ودع أمه حاملا المحفظة..متلهفا للقاء المدرسة ملتحفا بكثير من الشجاعة النادرة لم يأخذ فطوره المعتاد أصبح كطعم النار ولكن المدرسة مغلقة يا بني؟ لم ينبس ببنة شفة ورمقها بنظرة الكبار ثم تمتم علينا أن نفتح أبواب المدرسة يا أمي كرهت من هذا المكوث اليائس في البيت كسجين بائس لقد اشتقت الطبشور ورائحة التاريخ وباقات الشعر الجميل "اضرب عدوك لا مفر"1 أتعرفين أمي آخر درس تلقيته لقد أوقفنى المعلم وطلب مني تذكر كل الأحداث التى مرت بنا ولكنى تذكرت شيئا واحدا فقط أننا نذوب ونذبل كشموع المعابد المهجورةيوما بعد يوم نحصى حطامنا وعظامنا المكسورة ونشاهد بعيوننا الملتاعة خريطتنا وهي تنكمش رويدا رويدا كقوقعة عتيقة ترابنا غمرته سيول جارفة من الدماء الحارة العنيفة أتذكر أني سألت أستاذ العلوم يوما أيمكن أن تنبت الورود وأشجار الزيتون الأخضر بأنهار الدماء المراقة؟
ولم أبرح ساحة هذه الأسئلة المتفجرة داخلى كالقنابل كنت دائما أتطلع عبر نافذتي الضيقة -المقابلة للشارع
الرئيسي للمدينةالغارقة في الغضب-فاجعة الإنسان والوطن والتاريخ وحرائق ووجائع فظيعة وكثيرا من دموع الأمهات الثكالى كنت أتعجب من كومات الحجر المبعثر في الطرقات مشكلا مناظر غاية فى الجمال
المرعب لوحات ولوحات تمر في مخيلتى النازفة تباعا كنت أسأل أبى لم نستعمل الحجر ويستعملون الرصاص؟هل ما سمعته صحيحا ألا يموتون إلا بالحجر ؟عندما تكبر ستدرك كل شيء بل أعرف ياأبي نحن
نضربهم بمادة الأرض هكذا قال لي أستاذ التاريخ يوما أبي إن الأرض تلعنهم نحن نسقيها بدمائنا بآهاتنا
ودموع أمهاتنا بأشلائنا الباسلة وهي تمدنا بالحجر "بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول"2
الحجر هو عنوان تاريخى وتاريخ أجدادي إني أرى فيه صورة جدي عندما حملت الحجر ذات مرة رأيته
بلوريا شفافا كنت أتطلع إلى سحنته بإعجاب أقلبه أقلبه كان يمنحنى بعض السعادة وكثير من الأمان النفسى
الغريب آه أيها الحجر لو لم تكن لما كنت أنا الآن صامدا متشبثا بالمكان أرمم عاري هذه الحجارة المرمية
فى صحن الدار كانت مادة جدراننا الحبيبة تسترق السمع لأنيننا وعذابنا اللعين وتعرف أخبارنا وتشارك
أفراحنا وعرسنا الجميل وتحمل أوراق إعتماد حزننا الطويل وترصد أصداء هزائمنا هاهي تزين أسوار قلعتنا
الشماء تذوذ عن كبريائنا وأعراضنا المستباحة وتتنتظر بلهفة المشتاق انتصارنا الكبير
خرجت دلفت عمق الشارع المحموم وانخرطت في معمعة الصراع كنت قد ملأت محفظتي بحجارة التقطتها
من باب حارتي وجدت جنديا متخفيا كجرذ عفن مكفنا بلباس مرقط كالثعبان يحمل رشاشا هائلا كان قد رأى
الحجر في يدى فارتعدت فرائصه خاف من أن يكشف الحجر عورته كان الحجر فى يدي يصرخ يريد الإنطلاق
أدرك بغيته حضنته بقوة كطفل رضيع رحت أتحين الفرصة المواتية ثم قذفت به نحوه أحسست براحة ورغبة
فى الصراخ الله أكبر بل أطلقتها مدوية فى وجهه بل في قلبه ثم رأيت ما يشبه الدم يتفجر منه سرعان ما تحولالجندي بعدها إلى صورة ترسخت في ذهنى عندما سألت معلمى عن شكل الشيطان وحينها تذكرت قولة أمى "شيئان يضربان بالحجر هؤلاء والشيطان"
تمت
عبد النعيم بغيبغ
هوامش
1-من قصيدة لمحمود درويش
2-من سورة الفيل
ولم أبرح ساحة هذه الأسئلة المتفجرة داخلى كالقنابل كنت دائما أتطلع عبر نافذتي الضيقة -المقابلة للشارع
الرئيسي للمدينةالغارقة في الغضب-فاجعة الإنسان والوطن والتاريخ وحرائق ووجائع فظيعة وكثيرا من دموع الأمهات الثكالى كنت أتعجب من كومات الحجر المبعثر في الطرقات مشكلا مناظر غاية فى الجمال
المرعب لوحات ولوحات تمر في مخيلتى النازفة تباعا كنت أسأل أبى لم نستعمل الحجر ويستعملون الرصاص؟هل ما سمعته صحيحا ألا يموتون إلا بالحجر ؟عندما تكبر ستدرك كل شيء بل أعرف ياأبي نحن
نضربهم بمادة الأرض هكذا قال لي أستاذ التاريخ يوما أبي إن الأرض تلعنهم نحن نسقيها بدمائنا بآهاتنا
ودموع أمهاتنا بأشلائنا الباسلة وهي تمدنا بالحجر "بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول"2
الحجر هو عنوان تاريخى وتاريخ أجدادي إني أرى فيه صورة جدي عندما حملت الحجر ذات مرة رأيته
بلوريا شفافا كنت أتطلع إلى سحنته بإعجاب أقلبه أقلبه كان يمنحنى بعض السعادة وكثير من الأمان النفسى
الغريب آه أيها الحجر لو لم تكن لما كنت أنا الآن صامدا متشبثا بالمكان أرمم عاري هذه الحجارة المرمية
فى صحن الدار كانت مادة جدراننا الحبيبة تسترق السمع لأنيننا وعذابنا اللعين وتعرف أخبارنا وتشارك
أفراحنا وعرسنا الجميل وتحمل أوراق إعتماد حزننا الطويل وترصد أصداء هزائمنا هاهي تزين أسوار قلعتنا
الشماء تذوذ عن كبريائنا وأعراضنا المستباحة وتتنتظر بلهفة المشتاق انتصارنا الكبير
خرجت دلفت عمق الشارع المحموم وانخرطت في معمعة الصراع كنت قد ملأت محفظتي بحجارة التقطتها
من باب حارتي وجدت جنديا متخفيا كجرذ عفن مكفنا بلباس مرقط كالثعبان يحمل رشاشا هائلا كان قد رأى
الحجر في يدى فارتعدت فرائصه خاف من أن يكشف الحجر عورته كان الحجر فى يدي يصرخ يريد الإنطلاق
أدرك بغيته حضنته بقوة كطفل رضيع رحت أتحين الفرصة المواتية ثم قذفت به نحوه أحسست براحة ورغبة
فى الصراخ الله أكبر بل أطلقتها مدوية فى وجهه بل في قلبه ثم رأيت ما يشبه الدم يتفجر منه سرعان ما تحولالجندي بعدها إلى صورة ترسخت في ذهنى عندما سألت معلمى عن شكل الشيطان وحينها تذكرت قولة أمى "شيئان يضربان بالحجر هؤلاء والشيطان"
تمت
عبد النعيم بغيبغ
هوامش
1-من قصيدة لمحمود درويش
2-من سورة الفيل
تعليق