(اللُّوتس)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • مختار عوض
    شاعر وقاص
    • 12-05-2010
    • 2175

    (اللُّوتس)

    (اللُّوتس)





    (1)



    (إيزيسُ) ما زالتْ تُسائلُ نيلنَا
    والنَّهرُ ما زالتْ تُضَرِّجُهُ الدِّماءْ

    وصُراخُها قد أغرقتهُ هزائمُ الماضي المُقيمْ

    فاستأْلَفتْ أرواحُ من رَكِبوا (حِصانَ الفجرِ)
    قهرَ الأغنياتْ

    .................

    .................
    (1)

    لم يبقَ من مطرِ الفصولِ الأربعهْ

    إلا السَّرابْ

    والأُغنياتُ المُفزعهْ


    لم يبقَ في جيبِ الحياةِ بَقِيَّةٌ من أمنياتٍ..

    أو قليلٌ من مواريثِ النُّبُوَّةِ..

    أو أناشيدِ الجُمُوحْ



    (2)


    (إيزيسُ) ما زالتْ..

    وما زالَ الغريقْ

    (إيزيسُ) راحتْ تبذُرُ الآمالَ للحُلمِ الجميلْ

    تَسْتَشْعِرُ الآلامَ في أحشائِها

    وزمانُها قد لوَّثتْهُ عباءةُ الماضي الثَّقيلْ

    فتغلَّقَتْ في أوجهِ الأحلامِ أبوابُ الضياءْ


    .................

    .................
    (2)

    لم يبقَ من نهرِ الدِّماءْ

    إلا ارتعاشاتُ الظَّمَأْ

    وتَشَوُّهاتٌ في القُروحْ


    لم يبقَ من شمسِ الرُّؤَى

    إلا طقوسٌ خَادعهْ

    وأَنِينُ رُوحْ



    ________________

    (1)

    هل كان للنِّـيل الخَــؤُونْ

    أنْ يسرقَ الحـلمَ الرَّقـيقْ

    مِنْ خِــلِّهِ الغالي الحبيبْ؟!


    (2)

    هل كان للنِّيــل اللـعينْ

    أنْ يحرمَ الوادي العتيـقْ

    مِنْ طميِهِ الحيِّ الخصيبْ؟!

  • محمد الصاوى السيد حسين
    أديب وكاتب
    • 25-09-2008
    • 2803

    #2


    الجملة الاسمية وتشكيل لوحة إيزيس

    ( إيزيسُ ) ما زالتْ تُسائلُ نيلنَا
    والنَّهرُ ما زالتْ تُضَرِّجُهُ الدِّماءْ
    وصُراخُها قد أغرقتهُ هزائمُ الماضي المُقيمْ



    يمكن القول أن هذى اللوحة التى تمثل لوحة المفتتح هى إحدى ذرى التخييل الثرية لهذا النص وهى اللوحة التى تقوم على علاقة الجملة الاسمية فى استخدامين مختلفين أولهما علاقة الجملة الاسمية كخبر ثم علاقة الجملة الاسمية كحال ولنتأمل علاقة الجملة الاسمية التى بدأ بها السياق


    حيث تجىء الجملة عبر علاقة المبتدأ ( إيزيس ) وهو المبتدأ الذى يستدعى الشخصية الأسطورية بحقلها التاريخى والدلالى وإسطورتها التى كابدت فيها خيانة ( ست ) إله الشر لزوجها ( أوزير ) الحاكم الطيب النبيل – هنا يكون المبتدأ حاضرا وقائما فى جوهره على حالة الاستدعاء ،لكنها حالة استدعاء نابضة سياقها الجمالى والدلالى الخاص وذلك ما تجلوه لنا علاقة الخبر الجملة الفعلية التى يكنز حالة التجدد والتشبث المرير بالسؤال

    لكننا كيف نتلقى علاقة المبتدأ من حيث التخييل ؟ هل إيزيس هى رمز لمصر نفسها فيكون التخييل عبر الاستعارة التصريحية تأويله ( مصر التى تتجسد فى نبل إيزيس ما زالت تسائل ) أو أن التخييل يقوم على سياق آخر وهو ( أتخيَّلُ حين أرى الشدة والمعاناة كأنَّ أيزيس ذاتها حية تسائل النيل ) وفى كلا الحالتين نحن أمام تخييل ثرى حمَّال لأوجه وقادر على إنتاج قراءات عدة

    ثم ولنتأمل علاقة المضارعة ( تساءل ) وهى الصيغة الصرفية التى تكثف من حالة الحيرة وتعطشها الأليم إلى إجابات جلية عما تكابده من مآس وفظائع وانكسارات

    ثم ولنتأمل جمالية الضمير المضاف إليه ( نيلنا ) وهو الذى يحيل ( إيزيس ) جزءا حيا فى المشهد لا يبهت انتماؤه إليه فتستحيل علاقة المضاف إليه إلى تعبير كنائى ينشر ظله على حضور النيل الذى يغمر الجميع بفيضه وسره

    ثم تنداح اللوحة لنتلقى علاقة الجملة الاسمية الحالية (والنَّهرُ ما زالتْ تُضَرِّجُهُ الدِّماءْ ) والتى تكنز التخييل عبر الاستعارة المكنية التى تجسد لنا النهر فى هيئة أخرى ، هيئة القتيل المسجى دمه لا يجف ولا ينقطع

    ولعلاقة الجملة الاسمية الحالية هنا أهمية حين نتأملها أهمية فارقة فى توظيف الأسطورة وأصالة هذا التوظيف وتغايره عن مجرد استدعاء الأسطورة كمجرد حلية شكلية حيث يستحيل النهر هنا غير النهر فى الأسطورة ، النهر فى النص هو ربما ( أوزير ) ذاته الذى تبكيه إيزيس ، النهر هنا هو موضع الأسى والعلة وليس مجرد شاهد عليها كما فى الأسطورة القديمة

    ثم ولنلاحظ أن علاقة الجملة الاسمية تسيج علاقة الخبر ( مازالت تساءل .... فيكون السؤال محاصرا بمشهدية النيل المسجى المضرج بدمه مما يكثف من تجلى آفاق اللوحة أكثر تجاه الجو النفسى الذى يبنيه السياق

    ( وصُراخُها قد أغرقتهُ هزائمُ الماضي المُقيمْ ) وهكذا نتلقى علاقة الجملة الاسمية الحالية الثانية التى تشكل إطار جماليا دلاليا حول علاقة الخبر ( مازالت تساءل نيلنا ... لكنها تفصيلة جديدة عن المشهد الخارجى لجملة الحال الأولى التى تراءى لنا فيها النهر مسجى مضرجا بدمه ، إن كاميرا النص تنساب إلى مشهدية أخرى عبر علاقة الجملة الاسمية ، إنها تنساب إلى الوجدان لتجلو لنا تفصيلة نفسية شجية ، هى انحباس صراخ إيزيس ، فكأن علاقة الحال تضىء لنا أن التساءل يجىء عبر سكينة وصمت يليقان بنبل إيزيس ورهافة حسها ،

    وفى جملة الحال الاسمية الثانية نتلقى التخييل عبر علاقة الفاعل (وصُراخُها قد أغرقتهُ هزائمُ الماضي المُقيمْ ) وهو تخييل يجىء عبر الاستعارة المكنية فيجسد لنا الصراخ فى هيئة تتناغم مع تفاصيل المشهد النيلى فصراخها ربما استحال مراكب للشمس فاستحالت الهزائم موجا عاتيا وريحا خبيثة تراكمت حتى أغرقت المراكب الصراخ

    يمكن القول أن علاقة الفاعل ساهمت فى تكثيف حالة القدرة والتجبر لهذى الهزائم وجلت مرارتها وكراهيتها المتجذرة وتبرصها بالصرخات

    ثم ولنتأمل العلائق المتصلة بسياق الفاعل ( قد أغرقته هزائم الماضى المقيم ) وهى علاقة المضاف إليه ( الماضى ) والتى تتناغم دلاليا وجماليا مع الفعل الماضى ( أغرقته ) وتكثف من رسوخ الفعل وتحققه ويقينه فى بصيرة بطل النص الذى عبر عنه الشاعر ،

    كما أن علاقة النعت ( المقيم ) تتنافر ظاهريا بذكاء مع علاقة الماضى الذى من طبيعته الارتحال والمضى فكأن علاقة النعت تستحيل تعبيرا كنائيا يضع أصبعه على علة الهزائم ، إن المهزومين لم يقدروا حقا على أن يعبروا عليها وعلى تاريخها فظلت الهزيمة حاضرة بتاريخها وانعكاستها فى واقعنا اليومى ، وهى فكرة ثرية تثيرها علاقة النعت

    ثم ولنتأمل جرس علاقة النعت ( المقيم ) والتى جاءت عبر ياء ساكنة ثم ميم ساكنة تالية بما يجعل جرس الكلمة ثقيلة حتى يكثف من دلالتها وهى الرسوخ والتكلس فى المكان



    يتبع

    -

    تعليق

    • مختار عوض
      شاعر وقاص
      • 12-05-2010
      • 2175

      #3
      كلُّ تعابير الشكر والامتنان تعجز عن إيفائك بعض ما تستحق أستاذنا القدير لقاء ما تبذل من جهد مخلص دؤوب في سبيل إضاءة نصوصنا وتجلية غوامضها.. سأنتظر - بشغفٍ - استكمال ما تجود به قريحتكم من سخاء نقدي يعينني على معرفة مواطن القوة والضعف فيما يخط قلمي..
      تقديري ومحبتي واحترامي.

      تعليق

      • محمد الصاوى السيد حسين
        أديب وكاتب
        • 25-09-2008
        • 2803

        #4
        لكن لوحة ( إيزيس ) تنداح فى سياق النص عبر لوحة أخرى هى هذى اللوحة
        إيزيسُ) ما زالتْ..
        وما زالَ الغريقْ
        (إيزيسُ) راحتْ تبذُرُ الآمالَ للحُلمِ الجميلْ
        تَسْتَشْعِرُ الآلامَ في أحشائِها
        وزمانُها قد لوَّثتْهُ عباءةُ الماضي الثَّقيلْ
        فتغلَّقَتْ في أوجهِ الأحلامِ أبوابُ الضياءْ


        - فإذا تأملنا هذى اللوحة نجد أنها تقوم على الجملة الاسمية كمفتتح لتكون الجملة الاسمية هى السمة الرئيسة لتشكيل أفق اللوحة بما تمنحه من يقين وثبات يتجلى فى بصيرة بطل النص وينشر ظلاله فى مدى السياق

        - تمثل علاقة الخبر ( إيزيس مازالت .. ) توظيفا فاعلا لعلامة الترقيم التى تترك براح الخبر مقتوحا مسكوتا عنه بما يجعل المتلقى شريكا فى تكوين علاقة الخبر وانتاج دلالتها حيث يمكن أن يكون تأويل السياق ( إيزيس مازالت فتية / صابرة / نبيلة / حرة / حالمة ..... وهكذا ينفتح براح التلقى أمام القارىء وسيعا وسيعا

        - ثم إن علاقة الخبر تحتمل تأويلا آخر لعلامة الترقيم ، فإذا ما اعتبرنا أن مازالت تامة وليست ناقصة بحاجة لخبر فنحن أمام تأويل آخر لدلالة السياق حيث يكون التأويل ( إيزيس راسخة فلا زوال لها ) وكلا التأويلين لعلاقة الخبر يثريان السياق ويمنحانه القدرة على أن يكون منفتحا أمام تعدد القراءات المختلفة المتغايرة

        - ثم ولنتأمل توالى السكوت على الخبر فى سياق ( ومازال الغريق ) فذات التأويل السابق لعلاقة الخبر يمكن أن نتلقى عبره علاقة الخبر فى السياق سواء كانت مازال تامة أو خبرها مسكوتا عنه

        - ثم نتلقى هذى اللوحة النيرة والتى تقوم على سمتين رئيستين أولها فنية الجملة الاسمية والتى يجىء خبرها جملة فعلية ماضية يمثلها الفعل ( راحت .. وهو الذى ينشر ظلا من التحقق والرسوخ على هيئة إيزيس وحركتها فى اللوحة

        - ثم إن الفعل الماضى متعلق بسياق المضارعة ( راحت تبذر ) بما يمنح علاقة الخبر حالة المداومة والدأب فتكتمل فاعلية الجملة الاسمية وتفاصيلها الثرية النابضة فى أفق اللوحة

        - ثم إن علاقة الخبر يمكن تأويلها على أنها تنداح مع ثبات المبتدأ وتجذره فى خبره حيث يمكن تأويل السياق ( إيزيس راحت تبذر الآمال للحلم الجميل راحت تستشعر الآلام ) وبذا يكون المبتدأ قادرا على أن يرسل موجاته متتابعات فى أفق اللوحة كل موجة تمثل حركة وطقسا وجوا جماليا ودلاليا مختلفا جديدا

        - لابد وأن نشير إلى أنه أيضا يمكن تلقى سياق ( تستشعر الآلام ) على أنها جملة حال تسيِّج بدلالتها وجماليتها حركة الجملة الاسمية وما يتراءى لنا من حركة بذر الآمال للحلم الجميل

        - ثم ولنتأمل جمالية الإيقاع الداخلى ( الآمال – الآلام ) والذى يناغم بين اللفظين ، وذلك عبر حركة المد التى توحى بامتداد الآمال عبر احتضان الوجدان لها ، كما تمثل حركة المد فى لفظة الآلام مكابدة الإحشاء رغم عذابها وقسوتها

        - ثم تجىء السمة الثانية التى تميز لوحة إيزيس فى سياق النص عامة وهى التناغم بين الداخلى والخارجى بين الظاهر الجلى وبين الخفى المستكن ، ولنتأمل اللوحة

        ((إيزيسُ) راحتْ تبذُرُ الآمالَ للحُلمِ الجميلْ
        تَسْتَشْعِرُ الآلامَ في أحشائِها )


        - فى اللوحة تتراءى لنا إيزيس وهى تحس بالأرض إحساسا آخر غير تلك الإحاسيس العادية التى قد تثيرها الأرض خضرتها وبراحها فى وجدان أى منا ، إنها فى اللوحة تحس بها إحساسا يجعلها تتوحد معها وفيها فتنبض بنبضها وتتجلى عليها مشاعرها وروحها الأصيلة الطيبة

        - فترى عبر تخييل الاستعارة التصريحية البذرة التى تبذرها ليست إلا أملا يكبر وليست مجرد خضرة تزين الأرض ثم إنها تستشعر مخاض الأرض التى تحتضن هذى البذرة فتحس أن تلك البذرة تكبر فى حشاها هى ذاتها بعد أن توحد الروحان إيزيس والأرض فى كيان وجدانى واحد

        - كما أننا سنلاحظ تغاير الأسطورة هنا عبر التوظيف الفنى فإيزيس الأسطورة حبلت بحورس حلما وأملا وربته ليكون ثورة وخلاصا وهذا ما تحقق بينما اللوحة لا تجلو لنا هنا هذى النهاية السعيدة ، إنها تتدثر باليأس وحالة القنوط والانكسار ، فتنغلق أوجه الأحلام ، لتظل بذرة الآمال محصورة بآلام ومخاض عسير يتجدد استشعاره دون أن تكون هناك بارقة أمل واحدة

        - فى الحقيقة لا يمكن أن نلوم بطل النص على حسه ووجدانه ورؤاه فلعلها هى الرسالة التى يبثها لنا السياق ويرغب أن تصل إلينا ولكن بما أن النص ملك لقارئه فنلقل أننا لسنا أمام قنوط أو يأس حقيقى بل ربما نحن أمام ذلك اليأس الفنى الذى يثير الوجدان ويحفز المتلقى ويحرضه على المساءلة والغضب النبيل الذى يرى المرء على ضوئه واقعه وحياته فيستبصر بحق موضع خطاه وأين يجب أن تكون

        تعليق

        • مختار عوض
          شاعر وقاص
          • 12-05-2010
          • 2175

          #5
          أعود لأكرِّر الشكر والتقدير لما تبذلون من جهد مخلص دؤوب للارتقاء بالكلمة التي هي في البدء كانت والتي هي أشرف ما منحنا الله..
          تقديري ومودتي.

          تعليق

          يعمل...
          X