القارورة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • هادي زاهر
    أديب وكاتب
    • 30-08-2008
    • 824

    القارورة

    القارورة
    أخذ جميل يلوم نفسه.. كم نصحني المقربون أن أكمل دراستي الجامعية عندما امتزت في تحصيلي الثانوي، على الأقل لربما كنت أعمل بوظيفة تدر مالا أكثر في ساعات دوام أقل وفرص عمل أكثر.
    ودار الصراع عميقا داخله، وأسترسل مجددا: المهم ألان هو
    توقف جميل عن محاوره ذاته وتنهد عميقا ثم استرسل مجدداً: المهم هو إيجاد فرصة عمل أيا كانت، فحتى هذه غير متوفرة في أيامنا هذه.. "القادمون الجدد" و"العمال الغرباء" احتلوا جميع فرص العمل ولم يبقى لنا نحن أصحاب هذه البلاد الأصليّن الكثير من هذه الفرص.. إنها عملية السلطة المبرمجة بدقة.. يبغون تهجيرنا باختيارنا.. يقودوننا إلى ذلك رويدًا رويدًا..
    تنهد ثانية وواصل حديثه : لا.. لا إنهم لا يستطيعون فإصرارنا أقوى منهم.. ولكننا فقدنا الأرض وأصبحنا على كف عفريت.. قد يصمد جيلنا في هذه البلاد ولكن ماذا مع الجيل القادم؟ إن التفكير بهذا أمر مزعج.. يخرج الإنسان عن طوره.. ولكن هل سيلعب القدر إلى جانبهم؟ انه أمر محير؟! لقد تزوجت وأنجبت.. حرثت البلاد طولا وعرضا شمالا وجنوبا من الناقورة حتى أيلة (ايلات) ولم افلح بالحصول على فرصة عمل ملائمة ومع الوقت بدأت أتنازل عن كبريائي وهيأت نفسيتي لقبول أي فرصة أجدها.. اه لو توفرت الإمكانية للعودة إلى الدراسة.. فالموضوع بحاجة إلى الكثير من المال الذي أفتقده اليوم.. لقد أصبحت الدراسة تقتصر على الأغنياء..
    ووجد نفسه يتحدث بصوت مسموع:
    سأحاول العمل كمساعد لبلاط أو قصار، أو أي عمل أخر، وفي نفس الوقت أقوم بدور مهنية قصيرة تمكنني أن الانطلاق قدماً .
    توجه جميل إلى المدينة حيث احد المعاهد وقام بإلقاء نظرة على الدورات المعلن عنها.. تقني مكيف هوائي.. إنها مهنة جيدة ولكن الأوضاع الاقتصادية قد تقف حجر عثرة أمام الناس في هذه الظروف.. وكيل تأمين؟ لا بأس ولكن كيف سأشق طريقي في هذا العمل مع العاملين القدامى في هذا المجال.. مدقق حسابات.. مهنة رائعة جداً ولكنه بحاجة إلى فترة زمنية طويلة.. طباخ.. دورة سريعة.. ستة أشهر.. رائع جداً.. ماذا طباخ؟.. لا ..لا مستحيل.. ولماذا مستحيل إن كل شيء خاضع للظروف الاقتصادية ما عدا الطعام.. الأكل لا يستطيع أن يستغني عنه الإنسان لذلك فهي مهنة مضمونة.. مجتمعنا العربي بدأ يقيم هذه المهنة.. لذلك لا بأس لكن كيف سينظر إليّ الناس.. جاء الطباخ.. ذهب الطباخ.. إنها مهنة غير.... لا.. لا إن العمل أيا كان ليس عارًا.. ووجد نفسه يسجل لهذه الدورة وأخذ خلال فترة دراسته يفتش عن مجال عمل في أطار مهنته العتيدة وما أن أنهى الدورة حتى بداء يعمل في أحد منتزهات الأفراح.. وأخيراً حالفني الحظ..
    شرح له صاحب المنتزه طبيعة العمل وأعلمه بان أجرة عملة مرتبطة بالحد الأدنى من الأجور، شأنه شأن جميع الرساميل الأمر الذي لم يرق له ولكن ليس في اليد حيلة.
    بداء جميل متحمسًا كي يثبت لصاحب المنتزه جديته وإخلاصه لكن صاحب المنتزه أخذ يستغل ما آل إليه الوضع في سوق العمل ويترك عماله يعملون ساعات إضافية دون أن يمنحهم مستحقاتهم كاملة.. انتظر جميل طويلًا على أمل أن يعرف صاحب المنتزه جديته ونشاطه وإخلاصه فيمنحه حقه نتيجة لذلك ولكن دون جدوى.. فكر في ترك العمل ولكن إلى أين ووجد نفسه يقول: "عصفور في اليد أفضل من عشرة على الشجرة " فكر أن يستغل فرصة يكون فيها صاحب المنتزه في أمس الحاجة إليه ليخرج إلى إجازة (مرضية) وسرعان ما جاءت الفرصة، ولكن فرملة من ضميره جعلته يعدل عن فكرته.. لن أخرج في أحلك الظروف.. سأعمل معىروفا وارميه في البحر.
    وكان ذات يوم أن دخل إحدى المقاهي كي يهرب من محنة وجوده وهناك وجد نفسه يدلق أحاسيسه حول ظروف عمله إمام رواد المقهى وصدفة كان من بين الحضور صاحب منتزه منافس الذي انقض على الفرصة: أريدك في أمر هام.. تعال لنتحدث! وجلسا في زاوية بعيدة وهناك اخذ عليه صاحب المنتزه عهدًا بعدم كشف السر وبعد حديث طويل صعق جميل من طلب صاحب المنتزه المنافس وفكر أن يصفعه ولكن صاحب المنتزه المنافس قال له بعد أن أغواه بالمال:
    * إنها فرصتك للانتقام من مشغلك، كل ما في الأمر هو أن تأخذ هذه " القارورة" الصغيرة وتسكب منها وقطرات قليلة على الطعام قبل تقديمه، وعندها حالة من الإسهال ستصيب من أكل من الطعام بعد أن يعود إلى بيته .
    وفي اليوم الموعود وقف جميل فوق قدر الطعام ووضع يده في جيبه لإخراج " القارورة" وهو يقول: سأصفي حسابي معك أيها الجشع، ولكنه وجد نفسه عاجزًا.. شد علي القارورة بقبضة يده وهو يصر على أسنانه.. لماذا يا جميل لا تجرؤ؟ صاحب المنتزه يضطهدك.. عملك صعب.. مسؤوليتك كبيرة.. تقفز كالقرود كي تستطيع أن توفر الطعام في فترة محددة.. وتعنيف لأتفه الأسباب.. إنها معاملة عبيد.. يجب أن لا تخشى.. أخرج القارورة وأسكب.. أن كل ما في الأمر سيجعل الرواد يتناقصون مما سيسهل عملك ليصبح بحجم المعاش.. ولكن ماذا لو كانت المادة سامة؟!.. فهل إذا أفلت من عقاب القانون سأفلت من عقاب رب العالمين؟! وماذا عن عذاب الضمير؟! لا.. لا انها مادة ضد الإمساك كما تشير البطاقة بوضوح، وهي ما زالت مغلقة بختم الشركة المنتجة.. ولكن ضميري لا يسمح لي.. وماذا مع ضمير صاحب المنتزه؟!.. هل أخرجه إلى إجازة؟!.. سأسكب وليكن ما يكن!!.. لا يا جميل.. إياك والانزلاق!!.. ولكن صاحب العمل يتعامل معي كما يتعاملون مع الحيوانات.. كان جدي يقول لنا لا تعلوا ظهر الحمار اليوم فالحمار قد تعب.. انه أمر مؤلم.. من ناحية تريد أن تنتقم ومن ناحية أخرى تريد أن توفر لقمة الحلال لأسرتك!
    القي جميل نظرة من خلال شباك أفقي صغير مرتفع يطل على القاعة.. وشاهد المئات وقد أخذوا أماكنهم فرحين.. داهمته حالة من الارتباك الشديد.. أيقظه صوت صاحب المنتزه:
    "ما لك يا جميل اليوم؟.. لماذا أنت متوتر؟"
    ووجد نفسه يصرخ بصوت عال: "لا أستطيع.. لا أستطيع.. أنا لا أستطيع.."
    فسأله صاحب المنتزه: "ما هو الأمر الذي لا تستطيعه"
    اخرج جميل القارورة من جيبه وضربها بالأرض بعنف شديد فانكسرت،

    " أعتبر نفسي مسؤولاً عما في الدنيا من مساوئ ما لم أحاربها "
  • ربيع عقب الباب
    مستشار أدبي
    طائر النورس
    • 29-07-2008
    • 25792

    #2
    أهلا صديقي هادى
    أهلا بك و تلك القارورة التى حملت السحر ، و بها تنقضى آلام النفس التى لن تنقضى مهما حاول
    فى عالم يسوده الطمع و المادة ، و انفلات الأحوال ، و بشكل بشع لقبضة أكثر سفالة ، و هذا دأب الرأسمالية ، و ليس كل حيلها ، فهى حاو مدرب ، على أعلى تقنيات الجشع و قتل الآخرين
    ما احببت المقدمة كثيرا ، لأنها كانت ثقلا على العمل ، و إن كنت أنت تعتبرها تمهيدا للدخول إلى العمل ، و لكن القصة صديقي لا تحتاج مثل هذه المقدمات ، و كان من المفيد لإن تقدمها لنا من خلال القص ، و الرحيل مع جميل ، فى منولوج داخلى مثلا ، فى لقطة ما ، مشهد ما .. المهم ألا تنفضل عن بنية القصة بهذا الشكل !

    القفلة كانت رائعة ، و تحمل دهشتها ، و ظهرت فيها قدرتك الفنية بشكل واضح و قوى

    شكرا أخي هادي على تلك القارورة التى لم تكن لعلاء الدين ، و لا مصباحه السحري !

    محبتي

    أستغرب من عدم قراءة الكتاب هنا ، أراهم متواجدين ، و لكن بعيون جاحظة فقط !!
    sigpic

    تعليق

    • ريما ريماوي
      عضو الملتقى
      • 07-05-2011
      • 8501

      #3
      القصة جميلة اعجبتني خصوصا خاتمتها الجميلة,
      واخيرا تغلب الخير على الشر في نهاية الصراع الأزلي.
      وضحكتني هنا أستاذي ربيع, بالنسبة لي شخصيا
      يبدو ان عيناي كانت جاحظة من الدهشة,
      وبصراحة تركت الإنتقاد لحضراتكم,
      فانتم الاعلم والاحكم.
      تحياتي وتقديري للجميع.
      التعديل الأخير تم بواسطة ريما ريماوي; الساعة 20-06-2011, 06:10.


      أنين ناي
      يبث الحنين لأصله
      غصن مورّق صغير.

      تعليق

      • هادي زاهر
        أديب وكاتب
        • 30-08-2008
        • 824

        #4
        أستاذنا العزيز ربيع عقب الباب في كثير من قصصي أترك الأحداث تنساب بعيدا عن موقفي، ولكن هناك قصص أخطط لها، في هذه القصة المستمدة من خبر صحفي أردت من أجل توصيل الرسالة أن أتطرق إلى الواقع الطبقي وما يفرزه من شر، وانتحال مشاعر البطل الذي ينتصر عنده الخير بعد صراع عنيف مع ذاته .بالنسبة إلى النهاية فقد ترددت، مسودة القصة جاءت كما كانت في الواقع.. شرطة وتوقيف.. ومحكمة عندها ستطول وتطول الحكاية وتكون تصويراً فونغرافيا للواقع وربما اقتربت من الرواية؟.. خاصة وإني كنت قد سجلت رد فعل صاحب المنتزه ولكني في النهاية حذفت كل ما كتبته وأبقيت النهاية مفتوحة لينطلق الخيال والتفكير في كيف ستئول إلية الأمور
        التعديل الأخير تم بواسطة هادي زاهر; الساعة 20-06-2011, 01:16.
        " أعتبر نفسي مسؤولاً عما في الدنيا من مساوئ ما لم أحاربها "

        تعليق

        • إيمان عامر
          أديب وكاتب
          • 03-05-2008
          • 1087

          #5
          المتألق دائما الراقي

          هادي زاهر
          هو الصراع بين الخير والشر في كل مكان
          فدائما تنتصر قوي الخير مهما ضعفت النفس أمام المغريات مهما كان أحتياج الأنسان العربي

          استمتعت بعمق حرفك وفلسفت الذات
          دمت بخير
          لك أرق تحياتي
          "من السهل أن تعرف كيف تتحرر و لكن من الصعب أن تكون حراً"

          تعليق

          • هادي زاهر
            أديب وكاتب
            • 30-08-2008
            • 824

            #6
            أختي الكاتبة ريما الريماوي
            سررت جداً بحضورك وبغعجابك بقصتي
            محبتي
            هادي زاهر
            " أعتبر نفسي مسؤولاً عما في الدنيا من مساوئ ما لم أحاربها "

            تعليق

            • إيمان الدرع
              نائب ملتقى القصة
              • 09-02-2010
              • 3576

              #7
              الأديب المبدع : هادي زاهر :
              إن القلب النقيّ لا يعرف الحقد ..
              يبتلع الغصّة والألم ولا يؤذي أبداً ..
              فكرة النصّ رائعة ..
              وومضة النهاية بارقة ، وقويّة ، واختزلتْ المشهد بنجاحٍ ..
              شكراً لقلمٍ يعرف خطوه فوق السّطور ..
              ومع أطيب أمنياتي ...تحيّاتي ..أخي الكريم ، وزميلي القدير.

              تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

              تعليق

              • هادي زاهر
                أديب وكاتب
                • 30-08-2008
                • 824

                #8
                أختي الكاتبة ايمان عامر
                ويبقى السؤال يدق في الجمجمة؟!
                هل سينتصرالخير دائما؟
                محبتي
                هادي زاهر
                " أعتبر نفسي مسؤولاً عما في الدنيا من مساوئ ما لم أحاربها "

                تعليق

                • هادي زاهر
                  أديب وكاتب
                  • 30-08-2008
                  • 824

                  #9
                  أختي الكاتبة العزيزة ايمان الدرع فكرة النص مستمدة من الواقع المعاش على أمل أن تصمد النفس البشرة أمام الإغراء؟ّ!! كما كان الحال في قصتي محبتي هادي زاهر
                  " أعتبر نفسي مسؤولاً عما في الدنيا من مساوئ ما لم أحاربها "

                  تعليق

                  • جمال عمران
                    رئيس ملتقى العامي
                    • 30-06-2010
                    • 5363

                    #10
                    الاستاذ هادى
                    مرحباً بك..لقد قرأت قصتك الرائعة ..وأدهشتنى القفلة واعجبتنى أيما إعجاب..
                    وأضم صوتى لصوت أخى ربيع..
                    أستغرب من عدم قراءة الكتاب هنا ، أراهم متواجدين ، و لكن بعيون جاحظة فقط !!
                    ولقد نوهت إلى السطر عاليه مراراً..فى موضوعى(البلالام ياعميد الملتقى)و(شرفونا)وكانت النتيجة كالمعتاد..صِفْراً..بالنسبة لى فكنت كالصارخ فى (الفلاة)..
                    شكرا لك ..
                    *** المال يستر رذيلة الأغنياء، والفقر يغطي فضيلة الفقراء ***

                    تعليق

                    • هادي زاهر
                      أديب وكاتب
                      • 30-08-2008
                      • 824

                      #11
                      أخي الشاعر جمال عمران
                      أشكر مرورك بين حروفي.. تختلف الاراء حول تحليل العمل.. هناك من يعتقد بان القصة لم تكتمل بسبب القفلة.. في حديث لي مع أحد الادباء لامني قائلاً: "كيف ترضي لنفسك أن تكتب قصة كهذه.. أين تكملة القصة؟" ودار الحوار بيننا حور النهاية المفتوحة.. وحول الاساليب الحديثة والتي منها عدم تقديم الحل كي تعيش القصة في دهن المتلقي ليفكر هو في النهاية
                      محبتي
                      هادي زاهر
                      التعديل الأخير تم بواسطة هادي زاهر; الساعة 03-07-2011, 17:12.
                      " أعتبر نفسي مسؤولاً عما في الدنيا من مساوئ ما لم أحاربها "

                      تعليق

                      يعمل...
                      X