من أجلك يا أبي ...
حدّثتْ نفسها :
لمن هذا الوجه ؟ ليس لي أنا ، لم أكن يوماً بهذه البشاعة ، أيّ مسخٍ صرته ؟ وتلك الألوان المرسومة كمهرّج السيرك على وجهي ، تسخر مني ، تضحك بهيسيتريا ، تعلو ، تهبط حتى صارتْ كالبكاء .
لمن هذه الملامح ؟ لا أنتمي إليها ، إنّها لامرأةٍ شيطانيّة العبث ، يلفّها ليلٌ كعهر المجون .
ثمّ ساءلتْ العيون التي ترنو إليها باستغرابٍ :
أين جدائلي ؟ لم أكن أجيد غير ربط شرائطها الملوّنة ، وهي تتدلّى على صدري ببراءة ، كيف صارتْ كشظايا رأس أوديسّا ؟
كيف صارتْ عيوني بهذه القسوة ؟ تحجّرتْ كجلمودٍ لا يهتزّ!!!!
وكيف تحوّل أحمر الشّفاه على شفتي إلى لون سابغٍ ، يتعطّش للدّماء، ولا يرتوي ؟؟
ثمّ ركضتْ بين الموائد ، تقذف الأرض بالأطباق على الطريقة اليونانيّة حين يشتدّ هدير الرّقص .
الموسيقا الصّاخبة تتخافتْ رويداً ، رويداً ، والذّهول يعلو الوجوه .
لم يعد في المكان إلاّ صوتها ، يصرخ من بئر السّنين ، يحمل صدى الأيّام ، أنينها ، أوجاعها ، وهي تحجب وجهها بكفّيها صرختْ بها :
ـ الآن خذيه ، لم يعد يلزمني ..
ركضتْ إليه ، تفكّ عنه الشّال الذي حزم وسطه ، تنادي :
ـ كفى ...كفى ..ماذا فعلتم بأبي ؟؟؟
أخذته كالطفل بين أحضانها ، كان يترنّح ، يحزق ، يلهث ،مازال يردّد وحده الأغنية التي شرع يرقص على أصدائها،
ورائحة الخمر أسكرتْ الجدران حوله ، فلم يستبن أنّه صار أضحوكةً ، بين حشدٍ، جمع فيه كلّ الأطياف التي يعرفها أو التي لا يعرفها.وهو الذي كان اسمه كالنسر في فضاء العمر
ثمّ دفعتها عنه بأطراف أصابعها :
أراك الآن تنهارين ، تبتلعين الغصّة ذاتها التي سكنتْ حنجرتي ، منذ عقدٍ ونيّفٍ من السنين ، أتذكرين ..؟؟
يوم بكى أبي ، وهو يدفع عنه تهمة سرقة عقدك الماسيّ الثمين ، بعد أن أتمّ طلاء منزلكم الفاره ..؟؟؟
أتذكرين ؟؟؟كيف أذلّيتِ شيبته ،بكلّ أفانين الضّغط ، تحيط بك هالة الجبروت ، تتبخترين بها استعلاء ؟؟ والكلّ يتهافتُ على استرضائك .
أبي الشّريف ، رقيق الجسد ، نظيف اللّقمة ،لم تحلْ هشاشة عظامه ، بينه وبين الجدران التي حفظتْ طقطقة أنينه ، وهو يصعد السّلم درجةً ، درجةً، يمسك جردله ، وفرشاته ..
ـ هل أنت ابنة الحاج عبد اللّطيف ؟؟؟أجيبي ..
ـ نعم ..أنا هي ..تلك الطفلة التي شهدت اغتيال قلبه ، أترين دموع أبيك الآن ..؟؟ هي ذاتها لون دموع أبي ، حين أكبّها على يديك ، يطلب الرّحمة ، وأنت تصدّين ، وتستعلين ، وتسخرين ، وتركلين .
ثمّ التفتت إليهم تدور بينهم بلا سيطرة على أوصالها المرتجفة:
ـ أنتم أيّها السّادة ..يا من تحيطون المكان بكلّ ألوانكم ، وروائحكم ، انظروا إلى الباشا العظيم وابنته ، إنّها لوحة مسليّة أليس كذلك ؟؟
وجذبته من كمّه وهو يتأرجح كريشةٍ خفيفةٍ بلهاءَ :
ـ انظروا مليّاً للمليونير ، صاحب المزارع ، والأطيان ، والأسواق التجاريّة .
ارقص ..ارقص لا تتوقّف ، هيّا در كالقرد بين الضيوف ، روّح عنهم ، أضحكهم ، أزل عنهم بعض الرتابة والملل .
ركضتْ إليه من جديدٍ :
ـ لا ..لا تفعل ذلك يا أبي أرجوك أبي ...أفق ..أفق ..
ـ ولكنّي أحبّها ، أعبدها ، سأفعل ما تأمرني به ، هي لي ، لي وحدي ، لا تصدّقي ما تقوله ، إنّها تمزح ، هي كلّ حياتي ، تحبّني ، قولي لهم يا أميرتي كم سهرنا معاً حتى الصّباح ، نتبادل كأس الهوى ، والعشق ، والغرام !!!كم عتّقنا الأيّام بجنون حبّ لا يهدأ، إلاّ ليعود ، قولي لهم كيف فضّلتني على جميع الرّجال !!!
ثمّ ترنّح بينهم يجذب أطراف أكمامهم :
ـ انظروا كم أنا وسيم ..؟؟!! هكذا كانتْ تراني ، شابّاً ذا شخصيّةٍ آسرةٍ ، حدّثيهم، كيف وعدتني بأن نقتسم ما بقي من العمر معاً ، وكيف قدّمتُ لك هذا القصر مهراً مقدّماً باسمك
ـ ماذا ..ماذا يا عجوز الحطب هل جننتَ ؟؟أتزوّجك أنت ؟
اصحَ من ثمالتك ، وانظر إلى قفّة عظمك يا جدّي .
ثمّ قهقهتْ وكالشيطان تضرب كفّاً بكفٍّ : يا لك من خرفٍ
تهاوى قرب طاولة الطعام ، يفكّ عن رقبته ربطة عنقه ، فتح أزرار قميصه يدعك صدره الواهن ، وبأنامله الضعيفة راح يرفع عن جبينه خصلات شعره البيضاء ، المتبلّلة بالعرق
ـ إذن من أنت أيتها الإبليسة ..؟؟وكيف بغفلةٍ مني صرتِ كلّ حياتي ؟ كيف استطعتِ ذلك ؟ أيّ سحرٍ سفليّ يركبك ؟؟
ـ اسأل ابنتك ، عندها الإجابة .
ـ ولمَ فعلتِ ؟؟
ـ دموع أبي ..من أجلها رسمتُ أيّام حياتي ،وأعوامها ، من أجل جروحه التي رحتُ أمسح نزفها ، من أجل صرخة ظلمٍ أطلقها ،وهو يردّد حتى في نومه : بريء ،والله العظيم بريء
ابنتك المتزوّجة برجل أعمالٍ يفوقك ثراءً ، حطّمتني ، وقتلتْ أبي ، لم يعش بعد هذه الحادثة طويلاً ، مات قهراً ، بعد أن دفن ما بقي له من كبرياءٍ على أعتابكم .
ثمّ أمسكتْ به من جديدٍ تسحبه عن الكرسيّ ، تؤرجحه :
ـ وأنت أيضاً يجب أن تموت قهراً ..متْ ..متْ ..
وحالتْ الابنة بينهما :
ـ اتركيه ..هيّا يا أبي ..هيّا ..لنرحل من هنا ، أرجوك حاول النهوض والثّبات ساعدني
ـ لا ..دعيه ، لم يشفَ غليلي بعد ، خلّي عظامه تنزف أكثر ، ترتعد استغاثةً ، خلّني أرى المزيد من دموعه ..
ثمّ التفتتْ إلى الحضور ، المتسمّرين بذهولٍ ، تعلوهم الحيرة،
يتساءلون عن أحجيّة يلزمهم تفسيرها قائلة وهي تعربد بينهم كمجنونة :
ـ لماذا سكتّم ؟؟ صفّقوا له ، صفّقوا!!أرأيتم كم هو جميل عرض مسرح اليوم ؟؟إنّه حقيقيّ مباشرُ ، بلا خشبةٍ ، شخوصه بينكم .
ثمّ راحتْ تستحثّهم من جديدٍ :هيا صفّقوا ، وحيّوا الأبطال
واستجابوا لها أوّل الأمر على استحياءٍ ، ثمّ تعالتْ الهمهمات ثمّ الضحكات ..وصدحت الموسيقا الصّاخبة من جديدٍ ..
ورمقتهما بطرف عينها ، حين كانت الابنة تنسلّ بانكسارٍ إلى الخارج ، تشدّ هيكلاً يموت ارتجافاً ، تطوي به الرّيح ،
وعندما ابتعد طيفهما ، أصابتها ارتعاشة كالحمّى ،اختلاج موجعٌ ، كمسٍّ يخرج من جسدها المثقل بسياط السنين ،
اعتذرتْ لضيوفها ، انسحبوا تباعاً ، خلا المكان ، أطفأتْ الأنوار ، أشعلتْ شمعةً واحدةً ، تأمّلتها ، تحرّكتْ الستارة
رأت روحه تطوف حولها .
خرجتْ عنها طفلة صغيرة ذات جدائل ، مربوطة بأشرطةٍ ملوّنة ، منفوشة الثّوب ، قصيرة الأكمام ، في يدها قطعة قطنٍ تمسح جراح أبيها ..تضع رأسه في حضنها الصّغير المضطرب ، فتسمع طقطقة عظامه ..
أذّن الفجر ، وبعيونٍ لا ترفّ ناجته :
ـ امسح رأسي المتعب يا أبي ، يا موكب الطّهر ،ارْقِني ، واغفر لي ، قم وتوضّأ ، واهنأ في رقدتك بسلامٍ ...
أرأيت كم هي دموعك غالية ...يا أبي ..؟؟؟!!!!
حدّثتْ نفسها :
لمن هذا الوجه ؟ ليس لي أنا ، لم أكن يوماً بهذه البشاعة ، أيّ مسخٍ صرته ؟ وتلك الألوان المرسومة كمهرّج السيرك على وجهي ، تسخر مني ، تضحك بهيسيتريا ، تعلو ، تهبط حتى صارتْ كالبكاء .
لمن هذه الملامح ؟ لا أنتمي إليها ، إنّها لامرأةٍ شيطانيّة العبث ، يلفّها ليلٌ كعهر المجون .
ثمّ ساءلتْ العيون التي ترنو إليها باستغرابٍ :
أين جدائلي ؟ لم أكن أجيد غير ربط شرائطها الملوّنة ، وهي تتدلّى على صدري ببراءة ، كيف صارتْ كشظايا رأس أوديسّا ؟
كيف صارتْ عيوني بهذه القسوة ؟ تحجّرتْ كجلمودٍ لا يهتزّ!!!!
وكيف تحوّل أحمر الشّفاه على شفتي إلى لون سابغٍ ، يتعطّش للدّماء، ولا يرتوي ؟؟
ثمّ ركضتْ بين الموائد ، تقذف الأرض بالأطباق على الطريقة اليونانيّة حين يشتدّ هدير الرّقص .
الموسيقا الصّاخبة تتخافتْ رويداً ، رويداً ، والذّهول يعلو الوجوه .
لم يعد في المكان إلاّ صوتها ، يصرخ من بئر السّنين ، يحمل صدى الأيّام ، أنينها ، أوجاعها ، وهي تحجب وجهها بكفّيها صرختْ بها :
ـ الآن خذيه ، لم يعد يلزمني ..
ركضتْ إليه ، تفكّ عنه الشّال الذي حزم وسطه ، تنادي :
ـ كفى ...كفى ..ماذا فعلتم بأبي ؟؟؟
أخذته كالطفل بين أحضانها ، كان يترنّح ، يحزق ، يلهث ،مازال يردّد وحده الأغنية التي شرع يرقص على أصدائها،
ورائحة الخمر أسكرتْ الجدران حوله ، فلم يستبن أنّه صار أضحوكةً ، بين حشدٍ، جمع فيه كلّ الأطياف التي يعرفها أو التي لا يعرفها.وهو الذي كان اسمه كالنسر في فضاء العمر
ثمّ دفعتها عنه بأطراف أصابعها :
أراك الآن تنهارين ، تبتلعين الغصّة ذاتها التي سكنتْ حنجرتي ، منذ عقدٍ ونيّفٍ من السنين ، أتذكرين ..؟؟
يوم بكى أبي ، وهو يدفع عنه تهمة سرقة عقدك الماسيّ الثمين ، بعد أن أتمّ طلاء منزلكم الفاره ..؟؟؟
أتذكرين ؟؟؟كيف أذلّيتِ شيبته ،بكلّ أفانين الضّغط ، تحيط بك هالة الجبروت ، تتبخترين بها استعلاء ؟؟ والكلّ يتهافتُ على استرضائك .
أبي الشّريف ، رقيق الجسد ، نظيف اللّقمة ،لم تحلْ هشاشة عظامه ، بينه وبين الجدران التي حفظتْ طقطقة أنينه ، وهو يصعد السّلم درجةً ، درجةً، يمسك جردله ، وفرشاته ..
ـ هل أنت ابنة الحاج عبد اللّطيف ؟؟؟أجيبي ..
ـ نعم ..أنا هي ..تلك الطفلة التي شهدت اغتيال قلبه ، أترين دموع أبيك الآن ..؟؟ هي ذاتها لون دموع أبي ، حين أكبّها على يديك ، يطلب الرّحمة ، وأنت تصدّين ، وتستعلين ، وتسخرين ، وتركلين .
ثمّ التفتت إليهم تدور بينهم بلا سيطرة على أوصالها المرتجفة:
ـ أنتم أيّها السّادة ..يا من تحيطون المكان بكلّ ألوانكم ، وروائحكم ، انظروا إلى الباشا العظيم وابنته ، إنّها لوحة مسليّة أليس كذلك ؟؟
وجذبته من كمّه وهو يتأرجح كريشةٍ خفيفةٍ بلهاءَ :
ـ انظروا مليّاً للمليونير ، صاحب المزارع ، والأطيان ، والأسواق التجاريّة .
ارقص ..ارقص لا تتوقّف ، هيّا در كالقرد بين الضيوف ، روّح عنهم ، أضحكهم ، أزل عنهم بعض الرتابة والملل .
ركضتْ إليه من جديدٍ :
ـ لا ..لا تفعل ذلك يا أبي أرجوك أبي ...أفق ..أفق ..
ـ ولكنّي أحبّها ، أعبدها ، سأفعل ما تأمرني به ، هي لي ، لي وحدي ، لا تصدّقي ما تقوله ، إنّها تمزح ، هي كلّ حياتي ، تحبّني ، قولي لهم يا أميرتي كم سهرنا معاً حتى الصّباح ، نتبادل كأس الهوى ، والعشق ، والغرام !!!كم عتّقنا الأيّام بجنون حبّ لا يهدأ، إلاّ ليعود ، قولي لهم كيف فضّلتني على جميع الرّجال !!!
ثمّ ترنّح بينهم يجذب أطراف أكمامهم :
ـ انظروا كم أنا وسيم ..؟؟!! هكذا كانتْ تراني ، شابّاً ذا شخصيّةٍ آسرةٍ ، حدّثيهم، كيف وعدتني بأن نقتسم ما بقي من العمر معاً ، وكيف قدّمتُ لك هذا القصر مهراً مقدّماً باسمك
ـ ماذا ..ماذا يا عجوز الحطب هل جننتَ ؟؟أتزوّجك أنت ؟
اصحَ من ثمالتك ، وانظر إلى قفّة عظمك يا جدّي .
ثمّ قهقهتْ وكالشيطان تضرب كفّاً بكفٍّ : يا لك من خرفٍ
تهاوى قرب طاولة الطعام ، يفكّ عن رقبته ربطة عنقه ، فتح أزرار قميصه يدعك صدره الواهن ، وبأنامله الضعيفة راح يرفع عن جبينه خصلات شعره البيضاء ، المتبلّلة بالعرق
ـ إذن من أنت أيتها الإبليسة ..؟؟وكيف بغفلةٍ مني صرتِ كلّ حياتي ؟ كيف استطعتِ ذلك ؟ أيّ سحرٍ سفليّ يركبك ؟؟
ـ اسأل ابنتك ، عندها الإجابة .
ـ ولمَ فعلتِ ؟؟
ـ دموع أبي ..من أجلها رسمتُ أيّام حياتي ،وأعوامها ، من أجل جروحه التي رحتُ أمسح نزفها ، من أجل صرخة ظلمٍ أطلقها ،وهو يردّد حتى في نومه : بريء ،والله العظيم بريء
ابنتك المتزوّجة برجل أعمالٍ يفوقك ثراءً ، حطّمتني ، وقتلتْ أبي ، لم يعش بعد هذه الحادثة طويلاً ، مات قهراً ، بعد أن دفن ما بقي له من كبرياءٍ على أعتابكم .
ثمّ أمسكتْ به من جديدٍ تسحبه عن الكرسيّ ، تؤرجحه :
ـ وأنت أيضاً يجب أن تموت قهراً ..متْ ..متْ ..
وحالتْ الابنة بينهما :
ـ اتركيه ..هيّا يا أبي ..هيّا ..لنرحل من هنا ، أرجوك حاول النهوض والثّبات ساعدني
ـ لا ..دعيه ، لم يشفَ غليلي بعد ، خلّي عظامه تنزف أكثر ، ترتعد استغاثةً ، خلّني أرى المزيد من دموعه ..
ثمّ التفتتْ إلى الحضور ، المتسمّرين بذهولٍ ، تعلوهم الحيرة،
يتساءلون عن أحجيّة يلزمهم تفسيرها قائلة وهي تعربد بينهم كمجنونة :
ـ لماذا سكتّم ؟؟ صفّقوا له ، صفّقوا!!أرأيتم كم هو جميل عرض مسرح اليوم ؟؟إنّه حقيقيّ مباشرُ ، بلا خشبةٍ ، شخوصه بينكم .
ثمّ راحتْ تستحثّهم من جديدٍ :هيا صفّقوا ، وحيّوا الأبطال
واستجابوا لها أوّل الأمر على استحياءٍ ، ثمّ تعالتْ الهمهمات ثمّ الضحكات ..وصدحت الموسيقا الصّاخبة من جديدٍ ..
ورمقتهما بطرف عينها ، حين كانت الابنة تنسلّ بانكسارٍ إلى الخارج ، تشدّ هيكلاً يموت ارتجافاً ، تطوي به الرّيح ،
وعندما ابتعد طيفهما ، أصابتها ارتعاشة كالحمّى ،اختلاج موجعٌ ، كمسٍّ يخرج من جسدها المثقل بسياط السنين ،
اعتذرتْ لضيوفها ، انسحبوا تباعاً ، خلا المكان ، أطفأتْ الأنوار ، أشعلتْ شمعةً واحدةً ، تأمّلتها ، تحرّكتْ الستارة
رأت روحه تطوف حولها .
خرجتْ عنها طفلة صغيرة ذات جدائل ، مربوطة بأشرطةٍ ملوّنة ، منفوشة الثّوب ، قصيرة الأكمام ، في يدها قطعة قطنٍ تمسح جراح أبيها ..تضع رأسه في حضنها الصّغير المضطرب ، فتسمع طقطقة عظامه ..
أذّن الفجر ، وبعيونٍ لا ترفّ ناجته :
ـ امسح رأسي المتعب يا أبي ، يا موكب الطّهر ،ارْقِني ، واغفر لي ، قم وتوضّأ ، واهنأ في رقدتك بسلامٍ ...
أرأيت كم هي دموعك غالية ...يا أبي ..؟؟؟!!!!
تعليق