ركن في حياتي
ركن في حياتي...
ليس في سرة بستان ...مزدانة بزهر ياقوت ومرجان
ليس جنب جدول ماؤه يتبختر...وسط الظلال يتكسر ويتبعثر
ليس فوق شجرة أغصانها مترنحة... تحلق حولها الأطيار مترنمة
ليس تحت غيمة آتية ... بعبير صبح نسماتها حانية
ليس وسط موج متلاحق ... يحمل قاربا بكاهله معانق
إنه ركن....
بل هو مكان ليس ككل مكان ... مكان حيث أنا أكون ... كيفما أريد أن أكون ...
قارئة ... كاتبة ... باحثة ... راسمة ... وراكعة
إنه كوني حين أكون...
تنفصل روحي عن جسدي فلا يكون له عليها سبيلا .. ولا تكون عليه شفيقا ... فتثب منه كطفل صغير لا يعرف الكل َّ والملل ... وتثب كراشد فتيِّ لا يعرف سوى الجد والعمل
فيأخذ يتعقبها .. ألا جودي بساعة راحة أو راحة ساعة أكون فيها تحت غطاء أثير على فراش وثير .. فتصيح فيه قائلة :" إننا ما خلقنا للهو ولعب وإنما خلقنا لكد وتعب ".. فتعانده بساعة على الساعة .. لها فيها فكرة جديدة تأخذ بلبها ولبابها فتسيح معها أيما سياحة ....
ما بالك بتعلم لغة كذا ؟! ... ما رأيك في هذا الكتاب ؟! ... هذا الكاتب لنطالع له !
ضعي القوائم ورتبي ... سوف أنكفئ على كتبي
لن أدعها حتى أنجزها كلها .. وإن طال الدهر ... أنجزها ها هنا
في ركن حياتي..!
هذا لون رمادي .. إنه ظلي ... لا يراني أحد إلا في ظله ... فلا يعرف كنهه إلا بين " ظل وضوء " .. أجل يصعب الوصول إليه فهناك دائما " نقطة الهروب " ولكن ما بين " بُعد " وبُعد " ، " مساقط " عدة تنجلي عندها الصورة !
هذا قلمي .. وهذه ورقتي ... وهذا رسمي .. حيث تنتشي نفسي لرؤيتي أخرج شيئا من لا شئ .. هنا
في ركن حياتي..!
فإذا ما فرغت دبت في روح غير الروح .. روح سماوي غير روحي التي بين جنبي ... وأعود إلى العمل ...
هذا ركن حياتي حيث أكون .. وهو معي أينما أكون في حلي وترحالي ... فينتقل معي باحثا في المكان الجديد عن ركن له لحين تركن إليه نفسي .. أنسل فيه من كافة الروابط والعلائق .. إلا رابطتي بروحي ... وأنسى فيه كل إنسان إلا إنساني وحده ... فكأنه عالمي أنا فقط ... فخارج حدوده حياة بأسرها .. وداخل حدوده حياتي بأسرها !
لكم أترقب ساعة هدوء خارج حدوده حتى يفتح لي هو اللاحدود فما ألبث إلا أن ألج مسرعة خشية اعتراض عارض من خارج حدوده .. هذه مملكتي أنا !
أنا الحاكمة فيها .. الآمرة .. الناهية .. وليس لي من الرعايا فيها إلا واحد .. أنا ! ... فأنا الحاكمة .. والمحكومة ، الآمرة ... والمأمورة ، الناهية .. والمنهية ... ربما أكون متسلطة وفي آن واحد خانعة لا يدور بخلدي انقلاب .. لأن هذه المملكة
ركن حياتي ...!
إنه مارد ... ينهض بلا سابق إنذار من وسط رماد متناثر تحت أنقاض ذكريات متهالكة قد تهاوت مصاريعها ، فما استطاعت كف الأيام لها ترميما ... فيخرج المارد مهاجما مملكتي فينشر فيالقه في كل اتجاه نحوها ...يريد لها خرابا ... يريد لها محقا !
فإذا تملك أذني ... أصمها ...فلا ينفذ إليها صوت
وإذا تملك عيني ... أعماها ... فلا ينفذ إليها نور
وآه .. لو تملك جناني ... لم يدعه حتى يلوكه بين أنيابه بعد أن يهيم به في كل النواحي ... صعودا وهبوطا ... ويعصف به ذهابا وإيابا .... بين ماض مغلول ومستقبل مجهول !
فأتحامل على نفسي ... وأجمع شتاتي .... فتنير من ورائي ذكريات أضاء بسناها الخافت نبض قلبي ... وتبرق من أمامي آمال لطالما رمقتها بناظري تبعث بشعاعها إلى نفسي فتحييها من رمس
فتخرج طبيعتي الأسدية .. شديدة الشكيمة قد استنت مخالبها وأخذت تتعقب المارد وتأبي إلا أن تمزقه وتقطعه إربا فتخور قواه ويهوي على الأرض مخضب بالدماء .. فما يجد بدا سوى اللوذ بالفرار .. إنه لم يمت ... وأنا لا أستطيع أن أقتله !
... وأعود إلى ركن حياتي .. حيث حياتي التي أريد
ليس في سرة بستان ..
ولا جنب جدول ماء...
ولا فوق شجرة غناء ..
ولا تحت غيمة علياء ...
ولا وسط موجة زرقاء...
وإنما هو ركن في حياتي ...!
تعليق