهلة ليصلوا إلى مرحلة صعبة ، فيساعدون الكبار في بعض الأمور ..و يتعلمون كيف يتقنونها أكثر و أكثر ..أما الكبار فلا تكاد تشعر بهم سوى وقد أنجزوا كل أعمالهم في زمن قياسي جدا ..
لا ألبث أن أدخل معهم في معمعة عمل دؤوب ..عمل يراه العديد من الناس قاسيا ..كنت أراه قاسيا ..لكنه ممتع للغاية ..ممتع جدا ، ولا أطيق عليه صبرا ..فمتعته تكمن في صعوبته ، بل في تحدي صعوبته..
جميل هو العمل المضني، و أجمل منه الراحة التي تأتي بعده ، راحة الجسد و التفكير ..راحة الضمير و صفاء التفكير ...
رائحة الطبيعة تدغدغ الجوارح المرهفة بالحس الضحوك .وتشعل أجيج ثورة الزهور والحب الصادق ..قلوب تتآلف في ظل روعة الاخضرار التي ترتسم في كل صوب ..فتنعش القاصي قبل الداني ..
يحس الفرد بشيء من الفخر و قد امتزج مع قربان من الطمأنينة ..يلتهم فيها بشراهة ثمار عرقه المتلألئ طوال اليوم ..يحس وقد أنجز كل أعماله و بصدق كبير ، وقد خدم مزرعته الواسعة في تكافل عائلي سادته السعادة التامة ..بتفاؤل عظيم يكفيه ليقضي سبع سنوات ضاحكا و ستة شهور بعدها مبتسما ..ضاما ذراعيه بكفيه ومقبلا قلبه بيمناه ..ذلك هو أعظم تفاؤل ..وتلك هي روعة الحياة ..يتذكر خلالها المرء جنة قد وعد بها ..وقد أعدت له و لطيبته في الدنيا ..
أتمنى بعدها لو أن كل الناس يذوقون طعم العمل اللذيذ ..ويتركون الراحة التي تولد التعب ، يتنفسون هواءً نقيا قد امتزج بنشاط و حالة اجتماعية تسرهم و تذكرهم بالكثير من الأفراح .و ينسيهم معنى الحزن ..
محمد توفيق صابر
27/12/2007
الجزائر
تعليق