مشاعر مضطربة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حسام حبش
    أديب وكاتب
    • 25-12-2008
    • 48

    مشاعر مضطربة

    أول شيء رآه منها عيونها المليئة بالابتسامات، إلا أنها تنتظر من يعطيها إشارة البدء، وفي نفس الوقت تم الإحكام على هذي البسمات بطيبة متمثلة بمكر، إلا أنها تسهل على نظرات الخبير اكتشافها، أنها ليست إلا مكراً مصطنعاً حتى يساعدها على العيش في بيئة الذئاب التي لم تترك للطيب نصيب للتصرف بطبعه البريء الذي فطره الله عليه.

    قليل الفتيات اللواتي يتـّبعن ذلك النمط، وفي الغالب ينجح ذلك الأسلوب في تضليل معظم الذئاب الضالة، وطبعاً يختلط ذلك على نسبة كبيرة أيضاً على ذوي النوايا الحسنة والذين يرون الدنيا صالح وطالح فقط وللأسف لا يلقون بالاً للذي بين ذلك قواماً، لأنه يمكن لبضع دقائق من التفكير المنطقي أن تسحب أحدهم من أقصى الطالح إلى قمة الصالح والعكس بالعكس، وأتيت على مفهوم "طيب القلب" أو "ذا نية حسنة" حسب ما يشرحها مجتمعنا الحالي وليس لحرفيتها علاقة فيما أعنيه.

    إنها الآن بنظراتها المتفحصة تحاول أن تجد أحداً ما وفيه تلك الصفة أو تلك، وفي الواقع، فإنها لا تدري عما تبحث.
    بنظرة خاطفة ملؤها الكبرياء وعزة النفس ومخافة الله رأى كل ذلك... وهي بدورها رأت أنه اكتشفها بتلك النظرة إلا أنها كما أسلفنا الذكر تحاول أن لا تكون فريسة سهلة -وذلك شيء رائع- وبعدما تأكدت تماماَ من نظرته إليها وميلها إلى جانبه لا إرادياً، قررت الدوس على مشاعرها والتفكير بعقلانية بخصوص ذلك الشاب، نعم إنه يبدو شاباً جيداً بشكل عام، ذو وضع اجتماعي جيد جداً، تظهر عليه ملامح التعب من الدنيا ومشاغلها وما فيها، نعم، يبدو أنه شاب خلوق هو من تلك الفئة التي لا تحب الابتسام، إلا أنه يصطنع بضع بسمات كي يرى بسمتي... إلا أنني سأكمل دوري الذي يراني فيه بأنني من الأشخاص الذين يصعب ابتلاعهم. وبعد تفكير طويل... أظن أنه استلطفني ونلت إعجابه كوني لست فريسة سهلة.

    يا إلهي... حتى هي تراني أنظر إليها كفريسة سهلة! إذا قمت بلعب اللعبة بشكل صحيح فإنها ستكون لعبة بين يدي. وأنها الآن في مرحلة الدراسة في المختبر لكي أرى كم هي درجة سهولة افتراسها وما هي الطرق التي ينبغي علي اتباعها كي أتغلب عليها... يا لفكر الفتيات الطيبات اللواتي يحاولن أن يتقمصن دور الماكرات حتى يكنّ في دور المكتسبات في الحديث إذا تحدث الشاب عن أي موضوع، فإنهن يمثلن اهتمامهن الجلي في ذلك الموضوع وكم حاولن التفكير فيه من تلك الناحية التي طالما اعتقدن أنها غير موجودة، ومَثـَل الموضوع من أكثر من زاوية إلى آخر ذلك، أو تأتي نظرات الاستغراب والإعجاب في نفس الوقت لتطرق ذلك الشاب إلى ذلك الموضوع من أساسه.. وهي تقول في نفسها: متى ينتهي من ذلك الموضوع؟ لقد آرقني بالكامل. إلا أنها ترد بابتسامة كلما أتت الكرة إلى ملعبها، لأنها تريد أن ترى ما الذي يريده بالنهاية وما الذي يفكر فيه.

    كل هذا كان في فكرها من النظرة الثانية أو الثالثة، إلا أنه فات الفتاة أن الشاب كان بصدق وبكل حرارة يريد أن يقول لها: والله إني أفهمك وإني أريدك لي زوجة وأريد أطفالي أن يأخذوا معظم صفاتك ويتركوا تلك الأجزاء الصغيرة منها التي تفرض الحذر المفرط من العالم، لأنهم لو أخذوا تلك الصفات وعظموها، فلن يتزوجوا وسوف يشكون بكل شيء حي على هذا الكوكب، وحتى قد يصل الأمر للجمادات أيضاً. نعم، لقد تغاضت عن ذلك بإرادتها وقناعتها الكاملة أنه صحيح وأنها سوف تكون مكرمة إلى أقصى الحدود في بيت ذلك الشاب.

    إلا أن المصيبية العضمى أنها تابعت تمثيلها حتى اختلط ذلك عليها هي نفسها، من باب التبرير لنفسها والذي سيستخدمه الجميع عندما يعرف أنه مخطئ ولكنه لا يعترف بذلك... العقل، تلك التركيبة العجيبة التي في بعض الرؤوس قد تصل إلى حد إنكار الخالق عز وجل، ولا نتعجب كثيراً أو نخط السطور في ذلك، ولكن عندما يمسنا موضوع ما، أو يتم إنكارنا، فإننا نبدأ بالتفكير والاستغراب والشكوى للورق والتفكير والتفكير المتواصل في الحلقة المفقودة والنقطة الخاطئة التي ارتكبت لكي تؤول لتلك النهاية غير المرضية. لكن هل فكر أحد ما في بقية السلسلة بعد فقدان تلكما الحلقة؟ أو هل فكر أحد بشطب تلك النقطة المؤرقة واستبدالها بعشرة خير منها؟.

    هل هو الغرور الإنساني بعدم قبول الخسارة، وهل يعد ذلك شيئاً إيجابياً؟، إننا نسمع بهذه الجملة كثيراً "غير متقبل للخسارة" ولكن الموضع الذي تذكر فيه هو ما يحدد المغزى من وراء قولها... وإنني برأيي الخاص لا أرى أنها للندم وللتقليل من قيمة شخص ما بوصفها صفة له، إنها بالأحرى تسخدم لتحجيم أحد ما أو لإلباسه ثوب الخسارة أو لتحطيم إي ذرة عنفون يملكها بعد أن خسر جولة، وبذلك تكون كمقدمة رخيصة لإعلان خسارته بالمباراة بأكملها.

    كل هذه الأطياف والهواجس تطايرت في رأس الشاب وكلما حاول طردها، اصطدمت بجمجمته من الداخل وعادت إلى رأسه أكثر شراسة وسوداوية حتى أمسى رأس ذلك الشاب مدججاً بهذه الأفكار كساحة حرب في الحرب العالمية الأولى حيث رائحة البارود الطازج الممضخ بالدم تملأ جو المكان دون أن يكون هناك سبب شرعي لإراقة كل تلك الدماء التي تمنعت حتى الأرض عن إخفائها في باطنها، لأنها أم الخفايا وأم العطايا ولم تكن يوماً أماً للخطايا.

    رأس متخم بأفكار كهذه لا يمكنه الاستمرار طويلاً دون أن يعمل عملاً غير مألوف حتى يفتح باباً لأول زخة من أيلول أن تأخذ معها كل تلك الروائح وتدفن بسلام تلك الأفكار التي أرهقت حتى عضلات الرقبة من حملها السقيم، إلا أن الدنيا علمتنا أن ننظر للخطوة الأخيرة وإلى النهاية قبل أن ندوس عتبة البداية، وفي مثل هذه الحالة يجب أن نعرف ماذا سوف نفعل بالأمطار -حتى ولو كانت قليلة- التي ننتظرها لتغير الجو ولتضفي لمسة من كبرياء على أرض معركة لم تعرف غاية إلا فرض الهيمنة في ساحتها. يمكن أن لا نفعل شيء بالأمطار ونتركها تذوب في الأرض والتي بدورها سوف تحفظها لنا عندما نكون بأمس الجادة لقطرء ماء... ماذا عن سد لجمع هذه المياه -مع قلتها- حتى يكون لنا واقع ملموس نبدأ منه. لكن هل فكرنا أن من صفات المطر أنه يخرج بذور ما تحت الأرض إلى أشجار ومنها أشجار عملاقة كبيرة وعريضة الجذور والتي تظل في الأرض حتى لو ضربها زلزال عنيف أو عاصفة عقيمة أو أضحت ضحية لتجار الأخشاب... نعم، المسألة برمتها تدور حول ما هو تحت الأرض وليس فوقها -على الأقل بالنسبة للأشجار- فما هو العمل لاستقبال زخة الأمطار القادمة بإذن الله؟ الحل هو استغلال الصحراء لبداية جديدة ولتهييء الأرض للزراعة مرة ثانية علها تكون الجنة غير المكتشفة التي تتوق لضربة فأس من يد مباركة كي تفجر آلاف البذور التي تم تجاهلها في الماضي ومع أول موسم حصاد يكون نتاجها ورداً زاهي الألون لكي تثبت الصحراء أنها أرض كأي أرض، إذا وجدت الماء والإنسان النبيل، فإنها لا تنفك تعطي وتنهمر بأجمل الثمار والألوان حتى تصبح بحق لوحة فنان عرّف ملامحها الرئيسة فتوضحت لوحدها.

    ويصبح الموضوع المطروح للنقاش "ما العمل إذا كانت تلك الصحراء عقيمة؟"، ومن ذلك السؤال يتفرع ألف سؤال حول جدوى استغلال الصحراء والمياه الجوفية ودراسة الجدوى وحساب المنفعة على حساب والضرر على آخر، والمقارنة بينهما ونظل ندور حول نفس المركز ونذكر نفس الأشياء ونخرج عن إطار الموضوع الرئيسي إلى مواضيع جانبية تم خلقها للمساعدة على حل المشكلة وتضحي هي المشكلة. آهٍ، لو أنها لم تكن طيبة القلب لكان كل شيء أسهل لترتيبه في الموضع الصحيح، لكن، هل طيبة القلب تكفي جميع الجوانب الإنسانية لنؤسس عليها أحكامنا؟ بالطبع لا. فالحياة تحتاج إلى جوانب عديدة لتسييرها ولسنا بصدد طلب الكمال ولكن السعي نحو الكمال يعد شيئاً رائعاً بغض النظر عن النتيجة، ولنأخذ مثال الجهاد في سبيل الله؛ إنه كالسعي للكمال، لم يقل الله عز وجل أن الشهداء هم الذين يفوزون في المعركة بعد قتال فرقتهم، ولكن السير في سبيل الله كافٍ لإثبات صدق النية.
    ولو أحب كل واحد الآخر بنفس المقدار لما كان هناك بؤس في العلاقات العاطفية وكذب من قال: أنا أحبك جداً لكن الحب ليس له علاقة بتصرفاتي تجاهك بشكل شمولي، ليس الحب عاطفة فقط بل هو تقديم وبذل عملي وبالطبع ذلك لا يحجم أهمية العاطفة حتى لا ينصب الاهتمام على المثل الانجليزي "لا تقل لي بأنك تحبني، بل أظهر لي حبك" فلو طبقنا ذلك المثل بحرفيته لأصبحت الحياة جافة قاسية وعملية جداً، وسيفقد الإنسان الكثير من خصوصيته لأنه سيصبح كالآلة يعمل حسب المعادلات الرياضية.
    لا تسقني ماء الحياة بذلة...
    بل فاسقني بالعز كأس الحنظل
  • شيماءعبدالله
    أديب وكاتب
    • 06-08-2010
    • 7583

    #2
    جميل ماقرأت وموسع وواقعي
    ولا أدري أحسست صدقا أن قلمك يميل إلى الرسائل الأدبية والأطروحات ..
    الفاضل القديرحسام قلم مميز
    نتحين حضورك الكريم ونصوصك الجميلة
    بارك الله بك
    تحيتي وتقديري

    تعليق

    • حسام حبش
      أديب وكاتب
      • 25-12-2008
      • 48

      #3
      بارك الله فيك أستاذة شيماء وشكراً لكلماتك الطيبة.
      وأود رأيك في هذا النثر إذا تكرمت
      زهرة كبرياء ترنو في مهب الريح مائلةً وتشاهد الأحداث مصمتة وبصرها عن الأحداث مرتفع ليس تكلفا وإنما في صبغتها روح البقاء في قلبها تقع **** انحنائها وسط الحديقة الزيهية لم يكن عن سبق إصرار ونية في بلاد تعلي الحرية وتنادي بتشارك المسؤولية **** فبدورها، أفنت عمرها تستنكر البدع وتسبح باسم الله خالقها
      لا تسقني ماء الحياة بذلة...
      بل فاسقني بالعز كأس الحنظل

      تعليق

      • مالكة حبرشيد
        رئيس ملتقى فرعي
        • 28-03-2011
        • 4544

        #4
        تحليل عميق لدراسة الشخصية
        مزاجياتها ...اضطرابها
        اقبالها وادبارها

        جميل ما قرات هنا
        لكنه اراه اقرب الى المقالة
        من الخاطرة

        شكرا استاذ حسام حبش
        تقديري واحترامي

        تعليق

        • حسام حبش
          أديب وكاتب
          • 25-12-2008
          • 48

          #5
          شكراً لك أستاذتنا الفاضلة مالكة على مرورك الكريم وكلماتك الطيبة،
          إنني بصدد نشر كتيب متواضع لي، وأكثر ما أعاني منه تصنيف المواضيع.

          دمت بصحة وعافية وخير.
          لا تسقني ماء الحياة بذلة...
          بل فاسقني بالعز كأس الحنظل

          تعليق

          • حسام حبش
            أديب وكاتب
            • 25-12-2008
            • 48

            #6
            قيل لي: سمعت هذا الموضوع من نفسي 4 مرات من أشخاص مختلفين.

            جميل أن تكون المشاعر الإنسانية متشابهة.
            لا تسقني ماء الحياة بذلة...
            بل فاسقني بالعز كأس الحنظل

            تعليق

            يعمل...
            X