من أجلك يا أبي / إيمان الدّرع /

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • إيمان الدرع
    نائب ملتقى القصة
    • 09-02-2010
    • 3576

    من أجلك يا أبي / إيمان الدّرع /

    من أجلك يا أبي ...
    حدّثتْ نفسها :
    لمن هذا الوجه ؟ ليس لي أنا ، لم أكن يوماً بهذه البشاعة ، أيّ مسخٍ صرته ؟ وتلك الألوان المرسومة كمهرّج السيرك على وجهي ، تسخر مني ، تضحك بهيسيتريا ، تعلو ، تهبط حتى صارتْ كالبكاء .
    لمن هذه الملامح ؟ لا أنتمي إليها ، إنّها لامرأةٍ شيطانيّة العبث ، يلفّها ليلٌ كعهر المجون .
    ثمّ ساءلتْ العيون التي ترنو إليها باستغرابٍ :
    أين جدائلي ؟ لم أكن أجيد غير ربط شرائطها الملوّنة ، وهي تتدلّى على صدري ببراءة ، كيف صارتْ كشظايا رأس أوديسّا ؟
    كيف صارتْ عيوني بهذه القسوة ؟ تحجّرتْ كجلمودٍ لا يهتزّ!!!!
    وكيف تحوّل أحمر الشّفاه على شفتي إلى لون سابغٍ ، يتعطّش للدّماء، ولا يرتوي ؟؟
    ثمّ ركضتْ بين الموائد ، تقذف الأرض بالأطباق على الطريقة اليونانيّة حين يشتدّ هدير الرّقص .
    الموسيقا الصّاخبة تتخافتْ رويداً ، رويداً ، والذّهول يعلو الوجوه .
    لم يعد في المكان إلاّ صوتها ، يصرخ من بئر السّنين ، يحمل صدى الأيّام ، أنينها ، أوجاعها ، وهي تحجب وجهها بكفّيها صرختْ بها :
    ـ الآن خذيه ، لم يعد يلزمني ..
    ركضتْ إليه ، تفكّ عنه الشّال الذي حزم وسطه ، تنادي :
    ـ كفى ...كفى ..ماذا فعلتم بأبي ؟؟؟
    أخذته كالطفل بين أحضانها ، كان يترنّح ، يحزق ، يلهث ،مازال يردّد وحده الأغنية التي شرع يرقص على أصدائها،
    ورائحة الخمر أسكرتْ الجدران حوله ، فلم يستبن أنّه صار أضحوكةً ، بين حشدٍ، جمع فيه كلّ الأطياف التي يعرفها أو التي لا يعرفها.وهو الذي كان اسمه كالنسر في فضاء العمر
    ثمّ دفعتها عنه بأطراف أصابعها :
    أراك الآن تنهارين ، تبتلعين الغصّة ذاتها التي سكنتْ حنجرتي ، منذ عقدٍ ونيّفٍ من السنين ، أتذكرين ..؟؟
    يوم بكى أبي ، وهو يدفع عنه تهمة سرقة عقدك الماسيّ الثمين ، بعد أن أتمّ طلاء منزلكم الفاره ..؟؟؟
    أتذكرين ؟؟؟كيف أذلّيتِ شيبته ،بكلّ أفانين الضّغط ، تحيط بك هالة الجبروت ، تتبخترين بها استعلاء ؟؟ والكلّ يتهافتُ على استرضائك .
    أبي الشّريف ، رقيق الجسد ، نظيف اللّقمة ،لم تحلْ هشاشة عظامه ، بينه وبين الجدران التي حفظتْ طقطقة أنينه ، وهو يصعد السّلم درجةً ، درجةً، يمسك جردله ، وفرشاته ..
    ـ هل أنت ابنة الحاج عبد اللّطيف ؟؟؟أجيبي ..
    ـ نعم ..أنا هي ..تلك الطفلة التي شهدت اغتيال قلبه ، أترين دموع أبيك الآن ..؟؟ هي ذاتها لون دموع أبي ، حين أكبّها على يديك ، يطلب الرّحمة ، وأنت تصدّين ، وتستعلين ، وتسخرين ، وتركلين .
    ثمّ التفتت إليهم تدور بينهم بلا سيطرة على أوصالها المرتجفة:
    ـ أنتم أيّها السّادة ..يا من تحيطون المكان بكلّ ألوانكم ، وروائحكم ، انظروا إلى الباشا العظيم وابنته ، إنّها لوحة مسليّة أليس كذلك ؟؟
    وجذبته من كمّه وهو يتأرجح كريشةٍ خفيفةٍ بلهاءَ :
    ـ انظروا مليّاً للمليونير ، صاحب المزارع ، والأطيان ، والأسواق التجاريّة .
    ارقص ..ارقص لا تتوقّف ، هيّا در كالقرد بين الضيوف ، روّح عنهم ، أضحكهم ، أزل عنهم بعض الرتابة والملل .
    ركضتْ إليه من جديدٍ :
    ـ لا ..لا تفعل ذلك يا أبي أرجوك أبي ...أفق ..أفق ..
    ـ ولكنّي أحبّها ، أعبدها ، سأفعل ما تأمرني به ، هي لي ، لي وحدي ، لا تصدّقي ما تقوله ، إنّها تمزح ، هي كلّ حياتي ، تحبّني ، قولي لهم يا أميرتي كم سهرنا معاً حتى الصّباح ، نتبادل كأس الهوى ، والعشق ، والغرام !!!كم عتّقنا الأيّام بجنون حبّ لا يهدأ، إلاّ ليعود ، قولي لهم كيف فضّلتني على جميع الرّجال !!!
    ثمّ ترنّح بينهم يجذب أطراف أكمامهم :
    ـ انظروا كم أنا وسيم ..؟؟!! هكذا كانتْ تراني ، شابّاً ذا شخصيّةٍ آسرةٍ ، حدّثيهم، كيف وعدتني بأن نقتسم ما بقي من العمر معاً ، وكيف قدّمتُ لك هذا القصر مهراً مقدّماً باسمك
    ـ ماذا ..ماذا يا عجوز الحطب هل جننتَ ؟؟أتزوّجك أنت ؟
    اصحَ من ثمالتك ، وانظر إلى قفّة عظمك يا جدّي .
    ثمّ قهقهتْ وكالشيطان تضرب كفّاً بكفٍّ : يا لك من خرفٍ
    تهاوى قرب طاولة الطعام ، يفكّ عن رقبته ربطة عنقه ، فتح أزرار قميصه يدعك صدره الواهن ، وبأنامله الضعيفة راح يرفع عن جبينه خصلات شعره البيضاء ، المتبلّلة بالعرق
    ـ إذن من أنت أيتها الإبليسة ..؟؟وكيف بغفلةٍ مني صرتِ كلّ حياتي ؟ كيف استطعتِ ذلك ؟ أيّ سحرٍ سفليّ يركبك ؟؟
    ـ اسأل ابنتك ، عندها الإجابة .
    ـ ولمَ فعلتِ ؟؟
    ـ دموع أبي ..من أجلها رسمتُ أيّام حياتي ،وأعوامها ، من أجل جروحه التي رحتُ أمسح نزفها ، من أجل صرخة ظلمٍ أطلقها ،وهو يردّد حتى في نومه : بريء ،والله العظيم بريء
    ابنتك المتزوّجة برجل أعمالٍ يفوقك ثراءً ، حطّمتني ، وقتلتْ أبي ، لم يعش بعد هذه الحادثة طويلاً ، مات قهراً ، بعد أن دفن ما بقي له من كبرياءٍ على أعتابكم .
    ثمّ أمسكتْ به من جديدٍ تسحبه عن الكرسيّ ، تؤرجحه :
    ـ وأنت أيضاً يجب أن تموت قهراً ..متْ ..متْ ..
    وحالتْ الابنة بينهما :
    ـ اتركيه ..هيّا يا أبي ..هيّا ..لنرحل من هنا ، أرجوك حاول النهوض والثّبات ساعدني
    ـ لا ..دعيه ، لم يشفَ غليلي بعد ، خلّي عظامه تنزف أكثر ، ترتعد استغاثةً ، خلّني أرى المزيد من دموعه ..
    ثمّ التفتتْ إلى الحضور ، المتسمّرين بذهولٍ ، تعلوهم الحيرة،
    يتساءلون عن أحجيّة يلزمهم تفسيرها قائلة وهي تعربد بينهم كمجنونة :
    ـ لماذا سكتّم ؟؟ صفّقوا له ، صفّقوا!!أرأيتم كم هو جميل عرض مسرح اليوم ؟؟إنّه حقيقيّ مباشرُ ، بلا خشبةٍ ، شخوصه بينكم .
    ثمّ راحتْ تستحثّهم من جديدٍ :هيا صفّقوا ، وحيّوا الأبطال
    واستجابوا لها أوّل الأمر على استحياءٍ ، ثمّ تعالتْ الهمهمات ثمّ الضحكات ..وصدحت الموسيقا الصّاخبة من جديدٍ ..
    ورمقتهما بطرف عينها ، حين كانت الابنة تنسلّ بانكسارٍ إلى الخارج ، تشدّ هيكلاً يموت ارتجافاً ، تطوي به الرّيح ،
    وعندما ابتعد طيفهما ، أصابتها ارتعاشة كالحمّى ،اختلاج موجعٌ ، كمسٍّ يخرج من جسدها المثقل بسياط السنين ،
    اعتذرتْ لضيوفها ، انسحبوا تباعاً ، خلا المكان ، أطفأتْ الأنوار ، أشعلتْ شمعةً واحدةً ، تأمّلتها ، تحرّكتْ الستارة
    رأت روحه تطوف حولها .
    خرجتْ عنها طفلة صغيرة ذات جدائل ، مربوطة بأشرطةٍ ملوّنة ، منفوشة الثّوب ، قصيرة الأكمام ، في يدها قطعة قطنٍ تمسح جراح أبيها ..تضع رأسه في حضنها الصّغير المضطرب ، فتسمع طقطقة عظامه ..
    أذّن الفجر ، وبعيونٍ لا ترفّ ناجته :
    ـ امسح رأسي المتعب يا أبي ، يا موكب الطّهر ،ارْقِني ، واغفر لي ، قم وتوضّأ ، واهنأ في رقدتك بسلامٍ ...
    أرأيت كم هي دموعك غالية ...يا أبي ..؟؟؟!!!!

    تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود
  • ربيع عقب الباب
    مستشار أدبي
    طائر النورس
    • 29-07-2008
    • 25792

    #2
    من أجلك يا أبي ...
    حدّثتْ نفسها :
    لمن هذا الوجه ؟ ليس لي أنا ، لم أكن يوماً بهذه البشاعة ، أيّ مسخٍ صرته ؟ وتلك الألوان المرسومة كمهرّج السيرك على وجهي ، تسخر مني ، تضحك بهيسيتريا ، تعلو ، تهبط حتى صارتْ كالبكاء .
    لمن هذه الملامح ؟ لا أنتمي إليها ، إنّها لامرأةٍ شيطانيّة العبث ، يلفّها ليلٌ كعهر المجون .
    ثمّ ساءلتْ العيون التي ترنو إليها باستغرابٍ :
    أين جدائلي ؟ لم أكن أجيد غير ربط شرائطها الملوّنة ، وهي تتدلّى على صدري ببراءة ، كيف صارتْ كشظايا رأس أوديسّا ؟
    كيف صارتْ عيوني بهذه القسوة ؟ تحجّرتْ كجلمودٍ لا يهتزّ!!!!
    وكيف تحوّل أحمر الشّفاه على شفتي إلى لون سابغٍ ، يتعطّش للدّماء، ولا يرتوي ؟؟
    ثمّ ركضتْ بين الموائد ، تقذف الأرض بالأطباق على الطريقة اليونانيّة حين يشتدّ هدير الرّقص .
    الموسيقا الصّاخبة تتخافتْ رويداً ، رويداً ، والذّهول يعلو الوجوه .
    لم يعد في المكان إلاّ صوتها ، يصرخ من بئر السّنين ، يحمل صدى الأيّام ، أنينها ، أوجاعها ، وهي تحجب وجهها بكفّيها صرختْ بها :
    ـ الآن خذيه ، لم يعد يلزمني ..
    ركضتْ إليه ، تفكّ عنه الشّال الذي حزم وسطه ، تنادي :
    ـ كفى ...كفى ..ماذا فعلتم بأبي ؟؟؟
    أخذته كالطفل بين أحضانها ، كان يترنّح ، يحزق ، يلهث ،مازال يردّد وحده الأغنية التي شرع يرقص على أصدائها،
    ورائحة الخمر أسكرتْ الجدران حوله ، فلم يستبن أنّه صار أضحوكةً ، بين حشدٍ، جمع فيه كلّ الأطياف التي يعرفها أو التي لا يعرفها.وهو الذي كان اسمه كالنسر في فضاء العمر
    ثمّ دفعتها عنه بأطراف أصابعها :
    أراك الآن تنهارين ، تبتلعين الغصّة ذاتها التي سكنتْ حنجرتي ، منذ عقدٍ ونيّفٍ من السنين ، أتذكرين ..؟؟
    يوم بكى أبي ، وهو يدفع عنه تهمة سرقة عقدك الماسيّ الثمين ، بعد أن أتمّ طلاء منزلكم الفاره ..؟؟؟
    أتذكرين ؟؟؟كيف أذلّيتِ شيبته ،بكلّ أفانين الضّغط ، تحيط بك هالة الجبروت ، تتبخترين بها استعلاء ؟؟ والكلّ يتهافتُ على استرضائك .
    أبي الشّريف ، رقيق الجسد ، نظيف اللّقمة ،لم تحلْ هشاشة عظامه ، بينه وبين الجدران التي حفظتْ طقطقة أنينه ، وهو يصعد السّلم درجةً ، درجةً، يمسك جردله ، وفرشاته ..
    ـ هل أنت ابنة الحاج عبد اللّطيف ؟؟؟أجيبي ..
    ـ نعم ..أنا هي ..تلك الطفلة التي شهدت اغتيال قلبه ، أترين دموع أبيك الآن ..؟؟ هي ذاتها لون دموع أبي ، حين أكبّها على يديك ، يطلب الرّحمة ، وأنت تصدّين ، وتستعلين ، وتسخرين ، وتركلين .
    ثمّ التفتت إليهم تدور بينهم بلا سيطرة على أوصالها المرتجفة:
    ـ أنتم أيّها السّادة ..يا من تحيطون المكان بكلّ ألوانكم ، وروائحكم ، انظروا إلى الباشا العظيم وابنته ، إنّها لوحة مسليّة أليس كذلك ؟؟
    وجذبته من كمّه وهو يتأرجح كريشةٍ خفيفةٍ بلهاءَ :
    ـ انظروا مليّاً للمليونير ، صاحب المزارع ، والأطيان ، والأسواق التجاريّة .
    ارقص ..ارقص لا تتوقّف ، هيّا در كالقرد بين الضيوف ، روّح عنهم ، أضحكهم ، أزل عنهم بعض الرتابة والملل .
    ركضتْ إليه من جديدٍ :
    ـ لا ..لا تفعل ذلك يا أبي أرجوك أبي ...أفق ..أفق ..
    ـ ولكنّي أحبّها ، أعبدها ، سأفعل ما تأمرني به ، هي لي ، لي وحدي ، لا تصدّقي ما تقوله ، إنّها تمزح ، هي كلّ حياتي ، تحبّني ، قولي لهم يا أميرتي كم سهرنا معاً حتى الصّباح ، نتبادل كأس الهوى ، والعشق ، والغرام !!!كم عتّقنا الأيّام بجنون حبّ لا يهدأ، إلاّ ليعود ، قولي لهم كيف فضّلتني على جميع الرّجال !!!
    ثمّ ترنّح بينهم يجذب أطراف أكمامهم :
    ـ انظروا كم أنا وسيم ..؟؟!! هكذا كانتْ تراني ، شابّاً ذا شخصيّةٍ آسرةٍ ، حدّثيهم، كيف وعدتني بأن نقتسم ما بقي من العمر معاً ، وكيف قدّمتُ لك هذا القصر مهراً مقدّماً باسمك
    ـ ماذا ..ماذا يا عجوز الحطب هل جننتَ ؟؟أتزوّجك أنت ؟
    اصحَ من ثمالتك ، وانظر إلى قفّة عظمك يا جدّي .
    ثمّ قهقهتْ وكالشيطان تضرب كفّاً بكفٍّ : يا لك من خرفٍ
    تهاوى قرب طاولة الطعام ، يفكّ عن رقبته ربطة عنقه ، فتح أزرار قميصه يدعك صدره الواهن ، وبأنامله الضعيفة راح يرفع عن جبينه خصلات شعره البيضاء ، المتبلّلة بالعرق
    ـ إذن من أنت أيتها الإبليسة ..؟؟وكيف بغفلةٍ مني صرتِ كلّ حياتي ؟ كيف استطعتِ ذلك ؟ أيّ سحرٍ سفليّ يركبك ؟؟
    ـ اسأل ابنتك ، عندها الإجابة .
    ـ ولمَ فعلتِ ؟؟
    ـ دموع أبي ..من أجلها رسمتُ أيّام حياتي ،وأعوامها ، من أجل جروحه التي رحتُ أمسح نزفها ، من أجل صرخة ظلمٍ أطلقها ،وهو يردّد حتى في نومه : بريء ،والله العظيم بريء
    ابنتك المتزوّجة برجل أعمالٍ يفوقك ثراءً ، حطّمتني ، وقتلتْ أبي ، لم يعش بعد هذه الحادثة طويلاً ، مات قهراً ، بعد أن دفن ما بقي له من كبرياءٍ على أعتابكم .
    ثمّ أمسكتْ به من جديدٍ تسحبه عن الكرسيّ ، تؤرجحه :
    ـ وأنت أيضاً يجب أن تموت قهراً ..متْ ..متْ ..
    وحالتْ الابنة بينهما :
    ـ اتركيه ..هيّا يا أبي ..هيّا ..لنرحل من هنا ، أرجوك حاول النهوض والثّبات ساعدني
    ـ لا ..دعيه ، لم يشفَ غليلي بعد ، خلّي عظامه تنزف أكثر ، ترتعد استغاثةً ، خلّني أرى المزيد من دموعه ..
    ثمّ التفتتْ إلى الحضور ، المتسمّرين بذهولٍ ، تعلوهم الحيرة،
    يتساءلون عن أحجيّة يلزمهم تفسيرها قائلة وهي تعربد بينهم كمجنونة :
    ـ لماذا سكتّم ؟؟ صفّقوا له ، صفّقوا!!أرأيتم كم هو جميل عرض مسرح اليوم ؟؟إنّه حقيقيّ مباشرُ ، بلا خشبةٍ ، شخوصه بينكم .
    ثمّ راحتْ تستحثّهم من جديدٍ :هيا صفّقوا ، وحيّوا الأبطال
    واستجابوا لها أوّل الأمر على استحياءٍ ، ثمّ تعالتْ الهمهمات ثمّ الضحكات ..وصدحت الموسيقا الصّاخبة من جديدٍ ..
    ورمقتهما بطرف عينها ، حين كانت الابنة تنسلّ بانكسارٍ إلى الخارج ، تشدّ هيكلاً يموت ارتجافاً ، تطوي به الرّيح ،
    وعندما ابتعد طيفهما ، أصابتها ارتعاشة كالحمّى ،اختلاج موجعٌ ، كمسٍّ يخرج من جسدها المثقل بسياط السنين ،
    اعتذرتْ لضيوفها ، انسحبوا تباعاً ، خلا المكان ، أطفأتْ الأنوار ، أشعلتْ شمعةً واحدةً ، تأمّلتها ، تحرّكتْ الستارة
    رأت روحه تطوف حولها .
    خرجتْ عنها طفلة صغيرة ذات جدائل ، مربوطة بأشرطةٍ ملوّنة ، منفوشة الثّوب ، قصيرة الأكمام ، في يدها قطعة قطنٍ تمسح جراح أبيها ..تضع رأسه في حضنها الصّغير المضطرب ، فتسمع طقطقة عظامه ..
    أذّن الفجر ، وبعيونٍ لا ترفّ ناجته :
    ـ امسح رأسي المتعب يا أبي ، يا موكب الطّهر ،ارْقِني ، واغفر لي ، قم وتوضّأ ، واهنأ في رقدتك بسلامٍ ...
    أرأيت كم هي دموعك غالية ...يا أبي ..؟؟؟!!!!

    المشهد كان دراماتيكيا صاخبا ، يصطبغ بألوان و موسيقى صاخبة الوقع ، و الأحداث ، كأنني بالفعل أمام خشبة مسرح ، و الممثلين يؤدون فى إجادة ، بل ليس هناك وقت لالتقاط الأنفاس ، ما بينها و تلك ، ما بينها و الأب ، ما بينها و الطفلة التى انسلت منها ، أى لقطة أو مشهد شكسبيري هذا .. أكان كابوسا ، أم واقعا مرّا ، رأيته فى فيلم ما ، فى زمن ما ، لم يخبر به ، و أى مكان كان هذا ؟!
    و أى لحظة فجرت تلك الطاقة ، و بهذا الهذيان المتلاحق النسج ، كاشفا عن كاتبة مسرحية من طراز خطير ، ما بين الابنة و الحبيبة مسافات من رؤى ، تمامها فى الألوان ، سرها فى الطلاء ، الذى شكل البيت أو هذا البناء ، على اختلاف ألوانه .. و كأن الخطاب موجه لغائب و إن أتت به على خشبة العرض ، و الذى أنتظرته أن يخرج الجمهور عن صمته ، عن رقصه ، ليقول كلمته ، لا أن يظل يبحث عن التصفيق و فقط !

    صدقيني .. أحتاج لقراءتها مرات لأقف على سر الطلاء ، و سر الجمهور ، وهذا القديم / الجديد فى شخصية البطلة ، أبكاء على وقت تفلت منها ، ومنه ، أم على شىء أقدس !

    دمت و دام خفق هذا القلب ، و تلك الروح
    التى بالطبع لن تتركني أتخبط بين الحروف
    إلا أن تقول كلمتها ، فليست هذه هاملت أو أوريست ، أو كانت ألكترا ، أو ربما كانت !!
    sigpic

    تعليق

    • ربيع عقب الباب
      مستشار أدبي
      طائر النورس
      • 29-07-2008
      • 25792

      #3
      أراك هنا على غير العادة ، و عادة القصّاص ، تكتبين بالكلمات كالشعراء ،
      بكل عنفوانك و غضبتك ، و قدرتك على تحريك الشخصيات .. بالفعل
      رأيتها قصيدة ، أو مشهدا تراجيديا ، حتى العنوان رغم بساطته ، كان خادعا !
      sigpic

      تعليق

      • محمد فطومي
        رئيس ملتقى فرعي
        • 05-06-2010
        • 2433

        #4
        كذلك هم المنكوبون دائما؛يتلقّون الأذى و القهر و الصّفعات العنيفة جدّا؛و إذا حانت لحظة الانتقام ينتقمون في الغالب،و هناك من يتربّص و هناك من يسعى وراء ثأره.و لكنّ انتقامهم أشبه بمن يغمد خنجر طاعنه بيديه و أعمق في صدره كي يقتل عدوّه حسرة ربّما مادام لا يملك أكثر من ذلك.الضّعفاء عادة لا سبيل لهم غير الأحزمة النّاسفة التي هم أوّل من يذهب ضحيّتها و أحيانا بمفردهم.
        و ها نحن نرى الثّورات العربيّة و كيف تنتحر الشّعوب من أجل أن تتحرّر،لماذا؟لأنّ الطّرف الآخر لا يعقل أيّ لغة أو خطاب،لا يفهم من تلقاء نفسه أنّه داس على الملايين و محق كرامتهم تحت حذائه.
        كيف كان لها أن تهوّن على عظام والدها و لو مجازا،لو لم تنتحر بتلك الطّريقة؟
        كانت طريقة مثاليّة،و لكن هل كانت الوحيدة؟
        أعتقد في مثل هذه الحالة أنّ على المغلوب أن يصبر حتّى يسقط الباشا برصاصة أخرى،إذا كان البديل حربة لم يكن ليحصل عليها إلاّ إذا باع ذمّته.
        و الفدية الوحيدة التي أجيزها هي الشّهادة بسبق إصرار و ترصّد.نظريّا أقول هذا.
        لكنّي في الواقع أجيز كلّ شيء لأنّه الانسان..

        قدّمت نصّا من أروع النّصوص أستاذة إيمان.و أشعر أنّي تحدّث و لم أتعدّ زاوية صغيرة منه.
        دمت بخير و ودّ.
        التعديل الأخير تم بواسطة محمد فطومي; الساعة 26-06-2011, 17:24.
        مدوّنة

        فلكُ القصّة القصيرة

        تعليق

        • أ . بسام موسى
          ناقد
          • 20-06-2010
          • 69

          #5
          من أجلك يا أبي

          الزميلة المبدعة / إيمان الدرع المحترمة
          من يتأمل قصة
          " من أجلك يا أبي " في أبعادها الدلالية والمرجعية، فإنه سيكتشف حقيقة جلية بأن هذه القصة الرائعة هي قصة تراجيدية بامتياز؛ لأن إيمان ركزت فيها على الألم الناشئ عن الاستسلام للهوى الذي يدفع قسراً إلى الاستسلام لكوليغرافية الجسد الشبقي وفتنة غوايته القاتلة مما يعمي بصيرة صاحبه عن الحقيقة حين يكتشف أنه كان الألعوبة في عالم الحب ، والضحية المسلّاة لمن تفكر في الانتقام والتشفي ، ولاتعطي للحب قيمة والكرامة البشرية مغيَّبة .
          وإذا كانت الرواية توحي باستهتار الغانية وهي الشخصية الرئيسة في القصة ، فإن شاطئ الحياة الذي ترسو عنده الابنة المعذبة بتأثير ما ماحدث من إهانات متتابعة ومذلة لأبيها – الضحية - يقدم للأب الدفء والحنان والاحتماء الوجودي ، كما يعطيه الأمان والإحساس بالحياة الحقيقية حيث أدرك متأخراً أنه جارى عاطفته ومشاعر حبه الجياشة ، وتعلقه الشديد بمن لاتحبه رغم فارق السن الكبير بينهما ولم يستعمل عقله.
          ومن هنا فالأب بدا لنا في بداية تجليات القصة رجلاً مغامراً يخوض غمار الجسد والحب بعبثية سائبة وسلبية منفِّرة بدون قيم أخلاقية ، وبدون مسؤولية مجتمعية وبدون حصانة أو مناعة أسرية .
          حبٌّ أشغله عن بناته وواجبات أسرته ليترنح بين الخمر والمرأة التي عشقها حتى الثمالة فسقط أمام معشوقته الكاذبة لتحوله أضحوكة أمام الناس ، يصفقوا له ليرقص ويغني ، ورائحة الخمر المنبعثة من فاه تملأ المكان في مشهدٍ مهين أمام الكرامة المهدورة في وجود الابنة المنكسرة لما آلت إليه أوضاع أبيها التائه في سراديب الحب والضياع حتى أذنيه .
          دريد لحام ( غوار الطوشة ) الفنان السوري الساخر والمبدع كان يردد مرارا في مسلسلاته القديمة الرائعة التي استحوذت على حب جميع الأجيال التي كانت تتابعها بشغف في جميع بلادنا العربية قصة حبه لفطوم حيص بيص ( يلعن الحب شو بيذلّ ) .. صدحت منه في لحظات ألم الشوق والحب من طرف واحدٍ مستورداً مشاعرنا معه في التعاطف والتضامن .
          الأديبة / إيمان لم تخبرنا ماترتب على كتابة البيت الكبير باسم الغانية المنتقمة المستهترة بكرامة الإنسان بعيداً عن الآدمية والرحمة ولعلها تركت لحظات التفكير في النتائج الوخيمة لهذا التغوُّل للقارئ ومثل هذا الأسلوب في التفكير والتقصي ، وإدراك التفاصيل العابرة ، وقراءة مابين السطور ، بل وتوقع مايتلو النهايات المفتوحة من سمات الإبداع الفني الراقي الذي يذهب إليه الكاتب متألقاً بفنِّهِ الحاذق .
          إيمان صاحبة الكلمات الناطقة أثبتت لنا ومن خلال هذه القصة أنها لم تكن مجرد كاتبة لإحداثيات هذه القصة بل مبدعة في الالتحام مع المشاعر لتصوير الأحداث ، ووصف الواقع برسم الحقيقة ، وانتقاء التعبيرات والألفاظ الموحية للدلالة على الحدث ، والتنمق في انتقاء اللغة الراقية في الأدب التي تشد القارئ للحياة بين دفتي القصة ، ومتابعة القصة بكل تفاصيلها حتى نهايتها . هذا النهج في السرد والتصوير ، والجدَّة ليس جديداً على من تتبع بإمعان كتابات هذه الزميلة المتألقة بل هو ديدنها الذي نعرفه منذ أن قرأنا لها لأن ذلك أحد الركائز المهمة والدعائم الأساسية في كتاباتها .
          فشكرا لكي وأتحفينا بكل جديد ،،، واقبلي احترامي وتقديري
          التعديل الأخير تم بواسطة أ . بسام موسى; الساعة 26-06-2011, 17:45. سبب آخر: تنسيق الرد

          تعليق

          • د.نجلاء نصير
            رئيس تحرير صحيفة مواجهات
            • 16-07-2010
            • 4931

            #6
            ايمان الغالية بريشة قلمك رسمت لوحة متحركة لهذه الفتاة التي تعاني
            رغم فقد والدها أثر عشقه للكأس غاليتي
            وكم نت أسر بأكملها ضاعت وطويت في سجل ذكريات الحياة
            سعدت بمروري على رياض حرفك الراقي
            سلم اليراع غاليتي

            مودتي
            sigpic

            تعليق

            • بيان محمد خير الدرع
              أديب وكاتب
              • 01-03-2010
              • 851

              #7
              أستاذتي الجليلة ..
              علمنا الزمن أن القلب الأبيض وتجاوز أخطاء الآخرين .. قد أصبح لعنة بحق ذواتنا المنهكة .. سئمنا دور الضحية و آن لنا أن نكون الجلاد .. لتهدأ الروح النازفة من طعن بعض الأيادي العابثة بمشاعرنا الطاهرة النقية ..
              حبيبتي أنا لا و لن أجعل الأنظمة شماعة لذوات بعضنا النزاعة للشر و الغدر و لأقرب الناس أحيانا .. فلنمسح الصدأ و نطهر الروح الآثمة بقتل بعضنا البعض ونحن أحياء .. قتل الفطرة الطيبة بالآخر جريمة .. وقتل الأبتسامة على ثغور البعض جريمة .. ما أروع الإنتقام ممن قتلونا وما زلنا نتنفس .. فقط لترتوي نفوسهم المشوهة .. الحاقدة !
              أستاذتي أعذري لغتي البسيطة تلك .. فلست من أجاري عملاقة مثلك ..
              إني أرى الروعة و الإبداع تتعاظم أكثر و أكثر في كل عمل جديد لك .. سلم قلمك الذي في تحد مستمر ليبلغ النجوم .. لا حرمتك حبيبتي
              التعديل الأخير تم بواسطة بيان محمد خير الدرع; الساعة 27-06-2011, 02:14.

              تعليق

              • ريما ريماوي
                عضو الملتقى
                • 07-05-2011
                • 8501

                #8
                ما شاء الله عليك أختي, فأنت بلا شك تتملكين القصة القصيرة باحترافية عالية,
                وبنفس الوقت المغزى والهدف في هذه القصة كان واضحا.
                ولكن أنا ما زلت من المؤمنين بالقلب الأبيض,
                وبطلتنا هنا ثأرت لنفسها وليس من أجل أبيها,
                لأن رجلا في مثل طيبة قلبه وحنانه لن يرضيه,
                أن تبيع ابنته مثلها وقيمها وجسدها إلى هذا الرجل العجوز الثري,
                فقط من أجل الإنتقام من ابنته, وما عملته فيه عندما اتهمته بالسرقة.
                وفتاة تربت على أيدي مثل هؤلاء الناس الطيبين لن يريحها أبدا مثل هذا الإنتقام.
                هذا رأيي الشخصي وسأموت وأنا أدافع عن الأخلاق والمثل لأنها هي الخلاص والإرتياح
                وليس بالثأر والإنتقام, وخسارة على هذا الزمن الذي صار من يدافع فيه عن المثاليات هو
                المكروه الذي يهاجم, مع الأسف الشديد.
                شكرا لك أختي, أنا أعرف أن هذه مجرد قصة من الخيال, لا تمثل رأيك الشخصي,
                ولا أسلوب تفكيرك ولا حياتك, وأنا هنا مجرد خالفت بطلة قصتك الرأي
                لأنني متأكدة أنها هي نفسها لن ترتاح أبدا من مثل هكذا انتقام.
                التعديل الأخير تم بواسطة ريما ريماوي; الساعة 27-06-2011, 05:22.


                أنين ناي
                يبث الحنين لأصله
                غصن مورّق صغير.

                تعليق

                • فاطمة يوسف عبد الرحيم
                  أديب وكاتب
                  • 03-02-2011
                  • 413

                  #9
                  العزيزة إيمان
                  تحية حب وتقدير
                  رائع ما قرأته أو ما شاهدته لأن كلماتك الفنية المؤثرة وأسلوبك المتداخل بحبكة متينة جعلني أشاهد مشهد مسرحي متقن الأداء ، تميز في الطرح جعلك تتناغمين مع حركة الشخوص لتتوالد الأحداث في سرد مفعم بالتشويق والجذب مع بيان القيم الخلقية سواء كانت إيجابية أو سلبية
                  تعودنا منك الإبداع لك كل تقدير
                  فاطمة

                  تعليق

                  • نبيه أبو غانم
                    أديب وكاتب
                    • 26-05-2010
                    • 94

                    #10
                    بين زهرة سرى سم الانتقام في نسغها فأيبس برعمها حتى أحاله شوكة وماجن عابث
                    لم يعر شيب رأسه مقاماً فخسف قدر نفسه ومن حولهُ حتى أمسى كرة خيوط تتقاذفها
                    هرة ذات اليمين والشمال.. نسجت خيوط قصتك أيتها القاصة البارعة لتخرج لنا حلةً
                    تامة ماتعة، بأرقى أسلوب أدبي وفكري.
                    الأديبة إيمان الدرع: دمتِ ودام بوحك سلسبيلاً رقراقاً

                    تعليق

                    • إيمان الدرع
                      نائب ملتقى القصة
                      • 09-02-2010
                      • 3576

                      #11
                      المشهد كان دراماتيكيا صاخبا ، يصطبغ بألوان و موسيقى صاخبة الوقع ، و الأحداث ، كأنني بالفعل أمام خشبة مسرح ، و الممثلين يؤدون فى إجادة ، بل ليس هناك وقت لالتقاط الأنفاس ، ما بينها و تلك ، ما بينها و الأب ، ما بينها و الطفلة التى انسلت منها ، أى لقطة أو مشهد شكسبيري هذا .. أكان كابوسا ، أم واقعا مرّا ، رأيته فى فيلم ما ، فى زمن ما ، لم يخبر به ، و أى مكان كان هذا ؟!
                      و أى لحظة فجرت تلك الطاقة ، و بهذا الهذيان المتلاحق النسج ، كاشفا عن كاتبة مسرحية من طراز خطير ، ما بين الابنة و الحبيبة مسافات من رؤى ، تمامها فى الألوان ، سرها فى الطلاء ، الذى شكل البيت أو هذا البناء ، على اختلاف ألوانه .. و كأن الخطاب موجه لغائب و إن أتت به على خشبة العرض ، و الذى أنتظرته أن يخرج الجمهور عن صمته ، عن رقصه ، ليقول كلمته ، لا أن يظل يبحث عن التصفيق و فقط !

                      صدقيني .. أحتاج لقراءتها مرات لأقف على سر الطلاء ، و سر الجمهور ، وهذا القديم / الجديد فى شخصية البطلة ، أبكاء على وقت تفلت منها ، ومنه ، أم على شىء أقدس !

                      دمت و دام خفق هذا القلب ، و تلك الروح
                      التى بالطبع لن تتركني أتخبط بين الحروف
                      إلا أن تقول كلمتها ، فليست هذه هاملت أو أوريست ، أو كانت ألكترا ، أو ربما كانت !!

                      أستاذي القدير ربيع :
                      وماذا أقول بعد كلامك ..
                      فأنت نعم الناقد ، والمعلّم ، والمرشد ، والمشجّع في كلّ الأحوال ..
                      فعلاً هنا ألبست النصّ ثوباً يموج بالحركة ، بنبض المشاعر في أوج انفعالاتها
                      بتسليط الضّوء على الوجه الآخر للحياة ...
                      من زوايا أخرى لم أدخلها قبلاً ...ربّما .. في نصوصي السابقة
                      وذلك بحثاً عن التجديد في الطّرح، والواقعيّة المقنعة ..
                      لم تعد جدران الزوايا عندي ذات لون أبيض مثالي ..
                      يلزمني خلط اللون برائحة البشر أكثر ، وألوانهم ،وتناقضاتهم
                      كذلك الأمر بالنسبة لتجنيس القصّ ..
                      أريد أن أدمج جميع تعاريف الأجناس في نصّ واحدٍ ..
                      دون الاتّكاء على عكّاز الخوف الذي نتوقّعه من النقد ..
                      طبعاً على أن يكون هذا اللّون مدروساً بفنّية واعيةٍ..راصدةٍ
                      لا ينتج عن خلطٍ مشتّتٍ للفكرة ، ولاضياع للنسيج العام المقنع للنصّ ..ولا لهوّيته ..إني أحاول ..
                      أرأيت أستاذي ..هي بعض توجيهاتك التي تحثّ على التجدّد، والخروج عن النمطيّة..مبنى ، ومعنى
                      كم من الشكر العميق يلزمني لأعبّر عن امتناني ،على حسن رعايتك وتشجيعك ..؟؟!!
                      لا حُرمتك عل هذه الثقة التي تشحنني بها دائماً ..
                      إليك أعذب أمنياتي ....وتحيّاتي

                      تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

                      تعليق

                      • إيمان الدرع
                        نائب ملتقى القصة
                        • 09-02-2010
                        • 3576

                        #12
                        المشاركة الأصلية بواسطة ربيع عقب الباب مشاهدة المشاركة
                        أراك هنا على غير العادة ، و عادة القصّاص ، تكتبين بالكلمات كالشعراء ،

                        بكل عنفوانك و غضبتك ، و قدرتك على تحريك الشخصيات .. بالفعل
                        رأيتها قصيدة ، أو مشهدا تراجيديا ، حتى العنوان رغم بساطته ، كان خادعا !
                        أستاذي الغالي ربيع :
                        لقد أثبتتْ تجارب الحياة ...حين نفضت عن كاهلها غبار الزمن ..
                        أنّ الكتابة الحقّة ،هي الكتابة الفاعلة ،المؤثّرة ، العميقة ..
                        التي تكشف الغطاء عن الوجع
                        ومن غيره لن يتمّ تشخيص الدّاء ، ومن ثمّ معالجته ..
                        الحكمة الهادئة التي تفرز عن النصوص ..
                        صارتْ كالمهدّئ الآنيّ ، الذي يدغدغ المشاعر
                        ثمّ يعطيها جرعة من الرضا ،والقناعة السلبيّة ، المدمّرة على المدى البعيد.
                        للأمانة أستاذي : تصطرخ بي عمق رسالتنا، كأدباء،كي نساهم مجتمعين في تحريك الفكر..
                        عسى أن نداوي الكثير من الجراح النائمة ، والنازفة ، والقلقة، والعالقة ..!!!!
                        كم أثمّن فيك هذه العبارات المشجّعة، التي تطلقها كشهبٍ في دروبنا، لنكتب بثقةٍ وبأصابعَ لاتهتزّ
                        إليك أحلى أمنياتي ...وتحيّاتي ..ربيعنا المزهر

                        تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

                        تعليق

                        • فايزشناني
                          عضو الملتقى
                          • 29-09-2010
                          • 4795

                          #13

                          وتصرخين ... وتصرخين
                          صرختك تدوي في كل الأرجاء كصرخة الوليد
                          كأستشعار عن بعد ربما قبل الولوج في رحلة العذاب
                          ثم ندخل الحياة في حلقات لا نمل فيها الألم والأمل
                          اللوحات كثيرة وقدرنا أن نتفاعل فيها ونرسم طقوساً تلائمنا
                          وفي هذه اللوحة الرائعة ( التراجيدية ) شارفنا على البكاء
                          ليس حزناً بل عنفواناً وكبرياء، من أجلك يا أبي ......
                          أختي الغالية إيمان
                          شخوصك تلح أن تعيد ماتهدم ( وكأنك تصرين على البناء )
                          ندوب الحياة لا تنتهي ولكن جرعة حنان وإيثار ترمم المشهد والمكنون
                          وهذا ما أستشعره في كل ما تكتبين
                          لك مني كل الود والامتنان
                          هيهات منا الهزيمة
                          قررنا ألا نخاف
                          تعيش وتسلم يا وطني​

                          تعليق

                          • إيمان الدرع
                            نائب ملتقى القصة
                            • 09-02-2010
                            • 3576

                            #14
                            كذلك هم المنكوبون دائما؛يتلقّون الأذى و القهر و الصّفعات العنيفة جدّا؛و إذا حانت لحظة الانتقام ينتقمون في الغالب،و هناك من يتربّص و هناك من يسعى وراء ثأره.و لكنّ انتقامهم أشبه بمن يغمد خنجر طاعنه بيديه و أعمق في صدره كي يقتل عدوّه حسرة ربّما مادام لا يملك أكثر من ذلك.الضّعفاء عادة لا سبيل لهم غير الأحزمة النّاسفة التي هم أوّل من يذهب ضحيّتها و أحيانا بمفردهم.
                            و ها نحن نرى الثّورات العربيّة و كيف تنتحر الشّعوب من أجل أن تتحرّر،لماذا؟لأنّ الطّرف الآخر لا يعقل أيّ لغة أو خطاب،لا يفهم من تلقاء نفسه أنّه داس على الملايين و محق كرامتهم تحت حذائه.
                            كيف كان لها أن تهوّن على عظام والدها و لو مجازا،لو لم تنتحر بتلك الطّريقة؟
                            كانت طريقة مثاليّة،و لكن هل كانت الوحيدة؟
                            أعتقد في مثل هذه الحالة أنّ على المغلوب أن يصبر حتّى يسقط الباشا برصاصة أخرى،إذا كان البديل حربة لم يكن ليحصل عليها إلاّ إذا باع ذمّته.
                            و الفدية الوحيدة التي أجيزها هي الشّهادة بسبق إصرار و ترصّد.نظريّا أقول هذا.
                            لكنّي في الواقع أجيز كلّ شيء لأنّه الانسان..

                            قدّمت نصّا من أروع النّصوص أستاذة إيمان.و أشعر أنّي تحدّث و لم أتعدّ زاوية صغيرة منه.
                            دمت بخير و ودّ.
                            الأستاذ القدير محمّد:
                            ولأنّه الإنسان فهو لايخرج عن هذه الكينونة الشّفيفة في الغالب ..
                            بكلّ تجلّياتها ، ضعفها ، قوّتها ، هشاشتها ، صلابتها ..
                            هو ... كمّ يتلاطم في بحر البشريّة ...
                            ولكن يا أخي الكريم محمّد أصعبها على الإطلاق ، إهدار الكرامة ،والإذلال ..
                            والظّلم الذي يفتّت الكبد ..
                            واستعلاء القويّ على الضعيف حدّ الانكسار ..
                            هنا ستصحو الإنسانيّة كالمارد ولو بعد حين ..
                            وستصل على أيّ جناحٍ ركبتْ
                            شكراً على الإضافة التي حلّقتْ بالنصّ
                            شكراً على عمق تصوّرك للحدث ..وللشخوص
                            لا حُرمتُ مرورك زميلي الغالي ..
                            ومع أطيب أمنياتي ...تحيّاتي

                            تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

                            تعليق

                            • إيمان الدرع
                              نائب ملتقى القصة
                              • 09-02-2010
                              • 3576

                              #15
                              المشاركة الأصلية بواسطة أ . بسام موسى مشاهدة المشاركة
                              الزميلة المبدعة / إيمان الدرع المحترمة
                              من يتأمل قصة " من أجلك يا أبي " في أبعادها الدلالية والمرجعية، فإنه سيكتشف حقيقة جلية بأن هذه القصة الرائعة هي قصة تراجيدية بامتياز؛ لأن إيمان ركزت فيها على الألم الناشئ عن الاستسلام للهوى الذي يدفع قسراً إلى الاستسلام لكوليغرافية الجسد الشبقي وفتنة غوايته القاتلة مما يعمي بصيرة صاحبه عن الحقيقة حين يكتشف أنه كان الألعوبة في عالم الحب ، والضحية المسلّاة لمن تفكر في الانتقام والتشفي ، ولاتعطي للحب قيمة والكرامة البشرية مغيَّبة .
                              وإذا كانت الرواية توحي باستهتار الغانية وهي الشخصية الرئيسة في القصة ، فإن شاطئ الحياة الذي ترسو عنده الابنة المعذبة بتأثير ما ماحدث من إهانات متتابعة ومذلة لأبيها – الضحية - يقدم للأب الدفء والحنان والاحتماء الوجودي ، كما يعطيه الأمان والإحساس بالحياة الحقيقية حيث أدرك متأخراً أنه جارى عاطفته ومشاعر حبه الجياشة ، وتعلقه الشديد بمن لاتحبه رغم فارق السن الكبير بينهما ولم يستعمل عقله.
                              ومن هنا فالأب بدا لنا في بداية تجليات القصة رجلاً مغامراً يخوض غمار الجسد والحب بعبثية سائبة وسلبية منفِّرة بدون قيم أخلاقية ، وبدون مسؤولية مجتمعية وبدون حصانة أو مناعة أسرية .
                              حبٌّ أشغله عن بناته وواجبات أسرته ليترنح بين الخمر والمرأة التي عشقها حتى الثمالة فسقط أمام معشوقته الكاذبة لتحوله أضحوكة أمام الناس ، يصفقوا له ليرقص ويغني ، ورائحة الخمر المنبعثة من فاه تملأ المكان في مشهدٍ مهين أمام الكرامة المهدورة في وجود الابنة المنكسرة لما آلت إليه أوضاع أبيها التائه في سراديب الحب والضياع حتى أذنيه .
                              دريد لحام ( غوار الطوشة ) الفنان السوري الساخر والمبدع كان يردد مرارا في مسلسلاته القديمة الرائعة التي استحوذت على حب جميع الأجيال التي كانت تتابعها بشغف في جميع بلادنا العربية قصة حبه لفطوم حيص بيص ( يلعن الحب شو بيذلّ ) .. صدحت منه في لحظات ألم الشوق والحب من طرف واحدٍ مستورداً مشاعرنا معه في التعاطف والتضامن .
                              الأديبة / إيمان لم تخبرنا ماترتب على كتابة البيت الكبير باسم الغانية المنتقمة المستهترة بكرامة الإنسان بعيداً عن الآدمية والرحمة ولعلها تركت لحظات التفكير في النتائج الوخيمة لهذا التغوُّل للقارئ ومثل هذا الأسلوب في التفكير والتقصي ، وإدراك التفاصيل العابرة ، وقراءة مابين السطور ، بل وتوقع مايتلو النهايات المفتوحة من سمات الإبداع الفني الراقي الذي يذهب إليه الكاتب متألقاً بفنِّهِ الحاذق .
                              إيمان صاحبة الكلمات الناطقة أثبتت لنا ومن خلال هذه القصة أنها لم تكن مجرد كاتبة لإحداثيات هذه القصة بل مبدعة في الالتحام مع المشاعر لتصوير الأحداث ، ووصف الواقع برسم الحقيقة ، وانتقاء التعبيرات والألفاظ الموحية للدلالة على الحدث ، والتنمق في انتقاء اللغة الراقية في الأدب التي تشد القارئ للحياة بين دفتي القصة ، ومتابعة القصة بكل تفاصيلها حتى نهايتها . هذا النهج في السرد والتصوير ، والجدَّة ليس جديداً على من تتبع بإمعان كتابات هذه الزميلة المتألقة بل هو ديدنها الذي نعرفه منذ أن قرأنا لها لأن ذلك أحد الركائز المهمة والدعائم الأساسية في كتاباتها .
                              فشكرا لكي وأتحفينا بكل جديد ،،، واقبلي احترامي وتقديري
                              زميلي المربّي الفاضل :أ . بسّام موسى
                              مداخلتك القيّمة أخي العزيز كانت أجمل من النصّ نفسه ..
                              لأنك كتبتها بعينٍ واعيةٍ ، راصدةٍ للحدث ..
                              كما أشرتَ أنّ الخطأ إثم ارتكبه الجميع كلّ يحمل حصّته منه بمقدار ..
                              ولكن الظّلم الذي وقع على والد الابنة المنتقمة، ذلك الفقير الضّعيف
                              هو الأمر الذي أوصل هذه المفارقة المؤلمة على امتداد السّنين ..
                              لتحطّ رحالها كقنبلةٍ ناسفةٍ لأرواحهم فهشّمتها ألماً ..وانكساراً ..
                              ألف شكرٍ على مداخلتك القيّمة، فقد استفدت منها على الجانب الشّخصيّ ..
                              لمرورك عبق غزّة وريحانها ..
                              ومع أطيب أمنياتي ...تحيّاتي

                              تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

                              تعليق

                              يعمل...
                              X