محطات نقدية / القصيدة التناغمية (تحديد الهوية ) ----هيثم الريماوي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • هيثم الريماوي
    مشرف ملتقى النقد الأدبي
    • 17-09-2010
    • 809

    محطات نقدية / القصيدة التناغمية (تحديد الهوية ) ----هيثم الريماوي

    القصيدة التناغمية (تحديد هوية) ..........هيثم الريماوي




    1حول تعريف الشعر
    يرى فيرديناند دي سوسير أن الكلمة بالمعنى الواسع لها "هي رمز لفظي يستغرق فترة زمنية ما و ذو أثر نفسي على المتلقي , يعبر عن مدلول ما مادي أو معنوي والعلاقة بين الدّال والمدلول هي خطّية اعتباطية , والكلام بوصفه نظاماً يعطي معناه ضمن العلاقات الإختلافية بين الكلمات (الرموز)و ضمن علاقة مركبة يختلف وقعها النفسي على المتلقي باختلاف هذه العلاقة مثلاً يختلف قولنا (سقط الإنسان إذا كذب ) عن قولنا (إذا سقط الإنسان كذب)
    يقول عبد القاهر الجرجاني
    ((يُعلم أنه لا يستعار اللفظ مجرداً عن المعنى ولكن يستعار المعنى ثم اللفظ يكون تابعا للمعنى))
    يقول ابن سنان الخفاجي عن تعريف الشعر :
    (( هو التأليف الذي يشهد الذوق بصحته أو العروض. أما الذوق فلأمر يرجع إلى الحس، وأما العروض فلأنه قد حصر فيه جميع ما عملت العرب عليه من الأوزان، فمتى عمل الشاعر شيئا لا يشهد بصحته الذوق و كانت العرب قد عملت مثله جاز له ذلك... والذوق مقدم على العروض. فكل ما صح فيه لم يلتفت إلى العروض في جوازه))

    يقول أدونيس
    ((المعنى هو فعالية العلاقات التي ينتجها الكلام.يكون المعنى غنيا بقدر ما تكون هذه العلاقات غنية. وفي هذا الحيز ، يمكن القول إن " الشكل " هو المعنى .النقد ، في بعض وجوهه ، هو الكشف عن هذه الفعالية))
    بافتراض أن ما تقدم كان صحيحا- يمكننا استنتاج ما يلي:
    -أن اللفظة المنفردة ليس لها قدرة على إضفاء بعد شعوري كلي عند المتلقي لانتفاء منطقية العلاقة بين اللفظة بوصفها صوت أو رسم دال على المعنى وبين المعنى المثال في أرض الواقع (بحسب ما يقول سوسير), وإنما يأتي البعد الشعوري عند المتلقي من الكلام بوصفه نظاماً من لبنات الألفاظ واختلافات شكلية تركيبها, وبما أن المعنى هو السابق على التركيب الشكلي (كما يقول الجرجاني ) , وبما أن التركيب الشكلي هو تجلي للمعنى عبره ومتوافق مع غنى علاقاته (كما يقول ادونيس) , فإن تغير المعنى السابق على الشكل سيؤدي إلى تغير كل طرائق التعبير بالضرورة على مستوى بنية الكلام لا على مستوى اللفظي لأن المعنى يتجلى في فعالية البنية الكلامية وبالتالي سيتغير البعد الشعوري عند المتلقي تبعاً لتغير طرائق التعبير والبنى الكلامية ,, بهذا يمكن القول :
    أن التأثير الشعوري الواقع على المتلقي بسبب العلاقات المركبة للكلام واستغراقها الزمني في القول هو الذي يحدد ابتداءً ما هو شعر مما هو ليس منه باعتيار أن المعنى يتجلى عبر هذه العلاقات المركبة والتي تؤثر بدورها شعورياً على المتلقي والذي آخيراً يحكم ذائقته في تحديد أن هذه العلاقات الكلامية المركبة هي ضمن الشعر أم لا وليس الشكل الجاهز لأن الذوق مقدم على العروض في تحديد الشعر (بحسب ما يقول ابن سنان الخفاجي) , وهذا تحديداً ما يدفع المتلقي للقول بأن ألفية أبن مالك (الفذّة ) ليست من الشعر في شيء وإن جاءت على بحر الرجز, لأنها تؤثر تفهيميا وتوضيحييا على المتلقي لا تصويرياً أو تخيلياً الأمر الذي يتنافى مع ذائقة المتلقي في اختيارها ضمن دائرة الشعر , وعليه يكون تطور القصيدة من الشكل العمودي و حتى قصيدة نثر هو محاولة لاستحداث المعاني من خلال علاقات مركبة جديدة للكلام وبالتالي تطوير التأئر النفسي عند المتلقي وبالتالي ذائقة المتلقي . أي أن جدلية (الشكل / المعنى ) هي الباعث لهذا التطور

    2حول تطور مفهوم الشعر
    يقول ابن سنان الخفاجي 1030 -1073
    (( ... والذوق مقدم على العروض. فكل ما صح فيه لم يلتفت إلى العروض في جوازه وهو اﻷصل الذي عملت العرب اﻷول عليه....وأما العروض هو استقراء لﻸوزان حدث بعد ذلك بزمان طويل))

    يفرق إدوارد الخراط بين ما يسميه الحساسية التقليدية والحساسية الجديدة
    الحساسية التقليدية« حيث كان العالم في مفهوم القاص أو المبدع أو الشاعر عالما مفهوما معقولا يمكن محاكاته بل يمكن تغييره أيضا،... ويكون الالتزام عند القاص أو الروائي أو الشاعر بأن تكون المعطيات سواء أكانت واقعية أم خيالية معطيات معقولة بمعنى أن لا يدخل فيها اضطرابات ما يدور في دخائل النفس وما يقع تحت طبقة اللاوعي
    الحساسية الجديدة
    أن العالم، بالنسبة إلى فئة من الكتاب والشعراء والقصاصين غير معقول وغير مفهوم ولا يمكن تبريره، وبالتالي تحطمت تصورات المحاكاة، فلم يعد الفن محاكاة، للواقع ولا حتى واقعا موازيا للواقع بل أصبح قائما برأسه، أصبح عالما آخر من ابتداع القاص أو الروائي أو الشاعر. وأصبحت فيه قواعد مخلخلة
    بهذه المفهوم نرى أن المرحلة الزمنية التي يعيشها الشاعر ضمن ظروفه المحيطة تحدد نظرته للواقع المعاش وتصوراته لما هو خلف الواقع, أي أن الواقع الثقافي/الحضاري يحدد للشاعر المعنى/الرؤيا ,التي يريد قولها, ويحدد بالتالي,,التركيب الشكلي باعتبار أن المعنى يتجلّى عبر هذا التركيب ,,وإذا علمنا أيضا أن هنالك علاقة جديلة تفاهمية ومتبادلة التأثير بين الإبداع والذائقة ,,وأن هذه الذائقة تتدخل في مفهوم الشعر (كما يرى ابن سنان الخفاجي),,نعلم أن مفهوم الشعر هو إشكالي و هو نسبي وليس مطلق أي يتغير بتغير الزمان والمكان ويتأثر بالواقع الثقافي/الحضاري ويتأثر بجدلية الإبداع والذائقة ,,بهذا لا يمكن لنا أن نطلق تعريف مطلق للشعر , إنما يمكن لنا دراسة مدى انسجام التعريف مع الواقع المُعاش,,,,والواقع أن أي استقراء تاريخي بسيط للأشكال الشعرية منذ القديم حتى هذه اللحظة سيدلل بوضوح على صحة هذه النظرة
    استناداً لما تقدم نجد أن الأنسان بوصفه مبدعاً قادراً على وضع تصور ما للطبيعة و للآخر يغير من طرائق إبداعه تبعاً لتغير مفهومه عن الطبيعة والآخر, ولو تحدثنا استقرائياً عن الشعر تحديداً نجد أن انسان الحضارات الشرقية القديمة كان ينظر إلى العالم بوصفه غير مفهوم , فابتدع الملاحم الشعرية التي تتحدث عن آلهة وأبطال أسطوريين ينسب إليهم ترتيب العالم وإرساء توازناته , وتتحدث هذه الملاحم أيضاً عن صراعات بين قوى الخير والشر , وكل ذلك محاولة منه لتفسير العالم حوله فامتازت هذه الملاحم بأنها تتحدث عن عالم آخر موازي لعالم الواقع عالم له منطقه الخاص هو منطق الخوارق فكانت هذه النصوص طويلة في معظمها ذات بنية سردية/مسرحية ولها قدسيتها الخاصة ...اما فهم العربي القديم للواقع والآخر فكان مختلف تماماً حيث كان اهتمامه منصب على التوصيف الجمالي للواقع وبطولات الإنسان بوصفه محرك هذا الواقع ولم يكن تفسيريا كما الملاحم الشعرية القديمة فارتبطت الشعرية بالغنائية والصخب والتصوير والواضح ,وانسجمت الذائقة العامة تبعا لذلك ,,فكانت الأذن الموسيقية التي لا تقبل الكسر الموسيقي ولا الغموض بوصفهما لا ينسجمان مع التوصيف الجمالي للواقع والإنسان ...وبعد اتساع رقعة الدولة الإسلامية , دخول الأعاجم الى الأسلام والتجاور الثقافي اتسعت وتشعبت رقعة الفهم عند الإنسان العربي , ظهر الفلاسفة , المنطق وعلم الكلام, المتصوفة , الطوائف ..الخ فكان من الطبيعي أن تتغير طرائق التعبير بموضوعاتها و أشكالها فلم يعد ما يقال هو فقط وصف جمالي للواقع وإنما بدأت تتدخل رؤى الكاتب الوجودية لما هو خلف الواقع فأصبح التصوير أكثر كثافة وأقل وضوحاً وأكثر عمقاً كأمثال أبو علاء المعري , أبو حيان التوحيدي , ابن عربي , النفّري , الحلاج, السهرورد ي..والكثير, وظهر أيضاً تنويعات موسيقية شكلية و خاصة في المرحلة الأندلسية ....وأما الإنسان العربي الحديث فقد واجه الإرهاصات الإستعمارية من جهة ومن جهة أخرى التجاور الثقافي والتقدم التكنولوجي فأصبح الشاعر مطالب بتحمل الهم الوطني والعروبي الإنسجام مع التقدم التكنولوجي ,,وأيضا الانفتاح على الثقافات المجاورة ,,فأصبح الشاعر يبحث عن رؤى عميقة تهدم إرهاصات الواقع وتؤسس لأحلام جديدة خلفه ضمن محاولة الإستفادة من كل معطيات الحضارة الحديثة , فأصبح الشاعر –بالمعنى العام- وبحسب هذه النظرة هو الثائر والحامل للهم الأنساني وهو القادر على التنبؤ رؤيوياً لما هو خلف الواقع فهو يختلف عن كل المراحل السابقة , لأنه لا يحاول تفسير الظواهر الكونية وعلاقتها بالإنسان كما هو حال أنسان الحضارات الشرقية القديمة ,,ولا يحاول أن يقدم توصيف جمالي للطبيعة والإنسان كما هو حال الإنسان العربي القديم ,,,ولا يحاول أن يقدم رؤيا وجودية للطبيعة وما خلف الطبيعة كما كان حال المتصوفة والفلاسفة ,,وإنما هو يقدم -إضافة إلى ذلك- و بشكل أساسي رؤى فردية خاصة ثائرة على إرهاصات الواقع ..مبتدعاً عالمه الرؤيوي الخاص فتطور الشعر بمضمونه وشكله بما ينسجم مع هذا الاتجاه فظهر الترمز , التوظيف للأسطورة , التناص والتضمين من الكتب المقدسة , التصوير الرؤيوي المكثف , التدليل الكثيف على القضايا الإنسانية والوطنية ..والكثير , أمثال هؤلاء الشعراء نجد جبران خليل جبران, بدر شاكر السياب, صلاح عبد الصبور, أمل دنقل , محمود درويش , أدونيس وغيرهم,,, على صعيد الشكل نجد حركات كثيرة كانت تحاول الثورة على الموزون القديم وتقديم تنويعات إيقاعية تنسجم مع مرحلة الشاعر الحالي,, فكان مجمع البحور,, شعر التفعيلة ,,الشعر المنثور,,,الشعر الرومنسي ,,,النثر الشعري,,والكثير من التجارب والمحاولات كان أخرها قصيدة النثر ,,,
    كان هذا مجرد استقراء للتدليل على أن مفهوم الشعر قابل للتطور من حيث المضمون والشكل وبالتالي التعريف

    3قيد الموزون وقصور المجانية
    استناداً لما تقدم نرى أن التقيد بتعريف الشعر بأنه كلام موزون مقفى ذو معنى , على أنه تعريف مطلق للشعر هو خطأ منطقي لأنه يحاول أن يقيد المفهوم النسبي المتغير بفهموم مرحلي ثابت والتعامل معه على أنه مطلق ,أي أنه غير قابل للخروج عنه مهما تغيرت الظروف الزمانية والمكانية ,,,مع أن الأستقراء المنطقي يدلل بوضوح على أن النسبية هي صفة للشعر من حيث المفهوم والشروط ,,,إن الوزن هو في جوهره ترتيبات للساكن والمتحرك وهذه الترتيبات تحدث صخب إيقاعي ألفته الأذن العربية كثيرا ,,وهكذا ترتيبات تعطي تنويعات أيقاعية كثيرة جدا وهذا ما كان فعلاً قبل ظهور العروض وعند ظهوره وبعده,,,بهذا يكون التقيد بما قاله الخليل كشرط للشعر هو قيد كبير يلغي كل هذه التنويعات الإيقاعية والتي هي في حقيقة الأمر تنويعات بداعية
    وانطلاقاً من هذه النظرة جاء كتّاب قصيدة النثر يقولوا أن النسق الرؤيوي الحديث في مضمون الشعر والذي تتطلبه المرحلة الحديثة لا يتوافق مع جاهزية الشكل , وأن تفجر المعنى والتوهج الذي يجب أن يبعثه النص الشعري الحديث يقيده تعمد الوزن والقافية فظهر مصطلح المجانية ليعبر عن انسجام واستجابة تركيب الكلام شعراً مع توهج الرؤى دخل النص عبر الإيقاع الداخلي وليس عبر تقصد الشكلية الجاهزة , واعتبروا أن المجانية شرط أساسي لقصيدة النثر أي أنهم قالوا الشكلية الجاهزة تطفئ التوهج داخل بنية النص وتوحله من بنية رؤيوية إلى بنية توصيفية لا تنسجم مع الواقع الحضاري ,,,أعتقد هنا أن هذه النظرة بالذات هي أحد أهم ثغرات قصيدة النثر , لأنه وبالرغم من أن هذه النظرة صحيحة إلى حدٍ ما إلا انها تقتصر على منطقة محددة من الشعر ,,وغير قادرة على احتواء الحالة الشعرية العامة الحاضرة ,,,وذلك لأنها –في رأيي – تحدث فصلاً غير مبرر بين الواقع الحضاري وتراكم الموروث الثقافي هذا من جهة ومن جهة أخرى تتدعي إلغاء النظرة الرؤيوية المركبة للواقع وما هو خلف الواقع ..والدليل التجريبي على قصورة هذه النظرة هوالنجاح الكبير لبث الرؤى عبر الموزون امثال صلاح عبد الصبور, محمود درويش , و ادونيس نفسه
    بهذا نجد أن الوزن قيد الرؤى الشعرية بالوضوح والبساطة,,,والمجانية في قصيدة النثر اقتصرت على الغموض والتعقيد

    4حول جدلية العلاقة بين --(المبنى /المعنى )..

    أعتقد أن الواقع الحضاري الحالي , هو واقع مركب يعاني من إرهاصات استعمارية وله طموحاته الثورية , تتداخل فيه ثنائية الحداثة والأصالة ,سحر الطبيعة ورفاهية التكنولوجيا , الثورة المعلوماتية واضمحلال الثقافة عبر المقروء الورقي ...ومن جهة أخرى لايمكن فصل الحاضر تعسفياً عن تراكم الموروث كما تقول المجانية أو اعتبار الموروث بأنه شكل مقدس لا يجب الخروج عنه كما يقول الموزون , فالمجانية تعطي السلطة للمعنى في تحديد شكلية التركيب الكلامي للشعر ,والموزون يعطي السلطة للشكل في اثباته تقصداً لكل المعاني الشعرية ,,والواقع –ومن وجهة نظري- أن العلاقة بين الشكل والمضمون هي علاقة جدلية وليست ذات بعد واحد أي أن طرفي العلاقة يؤثران ويتأثران ببعضهما وهذا ينسجم كثيرا مع تركيبية الواقع ومع بقاء خيط التواصل مع المروث الثقافي بوصفه قابل للتطور بمعنى أنه حتى يتواصل الشعر مع الواقع الحضاري الحالي يجب أن عليه أن يُركب بطريقة ابداعية فيتقاطع مع الواقع توصيفياً للجمالي في هذا الواقع ويتوازى معه رؤيوياً ويثور أيضاً على إرهاصاته هذا من حيث المعنى والذي سيتوافق معه بالضرورة تركيب ابداعي بين الإيقاع الداخلي والخارجي ,,,ومن هنا تحديداً جاءت فكرة القصيدة التناغمية

    5حول التسمية (القصيدة التناغمية ) - فكرة تماثل الشكل/المعنى
    أن فكرة تماثل الشكل/المعنى هي فكرة مثالية بحدودها القصوى ولكني أعتقد أنها تعبر عن المنطقة الأوسع من الشعر فالاستقراء المنطقي للشعرية عموما يقول أن الاتجاه في المعنى من الواضح /البسيط والتوصيفي نحو الغامض /المعقد والرؤيوي يتوافق معه بالضرورة اتجاه الشكل من الإيقاع الخارجي نحو الإيقاع الداخلي ,,,بهذا المعنى أعتقد أنه يمكن لبنية النص الشعري الواحدة أن تتحرك ابداعيا بين الحدود الدنيا للبسيط وحتى الحدود القصوى للرؤيوي والذي ستبعه تحرك ابداعي للشكل بين اللإيقاع الداخلي والخارجي ,,,ولهذا تحديدا أسميها قصيدة تناغمية لأنها تعبر من جهة عن جدلية العلاقة بين الشكل والمعنى وضرورة انسجامهما وكأنهما يشكلان هارموني متناغم يحاول الاقتراب من الفكرة المثال تماثل الشكل / المعنى , ومن جهة اخرى تتحدث عن تناغم تنقلات المعنى بين البسيط والرؤيوي وتناغم تنقلات الشكل بين الداخلي والخارجي

    6حول ظهور الفكرة
    انطلاقا من هذا الاستقراء تحديدا كانت الفكرة تتبلور في ذهني بهذا الاتجاه وقد جربت عدة نصوص بهذا الاتجاه كان أول نص منشور منها هو ((قمح كنعان)) في شهر 2/2010 , وكنت أيضا قد نشرت مقال حول نفس الموضوع ((بعنوان تطور الخطاب الشعري)) في شهر 3/2010 , وبعد ذلك قمت قمت بنقاش الموضوع مع الأخ الشاعر م.زياد هيب وايضا بعد ذلك مع الأخ الشاعر أ. محمود النجار رئيس تجمع شعراء بلا حدود والذي قام مشكورا بتبني الفكرة وأفراد فسم خاص في التجمع تحت مسمى القصيدة التناغمية بتاريخ 7/2010وهناك درات نقاشات طويلة بين مؤيد ومعارض وظهر ايضا شعراء ينظرون لأفكار قريبة من هذه الفكرة ويكتبون أيضا بصيغ قريبة من هذه الصيغة

    7الاعترضات على القصيدة التناغمية
    --الاعترضات على التسمية
    هنالك من اعترض على مسمى قصيدة التناغمية ,,,وقال يجب ان تسمى بما بعد قصيدة النثر أو النص الجديد...وانا اعتقد ان التسمية دالة كثيرا على الفكرة التي ترديها القصيدة التناغمية كما تم التوضيح واما التسميات الأخرى المقترحة هي معومة لا تدلل على الفكرة المطلوبة
    --القول أنها تهديم للموزون ( كتّاب الموزون)
    --القول أنها صورة مشوهة عن قصيدة النثر ( كتّاب قصيدة النثر )
    أعتقد هنا أن القصيدة التناغمية تختلف عن الموزون وتختلف عن قصيدة النثر لأنها تتحدث عن بنية خاصة تنتقل إبداعيا بين عدة مستويات وإذا كان هنالك ظهور لتجارب رديئة فيها تكسير للموزون أو خروج عن أدوات قصيدة النثر كما حدث مع الأشكال الشعرية الأخرى فهذا يبقى حالة فردية لا تعبر عن التجربة
    --القول أن التنظير النقدي يأتي دائماً لاحقاً للتجربة الإنسانية لا معها أو قبلها
    أعتقد ان هكذا نظرة تلغي الدور الإبداعي للنقد من جهة أخرى أعتقد أن مشروع النص التناغمي لا يدعي أفكار غريبة جديدة وإنما يطرح بامتياز جدلية ثنائية الكلاسيكي / الحديث في بناء النص الشعري من حيث انه لا يدعي الثورة على الأشكال الشعرية القائمة , وإنما يدعي الثورة على الحدود بين هذه الأشكال ضمن محاولة أبداعية لتطريز بنى شعرية مركبة.

    8ملامح النص التناغمي

    أعتقد أن الفكرة بشكل مبدئي تستند على أن الأشكال الإبداعية يمكن أن تتوازى وتتقاطع ولا يمكن لها أن تلغي بعضها بعضاً إن كانت إبداعات حقاً , فهذا الطرح أساساً يقوم على فكرة انسجام الصورة الشعرية مع شكلها الموضوعة فيه , وبهذا تكون ذات القصيدة تحتمل أي شكل طالما ابتعدت عن التنشيز بين الصورة والقالب الذي وضعت به , وبين أشكال الصور المتلاحقة في ذات القصيدة , لا يعني ذلك تعاقب الموزن والنثور ضمن شكل محدد مسبقاً , وإنما أسناد بنية القصيدة إلى الإيقاع كنواة أساسية تحكم الشكل , فإذا كان الأيقاع متولياً متتابعاً متكرراً , كان الشكل أقرب إلى الموزون ومتوافق معه , وإذا كان غير ذلك كان أقرب إلى المنثور ومتوافق معه , أن هذه النظرة ستؤدي بالضرورة إلى تركيبية المعنى من حيث عمقه وانفتاحه على التأويل أو بساطتها وبقائها طافية على السطح..إن الفرق بين الدخول إلى حضرة الشعر من باب التناغمية أو من الأبواب الأخرى كالفرق بين النحت والبناء, كلما كان النحّات مبدعاً فاهماً أصول النحت يرتقي ويتمايز نتاجه , والبناء مهما اختلفت صيغه الإبداعية يبقى محددا بصيغه العلمية وما الصيغ الإبداعية إلا لمسات طفيفة الظهور ,,بهذا تكون بنية القصيدة التناغمية تعتمد على:
    1 المضمون بكليته (الوضوح-الغموض-الشاعرية) يحدد الشكل
    2 تقصد الشكل يخدم الشعر إذا كان يخدم المضمون أو يكون زائداً ضد الشعر إذا كان غير ذلك
    3 التنقل بين بساطة المضمون ووضوحه وحتى أقسى عمقه وغموضه ممكن أن يتحقق في بنية القصيدة الواحدة درامياً , والذي يتبعه بالضرورة التنقل الشكلي بين الموزون والمنثور ..وأي تنقل غير درامي بين المضامين المركبة أو الأشكال المركبة يؤدي إلى تفكك بينة القصيدة ...يمكن في حالات معينة خاصة إحداث فصل أو انتقال غير درامي بين هذه التركيبات إذا كان هذا الفصل الشكلي يخدم المضمون ويحقق النقطة رقم 2

    بهذا يكون تأسيس النقد على القصيدة التناغمية مبني على ثلاث محاور
    1 النظرة الشكلية : التي تتناول الإيقاعات على المستويين الداخلي والخارجي من الباب الأكثر اتساعاً أي تأخذ بعين الإعتبار أدوات النقد لقصيدة الموزون وأدوات النقد لقصيدة النثر
    2 النظرة التناغمية التوافقية : التي تبحث في مدى توافق كلية المضمون مع كلية الشكل , أي جدلية العلاقة بين المبنى والمعنى
    3 النظرة التناغمية الدرامية : التي تبحث في مدى تناغمية الإنتقال الدرامي بين مستويات المضمون وما يتبعها من تنقلات في المستويات الشكلية ,,,,


    محبتي
    هيثم الريماوي

    ((احذر من العلم الزائف ، فهو أخطر من الجهل. )) جورج برنارد شو

    بين النظم وأن يكون نثراً شعرة الإيقاع التي لم يلتفت إليها العروض
    بين النثر وان يكون نظماً قصة العلوم طويلة الأمد.

يعمل...
X