السفر ..فى عين نسر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • على محمود عبيد
    عضو اتحاد كتاب مصر
    • 06-05-2010
    • 260

    السفر ..فى عين نسر

    السفر ..فى عين نسر


    1 ـ ولادة جديدة
    كان يوم تخرجى من معهد شبين الخاص للمعلمين بعد الثانوية العامة هويوم البشرى بالتحرر النسبى من الانكسار، واقتراب جنى ثمرة معاناة أربع سنوات ونصف تحملتها بصبر وعزم بعد وفاة أبوىّ، ويوم أن جاءنى خطاب التعيين ؛ كان يوم ولادتى الثانية.
    عادت أبواب الأقارب والأباعد تفتح ثانية لى ؛ لكن فى كثير من الود،وكأنى لم أعد اليتيم الذى كنته، إذضربنى الموت مرتين: الأولى يوم توفيت والدتى فى النصف الأول من مايو 1952م، والثانية يوم لحق بها أبى فى يناير1953م.

    أصبحت فجأة "فرخة بكشك " كما يقولون؛ فزوجة أخى الأكبر ترى فىّ عريسا لقطة لواحدة من بنات أخيها أو أختها، وزوج أختى الكبرى يرانى عريسا مناسبا لابنة أخته، أما أختى الصغرى فقد كانت خارج المنافسة لبعدهاوزوجها فى القاهرة .

    كنتُ أحس أن هناك شيئا جديدا يحدث لى ؛ ومعى..إذ أصبحتُ قادرا على المواجهة بشكل حقيقى.. فى مواجهة أخوتى غير الأشقاء،وأقاربى ، إذ يتصارعون أمامى علىّ دون رغبة منى سوى أن أعززوضعى وكيانى الجديد فى نوع من التشفى والتلذذ بمراقبة الصراع؛ وانتظار النتيجة.

    لم يطل انتظارى ؛ إذ حسم سريعا وبحكم تواجدىفى بيتنا القديم ..فى صالح أختى الكبرى وزوجها وعقدت على ( فريدة)؛ والتى لم تكن سوىتلميذة فى الصف السادس الابتدائى ، لم تظهر أنوثتها بعد.

    تصور مدرس طول بعرض، على درجة من الذكاء والوسامة ، يقترن بمفعوصة، لم تكتمل بعد..على جانب من القصر، وعدم التكافؤ معنى ومبنى ؛ لكن قالو قديما "الدوى ع الودان...".
    شهادة تسنين من عند مفتش الصحة ..يشهد أن المذكورة تجاوزت السادسة عشرة"زور" ..لذا فشل هذا الزواج سريعا، كنت أشك فى كونه زواجا سياسيا محدودا على مستوى الأسرة ..فى التاريخ كل أنواع الزواج السياسى فاشلة وقد تنتهى بكارثة، أو كويرثة.

    أعقب ذلك الفشل قطيعة وشماتة ،قطيعة من جهة أختى وزوجها ـ لم تستمر طويلا ؛ فأنا زبون قديم، وعميل مستمر، وشماتة من الجهة المضادة.
    أما من جهتى ؛ فكان عدم الاكتراث ، وحتى وهى تستقطع من راتبى ربعه، سدادالمتجمد النفقة عن عامين ظلت فيهما على ذمتى دون أن أدخل بها.


    فى هذه الفترة انشغلت بعملى ؛ فالتدريس مهنة إنسانية،
    المعلمون هم بناؤ الأمم ..ملح الأرض..معلمو الناس الخير ..مربو الضمير..الالتزام.. التذوق..الانتماء العطاء..لذا عرفت قدرالمعلم الأمم الغربية ووضعوه أعلى السلم الاجتماعى لكن عندنا فى الأمم المتخلفةيوضع المعلم أسفل السلم ..وأقلهم راتبا..ومع ذلك فقدأحببت عملى فعلا ..
    من الممتع أن تحب عملك،ورحت أتزود من الثقافات المختلفة، فأنا أعرف ما أريد وكيف يبنى شاعرنفسه؛ ويتأسس ، وما هى أدواته ؛التى عليه أن يجيدها ويجودها،هذا فضلا عن مادة تخصصى لانجح فى أداء رسالتى ؛ مستدعيا قول شوقى" إنى أستقى الشعر من أبويه الطبيعة والتاريخ "

    وحاولت استرجاع شقيقى الأصغر ليعيش معى فلم أوفق..أخيرا ترك طنطا ،وارتحل إلى أسوان؛ إذ تقدم للعمل فى السد العالى كميكانيكى..ونجح فى الاختبار بناء على الخبرة التى كان قد اكتسبهامن الأكبر.
    2ـزمران النخل

    حملت حقيبة سفرى المتوسطة وبها غيارين داخليين ، وغيارين خارجيين و وقميصان أفرنجى وبنطالين وبلوفر وجوز جوارب ، وخرجت من بيتنا فى السادسة من صباح 11نوفمبر 1957م مرتديا حلتى البنية(فصلتها من أجرى فى المصنع) وتوجهت إلى محطة القطار.
    قطعت تذكرة إلى دمنهور درجة ثالثة على قطار سبعة وثلث ،صعدت إلى رصيف اسكندرية ، ولما جاء القطار ؛اندسست بين المسافرين الصاعدين إليه ، وجدت كرسيا شاغرا ؛ فجلست ؛ بعد أن وضعت حقيبتى على الرف.

    وتحرك القطار..القيت ببصرىمن النافذة،متمتما "ياااه "..سنوات من المعاناة بين الآن وموت والدى ، إذ توفى وأنا طالب فى الصف الثانى الثانوى(نظام قديم )إذكان التعليم الثانوى آنذاك خمس سنوات .وكان أخى الأصغر فى الصف الثانى الابتدائىوقد انتقل آخر العام إلى الثالث؛ وكان الفرق بيننا حوالى خمس سنوات.

    أخرجه أخى الأكبر من المدرسة ودفع به إلى ورشته بعد أن اتفق إخوتى أن أكمل تعليمى حتى البكالوريا فى مقابل تنازل البنتين لأخى الأكبرعن قيمة إيجار البيت الّذى تركه أبى وكان يغل أربعة جنيهات ونصف..كانت فى الرخص مبلغا كبيرا.إلاأنه أخل بهذا الاتفاق وبدأت أحصل على نصيبى من الإيجار

    فضلت أن أبقى فى البيت القديم ؛ مع أختى الكبرى ؛ والتى كانت تقيم فيه مع زوجها وعيالها
    وكنت أقيم أنا فى إحدى حجراته الداخلية ، وأقا م معى فيها ابنهاالأكبر من زوجها الأول،
    ولأننى كنتُ متفوقا كنتُ حاصلا على المجانية
    واحترفت إعطاء الدروس لتلاميذ المرحلة الابتدائية.وكان الاتفاق بيننا أن أعطيها جنيهاونصف فى مقابل رعاية شئونى وأعاشتى وأن أعطى أولادها ما يشاؤون من دروس،ولقد وصلتهم الأربعة إلى الجامعة؛ وفى الأجازة الصيفية كنت أعمل فى مصنع الكتان على أطراف طنطا لادبراحتياجاتى من الملابس وخلافه . حتى انتهت الدراسة الثانوية وحصلت على مجموع يسمح لى بدخول الجامعة وفعلا تقدمت بأوراقى إلى مكتب التنسيق ،وجاء توزيعى على كلية أداب عين شمس ، وكانت فى فيكتوريا فى شبرا هذه الأيام.

    وبالمشاورة مع أختى الكبرى فى موضوع مصاريف الكلية كانت مصاريف الكلية 40 جنيها فى العام الدراسى، قالت من الصعب أن تقدر على مصاريف الكلية ، اختصر المسافة أحسن . هنا سافرت وسحبت أوراقى من أداب عين شمس وتوجهت بها إلى المعهد الخاص فى شبين الكوم ؛ مصريفه 3 جنيهات فى السنة؛ وسنة أوسنتين ونخلص.

    بعد حوالى 45دقيقة توقف القطار فى دمنهور ، فترجلت منه ، وصعدت إلى أعلى . . وفى ميدان المحطة ركبتُ حنطورا قائلا "مديرية التعليم يااسطى".
    مشى بى الحنطور فى الشارع الرئيسى حتى توقف أما مبنى قديم فخم..طلب شلنا للتوصيلة، من البوابة أبرزت الخطاب فى الاستعلامات فقال الدور الثالث شئون العاملين...لما دخلت إلى شئون العاملين أبرزت للموظف الخطاب أخذه قائلا اتفضل بالجلوس ؛ وكان هناك كرسى شاغر إلى جواره..
    قام إلى شانيون واحضر ملفا ، وجدت أوراقى التى كنت تقدمت بها إلى مكتب العمل ، معه خطاب من الوزارة .وكان وزيرها آنذاك هو ( كمال الدين حسين)عضو مجلس قيادة الثورة..

    التفت إلى الموظف قائلا" تسدد رسوم الاشتراك فى نقابة المعلمين دلوقت ؛ واللا بعدين" قلت دلوقت وأخرجت ما معى من نقود وكانت اثنى عشر جنيها، أخذتهم من أخى الأكبر قبل سفرى، قال سبعة جنيهات وأربعين قرش.أعطيته ثمانية ، ردإلىّ الباقى ، ملأ استمارات العضوية قائلا البطاقة سوف تأتيك على الوحدة المجمعة بزمران النخل..
    قلت وهذه كيف يمكن الوصول إليها ؟! قال تركب قطار الدلتا طريق كوم حمادة وتنزل فى الدلنجات وهناك تسأل قلت مستفسرا "وفين محطة الدلتا " قال بعد كوبرى محطة السكة الحديد ع الشمال.

    توجهت إلى محطة الدلتا كما دلنى الرجل وهناك قطعت تذكرة إلى الدلنجات و سألت عن القطاروركبت فى عربة المسافرين؛ وبعد عشر دقائق تحرك القطار.
    3ـ سارة

    دخلت حوش محطة الدلتا..فيه قطارات كثيرة سألت على قطار الدلنجات ..قالوا: قطاركوم حمادة ..هناك؛ على اليمين ..
    كان القطار يتكون من عدة عربات ..منها عربتان للركاب وثلاث للبضائع والأخيرة للبهائم تطل من بين فتحات التقفيصة الحديدية ..
    تقدمت حتى واحدة من عربات الركاب الأخف زحاما ، وركبت؛ جلست على أحد المقعدين الخشب واضعا حقيبتى بين رجلى.. وقبل أن يتحرك القطار بقليل جاءت فتاة بضة مكتنزة قائلة : قطر الدلنجات .قلت :نعم. ركبت . وماأن استقرت فى المقعد الأمامى..بعيدا عن صفى المقاعد الطويلةعلى جانبى العربة .. ذات البابين المفتوحين فى المنتصف على جانبى العربة..حتى تحرك القطار..

    خمس دقائق أويزيد قليلا حتى خرج القطار من العمران ، وسار بحذاء الطريق الأسفلتى.. ، كانت العربات تمرق من جوارنا بسرعة خاصة الملاكى..ثلث ساعة على هذا الحال ؛ حتى عرج إلى اليمين ودخل الطريق الزراعى لتنفتح حقول الحنطة الخضراء على اليمين واليسار..تغسل خضرتها الروح..

    بعد برهة ..تحدثت مع الجالسة أمامى ..يبدو أنك لست من البحيرة ..احمر وجهها قائلة :أنا من بورسعيد. قلت مستفسرا : ولماذا تذهبين إلى الدلنجات؟! قالت: تعيينى جه هناك..
    قلت :تلاقيكِ مدرسة . قالت وأنتَ؟ قلت :وأنا أيضا مدرس..من طنطا..وأردفت :ربما نفس المدرسة؟!قالت أنا رايحة مدرسة الزهراء الابتدائية بنات بالدلنجات نفسها .. واسترسلت رغم أنى خريجة معهد خاص ..قلت والتخصص ؟ قالت مواد اجتماعية ٌقلت: ..وأنا أيضا خريج معهد خاص ورايح برضة مدرس ابتدائى بالوحدة المجمعة بزمران النخل..قالت :يا بختك. قلت :ولِم؟! قالت :فيها سكن للمدرسين ..قلت وانت أليس فى مدرستك سكن؟ قالت فيه حجرة للمغتربات .قلت مبتسما يعنى مش ح نبات فى الشارع.

    أثناء انخراطنا فى هذه الدردشة كان القطار يتوقف فى محطات القرى التى يمر بها ، وينزل ناس ويطلع ناس.. تفرغ أجولة وتوضع أجولة ..حتى دخلنا محطة الطود..فتوقف القطار كأنه مات مدة طويلة ..وزاد الهرج فلما سألت قال المجاور لى : الطود محطة كبيرة يقف فيهاالقطار ينتظر المقابل ..سواء من حوش عيسى وابو المطامير أو كوم حمادة ..ويتزود بالمياة والمازوت ..هززت رأسى كأنى مستوعب كل ماقال ..

    ما أن استأنف القطار سيره ، حتى استأنفنا الدردشة،وكنا قد تعارفنا،و إذ قلت ( للتى يذكرنى وجهها بوجه اختى الكبرىمن حيث استدارته ؛ وتقاطيعه) : ألم يصطحبك أحد من أهلك وأنت قادمة من بورسعيد ..يعنى الطريق طويل ؟! قالت كانت معى والدتى.. رغم كبر سنها ، ولم يأتِ معى أخى الكبير؛ لأن مشاغلة كثيرة.. قلت وأين هى ؟! قالت أشفقت عليها من ركوب الدلتا ، ولكى تنهض تروح من دمنهور .قلت :ووالدكِ . قالت فى اقتضاب : متوفى..

    سكتنا وغرق كل واحد منا فى أحزانه وهواجسه واستقراء فضاء الحقول على الجانبين ما تأتى به الأيام القادمة .وصحونا على صوت أحدهم :الدلنجات المحطة القادمة..قمنا ..عدل كل منا هندامه وما أن توقف القطار حتى نزلنا ..

    قلبنا ناظرينا فى حوش القطار الذى كان عليه أن ينتظر المقابل..، أما أنا فقد وجدت أمامى مدرسة إعدادية؛ ومن الناحية المقابلة مدرسة ابتدائية قلت لها تعالى نسأل فى المدرسة الابتدائية..
    دخلنا الادارة فأرسلوا معها عاملا إلى مدرسة البنات..، أما أنا فقد نادوا على رجل فى جوار المدرسة تعالى يا خليل خذ الأستاذ معاك مدرسة زمران النخل..،

    وهكذا بينما شرّقت هى غرّبت أنا فى اتجاه جنوب فى غرب.لنأخذ الطريق سيرا على الأقدام قرابة ثلاثة كيلو مترات؛ أو يزيد قليلا..
    4ـ أسرة جديدة

    كان يربط بين الدلنجات وزمران طريق زراعى يوازى شريط الدلتا فى أوله ثم يبتعد ، ليخترق حديقة ضخمة وفخيمة من أشجار الفاكهة يأتى على رأسها البرتقال واليوسفى والليمون وتحيط بهاالأسلاك الشائكة مجاورة للزراعات من ناحيةوداخل السياج الشائك مباشرة أشجار الكافور والجزورينا ..تحيط بالحديقة من جهاتهالأربع..مشينا فيها حوالى الكيلو..

    و ماأن قطعناها حتى انكشفت الحقول على الجانبين، وعلى مدد البصر ترامت قرية زمران النخل..، قلت لخليل:أمال فين الوحدة المجمعة ،هل هى من الناحية الأخرى للقرية ؟قال : لا. دى لسة ما اندقتش حديدها. دىلسة ع الورق.. ضحكت متمتما .."نبرت فيها يا ست سارة" ، واستأنفت : وأين هى المدرسة إذن؟ قال فى بيت مستأ جرينه م الحاج عبد الخالق العمدة،وكنا قد اقتربنا أكثر فرأيت أقبية المقابر على تل مرتفع هناك ،وكانت كلها من الرمال ، ورأيت فى المجاورلنا على الطريق بنائين ..كحجرتين مكعبتتن عاليتتن نسبيا تحت جميزة ,وأمام أحدهما راكية نار مشتعلة ..، تساءلت عنهما فقال: هذه طربنا إحنا؛ فأدركت أنه مسيحى،قلت مستغربا: ولماذا هذه الراكيه العالية ،قال نبقيها هكذا أربعين يوما نخوف بها الذئاب فى المنطقة إذا كان فيه جثة جديدة مدفونة..تذكرت أن هنا بدايات الصحراء الغربية .. وأن سكان الدلنجات بدو..

    تجاوزنا مقابر المسيحيين بحوالى مائتى متر، ولم يمش بى فى الطريق الذى يخترق مدافن المسلمين من المنتصف ؛ بل عبر بى بشابورة نخترق المدافن حتى أتينا الطريق داير الناحية ..سرنا حوالى عشر دقائق وجئنا مبنى قديم فخم من دور واحد ؛علق على بابه لافتة ، كُتب عليها مدرسة زمران النخل الابتدائية المشتركة ..دخل ودخلت وراءه إلى مكتب فى الصالة العالية التى فُرش فيها فصل ..إلى هذا المكتب جلس شيخ وقورٌ ملتحٍ ..فى جبة زرقاء وقفطان ويعتمر عمامة ؛ فأدركتُ أنه أزهرى ، مددت إليه يدى مصافحا بعد أن ألقيت إليه السلام ,..قام الرجل نصف قومة مسلما مرحبا بى وبخليل قائلا أهلا خليلٍ.. ثم أردف : مدرس جديد،أجبت بالإيجاب ؛ وا خرجت خطاب المديرية من جيبى ..أخذه وقرأه..وقرأت أناا سمه على هرمه المكتبي أمامه الشيخ حسين الحلاج..

    بعدأن أنهى قراءة خطاب المديرية قال وهو يخرج دفترا مطبوعا : والأستاذ منين؟ قلت من طنطا ..،قال :يعنى ح تسكن معانا؛ثم أردف أنا من البريجات مركزكوم حمادة ..ملأ إقرارات القيام بالعمل ُثم قدمها لى لأوقعها..ُثم ختمها وأعطانى واحدا قاٌئلا :احتفظ بهذا معك..وحافظ عليه وهنا ضرب جرس نهاية اليوم الدراسى ..؛فانفرط التلاميذ كما لو سيبت محابيس وجاء المدرسون يوقعون بالانصراف .. فقال لهم سلموا على زميلكم..

    بعد السلامات والتحيات ..خرج الشيخ حسين الحلاج من وراء مكتبه وقدم لى الأساتذة؛ أحمد هندى من عزبة ( أبوهندى) قبل الدلنجات بحبتين مدرس الزراعة والعلوم ، وفوزى عليوة ..من البريجات مركز كوم حمادة (بلدياتى) ،واحمد عبد الشافى من النجيلةمن جواركفر الزيات ، وكلاهما مدرس فصل وجاء مدرس الدين ومحفظ القرآن ..ثم غادرنا المدرسة على أن يغلقها العامل بعد تنظيف الفصول من التراب..

    سرنا عائدين من درب داير الناحية ؛ ثم عرجنا على اليسار، إلى مدق ضيق بين البيوت والدور إلى أن خرجنا من الناحية الأخرى على درب داير الناحية من أمام المقابر كان المدق يختصر الطريق،ثم دخلنا على اليسار شارع مستقيم أوله ..؛ وبعد مائة متر تقريبا دق باب خشبى كبير داخله باب صغير..، فُتِح الباب الصغير، وظهر منه وجه امرأة فى الثلاثين من عمرها تقريبا..،،وتنحت جانبا..، دخل الشيخُ ونحن الثلاثة من ورائه..عرفت بعد ذلك أن البيت لأرملة تتعيش من الأيجار والخدمة ..هى وابنتها المطلقة..

    دخل الشيخ مندرة كبيرة على اليسار.. ،تقع إلى جوار مصطبة جانبية، ودخلنا نحن وراءه..قال الشيخ :تخففوا.وبدأ يخلع جبته وقفطانه..وبعد أن تجلبب ، علقهما على مشجب إلى جوار مصطبة بطول الجدار الطولى للحجرة...
    ,وقد فُرِش فوق المصطبة حصير طويل عليه مخدة سرير قد طويت..؛ ولحاف طبق فى آخر المصطبة على آخر الحصير ؛وعلى الأرض قياس كبير ( حصير) وفى ركن الحجرة طبقت حشيتان وأغطيه..
    جلست على المصطبة..بينما راح زميلىّ يخلعا ن ملابسهما الأفرنجيةويعلقانها على مشاجب علقت على الحائط المقابل ويتجلببان جلابيبهما،كملت تأملى فى الحجرة، كان هناك صناوور نحاسى فيه صنبور تحته طست أنجرى ، وعلى طاولتة وضعت صبانة.. وعلى الجدار المقابل لجدار الحارة إلى الكتبية وضعت لمبة نمرة 10..

    قال الشيخ :تخفف يا أستاذ ..حتى يمكنك الجلوس على راحتك.فقمت أخلع ملابسى وعلقتها، ولبست منامتى ..

    وكان أحمد عبد الشافى قد خرج من الحجرة ؛ثم عاد ومعه طبلية ..وضعها فوق القياس..ودخلت (عدلهان)بصينية العشا فوقها صحن كبير عليه مصرودة وأصحن أربع فيها شوربة وسلاطة وصحن متوسط فيه قطع لحم محمرة..وملاعق..

    قال الشيخ :بسم الله..تحلقنا حول الطبلية وبدأنا الأكل ؛ووزع الشيخ اللحم ؛ قائلا النهارده السوق..والدبيح هنا كل يوم ثلاثاء ..يعنى أكل اللحم فقط يوم السوق..أكل اللحم يوم واحد فى الأسبوع.
    5ـ وافدآخر

    بعد الغذاء ، ورفع السفرة ، صليت الظهر،وبعدأن صلينا العصر ؛نمنا نومة القيلولة : الشيخ على المصطبة، ونحن الثلاثة فردنا الحشيتن على القياس ؛ ونمنا وتغطينا بالحرام ، لم أتقلب كثيرا؛ من التعب سقطت فى بئر النوم الغويط، قمت إلى بيت الراحة , دلونى عليه خارج الباحة الخارجية أقصى اليمين ، إلى جوارجدار الجار ، وجدته حماما بلديا، بعد أن قضيت حاجتى وتتطهرت ، عدت إلى المندرة؛ توضأت ولحقت معهم المغرب، بعدها أعد فوزى زردة الشاى على منقد قوالح..، بدأ يفرغ فى كاسات صغيرة ..؛أعطى الشيخ ؛ثم أعطانى ، مع تذوقه ..كان ثقيلا ُمرا ..لم أعتد مثله عندنا ..، لكن لكلٍّ عاداته وسلوِِه..بعد أن أكمل الدور ..بدأ يعيد مره أخرى..وامتنعت فى الثالثة..

    أثناء شرب الشاى..قال الشيخ: احنا هنا بنشترك فى ميس :كل واحد يدفع اتنين جنيه، ندفع منهم إيجار الحجرة والخدمة جنيه ونص..، بمجيئك ..نرفعهم اتنين جنيه: المصروف الشهرى هنا فى الكبايه داخل الكتبية ،كل يوم الصبح أعطى عدل بريزة أوريال ؛ وأقول لها على أكل اليوم..
    قمت إلى الجاكت المعلّق وأخرجت اتنين جنيه أعطيتهم للشيخ قائلا: ها هو اشتراكى .. وغدا ابعت العامل ناصر يشترى لى فرش من الدلنجات ..،رد قائلا : لا داعى فالفرش هنا يكفيك انت واخواتك ، وان احتجت حاجة ؛ نجيبها من عدلهان تجيبها من جوَّه..

    جلست واستأنف قائلا : تحب تدرِّس إيه ، قلت ما تحتاجه المدرسة..، قال : عندنا عجز فى مادة الرياضيات والمواد الاجتماعية للصفين الخامس والسادس ..دول 12 +10يبقى22حصة، ونصابك 27حصة يبقى تكمل 4حصص تربية فنية لصفين أى صفين يعجبوك،: قلت ما دمت ح ادرس للصفين الخامس والسادس يبقى ما فيش مانع آخذهم تربية فنية..
    قال : غدا أسقّط لك الجدول..

    بعد أذان العشاء قمنا للصلاة..، وبعد أن تعشينا قطعتا جبن قريش بالزيت والطماطم وحلاوة طحينية ..أبقَيا على الطبليةمكانها، وبعدالشاى للمرة الثانية..فرشاعليها مشمعانظيفا وأخرجا دفاتر إعداد الدروس وأعدا دروسهما للأربعاء وزودا للخميس بالمرة ..،واكتفيت أنا بالفرجة بينما قام الشيخ إلى ركنة المصطبة وأحضر كيسا ..أفرغ منه فولا على صينية الشاى ، وجعل ينقيه
    ثم غسله..ووضعه فى الدماسة، ثم أفرغ عليه ما يكفيه من ماء مغلى، وبعد أن أنهى الزميلان التحضير وعلقا اللمبة على مسمارها المنخفض نسبيا ؛قام الشيخ إلى مسمار أعلى منها وعلق الدماسة واضعا فوهة زجاجة المصباح فى منيمها تحت الدماسة ثم خفض الإضاءة ، ,وكان هذا إيذانا بالنوم .

    صحونا مع الفجر ..وبعد طقس الاستعداد للصلاة .. صلينا الصبح.. ثم تناولنا فطورنا ..وبعد الشاى ؛ ارتدى كل ملابسه وخرجنا فى السابعة إلى المدرسة.

    فى الثامنة إلاّثلثا دق الجرس إيذانا بطابور الصباح الذى وقف فى الباحة أمام البيت المدرسة .. وبعد الكلمات ونشيد بلادى ..كانت تحية العلم ..ثم التدوير على الفصول .
    دخل كل صف فصلة ، إذكانت المدرسة ستة فصول : كل صف فصلا ..أخذ حجرة ، أما الصف السادس فجاء فى الصالة بين الفصول..مع مكتب الناظر فى مؤخرة الصالة.

    دخلت فصلا شاغرا.. وفيه جاءنى الناظر بجدول حصصى..ومن هنا بدأ دولاب العمل..ومن حصة إلى أخرى حتى ينتهى اليوم الدراس ، فالبيت وهكذا..
    إلا يوم الخميس ؛ كان الزملاء يسافرون كل إلى بلده إلا أنا..ُوفى الجمعة أتسبح بعد أن تجهز لى عدل الحمام فى القاعة الداخلية..,وكانت عدلهان بثابةأخت لنا لا أكثر ولا أقل
    ثم وصل حسن؛ الذى جاء بعدى بثلاثة أسابيع وكان قاهريا من امبابة.. أُسند إليه التربية الفنية فى المدرسة كلها والتربية الرياضيه

    ذلك لأنه كان حاصلا على دبلوم المدارس الثانوية الصناعية قسم نجارة بالإضافة إلى دراسات ليقوم بتدريس التربية الفنية ، وإليها أراد الشيخ الحلاج أن يستفيد من تسريحه من الجيش فى شهر اكتوبرالماضى ـ كما قال ـ فى اداء التلاميذ للتمرينات السويدية التى يؤديهاالجنود هناك.



    6ـ حروب أربعة


    كنا كأسرة واحدة، يديرها الوالد الشيخ الحلاج،ونجحت فى عملى..ومن خلال التقارير الفنية أثنى علىّ الموجهون ,وبدأت أسافر مثل من يسافر ..حتى ان الشيخ قال مبكتا إنهم يعطونكم المرتبات كى تضيِّعوها فى السفر، على أيامنا مثلكم كان مرتبنا ثلاثة جنيهات ؛ شوف انتم تأخذون كم الآن؟!،
    صرت أنا وحسن نتردد على نادى المؤسسة الليلى مع المدرسين وبعض التلاميذ ،ودحرجتنا أقدامنا إلى نادى الموظفين..؛ والذى كان يحضر فية وكيل النيابة ومامورالمركز ؛والمعاون، ومدير المستشفى،ومفتش الصحة ، وبعض الأطباء ، والطبيب البيطرى ، وبعض المدرسين.. وبعد سهرتنا بالكثير للساعة عشرة ..نعود إلى زمران على أن يتلقانا ناصر ومسعدالعاملان فى المدرسة؛وبيد كل منهما شمروخ على مشارف الحديقة الغول حتى يعودا بنا..
    وذات مرة غرزت قدمى اليسرى فى مدفن ربما كانت التربة من جانبه سايخة، فنزلت فى جوفها حتى فخذى الأيسر ، ويمينى خارجها وكنتُ بمفردى ذلك اليوم ، فاستجمعت نفسى وجذبتها خارجا،ولاأدرى أكانت هذ حفرة ذئب أم أن الأرض مخوخة؟، المهم أننى توقفت عن رحلة المجىء الليلى بمفردى .. إلى الدلنجات..وفى آخر العام نقلنا جميعا ..أنا إلى المؤسسةبالدلنجات ، وحسن إلى وحدة الوفائية ، وفوزى وأحمد والشيخ الحلاج كل إلى بلدته..

    فى الدلنجات ..سكنت فى منزل سكرتير المجلس ..اكتريت الحجرة التى فى الدور الأول فى منزله وفرشتها .. وبدأت أرتب لخطوبة سارة.. بعد أن زرتهم فى بورسعيد ؛
    إلاّ أن استدعائى للجيش حال دون ذلك.
    وليلة سفرى لعزل اسكندرية أعدت أختى وزوجها ؛و أخته و زوجها، العدة لأعقدعلى فريدة،لأنى لو دخلت الجيش ، وذهبت إلى القاهرة ؛ وشفت بنات مصر ،فسوف أعصى عليها؛ فتم ذلك وأنا كالمذبوح بسكين ..

    وسافرت ،ولبست،وتم توزيعى على الشرطة العسكرية؛لأنى لم أستطع أن أثبت مؤهلى فى العزل..أثبته بعد أن نُقلت إلى مركز تدريب الشرطة العسكرية فى حدائق القبة إلى جوار المستشفى العام.فتخفّضت مدة تجنيدى إلى سنة ونصف.. أمضيت منها ستة أشهر فى مركز التدريب ، ثم جناح الشرطة العسكرية..أخذت فيه خمس فرق أهمها من وجهة نظرى فرقة الطبوجرافيا ،والشئون الإدارية،والبوليس الحربى والإشارة..وبعد ضرب الناربالطبنجة، والكارل كوستاف..،جاء يوم التخرج والتوزيع ،..توزعت الدفعة ، وجاء توزيعى على السرية الخامسة فى عابدين..

    وكنا فى هذه الفترة فى وحدة مع الشقيقة سوريا ، وكان قائد السرية نقيب سورى.. دخلت له مكتب يوم عملت غياب ثلاثة أيام ..كان أخى الأكبر سيسافر إلى الحجاز لأداء فريضة الحج ..فتلفنوا إلى لأحضر لوداعه .. ولم أتمكن من أخذ تصريح.. لقيتها فرصة أزوغ لى يومين ..وبعد أن عدت إلى السرية أنزلونى الكركون بنمرتى (المشمع والبطاطين) لتانى يوم..؛يومها كنت وكيل عريف،وفى الكركون رأيت أشياء عجيبةوغريبةيمارسها الفاقدون إلا أنى بقيت مستيقظا حتى طلع النهار ودورونى مكتب .. سألنى النقيب: ليش الغياب ؟وكنت قد حضرت الإجابة سلفا..،جائنى تليفون من البلد قالوا لى إن امرأتى قد أخذت العفش وهربت..(كانت هذه أول كذبة لى )قال لى: تبقى (...)..قلت له قبل أن يوقع الجزاء :لاحظ سعادتك إنى ماعنديش أي ازيادة أقضيها قبل تسريحى غير يوم واحد ،نظر فى الأورنيك ، ولما وجده فاضيا ..ليس فيه جزاءات قا ٌل :ثلاثة أيام حجز قشلاق .ثم قال لصول المكتب والشاويش دوَّر . .
    بعد الخروج من المكتب ..قالوا انصراف.. ..فنزلت إلى الكركون أحضرت نمرتى..قلت فى نفسى "والله وخالت الكذبة" " لماذا لاأستثمرها..؟وتقدمت بتصريح مبيت على عنوان أختى فى الدراسة" ونبهتها لما تأتى المباحث العسكرية تتحقق من العنوان والزوجة تقول لهم إنك زوجتى فلانة الفلانية ـ ـ عشان آخد تصريح مبيت فى خارج السرية ..


    حدث أثناء ذلك معركة التوافيق على الحدود السورية ..
    شدينا وخرجنا لتحريك قول من القاهرة ،وجاءت وقفتى فى أحد ميادين مصر الجديدة،وأثناء إنتظار تحرك القول من الثكنات دارت فى رأسى..أشياء عن حروب عاصرتها ..48، 56..حتى العالمية الثانية..

    كنتُ طفلا دون الخامسةعندما حضرت عندناعمتى (نجية) بعيالها..، قادمة من الإسكندرية؛ مهاجرة من كنابل هتلر..،
    كان أبى يومها كاتب مستشفى حميات طنطا..، فى مقرها القديم، وكان منزلنا فى حى الخادم ..، الثابت المساحة بين مثلث القطارات الصاعدة من وإلى القاهرة ودمياط ، ويفضى من خلال قنطرة إلى كوبانيات الجاز والمستشفى ، والجبانة من ورائها..

    كان البيت القديم ثلاثة أدوار..اشترى أبى الدور الثانى والثالث من الورثة ورفضت أم كريمة (سنية أبو الخير ) أن تبيع .. ولم يكتب أبى مبايعة بينه وبينهم ؛ولذا باعوه للمرة الثانية إلى (عبد السميع قطب)مقاول أنقاض، ودخل مع أبى فى قضية خسرها أبى بشهادة أم كريمة ..وما أن كسب المقاول القضية حتى طير الدورين لما فيهما من أخشاب ،بعد أن ترك لنا الفرصة اسبوعا كى ننقل ..تاركا لها الأرضى بالأرضية..دون مقابل إلا شهادتهاالزور..

    عندما حضرت عمتى عندنا ..بأسرتها ؛ فى بيت أبو الخير ،أنزلهاأبى بعيالها التسعة فى الدور الثانى ، وصعدنا نحن الثالث..، وكانت القعدة كلها فى الثانى ولا نصعد إلاّعلى النوم ، ,كان يقيم فيه أخى الأكبر مع زوجته الأولى دولت ثم الثانيةدولت أيضا، ثم الثالثة بنت البدرى؛ وهذه حضرت فرحهاوأنا ابن ثلاثة أعوام؛ والذى أذكره أنه أعطانى نصف فرنك بعد أن حملنى كى أنقط الراقصة على المسرح .، وظل بشقة الدور الثالث ..حتى انعزل بعد زواجه بالرابعة ونقل إلى مسكنه الحالى بالقُرشى حيث ورشته..

    بقيت عمتى عندنا حتى أوشكت الحرب أن تضع أوزارها، وعادت بعيالها التسعة.
    وعند عودتها انتهزت فرصة توصيل أمى لها إلى محطة القطار ؛ وأغرتها بالركوب معها إلى الاسكندرية لتشرب دم الترسة ، وتدعك وجهها بالرمل..، حتى تبرأ من الحبوب التى فى وجهها..ولم تكذب أمى الخبر ؛ وسافرنا..

    كل ما أذكره عن الاسكندرية يومها..، سلخانة الترسة ، ورائحة الزفارة والدم ،والسور ؛الذى كان يحملنى خميس ابن عمتى..مشرقبا على كتفيه، ويمشى بى من فوقه..، وحين أنظر على يسارىأجد الماء بعيدا كالبئر..ينفتح من تحتى فأموت من الرعب..تتكسر أمواجه فى زبد أبيض على الصخور الضخمة المكعبةالملقاة فوق الماء,, فوق بعضها..، يلسعتى ماء بارد ..مالح حين ألعقه بلسانى..فيغوص قلبى من شدة الخوف ،وأشدد قبضتى على رأس ابن عمتى..فيضحك ..ويستمر سائراحتى يتعب ، فينزلنى ونعطى ظهرينا للمالح..فأبتلع ريقى ..وبعد أن يستريح نعود من حيث أتينا.

    كانت أمى آنذاك فوق الثلاثين ..على شىء من الجمال؛ لا ينتقص منه هذه الحبوب المتناثرة فوق صفحة وجهها ، وقد تعب أبى فى علاجها..، وكان أبى يغار عليها جدا..،إذ كان قد تخطى الخمسين ،صرف على علاجها الكثير ؛ ومن هنا كان استجابتها للغواية والسفر بحجة العلاج..

    عندما عدنا إلى طنطا بعد حوالى خمسة عشر يوما لم تحُل حجة العلاج ؛ دون علقة ساخنة..من خسائرها : نقل لوحى الأيسر بضربة أخطأت أمى ،فقد كنت أحتضنها حتى أحول بينها وبين أبى وما ينزله بها. لم ينقطع صراخى وبكائى..حتى بعد أن ذهبا بى إلى مجبراتى قرية دقادوس الشهير..فأعاده إلى مكانه ،و وضع فوقه لبخة مبشور الصابون وصفار البيض والزيت والأعشاب وألياف الصوف والكتان والمراهم وربط رباط من نارظل خمسة عشر يوما بعدها فكّه وقد شفى كتفى ولوحى..بعدها حملت أمى بشقيقى..

    انطلقت الصفافير تنبه إلى مجىء القول فأوقفت العربات المدنيةالآتية من تقاطعات الميدان .. وجاءت مقدمةالقول ..فالمدفعية فالدبابات محمولةعلى تريلاتها، فالمجنزرات، وحاملات الجنودفالإشارة والشئون الإدارية فالمؤخرة ..وانتهينا من تحريك القول فى تمام الثانية ظهراً.

    ..تجمعنا فى الميدان وجاءت عرباتنا لتحملنا إلى مقر السرية ..لكن ما سمعته بعدها أن معركة التوافيق هذه قد انتهت. . بعد التحرك المصرى..

    7ـ اللواء136جلابيب



    سُرِّحتُ من الجيش أول أكتوبر 61ـ قدوة حسنة،وسافرت إلى دمنهور ؛لأستلم ؛وأسلّم شهادة المعاملة لتوضع فى ملفى، فقيل لى :"لقدنقلت إلى محافظة الغربية ،وأنتَ فى الجيش".

    فعدتُ إلى طنطا..،وذهبتُ إلى مديرية التربية والتعليم..فى شارع عثمان محمد، صعدت إلى شئون العاملين ، فأخرجوا نشرة النقل ..وأجريت أعمال استلام العمل وسلمت شهادة المعاملة لتوضع فى الملف،ونزلت إلى التعليم الابتدائى؛ ومضيت بالاستلام؛ ووزعت على إدارة المحلة الكبرى..

    لأكثر من عشر مدارس فى قرى المحلة الكبرى..تنقلت بينها، إذ كنتُ مدرسا مُشْكِلا..,أخيرانقلت إلى العجيزى بنات؛ بنفس الحى الذى أقيم فيه الآن.

    فى هذه الفتره عاودت الدراسة ..حتى حصلتُ على ليسانس الآداب ـ قسم التاريخ ـ من جامعة عين شمس 1967م، وحدثت هزيمة 5 يونيو فى نفس السنة،وكنت قد بدأت أعالج الكتابةالأدبية ، منضما إلى نادى أدب قصر ثقافة طنطا..وتوقفت ُ عن شعر الغزل فى سوسن وغيرها؛ وبدأت أكتب فى جراح الوطن..؛ وداربى النادى فى محافظات الوجه البحرىأبكى وأستبكى ..حال مصر وعيالها..

    لا شك.. إننى أعرف تارخنا جيدا..،قرأته فى كتاب الهزائم..

    قرأته فى انزعاج أخى الأكبرعلى ابنه محمود: المجند؛ والذى كان فى أم قطف، ولم يظهر له أثر بعد حرب الأيام الستة.وارتحلتُ بناء على رغبته وزوجه..على ثانى أولادهماإلى ثكنات العباسية ـ السجلات العسكرية..؛ باحثا عنه أو عن اسمه دون جدوى...

    كنتُ أيامها فى خدمة الاحتياط لكنهم لم يستدعونى، لأننى حين استدعيت أيام حرب اليمن لم أذهب إلا بعد أن قُفِل التشكيل بثلاثة أيام؛ فقيل لى فى حلمية الزيتون يومها،"خلاص ياابنى روَّحْ.".، وهكذا سقط اسمى من كشوف الاستدعاءنهائيا..

    هناك فى العباسية التقيت بصديقى (فؤاد)الكيميائى فى استوديو مصر، ومن سكان حينا ..، ويبحثُ أيضا عن زوج أخته ؛ وهو فى ذات الوقت ابن خالته ..
    مع فؤاد ارتحلنا إلى الاسماعيليةفى رحلة بحث ..لم تسفر عن شىء..

    معا ..فى عربة زايس(ميرى) .. حملنا أحد الضباط المصريون..ـ بعد أن اطلع على تحقيق شخصيتناـ؛حملنا معه إلى بورسعيد:إلى مركز تجميع الجنود العائدين من سيناء..

    على الطريق الموازى لقناة السويس..؛قرأت عيناى فى حسرة؛ تفحُّم رؤوس الأشياء..، أبنيةمهدمة؛جدران ؛أشجار ..نخلات محترقة الرؤوس ..
    على الضفة الشرقية للقناة؛ كانت تصطدم عيناىبالراية البيضاء ؛ذات الخطين المتوازيين ؛والنجمة السداسيةالزرقاء فى منتصفها ؛سواء فى رحلة الذهاب أو الإياب..

    أنزلنا الضابط فى مركز تجميع الجنود العائدين؛ ومضى لشأنه..
    بالبحث لم نجد قريبينا، لكنى قرأت العجب ؛ ورأيتُ الأعجب..
    كانت أعين الجنود وملامحهم تبدو مذعورة..تنظر للبعيد ..إلى اللاشىء، تبدو غير مصدقةبالنجاة من شفرة الجزار..تقطر وجوههم صفرة..؛ والاحساس بمرارةالمعاناة والمكابدة
    ..؛بما أشعرنى بالارتباك, والحيرة: بين كل ما صدقناه ، وكل ما قيل..وكل ما كان يقوله الإعلام حتى الأسبوع ما قبل الماضى..حتى فى البلاغات العسكرية،وبين ما نشوفه الآن..


    كانت أقدام العساكر متورمة..مسودة ..؛ بفعل زفت الأسفلت ، المنصهر مع بدايات دخول صيف 67 أو من سخونة الانفجارات..
    بعضهم كان يربط فردتى البيادةفى بعضهما وعلقها مشرأبةعلى كتفيه؛ فتدلتا ..كل فردة من جهة على صدره ..، تبدو كأوسمة علقها على صدره؛ الذى عاد من سيناء مشيا على الأقدام ..وعجز عن لبس البيادة التى تسلمها من مركزالتجميع ..،والبعض الآخر ارتدى حذاء خفيفا (كاوتشوكيا)..يلق فى أفاروله الواسع الجديدالذى تسلمه وارتداه ليستر عري رحلة المشى بعرض سيناء..

    واتفق وصولنا مع وصول باصات لنقل الجنودإلى القاهره..

    خرجوا فى صفوف لا واعيه..؛ يمد كل واحد يديه..يتلقى هدية سلامة العودة من مصر..جراية : رغيفا..فوقه حفنة أرز ، قطعتين من اللحم..( يالها من راعية صالحة تكرم خرافها الطيبين).

    ..مع تحركهم عدنا مع الشاحنة الأولى إلى القنطرةغرب ..نقطة استلام العساكر من الصليب الأحمر..
    وهناك التقينا صديقنا الضابط الطبيب ..(محمد الليثى) .. ؛ وكان فى مهمة مع الصليب الأحمر :..عشر بطيخات فى مقابل عشرة جنود ..، صندوق كوكاكولا فى مقابل عشرين .. قال الدكتور الليثى" لم نتسلم ابن أخيك بعد".

    مع آخر ضوء ؛ عاد بنا معه فى عربة الإسعاف..إلى معسكر البلاح الهيكلى..فى أتون غارة إسرائيلية حين اكتشف الطيار أنه معسكر للتمويه( طيارات وصواريخ هيكلية)؛ اكتفى الطيار باصطياد الجنود بالفيكرز..وفى دورة من دورات التسلية ؛هبط كانسا سارية العلم بجناح طائرته..

    بعد تناول العشاء الجاف تحلقنا فى أحد العنابرفى إضاءة خافتةـ فؤاد وأنا كمدنيين؛مع قادة اللواء 136
    بدأ كلام الرتب..ظنوها مظاهرة عسكرية..دفعوا بنا إلى الحسنة ..دون أن يكون مع عسكرى واحد شطالة( الشطالة هى نوع من العصى)قائلين: بعد التمركز يتم تسليحكم.

    النكتة المصرية تلخص الموقف أطلقوا على لوائهم.."اللواء 136 جلابيب"..بمعجزة أفلتنا إلى الضفة الغربية.

    فى الصباح عدنا إلى طنطا ..فوجدنا ابن أخى قد وصل ..؛ ودخل مستشفى المنشاوى ..؛ حيث جبسوا ساعده الأيمن ، واستخرجوا شظية كانت ساكنة إلى جوار كليتةاليمنى.

    8 ـ كلنا صنعنا الهزيمة



    عفوا ..كلنا صنعنا الهزيمة..عن قصد ؛أو بدون..منذ سبع سنوات؛ كنتُ جنديا فى الشرطة العسكرية ..صعدت فى مهمة إلى معسكر منقباد، أثناء عودتى بقطار الصعيد إلى القاهرة،جاءت جلستى أمام سائح شاب ملتح..، يضع عوينات طبية..

    كان يجلس فى ثياب كاكية متسخة..حين تحرك القطارمن أسيوط، بدأ يرطن فى انجليزية ركيكة.. باصيت له الرطن .. عرفنى أنه ألمانى..جاء فى زيارة بلادنا العظيمة:آثار ..تاريخ ..نيل ..خُضرة ..مُناخ رائع...
    شكرت له إطراءه ..نقلنى للحديث عن نفسى ؛ وكنت يومها فى ردائى الميرى،سألنى عن دراستى ..عملى المدنى..إحساسى كجندى..، استدرجنى ببراعةإلى موقفنا من اسرائيل

    ، تكلمت بما أسعفنى التارخ واللغة، والصراع الأسرائيلى العربى من عهد داوودوالكنعانيين للآن..؛ رددت مقولة الزعيم ناصر يومهاكالببغاء"إننا طلاب حق..سوف نرميهم إلى البحر ..ليعودو ا من حيث أتوا"
    طلب أن أراسله، أن أكتب له عنوانى، اعتذرت.
    وعلى واحدة من صورى طلبت أن يكتب اسمه وعنوانه..،كتب ..بين حروفه الانجليزية ؛ والتى كتبهابصعوبة..كتب حرفين غر يبين..دققت فيهما..استدعيتُ كل ما أعرفه من حروف المجموعة اللاتينية؛ وحتى اليونانية القديمة..لم أعرفهما.خجلاسكت من جهلى،ودفعت بالصورة فى جيبى..وسكتّ.

    بعد أن عاودت دراستى بعدالتسريح من الجيش ، والانتهاء من مشاكل فريدة..اكتشفت أن الحرفين كانا قد كتبا بالعبرية.

    ..........

    وأثناء ترددى على مستشفى المنشاوى لعيادة ابن أخى ..قرأت الكثيرفى أجساد الجنود: جلودهم ..وجوههم ..أعينهم ..أيديهم أرجلهم..على ما يبدو أن الإصابات الخفيفة هنا والصعبة والثقيلة..إما فى القاهرة أو فى الخارج..؛ قرأت أحزانهم.الامهم ..أهليهم ..انكساراتهم..بعدها طوّفتُ فى محافظات الوجه البحرى شاعرا ضمن قافلة الثقافة.

    رحت أبكى وأستبكى ..ألمز وأدين..أشحن وأعبىء..؛ فى محاولة لإعادة الروح إلى نفسى والناس ..التقيت بالشيخ إمام عيسى ..رددت معه أغانى نجم فى الموالد والتجمعات، ولأول مرة أشعر بانتمائى الحقيقى..

    فى ظهر اليوم التالى لأمسية فى كفر الشيخ..وهناك التقيت بالشاعر عفيفى مطر لأول مرة..والذى ألقى فيها قصيدة تطوحات عمر ، وألقيت أنا بياع الطراطير (بالعامية)..استُدعيت إلى شعبة أمن الدولة..فى مبناها المرمى عند المجارى فى أطراف طنطا.
    وهناك لم توجه لى إهانة واحدة بالقول أو الفعل..، بل تُركتُ بمفردى فى حجرةرمادية خالية من الأثاث ؛اللهم إلا مقعدا وطاولة عليها منفضة سجائر ..جلست متحفزا..لا أدرى لِمَ استُدعيت؟!..، أسقط فى روعى ..ربما من أجل قصيدتى بياع الطراطير..طالت المدة ..انفثأ تحفزى..بدأت أعالج قصيدة جديدة هى زيارة فى فم الليل ..
    من نعم الله على ..أن وهبنى إلى جوار موهبتى حافظة قويةتسجل داخلى العمل فور صياغتهِ..لم أنتبه لمضى الوقت..

    فى السادسة مساء جىء بى إلى المعاون النقيب(...)، كنتُ قد التقيته فى ظروف أخرى..

    فى ابتسامة مُطَمْئِنة مد يده إلىّ بالمصافحة..

    اعتذر عن تركه لى كل هذه المدةبمفردى لكثرة أشغاله ..,وأنا أدرك أنه يبلف ..أشار إلى بالجلوس..،طلب إلىّ أن أسمعه قصيدة الطراطير..؛التى ألقيتها فى كفر الشيخ..،يبدو أن محترفى رفع التقارير إلى أجهزة الأمن لم يضيعوا وقتهم ـ؛غير متحمس للإلقاء قلتها ..مغيرا بعض كلماتها ..أخرج أوراقا ..؛فتح محضرا ..؛ أخذ البيانات المصطلح عليها..طلب إلىَّ أن أكتب القصيدة تحتها ..، كتبتها بالصورة الجديدة..؛طلب إلىَّ أن أوقع؛ وقعت ..،وأخلى سبيلى..إكراما لرصيدى فى قضية التغذية.

    .......................

    كنت قد استبعدت عن التدريس 1965م ،أثر مشادة بينى وبين ناظر مدرسة (بلقينا)الابتدائية، والتى كنت أعمل بها آنذاك..مشادة أسفرت عن تحويلنا سويا للتحقيق.. فى التحقيق : اتهمت الرجل بالتلاعب بالفواتيروابتلاع مخصصات النشاط.. ولم أقم الدليل المادى على ذلك..؛ فى المقابل اتهمنى بعدم الانضباط..أثناء التحقيق انفعلت حين طلب إلى ّ أن أقدم الأدلة والمستندات على صدق ادعائى..ضيق المحقق علىّ..ارتفع سقف انفعالى إلى درجة التدخين ـ وكنا فى نهار رمضان..اتسعت حدقة المحقق والحاضرين ..أتدخن فى نهار رمضان ؟!..أنت لاتصلح للوقوف أمام أبنائنا..أشر المحقق على الأوراق ينقل إلى مركز التغذية ، مع ابقاء الناظر (المختلس )فى مكانه .

    "ليس مهما"" هنا أو هناك على حد سواء".

    ..لله فى خلقه شئون ,..إن أراد الله أمرا؛ أحكمه..سبب له الأسباب .

    قمت بالعمل فى غرفة مركز التغذية..بمبنى مجلس مدينة المحلة الكبرى؛ثم توجهت إلى المخبز ..,لأول مرة فى صحبة رئيس المركز (عاصم شرف)، مدرس التربية الزراعية ، وزميلى السابق فى وحدة الهياتم..,أطلعنى عاصم فى الطريق على مواصفات الفطيرة. وأعطانى صورة منها..

    فى الفرن ـ أول طريق بشبش ـ؛ وفى جلسة الشاى ..طلب إلىّ أن أوقع على عدد من أذون الصرف, وأوامر التشغيل والتصنيع
    كانت هذه هى الطريقة لتوريط الوافد الجديد..عدد من التوقيعات ،ثم تُكشف له أوراق اللعبةـ؛ ومتى وقّع الزبون ؛ لا يستطيع أن يخلص قدميه من العجين..يكتفى بعد ذلك بالراتب الأسبوعى ( الرشوة)فى مقابل السكوت عن مخالفة المواصفات..يتم فيها سرقة شكائر اللبن البودرة ،وصفائح السمن(معونة أمريكية ) والمخصصين للفطيرة التى توزع على تلاميذالمرحلة الأولى ،ويكتفى بالماء وبعض العسل الأسود..
    ولقد استتر المتعهد الأصلى (سمكة القرش) وراء اسم أخيه الأصغر (يحيى)؛ والذى يتواجد فى مركزى التصنيع بالتناوب .. وله رَجله ( محمد الابيض)عين وكرباج مقيم دائما فى المركز
    فى خبث انسحب عاصم من الفرن بحجة العودة إلى مجلس المدينة، وتركنى بين صبيان المتعد؛ وعمال المخبز ؛ وشريك القرش..

    وقعت على العجنة الأولى ، أنهوها أمامى كما تقول المواصفات..، طلبت تجهيز الثانية ..تباطأوا نسبيا..أمام إصرارى أعدوها ؛ ولكن فى تلكؤٍشديد ..طلبت الثالث بدأت الزمجرة ، ومحاولات التحرش بى ..وضعت عينى وسط رأسى..أمرت ..راحوا يحومون حولى.. وفى مماطلة قاتلة نفذوها( رغم أنوفهم)ـ؛ لم أطلب الرابعة, إنما خرجت من الفرن ، وفى أول سيارة صادفتنى عدت إلى طنطا..

    ولما كان عاصم هذا قدزاملنى كما قلت سابقا فى وحدة الهياتم، لمدة عام عرف فى أثنائه أين أقيم ،ويبدو أنهم تلفنوا له فى مجلس المدينة ، فما كدت أصل البيتَ ؛ حتى كان فى كعبى هو ويحيي ومحمد الأبيض فى سيارة يحيى الملاكى..

    صعدت بهم إلى الدور الثالث حتى أبعد أصواتنا عن البيت فى الدور الثانى وكان الدور الأول ورشة أخى..،بعد واجب الضيافة الذى لايستحقونه خرجوا متعللين أن" البحر يحب الزيادة""وضع فى بطنك بطيخة صيفى "" ولست وحدك ..؛كلهم على كده""سواء فى مجلس المدينة ..المفتشين .. المدرسين ..المشرفين "..

    بعد خروجهم .. وجدتُ تحت صينية الشاى مظروفا ..فتحته وجدت فيه60 جنيها .."ياولاد الكاااالب"

    ثلاثة أمثال راتبى..لم أكن أعرف أن السوس ينخر داخلنا إلى هذه الدرجة. حتى اللقمة من فم الأطفال .. إنكم لم تقرأواالمتعة فى أعين العيال لحظة إلاكتهم لهذه الفطيرة
    ، ولا أشك لحظة أن الصبيان والبنات فى ريفنا الفقير ..لايأتون إلى المدرسة ؛إلا من أجل هذه الفطيرة..

    فورا نزلت بالرشوة والتفاصيل إلى شعبة البحث الجنائى فى المديرية..بعد ثلا ثة أشهر من المداراة والمجاراة ؛ قبض على ثلاثة وأربعين متهما..فى مواقع وظيفية مختلفة سواء فى مجلس المدينة ، أو فى التربية والتعليم
    أوقفوا جميعا عن العمل..وعلى ذمة التحقيق ..وعدت أنا للتدريس..نقلا إلى إحدى مدارس طنطا.
    9 ـ امسك حرامى


    فى مكتب الريس الرائد(........)، وقبل أن يفتح محضرا لأقوالى ، ويستلم منى حصيلة الرشوة الأسبوعية..؛ وصل البريد،..فتحه أمامى ، َمما حواه ..مكافأة من وزارة الداخلية..، لرجل قدم العون فى القبض على أكبر تاجر مخدرات فى الغربية..

    استدعى الريس المعاون النقيب (...)؛أشار إليه أن يكتب اسم الرجل مكان التوقيع بالاستلام..،ثم قُسّمت المكافأة بين ضباط الشعبة كل حسب رتبته..أسررتها فى نفسى:"امسك حرامى"..

    بعد ضبط قضية التغذية ؛ والتى احتلت حيزا فى الصفحة الأولى فى الجمهورية والأخبار..بعدها بمدة أرسلت منظمة اليونسكو.. هدية عينية ومكافأة مالية باسمى..وقطعا مكافأة وزارة الداخلية..
    أخطأ المعاون ..؛ حين أخبرنى ..؛ حين التقانى صدفة ؛ونحن خارجين من سواريه إحدى حفلات سينما الجمهورية، وأسر فى أذنى " اليونسكو أرسلت إليك هدية ".."ملابس"
    لم أكذب خبرا..ذهبت فى الصباح إلى مدير الفرع فى المديرية المقدم(......)
    تهرّب قائلا.." هدايا".."لا ..لا" " إنها للضباط.."ضحكت وخرجت من مكتبه لأننى كنتُ أعرف الفوله.
    وحدث فى أوائل حرب 67، أن كنتُ فى زيارة للرائد (........)، حين أطل وجهى فى مكتبه..ابتدرنى فى مداعبة "أمازلت هنا..؟!"" لماذا لم تذهب للحرب؟؟"
    قلتُ وأنا أجلس أمام مكتبه " عمّن؟!"ٌقال "عن البلد"ٌقلت "وأنتَ؟!" قال " أنا الداخل"قلتُ "وأنا..لاالداخل ولا الخارج " قطعا فهم الداعبة ..؛ضحكنا
    وخرجت..أتمتم فى نفسى " أنا المشدود إلى لقمة العيش..على أكتافى ، وأكتاف أمثالى تبنى البلد ؛..علينا كل الغرْم ؛ ولأمثالك كل الغنم".."الله يخرب بيوتكم".

    بعدها قطعت كل صلتى به.
    .. لم ألتقِ بأحد منهم إلاّ يوم استُدعيت إلى أمن الدولة.
    ولم ألتق بالريس إلا مصادفة فى ساحة المحكمة ..عند نظر قضية التغذية..حين استُدعينا معا للشهادة ،وكان يومها قد ترقى ،وأصبح مأمورا لأحد المراكز .
    المهم أننى لا أعرف ما الذى تم فى قضية التغذية إلى اليوم؟!.
    10 ـ المرسال

    "لماذا لا تتزوج؟!"قالتها أختى القاهريةـ أثناء زيارة خاطفة لها..
    " تكفينى المحاولة الأولى"
    "إنها لم تكن زواجا فعليا"
    "والمحكمة؟!؛ والنفقة ؟!"
    " أنتَ بحاجة للإستقرار"
    " حاولت ولقد تقدمت طالبا سوسن.. جارتنا.. قال أبوها إنها لسه فى العلام ، وبدرى عليها"
    " لن تستقر حتى يكون لك بيت مستقل"
    " يا أم محسن الزواج مشاركة" لم ألتق بعد بمن تشاركنى زورقى"
    " عندى لك عروسه زى القمر"
    باستخفاف قلت "من؟!"
    قالت مبتسمة " مرسالك القديم"
    قلت ضاحكا "أوكبرت؟!"
    قالت "كالسفيرة عزيزة"
    قلت " أوتنسى أنها كانت تحمل رسائلى إلى.....؟!
    "كان لعب عيال"" الحب يا خويا ييجى بالعشرة"
    تمتمت فى نفسى" آه يا طيبة ..كثيرا ما استنزفتنى ذكريات هذه الفترة ..حتى مرسالى القديم جزء من هذه الذكريات.."
    قلت دون تفكير " أوترضانى زوجا لها ، وهى تعرف ما تعرف؟!
    قالت " تقدم ..؛وأنتَ ترى"

    .. .. .. .. ..
    11 ـ فى أقل من شهر..

    ، وفى حفل أسرى تمت الخطبة..

    بعدها ..صرت أتردد على القاهرة ..كلما سمحت لى الفرصة..أنزل عند أختى ..،فى الدراسة ..، ُثم أتوجه مساء للعروس..،لزيارتها فى شقتهم ..، لم يُسمح لى بالخروج بها..فاكتفينا بالجلوس فى شرفة تطل على الشارع الخلفى..

    فى هذه الجلسات ..؛ حاولتُ أن أتعرف عليها أكثر ..تتـعرف علىّ أكثر
    كانت تجلس ويمناها دائمة تقبض على منديل بطريقة معينة؛ كما لو كانت تخفى شيئا ما..،إن أشارت ؛ تشير بالشمال.
    فى واحدة من هذه الجلسات ..؛ طوفت بها بعيدا .. كانت نسيت نفسها ..، فجأة خطفتُ المنديل؛وانفردت قبضتها..، فاكتشفت أن سلاميةسبابتها شبه مبتورة..، وتقوس الظفر كالمخلب..نقص جمال يدهادرجة..

    صدمنى مرأى أصبعها بهذا الشكل..، أدركت الآن تفسير وقفة شقيقها عبده ( زميلى، وصديقى )بيننا ، أثناء لبس الدبل..أدركت لماذا لبسها هو دبلتها..، لما تعذر علىّ فتح يدهاوفردها..

    "تدليس"

    ناقص عشر درجات ..
    رأيت فى عينيهانوعا من الذعر..بررت أن أخاه الأكبر قبل تخرجة فى الطب ..أجرى لها فى سلاميتها جراحة فاشلة ..وصلتها إلى هذا التشويه..طمأنتها.. "ليس مهما"

    عندنا يقولون "المدّارية تكسر المحرات".
    كان الأولى أن تُكشف لى ..،أثناء التمهيد للخطوبة ..إن أعجبنى تقدمت،وإن لم ..؛مع السلامة.


    تكررت جلساتى مع خطيبتى المرسال..أدركت أن تفكيرها لا يخرج عن تفكير تلميذة ثانوى أحيانا ناضجة..، كثيرا فجة..تافهة ..تعيش على أمجاد عائلية أضاعها
    البر توستوو..وبيعت لوكاندة الأزبكية..

    فى جلسة كنت أظنها دافئة....تأملتها لحظة ..تأملتنى لحظتين ثم ابتسمت قائلة"إننى أتصور فلانة ..فى مكانى الآن"..

    ارتددت إلى الخلف.. لمعت عيناى ببريق نفاذ ( لاشك أفزعها) ..برزت مخالبى ..ماذا قلت أيتها المجنونة ؟! ماذا فعلت بى ؟!ماذا كان يمكن أن يحدث لى ؟! ونحن فى غرفة النوم، وبيننا مايحدث بين الرجل وامرأته ؛ وقلت قولتك هذه ..
    صُبَّ فوق رأسى دش ماء بارد..أطفأنى ..لكنه أزاح فى طريقه رماد السنوات التسع الماضية..

    كانت الجمرة مازالت داخلى مشتعلةفى أعماقى ..لا شىء يوقف النزيف..،إنها صاحية تتحرك فى شرايينى ، تدفقت الدماء حارة فى مسايل ،تجمعت فى بقعة كبيرة
    ارتفع مدها فى عينى..، أخذ علىَّ منافذى..هبت العاصفة..نزلتُ إلى الشارع .. رحت أتسكع ..فيما أعرف وما لا أعرف من شوارع القاهرة.. أطلقتُ صفير المغادرة ..كلوت بك ..رمسيس..القطار إلى طنطا ..حزمت أمرى لابد من فسخ الخطوبة .

    12 ـ المؤتمر الأول للأدباء الشبان

    الزقازيق 68/69م


    كان لمدرسة الشوربجى الإعدادية منزلة خاصة عندى..،ويرجع تواجدى بها ؛إلى نقلى إليها عقب عودتى من المؤتمر الأول للأدباء الشبان .. فى يناير 69م

    وكان سماعى عن هذا المؤتمر أول مرة، فى إحدى أمسيات شتاء 68م

    ما إن دخلتُ الصالة الوسيعة..تلك التى كانت تفصل بين دار الكتب الحالية؛ وبين شقتى قصر ثقافة طنطا،فى شارع المتحف الحالى ..
    تلك الصالة ، كانت مكان الاجتماع الأسبوعى ..، والندوات ، واللقاءات، والتى استقطع منها الجزء الأكبر ليكون مقرا للمجلس الشعبى المحلى لمدينة طنطا ؛ ففصل بين المبنيين
    وبذلك تقلص مكان عقد الندوات إلى السلخةالمستطيلة الحالية، والتى تُركت كصالة عرض..

    ما إن دخلت حتى وجدتُ مجموعة من أدباء العاصمة ..منهم يحيى الطاهر عبد الله ..؛ عبد العال الحمامصى ..؛ جمال الغيطانى ,, يوسف القعيد..ابراهيم منصور ..عبد الحكيم قاسم ..سعيد الكفراوى ..والشاعرين محمد صالح، وكامل عيد رمضان شاعرالعامية السويسى ..، وآخرين ، وقد تحلقوا مع مجموعة أدباء من طنطا ..أفسحوا لى مكانا، وجلست..

    كان النقاش يدور حول دور الأدب والأدباء فى فترة ما بعد هزيمة يونيو..وعقد مؤتمر لهم ..
    وقد استقرالأمر على عقده فى الزقازيق بعد موافقة محافظ الشرقية على استضافته فى محافظته.. ووقع الاختيار على الخمسة ممثلى الغربية فى المؤتر ..,وأنا ضمنهم..

    ولما كان المؤتمرسينعقد فى فترة امتحان النصف الأول للعام الدراسى68/69م.. قمت بإعداد أسئلة مواد تخصصى : الدراسات الجتماعية : جغرافيا ،تاريخ ،تربية وطنية .
    سلمتها فى مظاريف مغلقة إلى ناظر مدرسة برماالاعدادية الحديثة ..؛ والتى كنتُ أعمل بها حينذاك، ومع كل مظروف..؛ مظروف آخربه نموذج الإجابة الخاص به ،موزع عليه جزيئيات الدرجة، وذلك للصفين الأول والثانى الاعدادى..

    بعدها بيومين ..؛ تسلمتُ خطابا من المحافظة، وآخر من قصر ثقافة طنطا ، والتذاكر ..،وسافرت (منقطعا عن المدرسة )إلى الزقازيق بالقطار.

    فى ميدان محطة الزقازيق..؛ كانت هناك مجموعة الاستقبال:توزعت بين الجلوس تحت مظلة بحر برتقالية..؛ ذات منضدة ،وضعت تحتها..،وفوقها كشوف بهاأسماء المشاركين فى المؤتمروآخرين وقوف للإرشاد ..؛ من سلالم المحطة إلى مكان التجمع..
    تأشر أمام اسمى بالحضور..أعطيت رقم حجرة التسكين..، طلب إلىّ الانتظار ،؛ حتى يتجمع من جاء معى فى نفس القطار .. ؛ بعدها نُقلنا بميكروباص إلى النُّزل.

    كان النزُّل قى مبان جديدة ..قيل يومها أنها مستشفى ..لم تفتح بعد ..،وقيل أنها مبنى للمحافظة ..، وقيل أنها مساكن ..لكن منظرها الخارجى وعنابرها الداخلية
    توحى أنها أقرب إلى الستشفى منها إلى المدن الجامعية

    تجمعنا مع أدباء دمنهور ؛ والذين أذكر منهم الشاعرصلاح اللقانى..،وكذا أدباء الدقهلية ؛وأذكر منهم الروائى فؤاد حجازى
    نام بعضنا من تعب السفر ..، وبعد المغرب حملت إلينا علب العشاء والسحور لأن غدا رمضان

    فى التاسعة والنصف صباحا؛ حملتنا الشاحنات والباصات إلى قاعة الاجتماعات والجلسة الافتتاحية..حضر الدكتور على الراعى والمسئولون على رأسهم المحافظ
    وفى ركابهم الإعلاميون..اتخذوا أماكنهم فوق المنصة ..عُزِف السلام الجمهورى ..قُرىء القرآن الكريم ..ثم بدأت الكلمات ..عن شحذ الهمم ..وضرورة بعث الدماء فى عروق الشعب ليتخطى حاجز الهزيمة النفسى ..

    بعدها جلسة استراحةلدقائق ؛ثم قسمنا ووزعنا على ورش العمل ..كل نوعية على فرع من فروع الإبداع..وكان توزيعى فى ورشة الشعر العامى..رئاسة الأستاذين :توفيق حنا ومحسن الخياط.
    تخلل هذه الورش جلسات استراحة : لم تكن طويلة ..بسبب الصيام . حتى الثالثة عصرا..بعدها نُقلنا إلى النزل، وقبل المغرب بقليل نُقلنا إلى حفل الإفطارالجماعى وبعده وزعنا على الأمسيات الشعرية؛ إما بداخل القصر أو إلى القرى المحيطة بالزقازيق، واشتركت فى الأمسية الأولى مع الشاعرين زين العابدين فؤاد ،وعبد الرحيم منصور ..فى نفس الزقازيق؛ وقلت يومها (..الطراطير).. ثم قبل الحادية عشر ة بقليل نقلنا إلى النزل وهناك وزع علينا السحور .

    وفى الصباح نُقلنا إلى مواقع الورش .. وهناك وجدت خبرا منشورافى النشرة اليومية عن ترجمة (على عبيد )جحيم دانتى إلى العاميةعن النص الإنجليزىمستعينا بالنص العربى المترجم ..ترجمة(حسن عثمان) ، وكنتُ قد نوهتُ عن ذلك فى جلسة اليوم الأول.

    وبعد الإفطار كانت الأمسية الثانية فى قرية العزيزية ..فى صالة المدرسة الاعدادية مع الشاعرين محمد الجيار والدكتور أحمد عمر هاشم ..؛ وكان يومها معيدا
    وقد أصابنى تعريف الشاعر محمد الجيار نفسه بأنه شاعر الإذاعة والتلفزيون بنوع من الفتور،إذ إن الشعر هو الذى يعلن عن صاحبه ،وسرعان ما سقطت الهالة التى أعلن بها عن نفسه ،
    ..ثم بدأوا بى فى قصيدتى ( النسر العفى)(فى بلدنا..فوق التوته ع الغيط الكبير ..فوق السبيل ..فوق السبيل السلسبيل الحلو مطّعم صدا ..بره الخلا..حفنات كيمان متنتورين ..ومشرعين عرض السما..متغطيين بابرج حمام..مع كام زالوع منفوخ يدوس حطب الدره..وغلاف..بيفرش عشرميت مليون ملايه مغبّره..بتعصب البيت الكبير ..وتطل فوق المندرة، والمندره ؛ جدارها العريض ..مشوخ ..مفلّق ..باش بيتّاوب حصا..مجضوع يريّح فوق جناب الصندره..والصندرة راميين عتبها فوق طاحونه مصدّره ..من يوم ما تورها الاصفرانى انخض مات.
    خلّف بنات .
    وساكنها واد خربوش غليض الكفِّ شبه المطرقة ..بيدق فى الناس والشقا..نازلين على الغيط الكبير..نازلين بييجى ألف ألف حصان جديد ..نازلين يشقوا الأرض بالسونكى الحديد..خطوط خطوط ..خطوط دواير جارها قنى من الجهات الأربعه..بتشد م الساقية اللى فوق بطن العيال متربعه ..ومولعه..بيدوروها بألف ألف وميت إدين..هيلا هب..ع النبى جبر الخواطر
    هيلا هب تدور يمين ؛ ون شالله حتى تدور شمال..المهم تدور تطلّع سقالات ؛وصلاب شديد كالإهرامات..يسند جدار المندرة ..مع ألف مبرد صنفره ..يزيل الصدا الضارب جدوره فوق سنابل الفجر..ع الشط البعيد..
    مع إنه كان طالع شديد
    مع إنه كان طالع مشرع من ز مان
    ساعة ما زفوه للعروسه أم الضفاير مجدولين..
    أم الشفايف لوز مقشّر والعيون متكحلين
    أم الخدودعناب مسكّر
    والقوام مخروط بإيد فنان قديم،
    واولادها
    أما عليها عزوه من الإيدين
    جايين يشدوا الفَجْر من عب الزمن ..
    شدوه سقط
    ياخسارةفوق يونيه الحزين
    يونيه اللى فات
    هوه انتو مش فاكرين صحيح يونيه اللى فات
    يونيه الحزين ..يونيه اللى شاب فيه الجنين..
    يونيه اللى شرب الكل فيه الميه طين
    يونيه الى فات
    إن كنتو مش فاكرين صحيح..تعالو نقرا الكلمتين المحفورين بالدم فوق صدر الشهيد
    اللى اندفن من غير كفن ..واللى انطرح فى البيارات وسط العفن، واللى انكفا فوق سدره مات
    وخط بصباعه المهتك فوق مدق الموت أهات
    آه يا بوى ع المصيدة
    حراق يا طعم الكدب منقوع فى الصدا
    ياخسارة الولدات عيال الاهرامات..
    أهل العروسه أم الضفاير مجدولين
    أم العيال الشقيانين المطحونين الشرقانين للنور على ضهر الطريق ، وبيشتو دم..
    يا صبر أيوب ع الألم ..
    يا حيل أبويا اللى انهدم..وبيبتسم
    يمسح جراح أمه اليتيمه والعيال المصلوبين
    والمشدودين للساقيه
    فوق بطن العيال متربعه
    ومولعه
    بإيدها الساروخ مليون ساروخ
    طاير كما النسر العفى
    نسر الفراعنه بتوع زمان
    نسر الفراعنه اللى بنولنا الاهرامات
    طاير يرجع للجدع عمره اللى فات
    وينور الغنيوة فى عيون الصبى

    يا ألف ألف وعشرميت مليون إيدين طايرين يشدو الفجر م البوم الشقى
    لاجلن يزفوه للعروسه أم الضفاير مجدولين ..تطلع تسرح شعرها ,..فوق السبيل ..فوق السبيل فى بلدنا ع الغيط الكبير).

    بعدى قال الجيار وكان معوقا يجلس على عجلة طبية؛ قال قصائد من الغزل الفج، أعقبه الشاعرالدكتور أحمدعمر هاشم الذى ألقى قصيدته عن الساعة ..تغنى فيها عن الوجيعة استوقفت أكثر من مرة ،واستعادوه وصفق له كثيرا
    ..وبذلك أعلناعن نفسينا، ثم حملنا إلى النزل.

    ثالث الأيام فى الضحى لم نحضر الجلسات ،ووقفنا أكثر من عشرين شاعرا أما قصر ثقافة الزقازيق ..، وقفنا على الرصيف بينما جلستُ أنا على موزايكو درجتى القصر وإلى جوارى كامل عيد رمضان ..، وسند الجدار المجاور أحمد عبد المعطى حجازى ، وملك عبد العزيز،وكمال نشأت و
    ، وبدر توفيق ،.وآخرين ..وبدأو فى إلقاء أشعارهم:ما أن ينتهى الواحد حتى يعقبه آخر حتى جاء الدور علىّْ..وكانوا يلقون أشعارا فصحوية..فقلت قصيدتى رؤيه.." مدينتى ..صخريَّة ُ الدروبِ :أناسها حجر ..بيوتها حجر ..وفوق رأسهم ..تحجّر القمر ." أبهرت الجميع ..، واستزادنى عبد العطى حجازى ..، وكدتُ أقول"لون" ..إلا أن كامل عيد رمضان نصحنى ألا أقول غيرها حتى لا أحرق نفسى . فاستجبتُ للنصيحة..

    المهم انتهت أيام المؤتمر ، وفى الجلسة الختاميةكُرّم من كرم ..وفاز من فاز ..ووزعت جوائز ودروع عن مسابقة لم نسمع عنهافى طنطا.
    ثم تليت التوصيات وتشكلت الأمانة العامة للمؤتمر ورفعت برقيات للرئيس عبد الناصر تتمنى له الشفاء وتنا شده إعادة اتحاد الكتاب للعمل. وكان قد تم إيقافه بعد الهزيمة..
    لكن الطريف حين بدأ تشكيل الأمانة العامة للمؤئر ."ثلاثة أعضاء فقط عن كل محافظة "نزل من فوق منصة الإعلاميين الإذاعى "حمدى الكنيسى" لأنه من عندنا من الغربية ..من قرية شبرا النملة فحال ذلك دون اختيارى مع محمود حنفى كساب وصالح الصياد وكلاهما محامى.

    كانت مناوره ذكية من حمدى ..؛ لأنه على منصة الإعلاميين لن يتم اختيارة فهو إذاعى جديد..هناك من هم أبرز منه..أما فى الغربية فهو "فرخة بكشك" لكل طالب صيد..إلا أننى أسررتها ..

    عدت من المؤتمر لأجد الدنيا مقلوبة فى المدرسة..إذ أخطر الناظر التوجيه الفنى والمديرية..بتغيبى والامتحان منعقد.، ويحملنى والتوجيه مسئولية تأخر النتيجة
    فحضر الموجه الأول وموجه المادة: الأستاذان فؤاد لطف الله ،وعوض الله ووجدا الناظر قد أدار امتحان المادة وفتح مظاريفها بلجنة . وصحح الموجهان أوراق الإجابة على النموذج المعد سلفا وسلماها للناظر وبالتالى للكنترول..مع تحويلى للشئون القانونية..

    أحضرت خطابى الترشيح من مديرة الثقافة، ومن ديوان المحافظة ؛التى اعتبرت مدة الانقطاع مهمة وعملا رسميا .. ، لكننى طلبت نقلى من هذه المدرسة ..فنقلت فعلا إلى الشوربجى الا عدادية بكفر الزيات.


    13 ـ الشوربجى ..مرتان


    نقلتُ إلى الشوربجى الاعدادية بكفر الزيات وكان ناظرها يومها الأستاذ نصار موجه التربية الفنية، وقدسبق أن تعارفنا وأنا مدرس فى المرحلة الأولى إذ كان من ضمن دراستى فى معهد شبين الخاص طرق تدريس التربية الفنية . والذى تميزت فى تدريسها وزارنى أستاذ نصار فى أكثرمن مدرسة . .، وكانت مفاجأة له إن جئته مدرسا للدراسات الاجتماعية..،ولم تطل مدته معنا إذنُقل إلى طنطا .وحل محله الأستاذ عبد الحكيم.

    والأستاذ عبد الحكيم إن كنتَ لا تعرفه ـ يرحمه الله ـ كان رجلا تجاوز الخامسة والأربعين بقليل ..، عريض الكتفين .. مستقيما ..كالرياضيين القدامى،مع ميل نسبى للقصر ..، بشوش الوجه، مع عوينات دخانية.،ملابسه دائما على أحدث الطرز ..،أنيقا.. فى مظهره اتزان ورزانة .

    كان قبل النظارة مدرس لغة انجليزية..
    ما أن وضع قدمه فى المدرسة ..حتى عقد اجتماعا لهيئتها..

    فى الاجتماع ,..وزع على كل ٍّ اختصاصاته من أول الطابور الصباحى .. حتى انتهاء اليوم الدراسى ..المسائى والخدمات
    الإشراف الريادة ..الحضور الانصراف ..الغياب ..حتى يعمل الجميع دون تعارض..أو تداخل.

    جعله هذا التوزيع يستريح نسبيا ..، ويجد متسعا للمتابعة الفنية والإدارية..، مع إقامة علاقات إنسانية مع الجميع.


    .. .. .. ..

    كان يفضل الجلوس ـ أحيانا ـ فى الركن الشمالى الغربى للفناء الخارجى ..،ليواجه البوابة الخارجية ليرى من يغادر أو الداخل من باب المدرسة الرئيسى ويواجه شمس الشتاء الصاعدة بعد العاشرة..، واضعا رجلا على رجل، يدخن سيارة من أخرى فى تلذذ واستمتاع غريبين، مع احتساء فناجين القهوةتباعا ، وإن قام؛ فإلى مكتبه..إما لاستقبال زائر ، أوللتأشير على البريد اليومى.

    كان قليل المرورعلى الفصول ..
    من أقواله .. المدرس فى فصله ..قدوة، دفتر إعداده ؛ هو توقيع حضوره وانصرافه ..المدرس لديه منهج عليه أن ينتهى منه..اهتمامه بمادته وطلابه لابد وأن ينبع من داخله ..المهنة غير الوظيفة ..والتعليم مهنة ..لست بقادر على دفع أى مدرس أن يؤدى واجبه حتى ولو تحت تهديد رشاش..على باب الفصل.

    كان الرجل كمايسترو ماهر ..؛ يدير العمل دون دكتاتورية..أشاع جوا من الحب والحرية ملأ المدرسة
    فى هذا المناخ الصحى ..انطلق المدرسون والطلاب فى رحلة إبداع ..فى كل المواد والأنشطة..
    تفتحت براعم كانت كامنة ..تفوق دراسى ..تفوق رياضى ..عرفت المدرسة طريقها إلى الحفلات ..الرحلات ..المهرجانات ..وارتفعت نسبة النجاح

    عملت مع هذا الرجل لثلاث سنوات..لم أنقطع خلالها عن العمل
    تمكن من خلال تعامله الأبوى؛الذى ذكرنى بالشيخ الحلاج فى زمران النخل ـ أن يضع يده على مفاتيحى لعله انتزعنى من غربتى كامتداد للفلاح الفارس ..جدى الأميرالاى(محمد عبيد) ، الذى مات والدى دون أن يعثر على جذوره ؛ ومن أين؟

    دعمت الجسور بينى وبين طلابى ..وأذكر وأنا فى أحد فصول الصف الثالث وأنا أتناول الثورة العرابية بالشرح والتحليل ،أن رفع أحد التلا ميذ أصبعه، ,قبل أن آذن له بالكلام اندفع قائلا" أنا جدى محمد عبيد". فقلت فى نفسى
    "طب كيف وأنا حفيده" تمالكت نفسى وقلت له "مااسمك؟" فقال " محمد عبد السلام على عبيد" فقلت وأين محمد عبيد قال" هو أخو جدى على " قلت فى نفسى "هل آن للجذور أن تنكشف؟!" قلت " يا محمد قل لأبيك إن حفيد محمد عبيد مدرسى فى المدرسة ؛ تعالَ هو عاوز يقابلك"

    وفى اليوم التالى كان هناك وفد من كفوربلشاى الحاج عبد السلام والد الطالب والحاج محمد عبد الرحمن ابن أخته مبروكة..والتى سمى محمد عبيد عمتى على اسمها..وواحد من قرايبهم عضو اتحاد اشتراكى..قابلونى فى مكتب الوكيل الأستاذ جبران ؛ ُثم أنتقلنا إلى مكتب( البيه )الناظر وبعد أخد ورد سمح لهم با صطحابى من المدرسة بعد التعارف بيننا..؛,و بزفةبسيطة ومحدودةإلى قرية كفور بلشاى ونزلت فى دوارأخته مبروكة ؛,وقد أراد ابنها أن يدخلنى عليها ،ولكن عضو الاشتراكى منعه ؛ وجاء ابن اخته بسيف التشريفة؛ ثم انتقلنا إلى دوار الحاج عبد السلام وهو ابن أخيه على وهناك وجدت سكينة القطع العرابية؛ وسناكى ، وطبنجتة ماركة الجبل الاسود من بلاد الصرب والتى جاء بهامن هناك ،وكان يحارب باسم السلطان..و كان هذا كله مخفيا فى خرجة البهائم مع بدلة من بدله الزرقاء.
    كان هناك فرق بين الدوارين ..، دوار أولاد أخته ،ودوار ابن أخيه..فذا دوار شيخ البلد أبوهم ، والأول دوار الذهب الذى حمل إليهم ليلة المعركة ..قبل أن يركب الشهباء ويطير بها تجاه الجبهة الشرقية ..سافر بها ولم يعد أحد يراه..أما المرتبات ؛ فقداستولت عليها اخته ..،وكان آخرها سوارة عند بنت الحاج محمد، وقد عرض أن يأتينى بها ،فرفضت.

    .وقد زارنا على موعدة هناك .. يوما الصحفى اسماعيل يونس حين كان يكتب كتابه عن محاكمات عرابى ونزل ذلك فى أخبار اليوم والتحقيق الصحفى فى مجلة آخر ساعة..

    .. .. .. ..

    مع بداية العام الدراسى الجديد69/ 70م نُقلتُ نقلا تعسفيا إلى كفر حجازى بنات بالمحلة الكبرى.ومن ثم كانت ضرورة عودتى إلى الشوربجى مرة ثانيه

    14ـ الشوربجى مرتان ـ2ـ


    داخلا من البوابة الخارجية ، وجدته فى ركنه المفضل ..كان إلى جواره أحد الوكلاء ..؛ تقدمتُ باتجاههمابين أحواض الزهور ..،والتى يزدان بها المدخل والفناء الخارجى ،فى تشكيل هندسى رائع..أحسست بالهدوء ،
    كانت الفصول غارقة فى العمل..لم يكن يقطع هذا الهدوء إلا صوت مدرس التربية الرياضية :واحد..اتنين ..، واحد اتنين..

    ألقيتُ عليهم السلام .. وأنا أسحب كرسيا ..
    قال الأستاذ عبد الحكيم وعليكم السلام..أى ريح طيبة ؟!
    قلت"قطار التاسعة"
    تساءل :أأحضرتَ معكَ خلو الطرف ؟!
    قلت" لم أذهب هناك .. وهذا مجرد استطلاع."

    ضحك متسائلا ".. لكن قل لى ..ماذا فعلت مع الناظرة ؟! حتى تقرش ملحتك هكذا.."" إنها هددت بإحالتك إلى النيابة الإدارية"
    "لاشىء أكثر من أنى أكره أن تترأسنى امرأة"" ولقد صارحتها بذلك "
    " أقلتَ لها هذا صراحة ؟! لاشك أنك مجنون"
    ".........."
    قطع الصمت مردفا "ياابنى هذا عمل ..سيان تترأسه امرأة أويترأسه رجل.
    ـ لايا حضرة الناظرالتعامل مع الرجل شىء ..ومع المرأة شىء آخر
    ـ نظرتك بهذا الشكل متخلفة
    ـ قد يكون ,..ولكنى أحمل بين أضلعى قلب أبى ، وكيف كان يتعامل مع أمى ..، وكيف كانت تضعه تاجا على رأسها..
    ـ يا أستاذ البيت شىء ..، والعمل شىء آخر.
    ـ يا أستاذى ..السلوك لايتجزأ.. إنك تطالبنى بالانفصام.
    ـ هذا ليس انفصاما وإنما تكيف..مرونة فى التعامل.
    ـ لم أتجهز لذلك ..ثنتا عشرة سنة وأنا قى مدارس البنين ..أعمل بحرية ، إنما فى مدارس البنات ؛ كل شىء بحساب: الكلمة بحساب ، الحركة بحساب..التعامل رقيق ..
    ورقيق جدا ..لا غلظة ..لا خشونة ..حتى مجرد رفع الصوت قد يخدش رقة أربعين فتاة ناهد..مدارس البنات عالم مختلف ..مختلف,

    ـ ورغم اختلافه ..هى مؤسسة تعليمية .
    ـ هى تختلف عن تكوينى ..عن طرائقى ..عن توجهاتى ، والخلاصة
    ـ الخلاصة يا أستاذ أنك جلف
    ـ لست جلفا ..؛ إنما أعتز برجولتى ..
    ـ وهل فى ذلك مساس برجولتك؟!
    ـ الرجال الذين التقيت بهم فى مدرسة البنات..عفوا ..الذين أمضوا كثيرا من السنوات فى العمل بها
    ـ كيف؟!
    ـ رأيتُ فيهم مستقبلى لو أننى بقيت .. أصواتهم بين بين ..تحركاتهم وحركاتهم بين بين ..جنس ثالث لاهو بالرجل ولا بالمرأة
    ـ لاشك أنك تبالغ
    ـ قد أكون واهمالكننى لاحظت أن التعامل معهم قد أصابنى بالتقزز..هذا لأنهم ذابو أ وتكيفوا فى مجتمع المرأة
    أما أنا كوافد جديد فما زالت خشونتى بكرا
    ـ لقد سمعت أنها اجتهدت فى إبقائك

    ـ قلت" نعم ..كانت آخر محاولاتها يوم الآثنين ما قبل الماضى..عندما حضر موجه المادة ..رجل أكل عليه الدهر وشرب..على وشك الدخول فى التقاعد ..، أبرز ما فيه بيريه أزرق.. قال فى اجتماع ثلاثى مغلق ..، وهو يميل بنصفه العلوى تجاهى ،كأنه يسر إلى"الدار بساكنيها"
    قلتُ "ولهذا أهرب"
    قال " التقرير الفنى امتياز السرى امتياز" قلت " ضحك على الذقون"
    قال " تدريس البنات أسهل "
    قلت " يا أستاذ جرجس الورقة الرابحة فى يدى ..إن احترقت ..؛ وقعت فى قبضتها إلى آخر العام " ٌقال "وماذا فى ذلك؟!"
    قلت "أىتوجيهات منها ؛..ولو بحسن نية ..سأرى فيها الرغبة فى إذلالى ، أو ممارسات لامتهانى كرجل".
    قال" حتى وإن كانت دون قصد"ٌقلت " حتى وإن كانت دون قصد".
    قال اشتغل دون احتكاك بها " ٌقلتُ "كيف؟!" " وهى رئيسى المباشر ..فضلا عن أن مدرسى الأول امرأة أيضا ..يعنى طبلت".
    قال "والنتيجة ؟" قلتُ"أنا فى وضع لا أحسد عليه".
    قال "وإن استمر؟!"
    قلتُ "لن أحضر "."وإن حضرتُ فرقعتُ كمدا".
    قال الوكيل وهو يتأهب للنهوض" ويخسر العالم بذلك مدرساجلفا "

    .. .. .. ..

    دق جرس الحصة الثالثة ..غادرنا الوكيل ..متجها للداخل فى خطوات تفقدية ..ألقى الناظر نظرة سريعة على ساعة معصمه..؛ ليتأكد..من انضبا ط جرس الحصة ..ارتفع لغط الطلاب ..يعلن عن الخمس دقائق الانتقالية(تغيير المدرسين)..عاد ما يشبه الهدوء مرة أخرى..انتظمت الحصة حضر فراش الإدارة ..رفع الفنجان الفارغ ..أشار إليه الأستاذ عبد الحكيم ليرى ماذا أشرب ؟! طلبت قدحا من الشاى أدفىء به معدتى .

    التفت إلى الأستاذ عبد الحكيم " لكن ..؛ كيف تصرفت مع التوجيه الفنى؟!
    قلتُ" لعبت معهم على المكشوف"
    ـ "كيف؟ّ"
    "ـ فى هذه الرة ..سيادتك تعرف إن التوجيه هو المدان..لم ينقلنى إلى المحلة الكبرى لصالح العمل كما ادعى ""أو لأنى تقدمت بطلب نقل إليها أوهى موطنى أصلا"
    " كان ذلك لمصلحة(،وجيه القمص) ,وكما تعرف سعادتك كفر الزيات أنسب موقع للسفرمن وإلى الاسكندرية ..أنسب مكان لهذا الشاب ليسافر يوميا ..
    وتذكر سعادتك إنه آخر العام الماضى نقل من الثانوية بنات إلى كفرمشله..لسبب نعرفه جميعا .."إذ كانت البنات بتوع الثانوية يسافرن معه أوله إلى الاسكندرية وقد غوى أكثر من بنت لكن تدخل أمن الدولةأنهى الأزمةواكتفوا بنقله إلى كفر مشلة.. وإن كانت تحقق له السفراليومى إلى الاسكندرية ..إلا أنه بمزيد من المشقة ..إذ يأتى منها أو إليها إلى كفر الزيات بقطار فرعى ..ولذا مع بدايات العام الحالى أسرع إلى التوجيه
    الفنى يناشد ويوسط ..وحلها الأستاذ ( عوض الله)..نقله بسيطة لأىبيدق يرتاح وجيه."
    "وكنت أنتَ هذا البيدق "


    15ـ الشوربجى مرتان ـ 3ـ


    ـ لكن لماذا أنا بالذات؟!

    نظر إلى الأستاذ عبد الحكيم بشىء من الدهشة " أهناك ما أجهله؟!"
    قلتُ " لم أشأ إخبارك من قبل "
    " فى آخر دورة العام الماضى ..قلت للأستاذ عوض ..هى المسألة بالقطارة ..ثلاث سنوات؛ وتقريرى الفنى ؛ 84،82،80،ألم أستحق الامتيازبعد؟!
    قال" الامتياز لم نرها إلابعد ما شبنا ..، وانهرسنا فى المادة ، وأنت لسه شباب والطريق أمامك طويل"

    هتفت ساخرا فى أعماقى " يا أبا جهل ..؛أما هذه فلا ..ليست لك؛ فأنت فاضى علميا ..، لاأعرف كيف تسلقت إلى التوجيه الفنى ..،مناقشاتك مع الطلاب ..تكشف أنك ضحل

    لمحنى أهز رأسى بنوع من القرف..، ربت على كتفى ،ونحن متوجهان إلى غرفة المادة ..،وبابتسامة زرقاء ..قال "ولماذا تريد الامتياز ؟ّ!"
    قلت بعصبية " حقى ..فرصتى للترقى ..؛ للإعارة ".
    اتسعت ابتسامة الرجل ..برقت عيناه ، "الامتياز ثمنه غالى"قلت بسرعة" الغالى يرخص لك" ـ وكانت تكثر من حول الرجل الإشاعات والأقاويل"
    قال وبدون تفكير" 100جنيه".
    قلت متهكما " ثمن جاموسة " .
    استمر فى سقطته .." وتسحبها لغاية عزبة أبو عوض"

    تأكد لى كل ما سمعته عن الرجل.. أحس الرجل بسقطته ..،حين شعر بعزوفى وانصرافى عن عرضه..ضحك مازحا ..ليمحو بطريقة ساذجة ما تأكد لى..

    "انتَ صدَّقت يا رجل " "هذا مجرد مزاح" إن شاء الله العام القادم.. امتياز"

    وفى العام القادم كان النقل إلى كفر حجازى..


    .. .. .. ..

    حين دخلت هذا الحصار الأنثوى ..تذكرت وصايا جدتى ،وحكاوى أبى بعد عودته من المسجد بعد صلاة العشاء..فهو مكتبتى الأولى..وكيف كان على الشاطر أن يجيد الخروج كما أجاد الدخول

    جمعت كل الخيوط فى يدى ..، وحين تأكدت أن الورقة الرابحة معى.. توجهت إلى المديرية ..وهناك تقدمت باستقالة لوكيل الوزارة مسببة: أستقيل لتعنت توجيه المواد الاجتماعية وتعصبه ضدى.
    دخلت إلى الوارد ..قيدتها فيه وأخذت عليها رقم القيد والتاريخ، وتسلمتهاباليد .ووقعت فى دفتر الصادربالاستلام..
    دخلت إلى التوجيه الفنى ..فى شقته الداخلية..دفعتُ بها إلى الموجه الأول:
    والموجه الأول.. رجل هادىء الطبع .. رزين ..ناعم ..إذا نطق؛ همس..وإذا تحرك ، كان كالطيف..وإذا لدغ ..؛فمن تحت.

    ضحك الأستاذعبد الحكيم

    وأردفت قائلا " فقد الأستاذ (فؤاد لطف الله )اتزانه.. بعد أن قرأ فحوى الاستقالة المقدمة للسيد وكيل الوزارة..، دفع بها بيد مرتعشة..إلى ساعده الأيمن(عوض الله)
    ..بعد أن قرأها..واجه الهجوم بهجوم مضاد..

    صاح " إن كثيرا منكم يضمر لنا الكثيرمن الكراهية..لكنى معجب بجرأتك .. كشفت لنا ما فى نفوسكم" .
    قلت بحدة "بل أنت الذى يجب أن يسمع ..إن تفكيرك بهذا الشكل تفكير مريض..إننا أبناء وطن واحد..نسيج واحد ..متساوون فى الحقوق والواجبات، حتى فى الحروب والثورات ..القذيفة حين تقش لا تفرق بيننا ..مسلمين وأقباط"

    تجمع على الصوت المرتفع أكثر من عضو من أعضاء التوجيها ت المجاورة انجليزى ـ علوم وغيرهما

    " أنا عاوزك حالا ..توضح لى ،وأمام الجميع ..لماذا نقلتنى؟؟"
    ثم أردفت " أنا لم أتقدم بطلب نقل" "فلماذا كان هذا؟""بعد شهر من بداية الدراسة، واستقرارها"
    قال" لمصلحة العمل."

    قلت بهدوء مصطنع " بل لمصلحة وجيه"
    اسقط فى يده ..فتح فاه ..لم تسعفه الكلمات..


    .. .. .. ..

    أسعفه الموجة الأول.."اهدأ يا أستاذ" "اجلس " "وكل مشكلة ولها حل "

    قلتُ ,وأنا أجلس على أقرب كرسى أمام مكتبه "أنا لا أقف فى وجه أحد ، ولا ضد مصلحة أحد.." " لكن لى أيضا مصلحتى.." "أمن مصلحتى أن آتى من أقصى غرب المحافظة إلى أقصى شمالها مرورا بطنطا مر الكرام ولا أدخلهأ؟!"

    "وكان نقلا بنقل أدخل طنطا ..على الأقل ..أوفر تعب السفر والمشقة والفلوس""هذا النزف اليومى"

    فتح الله على الموجه عوض الله أخيرا وقال" طنطا مقفولة"
    قلت " إذن الموضوع برمته أصعد به للسيد وكيل الوزارة ..ويحولنا جميعا للشئون القانونية "
    بسرعة ألقى الموجه الأول بالورقة التى أنتظرها.."نرجعك مدرستك ..على أن تسحب استقالتك"
    قلت وأنا أناور "لن أسحبها ..حتى تعطينى الآن أمرا كتابيا بالرجوع إلى مدرستى ."

    قال" يلزمنا على الأقل يومين تلاتة"

    تساءلت " ولماذا؟؟!!"
    قال "حتى ندبر بديلا لمدرسة البنات"" نطلع ملحق للنشرة".."وقد تصلكم يوم الخميس القادم"

    قلت أنا فى بيتنا حتى تصدر النشرة.

    عندئذ خرجت من التوجية والمديرية ..وانقطعت يومين عن العمل وها أنا ذا أتيت لكم اليوم مستكشفا.





    16ـ كفر حجازىلمرةليست الأخيرة


    قال الأستاذ عبد الحكيم" وتحسبا لهذا ..التقيت بناظرة كفر حجازى فى اجتماع المديريةقبل أمس..،تحدثت معها بخصوصك ..أصرت على أنها لن تخلى طرفك..، حاولت أن أثنيها لكنها ظلت على إصرارها..قلت لها سأقيمك بالعمل دون إخلاء طرف ـ وعلى مسئوليتى "
    .. .. .. ..

    دق جرس الفسحة ..قام يرحمه الله إلى مكتبه ..

    تدفق سيل الطلاب إلى المقصف ..الملعب ـ الحوش ..المكتبة ..حجرات النشاط.. حفنة نحو الإدارة..

    أطلت وجوه المعلمين ..سلا مات خفت الحرارة ..قمت إلى حجرة المادة التقيت بزملائى ..ترحيب حار ..استفسارات ..تساؤلات ..دار الحوار حول نفس الموضوع..دخل المدرس الأول الأستاذ المحلاوى..بعد السلامات أنهى إلىّ أن وجيه لم يحضر اليوم ، ,انه سوف ينقل للحديثة ،ويخل المكان لى ..

    هنا برز وجه عامل الإدارة مشيرأ إلىّ " البيه الناظر عايزك"


    قمت إلى مكتبه فى الجهة الشمالية ، كان السكرتيريعرض عليه البوسطة ..؛ حين لمحنى من تحت نظارة القراءة ..، رفع رأسه عن المكاتبات ،وقال " ألف مبروك ..النشرة وصلت " ..ودفعها إلىْ

    القيت عليها نظرة سريعة ثم أعدتها إليه ..
    نظر إلىَّ قائلا " نقيمك اليوم بالعمل ..أم السبت"
    قلتُ "إن شاء الله الأحد"
    صعدنى باستغراب
    قلت" يوم السبت أروح .. كفر حجازى"
    هز رأسه وابتسم .. فهمنى

    ثم أنسحبت ..مغادرا بقطار الحادية عشرة والنصف..


    .. .. .. ..

    فى السادسة والنصف من صباح السبت ..انتهيتُ من ارتداء ثيابى....قبل أن أخرج ..أيقظت ابن اختى(محمد)من زوجها الأول ـ،وكان فى السادسة والعشرين ـ قائلا له "تعال معى .. "" نحمل اللوحة إلى المحطة " "وكانت اللوحة ..بورتريه مقاس 2م ×2ونصف للشهيد عبد المنعم رياض.

    كان الطريق من البيت إلى المحطة ..يمكن قطعه من فوق جسر السكة الحديد .. لذا سرنا فيه تحسبا للشوارع والناس فى الطرقات
    قال "ألن تقطع تذكرة؟! "قلت "أقطع فى القطار "

    تركنى عائدا بعد أن دفع معى اللوحة إلى ردهة إحدى العربات الأمامية الخالية من الركاب نسبيا

    تحرك القطار فى السابعة وعشر دقائق..أثرت عدم السفر بقطار السادسة ..؛ حتى أتجنب ازدحام عمال الشركة ..والطلبة ،والموظفين.
    توقف القطار فى خمس محطات تباعا ..آخرها المحلة الكبرى ..فى كل محطة من ينزل أو يركب يريد أن يخترق تغليف اللوحة ليرى ماتحته..

    من ميدان المحطة ..استأجرت حنطورا .." افتح الكبود يا ابنى".
    أطاع الرجل ..
    قلت وأنا أركب "كفر حجازى "
    قال وهو يناولنى اللوحة " المدرسة"قلتُ " إن شاء الله"

    وضعنا اللوحة على أرضية العربة ،وقد برزت على جانبيها.
    قلت وقد صعد إلى مكانه ـ بعد أن رفع المعلفة ،..وأمنها فى مكانها ـ خد بالك ..؛ حتى لا تحتك بأى من الجانبين، ونحن سائرين..،"

    جذب اللجام ..لوح بالكرباج فى حركة انسيابية خفيفة، أحدثت فرقعة فى الهواء..وتحركنا مرورابالكوبرى السفلى..فشارع التعاون ..فالشارع الشرقى ..
    بدت أسوار الشركة ومبانيهاومداخنها ..بشكلها وعلاما تها المميزة
    انحرف إلى اليمين ليقطع الأسفلت الجديد ..؛ بين حقول الفول والقمح ..وبين ترعة القاصد (بحر شبين) ..،تناثرت على ضفتيها قمائن الطوب، ثم عرج إلى اليسار..عابرا القنطرة الخشبية لندخل بين الأسوارالحديدية للشركة ، ومساكن كفر حجازى..أخيرا توقف أمام مؤسسة الشهيد عبد المنعم رياض الاعدادية للبنات.

    استقبلنى بواب المدرسة ..حمل عنى اللوحة ..دخلنا ثم أغلق البوابة .
    تجمعت الدادات مزقن الغلاف ..كشف عن بورتريه الشهيد، قلت وأنا اتجاوزهن .. اصعدن بها إلى قاعة المحاضرات ..رفعتها على مقعدين ،وأسندتها على الحائط ..ثم قلت لإحداهن "نادى الست الناظرة".

    .. .. .. ..

    فى تنورة من صوف الفانلة ..تبدو فيها كاروهات كبيرة متداخلة الألوان، تعلوها كنزة صوفية سوداء سميكةمغلقة الياقة تشكل مع شعرها المنسدل الأصفر..،إطارا يبرز بياض وجهها المستدير..قادمة ..تهتز فى مشيتها..معجبة بنفسها والمركز القيادى الذى تشغله..رغم أنها لم تتجاوز الأربعين..، لم تخف عويناتها الطبية خضرة عينيها..اللامعتين ..اللتين تشعان ذكاء ودهاء.

    ما أن دخلت القاعة حتى فاح فيها عطر أنثوى نفاذ..يدير الرأس ..

    ران فى القاعة جو من السكون..بنظرة خبيرة راحت تتفحص اللوحة ـ كانت خريجة فنون جميلة .

    قالت: لماذا أحطت الوجه باللون الأخضر؟!
    قلت: رمز للحياة والاستمرارية ..
    قالت: ومن يدريك ؟!
    قلت : الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون.

    صمتت برهة

    واستأنفت " أكثرت من استخدام الزنك
    قلت "لكبر المساحة"

    قالت" لن ندفع لك أكثر مما أخذت "
    قلت" 10 جنيهات للوحتين بنفس الحجم ، الأولى لعبد الناصر بعد وفاته ..وتضعينها فى مكتبك ..وهذه هى الثانية دا ما يجيش ثمن الخشب المشدود عليه اللوحتين ."
    قالت "عشرة جنيهات للوحتين، وفقط ."

    قلت : اعتبريهما هدية أربعين يوما كنتُ فيهن على ذمتكم.
    قالت" والفواتير ؟!"

    قلت " والإيصال؟!"

    قالت "عند المحاسب "

    قلت "والإخلاء ؟!"

    قٌالت" كل شىء تحت".

    .. .. .. ..

    غادرت كفر حجازى ـ وبودى أن يكون للأبد، ولكنى عدت إليها متفقدا لسير العمل فيها وأنا مدير عام إدارة غرب المحلةالكبرى فى معية وكيل الوزارة بعد 27سنة ورأيت البورتريه ،ولكن امتدت له يد وتوقيع غير يدى وتوقيعى..

    غادرت فى نفس العربة التى أقلتنى إليها منذ دقائق ..مندهشا للسرعة التى تم بها كل شىء دون صدام ..

    زالت دهشتى بعد يومين ..حين توجهت إلى بنك مصرفى شارع البحر ..لأصرف راتبى عن ديسمبر 70م.. وبعد طابور طويل وصلت إلى الشباك ..قلت وأنا أخرج بطاقتى الشخصية (375) ..قلب الوظف أوراقه ..قلبها ثانية ..قال وهو يعتدل "لم يصل ".

    توجهت إلى المديرية (ماهيات) ..متجهما سألت الموظف" لماذا لم يصل المرتب إلى البنك .؟!"

    قال" أخطرت الست الناظر بإيقاف راتبك لانقطاعك" قلت "ولكنى نُقِلت"

    قال" الموضوع حوِّل للشئون القانونية"
    " انزل تحت ياخدوا منك كلمتين"
    "ويفرجوا عن راتبك."
    [/c


    17ـ صفر على الشمال


    لم أكف لحظة عن التفكير منذ خرجت من المديرية ، أحصيت كل ما كان فى جيبى ..، أحصيتهم ثانية لأتأكد..، ثلاثة جنيهات ونصف .. بالكاد تعمل اشتراك كفر الزيات لمدة شهر

    لن أعمل الاشتراك ..وماذا عن الالتزام الفندقى ؟! لم يعد التزاما فندقيا ..؛ بل أصبح التزاما أسريا بعد وفاة زوجها ..ولا معاش ولا خلافه إلاّما أدفعه أنا؛ وابنها الأكبر الذى يجرمعى العربة..
    ابنها الثانى تخرج فى الجامعة ولبس ضابط احتياط ..الباقون فى التعليم .

    إن توجهت إلى البيت الآن ستصطدم..كعادتها ..تستقبلنى جالسة فوق بساط فى الصالة ..بين الأريكتين الاستنبولى ..تطالعنى عيناها حين أدخل أول كل شهر.. من باب السكة ..تبتسم إن دفعت ..تتجهم إن لم أدفع.. وقد تنصب الحرب ..إنها تصبر على أى شىء إلاّ النقدية ـ ،وليس معى فقط ؛ إنما كان مع زوجها أيضا ..يرحمه الله.

    حاليا لها عذرها ..أعباء العيال ..ولا معاش ولو حتى ضئيل ..وخطوينا ضيقة..ما عرفناش نطلع لها معاش لا هى ولا ولادها؛ وهى مكتفية بما تأخذه منى ومن محمد ابنها الكبير..واهى النواية تسند الزير.

    .أنا ممكن أعطيها مما معى واقسم البلد نصين..اتنين جنية ونص ..نصف الالتزام لها .. واللى يفضل أسافر به كام يوم لحين صرف الراتب..(وكانت مدخراتى هذه الفترة ًصفر.. )

    لم أرق ماء وجهى من قبل بالاقتراض من أحد..محترم فى محيط عملى ..فى الحى الذى أقيم فيه فى بيت أبى القديم مستور أمام الجميع ..يعتقدون أننى من ذوى الأرصدة ..لكن زيجتين فاشلتان ..ومظهر خارجى وهندام بالا ضافة إلى مصاريفى الشخصية ..لاشك يقضى على أى مدخر ..

    ذات يوم لجأت إلىَّ أرملة صاحب مصنع للحلوى والسكاكر ؛ التى تباع مع الحمص فى مولد السيد البدوى ..طلبت إلىَّ رهن عقارها فى الحى مقابل خمسين جنيها..تفك بها حجز الضرائب على المصنع ..بلباقة اعتذرت ..وأنا أذوب خجلا..
    لاشك خُدِعتْ فى مظهرى المحترم ..،؛لكن مظهر المعلم ضرورة ..ليحافظ على كيانه. وصورته أما الأربعين قردا ..،فى كل فصل يدخله ُ..عليه أن يحافظ على مظهره حتى ولو لم يكن فى جيبه مليم واحد.

    ساقتنى قدماى إلى المقهى ، إذ كنتُ من مرتادى القهوة التجارية فى أول الجلاء..من ناحية ميدان الجيش .. مهموما جلستُ فى ركن ..، حيث لا يرانى أحد ..جاء الجرسون ..قلت باقتضاب (هات قهوة يا عدلى ) ..وأحيانا كنتُ أجاذبه قفشة أونكته ـ..حين قرأ على وجهى التجهم، ومظاهر الضيق ..فى صمت راح يحضر المطلوب ، وفى صمت جاء ووضعه أمامى وانصرف..

    أشعلت سيجارة ..حسوة قهوة ..بدأت أفكر أهدأ ..، ماذ جرى يا رجل؟!..هيه القيامة قامت ..، كلها ثلاثة أربعة يّام على أكثر تقدير وتقبض راتبك وتعطيها فى البيت كل اللى هيه عاوزاه..لكنها لن تصبر..
    آه لو كان عندها شوية إنسانية فى التعامل ، لما تحيرت إلى هذا الحد ..إنها سوط على ظهرى ..إلتزام أى نوع من الإلتزام تقصد ..؟!كان إلتزاما يوم لم يكن لديها من يتكسب ..
    اليوم لديها جوادان قادران على جر العربة .. صحيح إن أحدهما فى الجيش ..لكنه يتقاضى راتبه كاملا فضلاعن بدلات ضابط الاحتياط ..

    اخلع عنك هذا اللجام يارجل ..، وابحث كيف تستقر ؟! ..يكون لك بيت ، هكذا قالت أختك الصغرى ..،"تانى "..تانى وتالت ورابع ..لكن أحسن الاختيار..

    .. .. .. .. ..

    إن عدم تقديرى للأمور تقديرا واعيا وسليما ، هو دائما السبب فيما أقع فيه من مشاكل ..؛ حتى ورطتى الحالية ..ما الذى جعلنى أنقطع عن عملى ،وأعطى للناظرة الفرصة لتوقف راتبى..لأ خرج آخر الشهر صفر اليدين ، وأنا راجل ورايا التزامات ومصاريف ..منك لله يا عوض الزفت ..، لا ليس عوض الله وإنما هوأنت ..أنتَ السبب فى كل مانزل بك ..

    إلى متى ستظل هكذا ؟! تعلق أخطاءك على شماعة غيرك..،الفاشل فقط هو الذى يعلق أخطاءه على شماعة غيره!!

    أفق يارجل ،واعترف .. إنك أنتَ السبب فى كل ما حاق ونزل بك .. وكل ما وصلت إليه ..

    بالأمس القريب تخطيت الثلاثين ..،ألم يئن لك بعد أن تواجه نفسك ..، تتعقل ..تدع ما أنتَ فيه؟!لا فن ولا أدب سينفعك اليوم .. انظر ماذافعلت بك أهواؤك ؟؟!!أنظر أين أنتَ الآن؟!..لا مكان ..ماذا أنجزت ؟! لا شىء ..صفر ..، حتى أنت؟!..مجرد صفر ..بل؛ وصفر على الشمال..








    18ـوفتحنا ما كان مغلقا


    قمت وأنا أرتشف آخر حسوة لى ..حاسبت المقهى ..خرجت متوجها للبيت .. مستعدا للمواجهة..

    دفعت باب السكة..كانت تجلس فى باحة البيت .

    (.وباحة البيت فى ذات الوقت مكان الجلوس والتجمع وفى ركن منهامكان الدروس الخصوصية

    نفس الجلسة ..نفس المكان ..

    عاجلتها مارا " استريحى""المرتب لم يصل البنك"

    دخلت غرفتى وأغلقت الباب خلفى
    خلعت ملابسى ..، وارتديت منامنتى ..تمددت فى فراشى ..عيناى تبحلقان فى السقف..

    لابد وأن أرفع مرساتى ،..ولكن إلى أين؟! لا أعرف ..

    سمعت طرقا على الباب " الغدا جاهز " "لم أرد""

    دفعت باب الحجرة دخلت ..لم أعتدل ـ وكان من عادتى أن أعتدل إذا دخلت علىْ ـ فهى اختى الكبيرة ،وبمنزلة أمى وتتعهدنى منذ وفاة أبوى ..قبل العمل وبعده ..

    جلست على أريكة إلى جوار السرير الحديد البوصة ونصف .." لماذاتعاند؟؟" " قم للغدا " " اليوم من بكرة قريب "

    قلت" بكرة أسافر الشغل " قالت "يبقى بعد بكرة ".. قلت "ليس لدى رغبة فى الأكل "" من فضلك ..اتركينى أنام "

    خرجت ..أغلقت وراءها .. أدهشنى هذا التحول ..

    .. .. .. ..

    يبدو أننى نمت فعلا..استيقظت على صوت صغرى بناتها .."خالى ..خالى ""كلِّم " .
    تنبهت قائلا "ادخلى "
    قالت"خالتى أم سوسو ومعها رجل برة "قٌلت فى استغراب "أم سوسو "ٌقالت "أم سوسن "
    قلت ,وانا أقوم من الفراش .."هاتى لهم حاجة ساقعة " ونقدتها الثمن

    قمت إلى الحمام ..، غسلت عنى آثار النوم ..، خرجت إليهما ..، كانا جالسين فى الصالة على أحد الأريكتين ..جلست على نفس الأريكة إلى جوار الرجل ..مرحبا .."أهلا وسهلا "..تمتما معا .."أهلا بك".

    فترة صمت

    ُ مدت السيدة يدها ببطاقة درجات ..كانت لابنها الطالب بالصف الأول الاعدادى ..عليها دائرتين حمراويتين على اللغة الإنجليزية..والرياضيات ..قلت " بسيطة "ليس هذا هو المهم "

    ردت فى اندهاش "وما هو المهم ؟!"

    قلت "سوسن "
    قالت "مالها؟!"
    قلت دون خجل أو ارتباك "عاوزها ."

    قالت وقد برقت عيناها "هل تكلمت فى هذا مع الأستاذ مصطفى ؟!"" زميلك "" كلمنى من أكثر من شهر ".

    قلت "نعم"
    "يوم دخلته"
    "" ثم انشغلت بموضوع نقلى"
    "واليوم أكررطلبى .."

    "صحيح المفروض وإنه من باب اللياقة أن أجىء إليكم ..لكن هنا وهنا واحد"

    قالت "تفضل "

    قلت" أعطيكم كارت لتستعلموا عنى "
    قالت " سمعتك فى الحى تغنى "
    ساندها الرجل "
    إحنا ما جينا إلا على السمعة "

    تساءلت " وهل أخذت رأيها ؟! بعد ما كلمك مصطفى "
    قالت "أهى هنا فى أجازة "" تعال اتكلم معاها بنفسك".

    .. .. .. ..

    دب فى أنحائى نشاط عجيب ..قمت مستاذناإلى حجرتى ..غيرت ملابسى ... القيتُ نظرة على هندامى ,..وكانت أختى رغم انشغالها بعيالها ؛ ترقبنى..لم أعطها الفرصة ..وخرجت معهما إلى حى العجيزى .

    لم يكن سكنهم ليبعد عنا سوى خمس دقائق..ترجلناها فى تبادل للمجاملات

    كنت أعرفهم جيدا ..فأصولهم من حى الخادم الذى نقيم فيه.

    والخادم حى على أطراف الجزئية الجنوبية من مدينة طنطا ..وينسب إلى مؤسس الحى الشيخ على الخادم ؛ الذى كان سادنا لضريح السيد البدوى : قبض عليه على بك الكبيربعد أن فتح الضريح لمناوئيه ..فاختبأوا فى المقام ثلاثة أيام بلياليهن ..وما خرجوا منه إلا ّ بعد أن أعطاهم على بك الأمان ،ونفاهم إلى الاسكندرية ، حيث تخلص منهم بالقتل ..أما الخادم فقد مدوه على رجليه ، ثم حملوه وأولاده إلى القاهرة..، حيث أقاموا معه ..،ولم يبق لهم من ذكر هنا سوى المسجد والوقف واسم الحى .

    كان حينا هذا ثابت المساحة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها..، كان محصورا بين أضلاع السكة الحديدية من الجهات الثلاث..وكان يطلق علية أحيانا المثلث..

    طبع الحى ببصمته هذه سكانه حرفا وأمزجة ، وانصهارا وتباغضا سرعان ما يذوب فى المناسبا ت أفراحا وأتراحا

    كان معظم أهل الحى يعمل فى السكك الحديدية من أول العتال إلى سائق القطار ، ومن أول المحولجى إلى رئيس الأقسام .. وكانت فيلا المهندس ومازالت للآن تميز مدخل الحىالأمامى من ناحية كوبرىسكة قطار المنصورة ..بمعمارها وطرازها الإنجليزى ..، تمنعها أسوارها العالية من الإنصهار فى الحى ..

    وكان البعض يعمل فى ( كوبنيات الجاز ) وشفخاناتها ودوابها التى تجر فناطيس الكيروسين والمازوت إلى القرى المجاورة
    وتقع جميعها وراء الجسر الميت وهو اصطلاح أطلقناه على الضلع الثالث للمثلث ..لندرة القطارات التى تمر من فوقه..

    ومن يشذ عن هذين النمطين كان يحترف حرفا يدوية ..، لأن معظم الأسر كان يدفع بأبنائه فى سن مبكرة إلى العمل ..
    النادر كان يدخل المدرسة .. والأكثر ندرة كان يكمل تعليمه ـ

    كان هذا هو حينا الذى درجت فوقه ولعبت بين مرابعةوحواريه.. لم يتسفلت للآن..سوى الشارع الرئيسى منه ..وليس فيه من المدارس سوى الكُتاب،الذىتعلمت فيه طفلا ..شمس المعارف .. ، ليصبح مدرسة شمس المعارف الابتدائيةـ من مدارس التعليم الأساسى..

    هذا هو حينا بسكانه الخدومين فيما بينهم .. إلى أقصى حد .. والمشاكسين أيضا فيما بينهم إلى أقصى حد ..،لكنهم فى جملتهم طيبين إلى أقصى حد ..يعرفوننى جيدا كما أعرفهم..

    عرفت زوجها ( والد العروس) رحمه الله ـ يوم نقل من مرفق النقل العام بالقاهرة ..إلى طنطا..سائقا لأتوبيسات المرفق .. ليستأنف وأسرته مشواره إلى جوار عائلته وعائلة أصهاره.

    عندما دخلت ابنته مجال رؤيتى ..بوجهها الندى ِّ الصبوح ..وعودها الطرى اللدن ..تخطر على أوائل الرابعة عشر ..تهتز ضفيرتها الغنية السوداء المنسابة فوق ردفيها..، فتبدو ,وكأن أربعة عشر فنانا ..تعاونوا مخلصين فى إبداعها ..تبارك الخلاق العظيم ..
    وكنت يومها فى أواخر الخامسة والعشرين ،وأوائل السادسة والعشرين ..،وكنت لتوى قد طلقت فريدة ..،وبالسؤال عن الوافدة الجديدة ..وعرفت أصلها وفصلها ..تحدثت بخصوصها مع خالها (...) وكان صديقى ..، وكان يعمل فرازا فى بريد طنطا..
    ابتهج فرحا حين كلمته، وأبدى استعداده ..لنقل رغبتى لوالدها..، الذى اعتذر لصغر سنها و"أنها فى العَلام .."
    لم أكررطلبى ؛وانشغلتُ بمهامى ..لكنها لم تغب عن عين ملاحظتى ..

    كثير من أصدقائى يقولون :"إن لى عين الصقر "
    كنت ألحظ أنها تنخرط أكثر ..وتتفتح ،ويفوح عبيرها الأنثوى
    كلما جاءت حارتنالزميلتها (...) جارتنا
    خرجت يوما ؛ وهى فى الحارة تحدثت معها..,وكانتا لتوهما قد انتهيتا من دراستهما الاعدادية ..حاولت توجيهها لنوع التعليم الذى يتفق ومجموعهاالكبير ، ويتفق مع رغبيى ..لكنها كانت مصرة على التمريض
    "
    "التمريض مهنة انسانية ، لكنها فى بلدنا المتخلف لا تحظى بكبيراهتمام .."
    قالت "أنا مصرة على مدرسة التمريض .. ولا سبيل إلى الرجوع".قلت فى نفسى "هى تعرف ماتريد."واستدركت .."لكن اهتمى بنفسك جيدا "
    .. .. .. ..

    يوم زفاف زميلى مصطفى مدرس الموسيقى" .. وكنتُ معه قبل أن يخرج لاحضار عروسه قال ،وأنا أعدل له رباط عنقه "ألا تريد أن تتزوج ؟!
    قلت ,انا منشغل بهندامه ..ليس وقته"
    قال العمر يجرى ,اخشى أن يفوتك القطار .!
    قلت "المشكلة أنى لم أجد من تناسبنى أو أناسبها "
    قال "سوسن بنت حلال وخلوقة ولأنها فوق كده حلوة
    قلت مثلها فى بلدنا يُخطف خطف ..؛ فلماذا لم تتزوج للآن ؟!
    قال والدها توفى العام الماضى ..،وحملت جزءا من أعباء الأسرة .."قلت على هذا فهى ملتزمة .."
    قال "إنهم جيراننا تحب أكلم لك والدتها .قلت "ليس الآن."

    بعد زفافه انشغل كل بحياته



    19ـ لقاء فارق


    اجتزت عتبة بابهم لأول مرة ..وعبر صالة فيها ترابيزة سفرة مربعة وست كراسى ..دلفنا إلى حجرة متواضعة..جلست على أريكة استنبولى فى مواجهة الرجل ، الذى اتضح أنه عم حسين زوج عمتهم سكينة، والتى تقيم فى روض الفرج ، ويأتى من القاهرة مرتين كل شهر ليرى أولاده فى ميت غمر من زوجة ثانية. وبتكليف من العمة يمر عليهم ليطمئنها على أولاد اخيها المتوفى .

    دخلت الأم إلى الجانب الآخر من بيت دور واحد..بالإيجار..حجرتين بغدادلى بالمنافع ..تبدوان كأنهما جناح منفصل من بيت كالربع..الأصلى منه مكون من ثلاثة أدوارويقع على الشارع الرئيسى ، والثانى دورين ،ويغلق الثلاثة أجنحةثلاثة أبواب بسور يطل على الكوبرى السفلى؛ الذى يمرمن فوقه قطارات القاهرة الاسكندرية، والعكس ، وكذا منها إلى الزقازيق فالاسماعيلية وبورسعيد ..فطنطا هى سرة الشبكة الحديدية لوجه بحرى.
    وبين الأجنحة الثلاثة حوش ترابى واسع إلى حد ما.. ترتفع فى وسطه نخلة عالية تميل ناحية بيت الحارة..

    كان هذا الربع ملكا للحاجة فكتوريا ..قيل أنها قدست قبل أن يتوقف السفر إلى فلسطين ..وقيل أيضا أنها عملت أملاكها من الفايظ ..
    بعد أن قدست غيرت طريقتها فى التعامل.. يذهب المقترض إليها وغالبا ما يكون من أهل الحيين ( الخادم والعجيزى )أو الأحياء الجاورة ..إما معروفا شخصيا لها ،أو عن طريق أحد المعارف ..يتفق معها على المبلغ الذى يريد ..تحيله ليشترى سلعا من محلات بعينها..أقمشة ..جهازات عرايس ..خزين بيت ..فى حدود من عشرين إلى ثلاثين جنيه..تكتب الورق ضمانا للحقوق ..،الجنيه بجنيه وربع ..يروح المقترض المحل المخصص يشترى السلعة ،ثم يتركها.. ،إن كان فى حاجة إليها تذهب هى أو ابنتها ..تدفع التمن وتحمل البضاعة إلى بيتها ، فيأخذها المقترض من هناك ، وإن لم يكن فى حاجة إليها ..يشترى السلعة ..يتركها مكانها فى المحل ..يعود إليها ويبيعها ما اشترىبالمبلغ المتفق عليه ..تعطيه المبلغ ليقضى به حاجته ..كان هذا نوع من التحايل ؛ لكنه ربا .

    مضت فترة ..؛ بعد أن دخلت الأم إلى الحجرة الأخرى منفردة بعيالها ..بعدها سمعت اهتزازات متعاقبة لعبوات زجاجية على صينية ..،كأن مسا كهربيا أصاب أحدابرعدة شديدة متتابعة ..
    لاشك أنه ناتج عن انفعال العروس؛ التى ستقدم الآن لكشف الهيئة..،ابتسمت فى سرى ..، فالكشف كان قد وقع عليها من زمن .

    دخلت ..، فى العشرين من عمرها، محمرة الوجه ..فى ملابس البيت العادية .. روب كستور كحلى ذى وردة كبيرة حمراء..على منامة من نفس القماش رائع حقا أن تخطب عروسك فى ملابس البيت العادية دون زواق)
    تقدمت باتجاهى ، ترتعش يداها بما تحملان ..قدمت لى ؛ ثم لزوج عمتها..، وضعت الصينية على طاولة منخفضة أمامه ..
    دخلت أمها أشارت إليها بالجلوس..جلس الثلاثة فى مواجهتى..بعد أن افسح لهما زوج العمة مكانا للجلوس.

    كل منا كان تحت كشف الهيئة .

    كانت صبوحة الوجه ..بيضاء ..فرعونية الملامح..جميلة ..زاد من حلاوتها نبالة الحزن فى عينيها ؛ اللتين تشعان فطنة وطيبة ..،رفعت شعرها إلى أعلى فى بساطة متناهية..فى رقبتها طول محبب ..رشيقة ..لدنة ..فيها ثقة وحياء..، وإن داخَلَها شىءمن الانفعال..

    قلت لأكسر حدة الصمت " فى أى مستشفى تعملين ؟!"

    " فى زفتى المركزى "
    " على هذا تسافرين كل يوم "
    "لأ ..أستنى فى الداخلية طول الأسبوع "" وأجىء خميس وجمعة ".
    " من كل أسبوع "
    " إن لم أكن مناوبة "
    " ألا تريدين الانتقال إلى طنطا؟! "
    ردت أمها "ياريت يا أستاذ ..،على الأقل يهدا قلبى..طول غيابها أفضل مشغوله عليها..، لغاية ما ترجع"

    قالت "أناتعيين إبريل 70 " .." لايحق لى التقدم للنقل إلاّبعد عام ."

    قلت" وفيم تمضين وقتك ؟!"
    " أقرأ أكتب ..اسمع راديو ..؟أغسل ..أكوى ..نتكلم أنا والبنات"

    قلت "فماذا تقرئين ؟! "
    " مايقع فى يدى "
    "بالصدفة ؟!"
    "لا. بل بالتحديد "
    " لمن ؟!"
    "أجاثا كريستى "

    "ماالذى يعجبك فيها ؟!"
    " تشدنى عصبيا " .." بعدها أسترخى تماما ،وأنام ".

    " مادمت تحبين القراءة ..عندى مجموعات كثيرة ..تحت أمرك على شرط.."
    "ماهو ؟!"
    "نتناقش فى الكتاب بعد قراءته "
    ابتسمت فى ثقة ""موافقة "

    وهنا أشارت لها أمها لتقوم ، بحجة إعداد الشاى .

    حين خرجت تمتمت "على بركة الله "
    قال زوج عمتها " نقرا الفاتحة "

    قلت "نتفق أولا على الأساسيات "
    قال أناراضى ، وابوها راضى ."

    قلت " ماذا تريدون منى بالتحديد؟!
    ردت أمها" انت موظف ، وهيه موظفة ..جهزا مع بعض ..فالمعاش يدوب "

    قلت "موافق"الاتنين القادم أبعت لكم الشبكة
    قالت "مش ح نروح الصاغة ؟!

    انقذنى الرجل " الشبكة على ذوق العريس "
    قالت "تقيس دبلتها حتى.."
    قلت لأقطع خط الرجعة ..هاتى مقاسها.."

    قامت وأحضرت خاتمالابنتها ..جربته .. لم يدخل إلاّ فى خنصرى الأيسر.

    قلتُ وأنا أعيد إليها الخاتم
    "إن شاء الله الخميس بعد القادم ..نعلن الخطبة ..أما كتب الكتاب فمع الدخلة .."

    قرأنا الفاتحة ..انطلقت زغاريد مطاطية من الناحية الأخرى ..نهضت معتذرا عن الشاى..


    20ـ شمسى رابعة ديسمبر

    عجيب أمر هذه الدنيا ..كل ما فيها يسير وفق نظام دقيق؛ وتقدير محكم..
    سنوات وأنا موزع بين بين الوحدة والشقاء ..أعمل على تغيير واقعى ..
    أيام وليالى تفسخت خلالها بين ما أريد وبين ما هو مفروض..رحلة طويلة ..خطفت فيها مستقبلى من عين نسر ..كما يقول عواجيز الحى ..صعدت السلم الاجتماعى ،والوظيفى ، متنقلا بين التعليم الابتدائى والاعدادى ..وأخيرا بعد ارتباطين فاشلين ,,حسبا علىْ ..آن الأوان ..

    يا صبر أيوب !! لكن متى ؟! وأنا على الحديدة ..،ومرتبى موقوف ..
    "بنات الناس مش لعبة ""والرجل كلمة " "ماذا فى ذلك ؟!" الشبكة وموجودة "" مجرد تلميع فى الصاغة "والدبل حين يصرف الراتب ؛حتى وإن تأخّر..لن يتأخر عن أسبوع ..

    خرجت من بيت العروس فى العجيزى ..إلى ما فوق الكوبرى السفلى ..لأقطع ضلع المثلث الحديدى إلى حى القرشى حيث يقيم أخى الأكبر وعياله ..وابنته الوحيدة على الصبيان ..وهى زوج الضابط الطبيب الذى استضافنا فى معسكر البلاح أيام هزيمة67/م

    واتفقت معها أن تذهب مع عمتها ( أختى الكبرى ) بالشبكة؛ إلى العروس فى اليوم المتفق عليه ..
    وقد أخذت منهاالشبكة لتلميعها فى الصاغة على آخر الأسبوع ..

    كانت الشبكة عبارةعن سوار مضلع معقل كالحصير ..:كأستيك الساعة العريض ..يتوسطه مكان الساعة ..شمسة تتقوس إلى أعلى .. فتبدو كزهرة عبادالشمس ..توشك أن تتفتح ..تنتهى أشعتها بفصوص دقيقة من الزمرد( الكريستال) الأبيض والأحمر والأزرق فى تشكيل رائع وجميل ..

    كانت عيار 18 ط ..كنت شريتها لخطيبتى السابقة (المرسال) بتسع وستين جنيها والدبلتين كمالة الثمانين..وكنت قد أخذتها يوم فسخ الخطوبة واحتفظت بها عند بنت أخى ..0حتى جاء موعدها ومناسبتها..

    .. .. .. ..

    لم تكن هذه هى المرة الأولى التى أدخل فيها نقابة المعلمين ..فى ذلك المبنى المحدوف


    ..بعد أن نقلت إلى محافظتى، ووزعت على إدارة المحلة الكبرى ..، ومع هذا التوزيع بدأت رحلة التعذيب فى منافى وأصقاع المحلة الكبرى: قرى وعزب ليست على الخط الحديدى كى أسافر يوميا من وإلى العمل.. فضلا عن تقاضى مطلقتى نفقتها الشهرية ,ففضلت ان أنقطع عن العمل .."لا لى ،ولا لها.." فحولت إلى التحقيق ، وإلى لجنة شئون الموظفين ..لترى فىَّ رأيها..إما الفصل ،وإما حل مشاكل التوزيع..

    يومها ضاقت على الأرض ..فلا دخل إلا ماأبيعه من لوحات ، أوأرسمه على زجاج البوابات ..فى مقابل نقدى زهيد..إلى أن ينتهى الموضوع..

    يومها فكرت فى النقابة ..ولأول مرة ذهبت إلى فرعها..لأسحب استمارة قرض بضمان الوظيفة ..رفض السكرتير بحجة أن راتبى موقوف ..

    فخرجت منها أبصق على الأصل والفرع .

    دفعتنى قدماى إلى أقرب مكتب بريد ..، وفى خطاب مسجل إلى كمال الدين حسين ـ وكان يومها وزيرا للمعارف ونقيبا للمعلمين ـ

    أنهيت إليه تنازلى عن شرف الانتساب إلى نقابة المهن التعليمية ،وعضويتها والأسباب،وضمنت الورقة، التى تحمل السطرين ..بطاقة العضوية للنقابة..؛.

    بعد أسبوع استُدعيت برقيا لمقابلة مدير التعليم الابتدائى بالمديريةـ وكانت اللا مركزية لم تطبق بعد ـ

    أبرزت البرقية لمدير مكتبة ؛الذى أدخلنى فورا ,..معلنا عنى ..
    لمحت بطاقتى على مكتب المديرالأستاذ م.ع.، والذى ابتدرنى قائلا :"أهذا أسلوب تخاطب به وزيرا؟!"

    "وماذا كنت تريدنى أن أفعل ؟ّ"
    "أحقا ذهبت إلى فرع النقابة ، ورفضوا أعطاءك السلفة؟!
    قلت " اسألهم."
    أشار إلى بالجلوس ..وضغط زر مكتبه ..دخل الساعى ..، أمره "هات لى التركى"

    كان الرجل طويلا ..أبيض الوجه ..ذا أنف قانٍ..تنزلق من فوقه عوينات طبية ..يرتدى بنطالا من الصوف الجبردين .. وقميصا أبيض تتدلى على صدره رابطة عنق حمراء..وقد علق جاكتته الشركسكين البيضاء على شماعة جانبية ..لما خرج من وراء مكتبه ..كان فى قدميه حذاء أحمر فى أبيض..موضة هذه الأيام لكبار السن ..

    ودخل التركى ..رجل قصير القامة .أسمر البشرة ..فى فانلة (مونتجوت فرنساوى ) بيج ،وبنطال جبردين فيرانى ،وبنص بنى ..،وعوينات دخانية ،
    ابتدره المدير قائلا"هذا هو رجلكم "

    قال التركى وهو يجلس "لما يابنى لم تأت إلى؟!

    مستنكرا "ومن أنت حتى آتيك؟!"
    قال "أنا نقيبكم هنا "
    قلت"حال أحدهم دون ذلك".


    قال المدير مقدما رزمة أوراق للتركى .." افتح له محضرانأخذمنه ..كلمتين ..نردبهم على الرجل"

    ثم التفت إلىْ ""اسمك وتاريخ ميلادك وسكنك .. ومؤهلك واسم مدرستك ، ولماذا أوقف راتبك ؟!"
    قلت "مدير المديرية .."
    أشار الرجل إلى أن أصمت ..
    والتفت إلى الآخر " رد انت ..ياتركى "
    أخذيسأل، والنقيب يرد ويكتب بصوت عال ..لأسمع ..
    تأكدلى أنهما يفبركان ..بما يرضى مزاج السيد الوزير ..ويبعد بالمديرية والنقابة عن الإدانة ..أخيرا ..أمرنى بالتوقيع تحت ما كتب ..مادايده إلى ببطاقة عضويتى
    قائلا"إن احتجت إلى شىء مكتبى مفتوح"

    ذيل ما كتب ..بناء على ماسبق:
    1ـ يُصرف له قرض فورى.
    2ـ تُخصم أيام انقطاعه ،ويفرج عن راتبه.
    3ـ ينقل إلى مدرسة (.......) بالمحلة الكبرى.
    4ـ يحر ر من اربع صور الأصل للسيد الوزير .
    توقيع
    .( صورة للشئون القانونية ، صورة للماهيات ، صورة للملفات ، صورة للتعليم الابتدائى).


    دار كل هذا برأسى وأنا اتخطى عتبة بوابة مبنى النقابة؛ والذى كان ناديا للأجانب قبل حرب 56م

    اجتزت المدخل ،وأنا أقدم رجلا وأؤخر رجلا" لم يا رجل كل هذا التخاذل؟!"" احزم أمرك ..،وتوكل"

    فى خطوات متزنة ..؛وجدتنى وجها لوجة أمام أمين صندوق النقابه ..عرفته بنفسى ..مد الرجل يده مصافحا ، مستفسرا عن نوع الخدمة ..خاصة حين عرف أن خطوبتى الخميس ما بعد القادم: ظنا منه أننى ما جئت إلا لحجز الصالة ، فأوضحت له أننى ما جئت إلاّ لسحب استمارة قرض لتغطية شىء من المصاريف ..

    سحب الرجل استمارةمن أحد أدراج مكتبه قائلا" املأها واعتمدها من مدرستك ..، وتعال إلينابها غدا إن شاء الله ." "وألف مبروك".

    حمدت الله أن حفظ على ّ ماء وجهى ولم يلجأنى.. لا لزيد ،أوعبيد..، ولا للحاجة فكتوريا..
    غادرتُ بعد أن شكرت الرجل .. وفى قلبى مزامير الفرح ..ومشيت وقد أشرقت شمس ديسمبر.
    فى داخلى



    21ـ وهنا ألقيت مرساتى


    كان إقناع أختى الكبرىبالذهاب لتقديم الشبكة إلى أهل العروسة أمراضروريا..يستلزم جهدا ..حتى أحافظ على الترابط الأسرى أمام أصهارى الجدد..ذلك الترابط الذى انفصمت عراه منذ أمد..

    ناورتنى ؛ وأنا اعلم أنها من داخلها رافضة لخطوبتى هذه شكلا وموضوعا ..أعطيتها مصروف البيت ،وفوقه دفعة تشجعها على الذهاب ، إلاّ أنهاانتقبت وراء حرصها علىْ

    وبعد محاورة ومداورة قالت"أنت حر ..قال انصح صاحبك من الصبح للظهر "

    " ..وإن لم ينتصح "
    " خسره باقى النهار "قلت ,"واى خسارة فى ارتباطى بها؟ّ
    "ليست من توبنا "
    اندفعت كالرشاس" أى توب تعنين ؟!""توبك أم توبى ؟!""أم توب الآخرين "

    لقدعانيت منكم الكثير، وتحملت منكم الكثير ، حتى لكأنى يوسف العصر .

    إننا مجرد شظايا ..قد تجمعنا الجذور ..لكن لكل واحد منا توبه المفضل

    إن ذهبت ..أهلا ومرحبا ، وإن لم تذهبى ؛ فلن أعدم الوسيلة

    "ولكن"
    "لا تلكنى"."إن حرصك على الكام ملطوش آخر الشهر قد أعماك عن ضرورة أن يكون لأخيك بيت"
    هتفت باستنكار "أنا ،"
    قلت "ليس معنى ارتباطى بالخطوبة ".. "،أن أخرج بين يوم وليلة "

    انبعث فى صدرها الأمل، ولانت طالما ستذهب مع ابنة أخيها"عندئذ ..أعطيتها صدمة مشجِّعه


    يوم الاثنين ..قبل الشبكة بثلاثة أيام..ذهبتا بالعلبة القطيفة الحمراء ..إلى منزل العروس ..بعد العصر .

    بعد ساعة تقريبا عادتا ..لم ينقلا لى ما دارهناك ،واكتفتا بالقول ..أنهمااستقبلتا هناك بترحاب ..أضافت ابنة أخى "عروسك ..حلوة قوى ياعمى ".".باين عليها بنت حلال".

    .. .. .. ..
    " " "

    سافرت إلى عملى صبيحة خميس الخطوبة .. رغم اعتراض الأستاذ عبدالحكيم؛
    إذ عرض على أن آخذ الخميس أجازة .فقد يحتاجونى فى مشاغل الإعدادللخطوبة .

    رفضت ، موضحا أن كل شىء يسير فى مساره ، دون الاحتياج لى .. "وطلبتى أحوج لوقت قد أقضيه فى المنزل دون عمل".

    فى طابور الصباح ..؛ وقفت موزع الخاطر..بعض الشىء ..كنت أشرد مع كلمات الصباح المدرسية ومنها ..أفقت على دخولى الحصة الأولى وضاع انشغالى معها ،ثم تتابع الحصص

    فى فترات الفراغ..أسمع تبريكات الزملاء وقفشاتهم..بينما فى قلبى نوع من الأنس ..فاليوم أسمح باختيارى ، أن تصعد أنثى معى فى قاربى

    .. .. .. ..

    انتهى اليوم الدراسى
    وعدت بقطار الثالثة والنصف..لم أوجة الدعوة لأحد ..من زملائى ..فالحفل فى ظنى بسيط عائلى لايحتمل .

    من محطة طنطا فى حنطور إلى محل حجازى الحلوانى بالخان الجديد

    احضر عامل من داخل المحل ست علب جاتوه..فى كل دستتان ..كنت قد اتفقت عليها بالأمس ونقدته الثمن،ثم توجهت إلى منزل العروس.

    وأمام الباب الخلفى فى حارة حسن جمعة توقف

    كان هناك فرعان من النوروالبطيخ الملون ..فى الباحة الترابية ، ونسر مجنح فوق الباب المفتوح على الدلفتين ،فوقه نجمةمن النيون.
    وفى الباحة تناثرت وصفت كراسى الفراشة ..ثلاث أو أربع دست ..
    قرب الباب عند المدخل ..تحلقت جوقة من البنات الصغار ..حول سمسمة ـالأخت الصغرى للعروس، وهى تتقصع فى فرح طفولى يمينا وشمالا..على إيقاع يسندنه باقى الجوقه ..بينما يهزجون معا .."ييجى ع المخده
    ، واعمل يتغده ..ييجى ع السرير ،واعمله فطير ..ييجى م الزحام ، واعمله برام"

    تحركت أوتارقلبى ، وأنا أترجل أمام الباب ،لأفرغ حمولتى..

    لمحتنى الصغيرة ..توقفت عن الرقص وأطلقت زغرودة طويلة ممطوطة ..انتقلت العدوى لأترابها ..فى هرج رحن يساعدننى فى نقل الحمولة ..

    مشجعا وممتنا ..حملت البقية دالفاإلى الصالةالمدخل ..لأضع ما بين يدى فوق ترابيزة السفرة المتمركزة .. ،فى ركن الصاله قٌائلا "لِمَ كل هذا ؟!"

    أقبلت الأم تفوح من ملابسها رائحة الطبيخ ..ٌقائلة " أول فرحتى يا أستاذ..أول فرحتى"
    قلت "أين العروس؟! "
    "قالت" عندالكوافير "
    " ;
    كم تريدون من صناديق البارد ؟؟"

    "كل شىء موجود ..والحمد لله وبزيادة "" اذهب انت من غير شر ..حتى لا تتأخر"

    .. .. .. ..

    فى بيتنا ..كل شىءكان عاديا ..لا بهجة ..لا زرغودة ،لا أى نوع من الفرح ..أوالإحساس به

    تساءلت وأنا أعبرالباب المفتوح .."المكوى جاهزة؟"
    " كل شء جاهز عندك."
    " أحضر أحد من عند أخيك ؟؟!"
    " يأتى الجميع بعد إغلاق الورشة."

    .. .. .. ..

    قبيل المغرب بدقائق ..جالسا فى بدلتى الكحلى الجديدةنسبيا ، وفى حذائى الأسود اللميع ..،على إحدى أريكتى الصالة ..،متهيئا للخروج ..منتظرا تشريف أفراد العائلة الكريمة ـ إلا شقيقى الأصغر ،فقد كان فى ألمانيا الغربية ـ.

    تناهى إلى أصوات مداحين ،وإيقاعهم من مدخل الحارة ..اقتربوا حتى تحلقوا الباب ؛ وكان معهم صديقى الزجال خليل الغمرى ( والوحيد ؛ الذى دعوته ) ..بوجهه الحنطى المعهود ، وعوده الفارع ..، وجثته الضخمة ..وروحه الساخرة ، فقد كان زجالا ..يعمل سائقا بقطارات بحرى ..دخل من الباب ضاحكا " أربع شرايط على كتفى الشمال راكبين "

    فقلت مرحبا " يعنى لازم تيجى بالزفة ..يا عم خليل ؟!"
    استدار إلى مقدم المداحين ..مد يده بالنقوط ..
    فقالوا" وشووووووبش ..وعقبال عند الحبايب"

    فتحت أبواب البيوت والشبابيك فى الحارة ..أطلت الوجوه ..انهالت النقطة ..حضر المصور أصر أن يلتقط لى صورة مع المداحين الذين تحلقوا حولى..بعدها أخرجت لهم نقطة العروس ..

    عاودت الجلوس ..انبعج إلى جوارى خليل ، وفى مواجهتنا جلس المصور ..سرى فى البيت مس الهرج بعد أن حقنه خليل بمصل المداحين ..

    مال خليل على أذنى وأسر لى " السيد المصرى " مطرب الفرقة الشعبية؛ حين عرف أصر على المجىء ..وإحياء الحفل نقوط.
    قلت" مجاملا.. مردود لك ومردود لة".

    وحال وصول أخى الأكبر فى معية أسرته وصديقه الدرويش " محمود بطاطا"دون الاسترسال فى أمور الشعر والزجل..



    .. .. .. ..

    تحرك الموكب ..بالاتجاه المفروض ..الرجال فى المقدمه ..فالشباب والشابات، ُثم أختى وزوج أخى ..،اللتين تبا طأتا ..لتصنع فرجةتمكنهما من النميمة
    "يا اختى بلا نيلة ""هوه ده بتاع جواز "" كل يوم والتانى عاملنا زفة ""نفخة ع الفاضى ":"بكرة نقعد ع الحيطة "

    غمرتنا الأضواء المبهرة؛ قبل أن ندخل الباحة..
    تقدمت لجنةالاستقبال ..على رأسها زوج العمة وأزواج الخالات والأقارب
    أشاروا إلينا بالتقدم نحو الباحة الداخلية ..وللنسوة الطريق إلى الداخل

    ما أن جلسنا ..حتى أنهال فوقنا التراب من فوق النخلة....كيسان من التراب انهالا علينا من فوق الجناح ذى الطابقين ـ ، وقد علمت فيما بعد أنهما تسليطة من أحدهم ..كان يرغب فى الاقتران بالعروس ، لكنها .. رفضته !! ـ سرى نوع من الهرج ..ما أن انكشفت الأمور حتى أسر لى أخى أن أقوم وأنهى مراسيم الخطوبة..حتى يتمكن من العودة إلى الورشة التى تركها مفتوحة فى يد الصبية .

    قمت فاتحا طريقى بين أرتال النسوة ، وكراديس البنات ..،تحاصرنى الزغاريد يتبعنى المصور ..ومحمود ابن أخى ؛ الذى رفع عقيرته "صلوا على حضرة النبىىىىىى ."
    وأسر لأمها وعمتها هاتوا الشبكة ..وجلست إلىَّ عروسى فى المكان المخصص لها ..وفرقع المصور عددا من الصور ..

    تتابعت المراسيم ..لم تستغرق الربع ساعة..دارت بعدها أكواب الشربات وصوانى الجاتوه..وزجاجات الساقع..بعدها غادرنا أخى ودرويشه مهنئين ..

    افتتحت زميلاتها نوبات الرقص ..والتلوى التشنجى ..وبدأت تجارب الأصوات مما رفع من حدة زحام الحجرة ، ورفع من حولى حرارة الجو ..،فعلانى العرق ..فتحت رابطة عنقى ..أنقذنى وصول (السيد المصرى .)

    دخل فى صحبته عازفا كمان ، وضابط أيقاع يتقدم الأربعة أخوه المسلكاتى..
    فى خفة أفسح للجوقة ..يعاونه خليل ..بعد السلامات والتهانى ..اتخذت الجوقة مجلسها خلف المطرب ..سحب كرسيا ..،وضع عليه مقدمة يسراه ليسند عليه العود ..أخذثلاثتهم فى ضبط الأوتار ..رفع يمناه .. لحظة صمت..هوى بها ..، انتظمت الألحان فى "يوم سعيد"..انتهى ..تصفيق ..

    أحنى رأسه للحاضرين.


    22ـ القمرأخيرا ..يصعد قاربى


    فى الفسحة الأولى من صباح السبت ..؛جاءنى العامل"كلم المعاون".

    قمت إلى مكتبه إلى جوار السكرتارية .."خير".

    قال "اتفضل "..،ومد يده بخطاب وارد من الإدارة ، وكانت اللآمركزبة قد طبقت وقسمت مديرية التربية والتعليم بطنطا إلى تسعة أقسام
    قرأته ، وعرفت ما حواه ، وأننى صرفت علاوتين دون وجه حق،وأنه سيتم خصم جملة ما صرفت ..، بواقع ربع المرتب شهريا..، مع استمرار رفع العلاوتين.

    قلت "إيه ده ".؟!!.
    قال "لقد وصل هذا يوم الثلاثاء" ولقد نبه على الأستاذ عبد الحكيم ألا أعطيكه إلاّ يوم السبت ..اليوم ""حتى تنتهى من خطوبتك".

    أخذت البيان ..، وذهبت به إلى السيد الناظر ؛ الذى قال لى "اذهب للإدارة ، واستفسر من مدير الحسابات "


    خرجت ، إلى مبنى الإدارة ..بجوار مطافىء كفر الزيات..، وصعدت إلى الدور الثالث ..وهناك التقيت بالرجل؛ الذى قال لى"لقد سبقت دفعتك بعلاوتين "

    قلت "وكيف؟!"
    قال" يوم أعيد تعيينك كان راتبك يسبق مربوط الدرجة بعلاوتين "
    " لكنى كنت على رأس العمل ، والراتبان أيهما أفضل "

    قال" لقد أصدرت المالية قرارها.وبدأت فى تنفيذه".

    .. .. .. ..

    كانت أختى تعرفنى من وجهى وهيئتى..قالت "ما لك؟!!"

    قلت متنهدا " لقد رُفِع منى علاوتان "..،" مع خصم ربع المرتب كل شهر ..حتى أسدد ما صرفته بالخطأ".

    قالت " وش المحروسة "

    قلت لها "حرام عليكِ بها كان سيتم"،" ومن غيرهاكان سيتم ".

    .. .. .. ..

    المهم ..كان علىَّ ألاّ أستسلم ..
    صحيح ليس لى من الأمرشىء..وصحيح أن الخصم قد بدأ ..، لكنى مازلت فى يدى القلم .

    وبمذكرة تفصيلية ..كإعادة عرض على السيد رئيس الجمهورية أنور السادات ..أنهيت إليه فيها ماحدث ،وأنه جور على أصحاب الحقوق..وطالبت بإيقاف الخصم ،ورد ما استقطع..
    شهر ..اتنين ..تلاتة..وبعد خمسة أقساط تم استقطاعهم منى ..صدر القرارالجمهورى(وبالبنط الأحمر فى جريدة الجمهورية ـ فى الصفحة الأولى ): تتجاوز الحكومة عما صُرفَ دون وجه حق ،لمن حصلوا على مؤهلاتهم أثناء العمل ؛مع عدم رد ما تم خصمه.

    حمدت الله

    ثم حملت البشرى إلى عروسى التى أهمها ما حدث لى ومعى ..،وكنا قد بدنا نخفف من مصروف يدنا ..ونعوض العجز فى مرتبى ..عن طريق اشتغالى بمزيد من حصص الخدمات ..فضلا عن التوسع فى الدروس الخصوصية.

    وما ان انتهى منهاحتى أروح إلى خطيبتى فى بيتها ، وكانت قد نقلت إلى المنشاوى العام بطنطا ..

    ذات يوم ..وأنا عندها ؛وكنا فى الصيف ..أحسست بمغص فى معدتى ..، ولما شكوت لها ..، أحضرت لى قرص (أتروبين )،
    وكنتُ يومها قد تناولت فى بيتنا على طعام الغداء ..صحنا من البامية باللحم الضأن ..تناولت به ثلاثة أرغفة من الخبز البلدى..لأنها كانت محببة إلى..

    وكانت البامية كثيرا ماتزرع مع حدود حقول القطن ، وفى داخله مما يعرضها للرش بالمبيدات الكيماوية بالطائرات ..فتعرض كثير من الناس والبهائم للتسمم

    لكن الجسد الشاب يقاوم سريان السم ..وفجأة ..وأنا جالس معها بعد قرص الأتروبين ..أحسست كأن أحدهم بسكين ماضٍ قطع كابل الكهرباء فى دماغى ، وانثنى كوعى ذراعى الذى أرتكز عليه..وأنا أتناول البطيخ المثلج..

    فى لحظة الإفاقة قمت جريت على آخرى حافيا ، وكنت قد تحررت من حذائى ..إلى بيتنا، :كأنى أهرب من الموت.."مش عاوز أموت هنا " "أحسن أجيب لهم داهية "
    جريت على أسرع ما تسمح به الإفاقة .. وهى ورائى تمسك بى من وسطى.. وأنا أتطوح..عبرت الكوبرى السفلى، فالمطلع، فحارتنا ..فبيتنا..وصرخت أختى "فيه إيه؟! "
    وهبت واقفة وأولادها .. وكان أهل الحارة وراءنا يستطلعون الأمر ..

    أما أنا فلست هنا ،ولكنى من هذا الزحام ـ فالصالة لاموضع لقدم ـ صعدت على إحدى الأريكتين لأتنفس ..واقفاعلى قزحى كديك يُغتال..، وتذكرت الثلاثة من بنى اسرائيل ؛الذين سدت الصخرة عليهم باب الغار ؛ فتقربوا إلى الله بما عملوه من خير ؛ففرج عنهم ..

    عندها قلت فى نفسى "اللهم إن كنتُ فعلت كذا وكذا ابتغاء وجهك.اللهم فرج كربى "وبعدهاتهت فى عالم آخر..

    تنبهت ورأسى تخبط فى باب تا كسى..ثم تهت مرةأخرى ..قالو أنهم ذهبوا بى إلى المستشفى الجامعى أعطانى أحد أطباء الامتياز حقنة لامونال ..وقال النائب اذهبوا به إلى الحميات ،وفيها أحد الأطباء ..حاول اعطائى علاج الحمى المخية الشوكية ..رفضت أختى إلاّ أن يعمل لى بذل أولا .."فالذى لا يعرفه أحد إن اختى الكبرى كانت فيما مضى رئيسة تمريض حميات بنى سويف ..ٌقبل أن تستقيل وتتزوج"..فقال الطبيب روحوا به .. هوه ح ينام ويرتاح ..ويبقى كويس ..كان الكل مدرك تماما أنى أحتضر .

    لم تبدأ الإفاقةالفعلية إلاّبعدالفجر ..حتى ضحى اليوم التالى

    كنتُ أجىء من بئر سحيقة ..وأبدأ فى الصعود ،ثم أعود وأسقط ..ثانية..ما بين خمس إلى ست مرات يتكرر هذا ..وفى كل مرة يتسع فيها زمن الإفاقة ..، حتى خرجت نهائيا من

    البئر

    لكن شوفى والرؤية كانت مغبشة ..لكأنى أرى من خلال زجاج مصنفر .

    كان انسان عينى مفتوحا أكثر من المعتاد بما يدلل على التسمم ؛ الذى أدين فيه وزارة الزراعة، وجريمة رش القطن ..وأختى التى لم تغسل الباميه جيدا رغم أنها وعيالها أكلوا معى.

    ولقد مات من جراء هذه الأكلة جارنا ( أنور العطار ) تاركا بنتا وولدا وأرملة .

    خرجت آخر النهارمع خطيبتى ..ونحن نمشى فى شارع البحر ، أطل طبيب الامتياز من أحد الشاحنات متدليا .. ليتأكد أن الذى يمشى على قدميه هذا ..هو هو الذى كان يموت أمس

    .. .. .. ..

    أّذنت لنا عودتى من بئر الموت..أن يتعلق كل منا بالآخر..تعلقا عشقيا ، أسرعنا معه بتأثيث عشنا .. شقة متواضعة حصلنا عليها بفضل الله..مع انتقال ساكنتها مع ابنها إلى الاسكندرية..وكانت تقع على ناصية رأس الشارع الرئيس للحى..فى الدور الثانى ، وقد طلبت صاحبة البيت مقدما بسيطا ،تتمكن به إدخال البيت شبكة المجارى ..

    وقد طلبت إلى عزت عامل الملاريا أن يرش الشقة ليقتل ما بها من حشرات ..فكان ذلك مقابل أربعة جنيهات ..وبعدأسبوع سلمتها عبده النقاش ليدهنها نصف لوكس .مونة وأجرة..طلب خمسة وعشرين جنيها..كان من بينها الخمسة عشر جنيها؛ التى كانت جائزتى الأولى عن قصيدتى (معزوفة الفجر الغائب)، والتى تسلمتها من سعد الدين وهبه فى مسرح البالون ..

    وعدت يومها من القاهرة ، دون أن أستمربها حفاظا على صوتى..ونقائى ..بعد أن تعرضت فيها لسرقتين أحدهما أدبية ،الثانية ماليه..أنت تُذاع أو تُنشر ولك الشهرة ولنا المكافأة ..

    فى هذه الفترة نقلت إلى مدرسة الجمعية الخيرية الإسلامية بطنطا ,..فتوفر الجهد والما ل للانتهاء من التأسيس والتأثيث ..ومع فلوس الجمعيات ا نتهينا من الخشب، والفرش ، وأدوات المطبخ وخلافه ..

    وآن لنا أن ننتقل إلى عشناوحددنا منتصف يناير 1972موعدا لزفافنا

    وهكذا انتقل القمر إلى قاربى ..وأطل من شرفتى..[/size][/color]

    تم الجزء الأول (من السفر ,..فى عين نسر)25/6/2011م طنطاـ مصر ـ المجد الفضائية.





    السفر ..فى عين نسر

    الجزء الأول


    1ـ ولادة جديدة .

    2ـ زِمْرانالنخل .

    3ـ سارة .

    4ـ أسرة جديدة .

    5ـ وافد أخر.

    6ـ حروب أربعه .

    7ـ اللواء136جلابيب.

    8ـ كلنا صنعنا الهزيمة.

    9ـ امسك حرامى.

    10ـ المرسال.

    11ـفى أقل من شهر .

    12ـ المؤتمر الأول للأدباء الشبان.

    13ـ الشوربجى مرتان.

    14ـالشوربجى مرتان ـ2

    15 ـ الشوربجى مرتان ـ3

    16 ـكفر حجازى لمرة ليست الأخيرة .

    17ـ صفر على الشمال .

    18 ـ وفتحنا ما كان مغلقا.

    19 ـ لقاء فارق.

    20ـ شمسى رابعة ديسمبر .

    21ـ وهنا ألقيت مرساتى.

    22 ـ القمر يصعد قاربى .
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ


    بحمد الله

    تم الجزء الأول فى25/6/2011م

    وإلى اللقاء فى الجزء الثانى.


    [/SIZE]
  • سالم الجابري
    أديب وكاتب
    • 01-04-2011
    • 473

    #2
    أخي الفاضل علي محمود عبيد

    البداية مشوقة....سأعود للقراءة

    تعليق

    • على محمود عبيد
      عضو اتحاد كتاب مصر
      • 06-05-2010
      • 260

      #3
      عد وقت شئت

      تعليق

      يعمل...
      X