دعوة للجنون
مسرحية بفصل واحد ومشهد واحد
تأليف /سعدية ناجي السماوي
دعوة للجنون ….. دعوة للنظافة … ادعوك أيها الإنسان إليها كما دعوت نفسي منذ زمن ليس بالقصير … كلفتني هذه الدعوة بياض شعري الشاب .
التوقيع
المجنونة الأولى
وليس الأخيرة
شخصيات المسرحية:
الأديب : شاب في الثلاثين من العمر.
القسيس : رجل خماسيني يبدو عليه الوقار والهيبة .
الرجل الاول : شاب بملابس رثة وقد بداعليه الاضطراب.
الرجل الثاني :عالم كيميائي..يعاني اضطرابا نفسيا
الرجل الثالث : رجل أربعيني يرتدي ملابس مرضى
القسيس : رجل دين يملك وجه نظر في الحياة
الفتى الأنثى : مهندسا معماريا تعرض الى صدمة نفسية
الأديب : شاب في الثلاثين من العمر.
القسيس : رجل خماسيني يبدو عليه الوقار والهيبة .
الرجل الاول : شاب بملابس رثة وقد بداعليه الاضطراب.
الرجل الثاني :عالم كيميائي..يعاني اضطرابا نفسيا
الرجل الثالث : رجل أربعيني يرتدي ملابس مرضى
القسيس : رجل دين يملك وجه نظر في الحياة
الفتى الأنثى : مهندسا معماريا تعرض الى صدمة نفسية
(المشهد الوحيد )
الأديب : لست بمجنون .. أنا أديب مبدع .. أنا لست بمخبول .. لست بمضطرب عقلياً .. اسمعوني أرجوكم ..
"يتقدم منه رجل مجنون متسائلاً "
الرجل الأول : اسمع .. أريد دفع الجدار إلى الوراء هل تستطيع أن تدفعه معي ؟
الأديب : (مرتبكاً ) لا.. لا أستطيع بالطبع .
الرجل الأول : بالطبع ؟ لا تطبعها يا أخي .. أنك تحب الحيوانات التي تسكن في القفص على ما يبدو .
(يتركه ضاحكاً , يدفع الجدار لوحده)
(ينظر لهم باستغراب , يتقدم من احدهم )
الأديب : اسمع يا هذا .. هل يوجد عاقل هنا ؟
الرجل الثاني : (ضاحكاً) العاقل لا تراه خارجاً ..
الأديب :ـ ماذا تقصد ؟ (ينتبه الرجل الثاني)
الرجل الثاني : أحدثتني يا هذا .. آه أسف لم اسمع ما قلت .. الملايين يا صديقي تشع بعيني أكثر مما يشع الراديوم في عيني مانيا ..
الأديب : مانيا ؟
الرجل الثاني : نعم مدام كوري ..ألم تسمع بها ..؟
الأديب (باستغراب): ماذا كنت تعمل قبل أن تأتي إلى هنا..؟
الرجل الثاني: عالم كيمائي .. أ.. ألا يبدو عليَّ ذلك ..؟
الأديب : لا اقصد ولكني أتسائل هل أنت مجنون ؟
الرجل الثاني : أيسأل عاقل هذا السؤال ؟ كل يا صديقي راضٍ بعقله .. ولكني أتساءل لِمَ يأتون بالآلاف هنا والمسألة مسألة عقل لا أكثر .. "يتقدم منه رجل مجنون متسائلاً "
الرجل الأول : اسمع .. أريد دفع الجدار إلى الوراء هل تستطيع أن تدفعه معي ؟
الأديب : (مرتبكاً ) لا.. لا أستطيع بالطبع .
الرجل الأول : بالطبع ؟ لا تطبعها يا أخي .. أنك تحب الحيوانات التي تسكن في القفص على ما يبدو .
(يتركه ضاحكاً , يدفع الجدار لوحده)
(ينظر لهم باستغراب , يتقدم من احدهم )
الأديب : اسمع يا هذا .. هل يوجد عاقل هنا ؟
الرجل الثاني : (ضاحكاً) العاقل لا تراه خارجاً ..
الأديب :ـ ماذا تقصد ؟ (ينتبه الرجل الثاني)
الرجل الثاني : أحدثتني يا هذا .. آه أسف لم اسمع ما قلت .. الملايين يا صديقي تشع بعيني أكثر مما يشع الراديوم في عيني مانيا ..
الأديب : مانيا ؟
الرجل الثاني : نعم مدام كوري ..ألم تسمع بها ..؟
الأديب (باستغراب): ماذا كنت تعمل قبل أن تأتي إلى هنا..؟
الرجل الثاني: عالم كيمائي .. أ.. ألا يبدو عليَّ ذلك ..؟
الأديب : لا اقصد ولكني أتسائل هل أنت مجنون ؟
الأديب : وهل مسألة العقل تلك صغيرة ؟
الرجل الثاني : نعم وأسأل أي حاكم كيف يستطيع بسنوات قليلة أن يجعل شعباً بأكمله مجنوناً .
الأديب : آه .. لقد أتيتُ هنا كي أشفى مما تقول وها أنت تستعمل دائي في دوائي .
الرجل الثاني:الكرة من السيلفان ..ونحن من السيلفان
والكل يحبذ لعبة السيلفان .
الأديب : أي كرة وأي سيلفان ؟
الرجل الثاني:هل سمعتني قلت كرة ؟ .. اسمع اتصل بي هاتفياً عندما تسمع بأسمي يعلن فوزه بجائزة نوبل .
(يتركه ويسير نحو أبحاثه يحدث نفسه ) [مدام كوري ماتت وحدية وكذلك أنا سأموت ويخلد اسمي وقد ينحتون لي تمثالاً يصبح فيما بعد مركز تجمع الذباب] " يضحك عالياً"
(يتقدم الأديب الى فتى منزو في ركن يكتب رسالة)
الأديب : ماذا تكتب أيها الشاب؟
(الشاب يكمل جملته)
الفتى : الصديق ؟ آه لعلك صديقي ولا أدري ؟ الصديق .. لم لا .. اسمع كتبت لها رسالة .. أقول فيها إنها جاحدة حبي ومودتي .. حبيبتي .. أيتها الطائر الفضي "الطائر الفضي" لفظة جميلة أليس كذلك اجل اعتقد ذلك .. (يكمل) طائر بلا ريش ولا جناح
ولا منقار أنما سيقان من كرب النخيل وثوب مهفهف شفاف لا يصد النظر … (يلتفت إليه) هل تلك العبارة جيدة يا صديقي ؟
الأديب : هل تحبك هي ؟
الفتى : رفضتني لفقري وتزوجت محفظة مليئة بالنقود .
الأديب : إذن أنت لست بمجنون الحمد لله .. وجدت من أتحدث إليه .
الفتى : آه لو رأيتها يا صديقي .. جميلة .. هل رأيتها خارجاً .. أذن فقد رأيتها حتماً … إنها تشبه ألاف النساء بل فيها شيء غالباً ما أراه في أكثر النساء أتعلم ما هو . .
الأديب : ما هو ؟
الفتى : البلاهة .
الأديب : لِمَ تقول ذلك .. صحيح معظم النساء يرتدين النظارة السوداء عند اختيار الرجل ولكن الباقية منهن … نساء بالمعنى الصحيح .
الفتى : وهل المعنى قابل للتأويل ..صحيح وخاطئ ؟ المعنى واحد وأنا وأنت اثنين. . ماذا تقول؟
الأديب : لا أفهم بالضبط .
الفتى : الصفيح فارغ والزيات بعيد والمرآة وقورة لا تخرج من البيت من سيملأ الصفيح بالله عليك ؟
الأديب : لا أفهم أيضاً ..
الفتى أذن اسمع هذه .. بقرة سوداء . و الأب ابيض والمرعى مليء بالأبقار فلمن سيكون العجل الرمادي ستقول للام .. أقول لك خطأ لان الأم جوزية اللون فلمن ستكون البقرة يا ترى .. ؟
الأديب : لا أعرف .
الفتى (ضاحكاً) : كالآخرين لا يعرفون .
(يبتعد الفتى ويعود لينزوي في مكان أخر يكتب من جديد.. يمسك الأديب رأسه ويطرق قليلاً ثم يلتفت يمينه ليرى رجلاً ينظر للأرض ويضحك وكأنه يتتبع فلماً باهتمام … يدفع الأديب إلى حب الاستطلاع ومن ثم الاقتراب من الرجل يتطلع معه للأرض )
الأديب : ماذا تنظر هنا ؟ وعَمنْ تبحث ؟
الرجل الثالث : (دون أن ينظر له ) انظرُ إلى هذه النملة..
الأديب : ما بها ؟
الرجل الثالث: أنها تحمل حبه قمح صغيرة … تريد خزنها للشتاء المقبل .. إلا ترى كيف تحملها .. ستصعد هذا التل وستلقي بهذه النملات … إلا ترى معي ذلك .
الأديب : نعم أرى ذلك .. انظر كيف التقت النملات بها وحملت معها الحبة واتجهن بها إلى حفرها .
(وقبل أن يرفع الأديب رأسه صفعه الرجل الثالث صفعة قوية )
الأديب (غاضباً): لماذا صفعتني يا رجل ؟
الرجل الثالث : ولماذا أنتم لا تفعلون ذلك ؟
الأديب : مجنون .. هل سأجد وسيلة للفرار من هنا .. اريد الخروج بأي وسيلة كانت .
(يسير مسرعاً لقسيس يستند على الجدار متفكراً وقد بدا عليه الوقار والهيبة )
الأديب : يا أبتي إلا يوجد مفر مما أنا فيه ..؟ (يهز القسيس بقوة )
الأديب : أفكارك ..! بماذا تفكر ..؟
القسيس : أيها الابن البار .. هل الإنسان حيوان كما تقول كتبكم العلمية ..؟
الأديب : لا يا أبتي .. الإنسان كائن عاقل له وجوده الذي يقربه كثيراً من الخلود.
القسيس : لا .. لا أعتقد .. انك على صواب لان الإنسان والحيوان يشتركان في صفة الموت وما يليه من كوارث .
الأديب :أيها الأب أن الإنسان كائن راق وان كان يشترك مع الحيوانات بتلك الصفة .
القسيس (باستهزاء): آه حقاً ..؟ وكيف تبرهن لي على ذلك ؟
الأديب : أن الإنسان أيها الأب الجليل .. بنى بعقله المصانع والبيوت والثياب .. و
(القسيس مقاطعاً)
و.. هل أضاف الى عمره سنوات بتلك الإنجازات أيها الابن البار .. ام تراه قد فعل العكس ..؟ انك غرير ايها الشاب فأنت بإنجازاتك هذه قد قلصت من سنوات عمرك العشرات .. انظر للمجتمعات البدائية كيف تعيش ساكنة البال تضيف الى عمرها سنوات تلو السنوات بفرح وبهجة .. أما انتم فقد أضفتم إلى أجسادكم بلاء المرض وأثقلتم أدمغتكم بما تسموه علماً .. وهو بالحقيقة وهم يسهل لكم السير نحو القبر بأسرع وقت .
الأديب : قل لي أيها الأب الطيب إذا كنت عاقلاً هكذا فلم جاءوا بك إلى هنا ..؟
القسيس : لأني قتلت طفلة خنقاً .
الأديب : قتلت (مرتبكاً) قتلت طفلة ؟
القسيس : نعم .
الأديب : أتقول نعم .. لماذا ؟ لا اعتقد أن الطفلة قد أذنبت معك.
القسيس : لا يا بني .. لم تذنب أبداً .. بل هي جميلة .. ورقيقة وصادقة ككلمات الله .
الأديب : عجباً لِمَ قتلتها أذن ..؟
القسيس : لأنها جميلة ورقيقة وصادقة .
الأديب: قتلتها .. أكان ذلك ذنبها ..؟
القسيس: كلا يا أبني ..تلك الصفات تدخلها الجنة .. ولكن حيث تكبر ستتعلم الكذب والرياء والخداع والأجرام ..عندئذ ستدخل في سخط الرب .. وستصبح رفيقة للشيطان فتخسر ملكوت الله .. وأنا لا أريدها أن تدخل الجحيم يا بني ..
الأديب: أتعلم انك بفعلتك هذه أيها الأب تكون قد خسرت ملكوت الله .
القسيس : اعلم يا بني والله يعلم ما أريد من وراء قتل الطفلة وأنا أرى الله سيمنحني الرحمة كما سيمنح الطفلة ملكوت السماء .
الأديب : مجنون وقاتل أيها الأب القاسي .
القسيس : لستُ قاسياً يا ولدي ولكني أحب الطفولة قل لي ..أيها الشاب ماذا تعمل ؟
الأديب: أديب .. ولكن لا اعلم لِمّ جاءوا بيّ إلى هذا المكان .. لقد قذفوا بيّ في هذا الأتون دون أن يسألوني .. كنت اسمعهم يتهامسون أنني مريض .. مجنون ترى إما كان الأحرى بهم أن يعرضوا حالتي على طبيب .. أي طبيب ؟
القسيس : لا تعجب با بني كل هؤلاء الذين تراهم جيء بهم كما جيء بك , فلست أنت الذي تختار ..بل هم الذين يختارون ,أجئت للحياة باختيارك أنت ؟ .. ذلك مؤكد انك كنت مجبراً , كما تعودت الحياة , ستعتاد هذا المكان , ولكي تطمئن , فأنهم لن ينسوا أحداً منا ... إذا صرخ احدنا أتوا بحقنة التخدير لزرقه .. كي ينام وينامون هم أيضاً .
الأديب : أريد الفرار بأي وسيلة ..
القسيس : لِمَ تريد الخروج يا بني لعالم يوجه لك كل أرصدتهُ ومع كل تلك القيود تشعر بالحرية ولكن صدقني يا صديقي أنها الحرية الزائفة التي بناها عقلك من نسيج أوهامه ابق هنا حيث لا يقولون لك لا تفعل ولا يعيبون تصرفك ولا يرفضونها وأنت تفعل كل شيء دون رقيب .. هنا ستجد الحب .. كل الحب .
الأديب (باستهزاء): مَمِنْ؟
القسيس: من نفسك حيث لا يوجد شخصاً يحبك أكثر منها , سيكون لك عالم بديع تعيشه أنت وستضحك يا بني كثيراً ..هل رأيت يوماً مجنوناَ يبكي .. نحن يا صديقي . قد قطعنا الصلة مع إمبراطورية الألم .. لذا فنحن لا نبكي وتركنا الألم والدمع للعقلاء .
الأديب (متردداً) ولكني املك أطفالاً وزوجة .
القسيس: اتركهم يا بني وتخلص من الحمل وعش بحمل نفسك فهو أهون سيعيشون معك أو بدونك وسوف يعلقون صورتك على الجدار ليبني العنكبوت عليها بيته .
الأديب: لكني أريد الخروج .
القسيس : لمن لسجن اكبر . تأكل جدرانه شبابك دون رحمة .
الأديب : ومع ذلك فالحرية جميلة .
القسيس: والأجمل منها حرية النفس وراحة البال .
الأديب : راحة البال أين سأجدها إذا ما بقيت ؟ بين مجانينك هؤلاء.
القسيس: نعم ..بين مجانيني هؤلاء.. حيث لا تملك طموحاً تكذب لأجله ولا طمعاً تقتل لأجله ولا رغبة تجرم كي تشيعها.. وان كانت هنا رغبة فهي صغيرة جداً ووقتية تنتهي بسرعة يا بني .
الأديب : (يصمت قليلاً ثم يرفع رأسه قائلاً )
اسمع أيها القسيس لا تستطيع أن تقنعني أريد الخروج أريد الخروج . .
(يصرخ بصوتٍ عالٍ )
(ينظر له القسيس مبتسماً ثم يرفع ذيل ثوبه قائلاً )
ماذا وضعت لي به ..هه .. بل ماذا ستضع لي به. ؟ إذا ما بقيت هنا .
(يقهقه القسيس ويترك الشاب حزيناً .. ويسير بضع خطوات .. يقترب من فتى يرتدي فستاناً أنثوياً مكشوف الصدر والذراعين وقد وضع ماكياجا فاحشاً )
الأديب : اسمع أيها الرجل .
(ينظر له الفتى ويشيح بوجه بعيداً عنه وكأنه لم يسمعه )
الأديب : أني أناديك أيها الشاب إلا توجد طريقة للهرب من هنا؟
(الفتى المتأنث لا يجيب وكأنه لا يعير له اهتماماً)
الأديب : (ضارباً بلطف على كتف الفتى ) أيها السيد ..أنت يا رجل .. لما لا تجيبني . ؟
الفتى الأنثى:(بغضب) ماذا تريد أيها الغبي ..؟
الأديب : أنتبه لما تقول .. لست غبياً .. لما تنعتني هكذا أيها الرجل وأنت لا تعرفني ؟
الفتى الأنثى: الرجل .. الرجل إلا ترى شكلي .. اهو شكل رجل أيها الأعمى أنا أنثى .. أنا امرأة إلا تعرف معاملة النساء أيها البربري الغير متحضر .. أن لنا معاملة خاصة بنا نحن النساء .. أفهمت ما أقول ..؟
الأديب : (باستغراب ) آه .. فهمت ..أسف جداً لما حدث
الفتى الأنثى: لا عليك .. ولكن قل لي بالله عليك .. ألا أشبه مادونا أو قد أكون أكثر جمالاً ورقة سأقول لك شيئاً .. زوجتي أو التي كانت تعيش معي وسمعت الناس تناديها بزوجة فلان كانت تقول" أن لي بشرة ورقة أكثر من أي أنثى كانت .. آه كم أكرهها حين تسرق زيت البشرة الذي استخدمه ليلاً لترطيب بشرتي وإطرافي .
الأديب : (محدث نفسه بصوت عالٍ) زوجته .. آه انه رجل لديه اضطراب في الهرمون على ما اعتقد .
الفتى الأنثى: (متعصباً) ما تقول ؟ أنا لدي اضطراب في الهرمون .. طيب ماذا تقول عن الرجال الذين يبيعون شعوبهم ويتاجرون بالأفيون أو ينتمون إلى منظمات تمتهن الموت والخراب ماذا تسمي هؤلاء إذن ؟
الأديب : لا تقترب من خط النار فأنا هارباً منه يا هذا .
الفتى الأنثى(متفحصاً الأديب ): ماذا تعمل ؟ أو ماذا كنت تعمل خارجاً ..(ضاحكاً) أن من يدخل هنا يصبح من أخوات كان وأنت الآن من إخوان كنت .
الأديب : لا تذكرني بالله عليك .
الفتى الأنثى: لم تقل لي بعد ماذا كنت تعمل ؟
الأديب : أديب
الفتى الأنثى: أديب .. عظيم وأدبت من .. هل أدبت نفسك أولاً أم أن الأدب مهنة تقتات منها ..(يضحك بصوتٍ عالٍ)
معظمكم يا أصحاب القلم يبيع قلمه بحفنة نقود تنفقوا معظمها على القراء كي يقرأ ون بعض ما كتبتم . اسمع أتعرف الرقص.؟
الأديب : لا .. لا أعرف.
الفتى الأنثى: (ماسكاً يد الأديب) ارقص سوف أعلمك الرقص .
الأديب : لا أريد أن ارقص ..
الفتى الأنثى: قلت لك أرقص و إلا.. (يرفع قبضته )
الأديب : (بخوف) نعم .. نعم .. سأرقص (يرقصان سوياً على أنغام الموسيقى ثم يتوقف الفتى الأنثى فجأة )
الفتى الأنثى: اسمع سأقول لك شيئاً لأول مرة أقوله لرجل .. أريد ..أريد .. أن أتزوجك .. ماذا تقول ؟
الأديب : ماذا .. أتزوج منك ..؟ كيف ذلك ؟ شيئاً لا يصدق .
الفتى الأنثى: آه لِمَ لا يصدق لعلك لا تريد زواجاً بل تريد حباً فقط (بدلال) لك ذلك يا حبيبي .(يجر الأديب محتضناً إياه) 0
الأديب : مهلاً لا تجرني .. عفواً لا تجريني هكذا .. عندي سؤال.. سؤال واحد فقط ..لِمَ أتوا بكِ إلى هنا .. وماذا كنت تعملين خارجاً.
الفتى الأنثى(ضاحكاً): مهندساً معمارياً .
الأديب : مهندس ..! أتقول مهندس ..؟(يضحك عالياً)
الفتى الأنثى(يضحك معه): تصور سخرية القدر أنا ابني مساكن للناس يأوي لها البشر .. يربي الآباء أبنائهم ولكن الأبناء غالباً ما يخيبون ظن الآباء ويموتون تحت أنقاض البيوت.. البيوت التي بنيتها أنا. . .
الأديب(مستغرباً ) : ماذا ..! ماذا تقول لِمَ يموتون ولم تسقط البيوت ؟
الفتى الأنثى: لان الرجل الذي كان هنا (يشير لصدرهِ)
الأديب(مقاطعاً): وهل كان هناك رجل غيرك ؟ الفتى الأنثى: إلا تعلم أن فيك رجل و أمرآة .. منذ خلقنا الخالق ونحن هكذا .. هذا الرجل كان يحب طقطقة النقود وخصوصاً الأوراق التي يسهل حملها قدر ما تستطيع احتوائها . قالوا له خذ وغير في النسب نسبة الاسمنت , نسبة الحديد ,نسبة ..نسبة وهكذا كان يأخذ الرجل إلى أن إصابته تخمة الأخذ فمات مع مَنْ سقطت عليهم البيوت . وبقيت المرآة .. هذه .. أنا.. إلا أعجبك .. إلا تحب إن تراني هكذا أمرآة دون هرمون ذكري لست خاسرة لان الرجل مات بقذارتهُ وبقيت المرآة بشرفها ترفل بالحب .
الأديب: آه .. فهمت .
الفتى الأنثى: ماذا تقول الآن حين تطلب يدك أمرآة شريفة مثلي ..ها .. اجبني بسرعة وكن رجلاً لا تخشى شيئاً .
الأديب : أقول يجب أن اخبر أمي عن ذلك المشروع أولاً.
الفتى الأنثى (غاضباً):ما ذا تقول معظم الرجال يرتكبون الجرائم ولا يخبرون أمهاتهم ولو اخبروها قبل البدء بذلك لعشنا بجنة عدن .. ثم انه طلب مشروع لشاب مثلك ..لست بطفل يخبر أمه حين يريد شراب من زجاجة حليب مركونة بالبراد ..
الأديب: اسمعي أنت (يتجه إليهم جميعا) اسمعوني أريد الفرار باي طريقة كانت.
الفتى الأنثى:بكل بساطة تستطيع الخروج ولكن ناديهم هكذا.. أيها الناس أنا ظل إنسان سأفعل ما تريدون ومقابل ذلك أخرجوني من هنا .. صدقني سيصنعون لك تمثالاً يمجد وجودهم ثم بعد بضع سنين سيهدم كما تهدم بيوت الفقراء غير مأسوف عليها .
(الأديب صائحاً)
أيها الطبيب اسمعني .. اسمعوني أرجوكم ..
الفتى الأنثى(مقاطعاً): اسمعني أنت إذا كان لابد أن تعيش ذليلاً فدعني أذلك أنا .
سنلعب لعبة مسلية لكلانا ..
الأديب : كيف..؟
الفتى الأنثى: اعطني قلمك .. ؟
(يربط قلمه بخيط ثم يضعه في جيبه الأديب)
اذهب واكتب ما تريد ولكن حيث تكتب ما لا أريد أنا .. سأسحب قلمك واضعه تحت حذائي هذه هل فهمت اللعبة .
الأديب : لا أريد أن العب . . لعنك الله … أريد الخروج
(صارخاً) أريد الخروج .
الفتى الأنثى: أسمع ستخرج وستكتب ما يريدون منك وسيعطونك الأوسمة ويملئون المكاتب المدرسية من كتبك ولكن ستخلو منها البيوت .. ولا تخف سيصنعون لك تمثالاً يمجدك وسيكتبون تحته المنتصر وسيكتب الأجيال عليه اسم الرذيلة .. اخرج فقد طلقتك لا أريد أن أراك .
يتجه الأديب نحو الباب صارخاً :ـ
لست بمجنون .. لست بمجنون .. أنا أديب ذو قلم رفيع المستوى .
(قبل أن يكمل الجملة تفتح الباب ويدخل احد الممرضين مبتسماً) قائلاً:ـ
نحن آسفون يا أستاذنا العظيم .. نريد منك أن تسامحنا لأننا أخطانا معك .. لست أنت المقصود بل رجل غيرك سنحضره اليوم مكانك .. اخرج فالباب مفتوح لك .
(يقاطعهم القسيس من بعيد ..)
ستأتي يا بني .. لكن في المرة القادمة ستأتي باختيارك ستأتي لأنك لَن تجد عالماً أوسع من هذا ولا أنظف ستأتي لأنك فقهت الحياة هنا نحن واثقون انك لن تطيل علينا إلى اللقاء ..
ينطلق الأديب نحو الباب ولكن قبل أن يخرج يتردد في النظر للمرة الأخيرة إلى كل من في القاعدة .. ثم يخرج مهرولاً .
(( تغلق الستارة))
وتطفأ الأنوار
تعليق