ليلة وصول المرافيء
الهام ابراهيم ابوخضير
أكاد اشعر بدفء المصابيح التي تلوح في الأفق وتنسيني غثيان الشواطيء ورائحة البحر المتقدة في أجواء نفسي وتجول صعوداً وهبوطاً ترتعد على ايقاع الأمواج الهادئة مرة والصاخبة مراراً، وتسري في عروقي ارتعاشات جليدية كرعشة كهربائية تهز أوصالي كالكرسي الكهربائي المنتظر للإعدام .
أخاف النظر إلى أسفل الحائط الممتد إلى قاع المحيط لئلا يمتص السكون الحذر المبطن لعباءاتي ويخطف مني ذلك الدفء المتسلل إلى عيوني من آثار الأنوار المتأرجحة في الأفق .
أوغل في الوصول إلى المرافيء وتتكسر خطواتي على جسر خشبيّ ممتد بالترحاب إلى الوافدين من رحلات العواصف محملين بالرياح الباردة المرتسمة على شفاههم الزرقاء وشعورهم الرمادية .
تلقفتني من السقوط يدين تسري فيهما الحياة كنبض المشرق في المغيب ، وتشبثت بالدفء المنبعث من تحت الأصابع المتشابكة حول ذراعيّ كطوق النجاة يشدّ أوصالي ويجمع شتات تفكيري كلعبة ترتيب الصور لاكتمال اللوحة المفتقدة للألوان .
تتعلم قدماي السير من جديد على أرض متزنة بعيدة عن امتزاج الأمزجة البحرية التي سلبت القيود الأرضية التي تعلمتها قدماي منذ الصغر .
واسمح لصدري بالإمتلاء من الهواء البري، وطرد الغازات البحرية المحتلة لخلايا أوصالي .
ساد الظلام رويدا رويدا ساحبا معه الأرصدة الإضافية لأشعة النور النجومية المنهمكة في إضاءة الأكوان ، وبترتيب النظام الكوني المحكم تسطع من حولي أشباه الأنوار المقلدة درب النجوم وتتباهى برسم ظلالي طويلةً من أمامي وخلفي وتُلحقني جيوشاً من الظلال من نكهةٍ اخرى نحو أرضٍ متعددة النكهات .
وتهش دروب الطرقات مرحبة بخطواتي جديدة العهد على الأرصفة وتذوّق طعم السير على الاسمنت المرسوم على الأرض بدلا من طَرقات أخشاب المراكب التي اعتادت أقدامي .
ساعتاد المشي في الأنوار المصنوعة في دور نشر الأمجاد تحت الظلمة التي تلوح في الأفق بعيداً عن ظلال بيوت المدينة، وأتعلم مصافحة الكائنات البرية بعدما نزعت مني الكائنات البحرية امتيازات الأعماق ..........
تعليق