جمر الأربعين ...... خالد أبو حمدية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • منجية بن صالح
    عضو الملتقى
    • 03-11-2009
    • 2119

    جمر الأربعين ...... خالد أبو حمدية



    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته



    جمــرُ الأربعـين

    شعر: خالد أبو حمدية


    كُـفّ يـا بحـرُ شوَّقتنـي الضِّفـافُ
    ح
    ــنَّ فــيّ الـشـراع والمـجـدافُ
    لعـيـونٍ تـصـوغُ رمـلـي نُـضـارا
    فـتـبـوحُ الـصـخـور والأصـــدافُ
    كُـفّ، فـي شاطئـي بنـاتُ التّمنـي
    وربـيـعُ السنـيـن وهــي عِـجـافُ
    فلـيـالـيَّ سَـرْمــدٌ مـــن شـجــونٍ
    وجـمـارٌ إلــى الـجِـمـار تُـضــافُ
    صحـوةُ الأربعيـنَ نَصْـلُ حسـابٍ
    لـلـنـوايـا وتــوبـــةٌ واعــتـــرافُ
    وأكــفُّ الحـيـاة تَـبْــري سِـهـامـاً
    مــن ضلـوعـي تَسُلُّـهـا فـأخــافُ
    كـلّـمــا طــــارَ للـمـنـيـةِ ســهــم ٌ
    أنَّ قـلـبـي وعـانَـدَتْـه الـشّـغــافُ
    إيـهِ يـا عمـرُ يــا نَـديـم الخطـايـا
    خُنْتَ دومـاً حيـن الأخـلاّءُ زافـوا
    فَعـلـى أيِّ المستحـيـلاتِ نـبـكـي
    وبـأصـلابِـنـا تَــخــونُ الـنّـطــافُ
    مـا انتصفنـا مـن السّنيـن ففيـهـا
    غــولُ حُـلْـمٍ مَـواتُــه الإنـصــافُ
    وهـي عنقـاءُ مـن رمــادٍ تَجَـلّـت
    ريشُـهـا مَـهْـدُ عابـريـنَ تجـافـوا
    سَكَـنَ المـوتُ خَفْقَنـا مــذ سَكـنّـا
    ظُلمةَ الرَّحم ، حَـلَّ فينـا القطـافُ
    وهَـجَـرْنــا زلالَـــــه ذات طــيـــنٍ
    فاعترى الجَدْبُ نَبْضَنا والجَفـافُ
    إنّـه العُـمـرُ فـرجـةٌ بـيـنَ مـوتـي
    نِ ، رحـيـلٌ مـؤجَّـلٌ وانـصــرافُ
    كم صحارى هجيرُهـا شـاخَ فينـا
    وسَــــواقٍ مـيـاهُـهُـنَّ رُعـــــافُ
    وضَـــلالٍ قـتـامُـه شَـــعَّ طُــهْــراً
    وهـدايــاتٍ شَمـسُـهـا لا تُـشــافُ
    رزقُنـا الخَطْـوُ مــا قنعـنـا بــدربٍ
    لــو غَنيـنـا فَـكُـلُ عُـمــرٍ كَـفــافُ
    عِـبـرةُ الأوفـيـاءِ أصــداءُ وَجْـــدٍ
    فَهُـمُ مــن غَيـابَـة القـبـر وافــوا
    وأنـــا عَـبْـرتـي رهـيـنـةُ حــــزنٍ
    حَبْسُـهُ فـي سِيـاج جفنـي عَفـاف
    لا يجيء الزمان طـوعَ الأمانـي
    لـيــسَ مـاقــد نُـحـبـهُ أو نَــعــافُ
    شـمـخَ المبـتـدا ولـسـتُ مُضـافـاً
    مــا تـسـاوى بمبـتـداه المـضـاف
    ما تسـاوى الوصـالُ يومـاً بنـأي
    أجمـل الشـوق جـفـوةٌ وائـتـلاف
    سَكْـرةُ العيـشِ وِزرُنـا مـنـذ كُّـنـا
    ربَّ ذنــــبٍ نـعـيـمُـهُ الاقــتِــرافُ
    تلـك يـا بحـرُ حيلتـي فـي شِباكـي
    يَغلـبُ المـوجَ حِيلـةٌ لا اغـتـراف
    صحـوةَ الأربعيـن قيلي بكفي
    فـمــرايــاكِ غَـيـمُـهــا شَـــفّـــافُ
    ظَلّ لـي مـن صِبـاي كـرْمُ قَـوافٍ
    حـانــيــاتٍ وكــوثـــرٌ وسُـــــلافُ
    عـقــلُ شـيــخٍ وخـافــقٌ لـشـقــيٍّ
    فشـفـاهـي صَـبـابـةٌ وارتِــشــافُ
    شَـطَـحَ الشـيـخُ والمـريـد تفـانـى
    مــا لِـسِـرٍّ بـغـيـر ذاك انـكـشـافُ
    بيـتُ شعـري مَحَجّتـي - فبِنُسكـي
    يُحْرِمُ الحرفُ - وانتشائي طَوافُ


    التعديل الأخير تم بواسطة منجية بن صالح; الساعة 13-07-2011, 18:33.
  • منجية بن صالح
    عضو الملتقى
    • 03-11-2009
    • 2119

    #2


    قــــــراءة منجيـــة بن صـــــالـــح
    لقصيــــدة جمــــــر الأربعيــــــن
    للشــــــاعرخالـــــد أبو حـمديــــــة


    يسرقنا العمر و تطوينا اللحظات في ثنايا الأيام تكون حزينة أحيانا و سعيدة أخرى لا ندري إلى أين هي آخذة بأيدينا أو لعلنا ندري لكن نتناسى ليخف حملها عن كاهلنا و لا نفكر من أين أتينا و لا إلى أين نحن ذاهبون. نكون كورة ثلج لا ندري كيف وجدت نفسها على قمة الجبل لكنها تدري جيدا كيف تتدحرج خطوة تلوى أخرى وهي آخذة طريقها إلى أسفل المنحدر هو الإنسان كائن حي و كتلة مشاعر و فكر متحرك على أرض الخيال و الواقع يُخلق ليكبر, يشتد عوده يخال أنه المالك الوحيد للزمان و أنه فاعل في حياة يعيشها بالطول و العرض لا يردعه رادع و لا يحد انطلاقته أحد ليجد أن الزمن الذي بني كيانه حتى إشتد عوده هو نفسه الذي يأخذ منه ليجعله يذوي و ينكمش ماديا و معنويا ....هي سُنة حياة و حكمة خالق نعيشها في كل لحظة و لا نستطيع إدراك تمشيها و لا التصدي لفعل الزمن فينا والذي بحركة دائبة يقرض الوقت و كأنه يذيبه فينا لتبقى لنا منه أحداث إنتقشت في الذاكرة و مشاعر متداخلة تضفي علينا مسحة حزن أو فرح, لتكون لنا لحظات تكتبنا فيها الكلمة, و حال يعترينا يشكل مزاجنا, أقوالنا و أفعالنا, لنكون نحن و في بعض الأحيان آخر يشبهنا, أو غريبا ,عنا لا نعرفه حتى يفصح عن نفسه و يُعَرفنا بوجوده فينا ,هي النفس المتقلبة المزاجية السيمات تتفاعل مع الحدث, و خيال اللحظة لتنسج من الصورة و المشاعر المصاحبة, كلمات هي حكايا الزمان لحياة إنسان ولد ,عاش و مر من هنا و لم يبقى على الأرض غير أثار خطوه, و بعض بقايا من بقاياه .

    للزمان فلسفة و للحياة و الموت أخرى كامنة فينا نتعود عليها و نتعلم منها كيف نتغير؟ كيف نموت لنحيا؟ .... كيف نقلع عن أشياء ألفناها لنقتنع بأخرى ؟ كيف نتطور؟ و إن لم نفعل فسوف تتوقف الحركة الفاعلة,هو نوع من الموت يعترينا و كأنه يُعرفنا بنفسه لننتبه أننا أحياء و تدب فينا حركة الوجود من جديد و التي لا تتوقف... خلق الإنسان ليكون مستخلفا في الأرض يتعاقب فيه و عليه الزمان, ليتغير على مستوى الفكر و السلوك تموت خلايا, لتولد أخرى, تموت أفكار لتأخذ مكانها أخرى هي حركة الكون و الوجود بكل مفرداته المشرقة, و الغائبة الحاضرة, تتعاقب تعاقب الليل و النهار, لأقول هل نحن فعلا مدركون لهذه الحركة ؟ أم أننا نعيشها دون أن نعي وجودها فينا و معنا ؟ هل العقل الإنساني قادر على استيعاب هذه الحركة بإيجابية و التفاعل معها ؟ أم أنه غير قادر على الانخراط فيها و التواصل من خلالها ؟
    أسئلة تتلاحق تكون في أغلب الأحيان وليدة حيرة داخلية أمام حدث , فكرة حملتها كلمة و أفصح عنها نص لشاعر أتعبته مفردات حياة تحاملت على وجوده, فكانت هذه القصيدة للشاعر خالد أبو حمدية وهي بعنوان "جمر الأربعين" و التي شارك بها في مهرجان أمير الشعراء يقول فيها :


    كُـفّ يـا بحـرُ شوَّقتنـي الضِّفـافُ
    حــنَّ فــيّ الـشـراع والمـجـدافُ
    لعـيـونٍ تـصـوغُ رمـلـي نُـضـارا
    فـتـبـوحُ الـصـخـور والأصـــدافُ

    نختزل الجمال لنراه بعين أبدع الخالق رِمشها فخفق حبا , و نبض عشقا, لدهشة العين أمام روعة خَلق تتجلى مفرداته فينا و حولنا لنكون صورة وكلمة تعبر عن مشاعر إنسانية هي بحر صمت يسكننا أمواجه, مشاعر هادئة تارة و متلاطمة أخرى , أعماقه . در منثور يشرق على سطحه, ليتواصل النور بالنور و الجمال بآخر, للحياة كلمة و معنى و رمز يعيش داخلنا ليحيينا و بحر نعبره لنُعَبِّر من خلاله عن جمال يسكننا تعجز كلماتنا عن الإفصاح عنه و التواصل معه, فيكون الرمز هو المعبر عن رحابة المعنى, و فضاء الكلمة التي نحلق في أرجائها كطيور, و كنوارس عشقت السماء لتتواصل مع مياه البحر و تحتضن زرقة أمواجه المنسابة كزلال يروي عطش المعنى للوجود و التوق إلى الانعتاق و حرية منشودة على أرض قصيدة كتبها عشق شاعر, لصدق مشاعر تنثال مع الكلمات كشلال ماء في غابة وارفة الظلال لا يتوقف نبض الحياة فيها.

    هو البحر رمز الحب و الجمال و الحرية, و فسحة أمل رحبة للقاء منشود مفقود وهو العشق للتأمل و السكون و الرمز لتجلي صمت الغيب فينا الزاخر بحياة تحيا في أعماقنا و لا ندرك وجودها بالعقل الواعي لها مفرداتها التي تفصح عن ذاتها في لحظة صفاء تتجلى لنا في ساح الأبجدية ليكون للمفردات وجود و للغة منطق يأخذنا إلى عالم الشاعر المشبع بالرمز فهو البحر و المركب و المسافر و السفر, إلى عالم تختفي فيه الكلمة الشاعرة ليكون المعنى هو المسيطر على وجود الرمز . تفقد الكلمة وجودها المادي على أرض الأبجدية لتصبح معنى قادر على بناء فكر و صور يخترعها خيال الشاعر لها بيان ساحر, يأخذنا إلى غيب يتخلق في وجدان مشاعر إنسانية تبحث لنفسها عن موطئ قدم على أرض قصيدة ,هي شاطي على ضفاف بحر وهي بحر شاعر أعياه السفر ليحن من جديد إلى شراع و مجداف..... البحر يجذبه و الشاطئ يغريه ليكون بين شد وجذب لا يعرف أي اتجاه يولي وجهه شطره هي حيرة وجود , و جنون بوصلة فكر لا يُعرف لها مستقر.
    للبحر مد و جزر في وجدان شاعر يعيش غربة وجودية, هي جمر سني الأربعين أحرقت لحظات ماض لتأجج شوقه لمستقبل هو أمل مؤجل, و غيب مطلق, يختفى في ثنايا الأيام و الليالي و كأن العمر يسحب بساطه من تحت أقدام شاعر لم يستوعب بعد الحياة , لم يرى فيها غير جمر خاله نورا فاذا به نارا أحرقت سني عمره الأربعين.

    نراه يلتجأ للبحر و كأنه يريد أن يطفىء لهيب جمره فيه فإذا بالشوق يحدوه ليصبح الشراع و المجداف و حنين يأخذه في طياته لتكون للعين نظرة و نضارة تعيد صياغة الوجود. فللصخور بوح و للأصداف إشراقة و تجليات و يقول الشاعر :
    كُـفّ، فـي شاطئـي بنـاتُ التّمنـي
    وربـيـعُ السنـيـنِ وهــي عِـجـافُ
    فلـيـالـيَّ سَـرْمــدٌ مـــن شـجــونٍ
    وجـمـارٌ إلــى الـجِـمـار تُـضــافُ

    حركة البحر تكون كأنها نفسها حركة الشاعر, ليطلب منها التوقف على شاطيء أرضه العطشى أمنيات, هي بنات فكر أضناه الشوق إليها و أتعبه السفر في مسالك حياة ربيعها سنين عجاف و كأنه يتنقل بين أرض قاحلة في حاجة إلى الماء , و بين شاطيء له بحر ممتد في المدى ليكون لمائه ملح هو قحط أرض سني قفر الفقر .....

    يزاوج الشاعر بين المعاني ليكون للكلمات تواصل و تداخل رغم ظاهرها الغير متجانس فإبداع الشاعر حاضر ينتقل منه به الى الحديث عن الليل و سرمدية وجوده ليكون الشجن فيه مقيم و للشاعر نديم , يضيف لجماره جمارا تلهب شوقه أو ربما تحرق أيامه و لياليه ليختفي التمنى, و تفتح جمار الخطايا أبوابها أمام شاعر يتقاذفه شجن و تمني ليالي السنين العجاف و يقول الشاعر:

    صحـوةُ الأربعيـنَ نَصْـلُ حسـابٍ
    لـلـنـوايـا وتــوبـــةٌ واعــتـــرافُ
    وأكــفُّ الحـيـاة تَـبْــري سِـهـامـاً
    مــن ضلـوعـي تَسُلُّـهـا فـأخــافُ

    في الأربعين تكون رسالة الأنبياء و كانت صحوة شاعر هي استفاقة نائم على وَقع خطى أيام و ليلي, تخرج من حياتنا دون عودة تأخذ معها أحداثا و مشاعرنا المرافقة لها لتترك فينا أثرا ينتقش في ذاكرة , و لحظة فرح أو حزن مع حسرة على وقت ضاع منا و كأنه لم يكن, هي وقفة نحاسب فيها النفس و نواياها التي لم تكن دائما سليمة وهي ازدواجية فكر و حال و مقال عشناهم و لم ننتبه لمآل يقصر مداه بمرور الأيام, لنجد أننا أمامه و قد حان الآوان.... وقفة تجعلنا نخاطب النوايا لتعترف و كأنها آخر ليست نحن من فكر بها و لا من أقدم على تنفيذها ربما تتوب و تقلع عن غيها الذي تبنت مفرداته... فللفكر توبة و للإنسان أوبة و كأنها يقظة نائم و استراحة مقاتل أتعبه قتال طواحين الهوى ...هي رحلة الإنسان الدون كيشوتية و التي يقضيها يركض وراء سراب يخاله حقيقة و ما هو إلا خيال واقع ....هي صحراء النفس القاحلة و التي يضنينا عطشها نحسبه ارتواء و ما هو إلا ملح بحر يرسب في الذاكرة ليكون له بيان سالب لهوية الإنسان و حقيقة وجوده.

    للحياة أكف تصنع سهاما و تَبريها من ضلوع شاعر هو رحالة عبر الزمان على أرض هي منه يصنع من أشجارها قوسا لسهم صيد ليجد أن للحياة آخر تصنعه من جسد أقامت بنيانه الأيام ليتملك الشاعر الخوف عندما يراه يذوي كوردة بعد قطافها و يقول:

    كـلّـمــا طــــارَ للـمـنـيـةِ ســهــم ٌ
    أنَّ قـلـبـي وعـانَـدَتْـه الـشّـغــافُ
    إيـهِ يـا عمـرُ يــا نَـديـم الخطـايـا
    خُنْتَ دومـاً حيـن الأخـلاّءُ زافـوا
    التعديل الأخير تم بواسطة منجية بن صالح; الساعة 11-07-2011, 13:52.

    تعليق

    • منجية بن صالح
      عضو الملتقى
      • 03-11-2009
      • 2119

      #3


      للمنية سهام تطير حاملة معها لحظات حياتنا و أحداثها المشبعة بالمشاعر المتداخلة, ليكون للقلب أنين تعانده الشغاف , و كأنها لا تريد الاعتراف بالحزن و الألم النابض فيه وهو المعتاد على احتضان أجمل المشاعر هو الحب الذي لا نقبل أن يموت و لا أن يختفي من محيط و كون أحببنا كل مفرداته المتحركة على أرضه هو قدر محتوم لا يريد الإنسان الاعتراف به و لا تصديق وجوده . أسئلة وجودية نعيشها و لا نريد التفكير فيها لأنها غيب له غموض نخاف منه و كأننا بعدم تفكيرنا فيه نؤجل وقت استحقاقه هو بساطة تفكير أو ربما قصور العقل على استيعاب ما وراء الحياة أو هو الخوف القابع فينا كغول متأهب للتوثب كلما راودتنا أسئلة تبحث في ماهية الإنسان ووجوده يحتلنا فيكون الحاجز الواقي بين الإدراك و معرفة حقيقة هي وحدها قادرة على أن تجعله يتلاشى و يضمحل من حياتنا.

      يشعر الشاعر بحسرة على عمر كان نديم خطايا, هي جمار سني جمر الأربعين لها نار حارقة وهي ندم , اعتراف و لهيب شوق لآت لا يعرف ما تخفيه ثناياه و هو حنين يحدوه إلى شاطيء بنات التمني لعلها تتحقق . يعترف الشاعر بحسرة المحب الوفي أن للعمر خيانة و للأصحاب زيف ليتشابه الإنسان و الزمان و رفقاء الطريق, هي منظومة حياة نعيشها بكل مفرداتها السالبة و المقيمة فينا تسكننا لنجسدها على الأرض فللواقع صورة طبق الأصل منا و كأن الخيال يهزأ من وجودنا ليقول أنا مركبكم المسافر بكم إلى عالمي عالم الزيف و السراب تختفي من أمامه الحقيقة مخافة أن يفترسها جهلكم بها و يقول الشاعر:

      فَعـلـى أيِّ المستحـيـلاتِ نـبـكـي
      وبـأصـلابِـنـا تَــخــونُ الـنّـطــافُ
      مـا انتصفنـا مـن السّنيـن ففيـهـا
      غــولُ حُـلْـمٍ مَـواتُــه الإنـصــافُ
      وهـي عنقـاءُ مـن رمــادٍ تَجَـلّـت
      ريشُـهـا مَـهْـدُ عابـريـنَ تجـافـوا

      للشاعر وعي بحقيقة وجود تسكنه تغذي طموحه و التمنى لحياة أفضل لكن رداءة الواقع المزيف لها حزن آخر يسكنه لنراه يتقلب بين حقيقة و خيال, ليكون وجوده الإنساني الفاعل مشبع بحزن يدفعه إلى البكاء على مستحيلات تحيل حياته إلى شجن سرمدي لا يستطيع التخلص منه ففي الصلب خيانة نطفة.... كيف التخلص منها أو تقبل وجودها ؟ سؤال مُتعب يكون جوابه مستحيلا يزيد في معاناة شاعر إنسان له وعي بحقيقة و آخر هو ظِلها الجَاهل بها, كيف له الخروج من جهل يشقيه إلى نور يسعده؟ نجده يتحسس طريقه على أرض قصيدة حمَّلها شقاء حياة و أماني لحظات يقظة .

      للسنين ظلم, و للحلم غول, يلغي وجوده الإنصاف لندرك أن حياتنا وهم و خيال واقع ظالم كلما فقد منه العدل كلما استشرى فيه الجهل و طمس معالم حقيقة وجود الإنسان و مقوماته الفاعلة في الحياة و المثمرة لعمل يعطي قيمة لوجوده .
      أبدع الشاعر رسم واقع فكان له ريشة فنان و خيال فكر واعي بحقيقة واقع إغترف من زيفه طوال سني عمره ليستفيق و يقول أنها كانت غول حلم فيه الخوف و التمنى لمستحيل لا يتحقق ليكون الوهم حاضرا بكل مفرداته على أرض فكر الإنسان و الواقع لنكتشف أننا نعيش داخل صحراء هي في الواقع سراب ليس له مدى, يلهبنا عطشها نركض وراء ماء نفتقده فينا بينما نراه ينساب من عين جارية على أرض غابة تحيط بنا لكننا غير قادرين على رؤيتها و لا الارتواء من ماء, هو حقيقة معرفة غائبة عنا, حاضرة في الوجود فللعنقاء حضور مذهل في واقعنا ليقول الشاعر أنها من رماد لها ريش هو مهد لعابرين أطاح بمشاعرهم الجفاء. خيال خصب لشاعر إستفاق وعيه على عتبات سنيه الأربعين أمام وقع دوي خطى واقع أفزعه فكان الشعر مثواه يضرجه حزن شاعر ,على أرض قصيدة عبر بها من صحراء وجود إلى بحر حقيقة جلس على شاطئه يتأمل مرور الأيام و الليلي و سني عمر تلاشى وجودها كما أحداثها لتبقى منها لحظة ذكرى و تنهيدة حسرة و ألم يعتصر القلب لتنزف الكلمة دمعها لعلها تضمد جرحا و تروي عطشا مزمنا و يقول الشاعر:

      سَكَـنَ المـوتُ خَفْقَنـا مــذ سَكـنّـا
      ظُلمةَ الرَّحم ، حَـلَّ فينـا القطـافُ
      وهَـجَـرْنــا زلالَـــــه ذات طــيـــنٍ
      فاعترى الجَدْبُ نَبْضَنا والجَفـافُ

      يرسم الشاعر حقيقة وجود الإنسان الكامن فيه هو البيان القرآني الذي تعيش مفرداته فينا هناك إختلاف كلي بين ما يستوعبه العقل ليرسب فيه كمعلومة تُخزنها الذاكرة و بين معلومة نستوعبها لتحيا فينا فنحيا بها و معها هذا هو ما يعيشه الشاعر القدير خالد أبو حمدية على أرض القصيدة فإحساسه بوجود الموت هو شعور عميق يعيش فيه ليعي وجوده الحي و يدرك بعقل واع أن الموت رفيق دربه و حادي أيامه و لياليه يسكننا الموت مذ سكنا في رحم أم ولادة تَحملنا لتخوض بنا الحياة فيكون لنا مخاض ولادة آخر و مخاض موت مؤجل.
      كيف نتعامل معه ؟ كيف نعيشه ؟ هي أسئلة تحثنا على التفكير و التامل في الوجود الإنساني في الخلق و الحياة و الموت لأقول أننا نعيش مفاهيم وجودية, بخيال الواقع و ليس بخيال الحقيقة, فالموت الذي يعيش فينا نترجمه على أرض الواقع ليفقدنا الحركة الفاعلة في الحياة ,يتركنا ننتظر حتمية المصير و نحن غارقون في لذة نخالها حياة, بينما هي موت يقتل فينا قيمة إنسانية لا يمكن أن نحيا بدونها .

      لظلمة الرحم نور روح, تسكن نطفة تحمل في طياتها علم غيب, ووجود إنسان لا يدرك متى يرى الحياة, و لا متى يفارقها, مدى سعادته و شقائه, هي حياة انتقشت فيها مفردات إنسان لا يمكن له إدراكها ليكون الحامل لها الجاهل بها ,لا بد أن يصدق بوجودها دون أن يعرف فحواها لكن الإنسان ظلوم جهول يتناسى حقيقة وجوده و التي تحمل لحظات فرح أيامه يتناساها, ليعيش شقاء مستديما, سببه جهله بهويته الإنسانية الفاعلة في حياة هي فيه نابضة, تنتظر لحظة تفعيل رسالتها على أرض واقع يسكنه خيال و وهم خوف, نعيش لحظة قطاف ثمارنا, نسعى إليها حثيثا دون إدراك و لا دراية لمآل لا نعرف أين؟ و متى؟ و كيف يكون ؟

      تشبث الإنسان بطينة خلقته المادية, ينسيه زلال ماء هو مكون رئيس لكيانه الإنساني المادي يقول تعالى و جعلنا من الماء كل شيء حي.
      للإنسان حياة تكمن في جسد مادي له روح و فكر حي و رسالة و حركة فاعلة على الأرض فللعقل حياة نابضة هي معرفة و حقيقة يحيا بوجودها و يموت بفقدها عندما يتربع الخيال على عرش العقل و يطمس بصيرة قلب هي مرآة صقيلة تنعكس عليها رسالة تكون أمانة تنتظر أن نؤديها .
      يعترينا الجدب و الجفاف عندما يتبخر ماء الحياة منا و لا نتقبل رحمة مطر سماوي يروي عطش عقل لفكر ينمو به و يموت بفقده و يقول الشاعر :

      إنّـه العُـمـرُ فـرجـةٌ بـيـنَ مـوتـي
      نِ ، رحـيـلٌ مـؤجَّـلٌ وانـصــرافُ
      كم صحارى هجيرُهـا شـاخَ فينـا
      وسَــــواقٍ مـيـاهُـهُـنَّ رُعـــــافُ
      وضَـــلالٍ قـتـامُـه شَـــعَّ طُــهْــراً
      وهـدايــاتٍ شَمـسُـهـا لا تُـشــافُ

      للعمر فرحة تكون بين موتين الأول مؤجل لا يعرفه غير الخالق و الثاني هو انصراف عن ملذات نعاقرها تقتل حركة الإبداع فينا و نكون كجثة هامدة لا يحيها غير الانصراف عن هوى جهل دامس و هوى طامس لمعالم فطرة سليمة تكمن فيها حقيقة وجودية نركض ورائها على أرض الزمان بينما هي كامنة فينا لغياب المعرفة . صحاري و قفار يقتلنا عطشها و يسبينا جمالها لننساق وراءها , لذة عيش تشيخ فينا فلا نقدر على التخلي عنها لتصبح سيمة وجود و حقيقة واقع هو خيال راكض بنا على فرس جامح يقودنا إلى مصيرنا المحتوم دون إدراك منا لمعالم طريق نسلكها قطعنا فيها تذكرة قطار لا يعرف طريق العودة ....

      لصحراء الفكر هجير, و لسواقي المياه رعاف, يدمى له القلب لينزف على ما ضاع منا من لحظات عمر و ليالي عشنا فيها جهل أمات فينا حركة الحياة القادرة على الخروج بنا من جب يوسف و سجن امرأة العزيز و قصر فرعون موسى ليكون لنا زواج بابنة شعيب و خلع نعلين قبل إشراق نور قبس الكلمة الروح ...... هذا التمشي هو حقيقة وجودية انتقشت مفرداتها في البيان القرآني لتكون تاريخ رسالة و معالم هداية. للضلال قتامة تشع طهرا نخالها طريق نجاة و إذا بها موت حياة و أما الهداية التي ننتظر فشمسها لا تشاف.....

      للغيب إشراق على حقيقة وجود و للجهل ظلام على خيال واقع نعيشه على أنه حقيقة بينما هو سراب نقضي العمر نلاحقه و يقضي الموت نفس الأيام يلاحقنا فيها و يقول الشاعر:
      رزقُنـا الخَطْـوُ مــا قنعـنـا بــدربٍ
      لــو غَنيـنـا فَـكُـلُ عُـمــرٍ كَـفــافُ
      عِـبـرةُ الأوفـيـاءِ أصــداءُ وَجْـــدٍ
      فَهُـمُ مــن غَيـابَـة القـبـر وافــوا
      التعديل الأخير تم بواسطة منجية بن صالح; الساعة 11-07-2011, 13:55.

      تعليق

      • منجية بن صالح
        عضو الملتقى
        • 03-11-2009
        • 2119

        #4


        يرزق الإنسان الصحة و الحركة فلا يقنع بهما بل يبحث عن المزيد, هو عدم قناعة يشغلنا عن مهام أكبر تنتظرنا لنقوم بها بل لتُقَوم حياتنا و تجعل لها عطاء لا ينقطع مداه يتوالد مع الأجيال يُنمي الفكر و الحضارة ليكون الإنسان أرض خصوبة لها ثمار فكر هو مقومات إنسانية و قدرات شعوب تتفاعل لتنموا و تموت لتحيا مهما طال العمر يبقى له كفاف ليكون لِعِبرة يعيشها الأوفياء أصداء وجد و شوق لغيب كان رحم أم ننتقل منه عبر سبل الحياة إلى آخر هو رحم أرض و يقول الشاعر :

        وأنـــا عَـبْـرتـي رهـيـنـةُ حــــزنٍ
        حَبْسُـهُ فـي سِيـاج جفنـي عَفـاف
        لا يجيء الزمان طـوعَ الأمانـي
        لـيــسَ مـاقــد نُـحـبـهُ أو نَــعــافُ

        لحزن الشاعر عَبرة تختزلها عين لتكون رهينة عفة في حبس جفن فهي درة مكنونة لها اشراقة و نور يطهر وجدان عاشق له شوق إلى لقاء و تجسيد حقيقة وجود هو منه , مآله إليه فهو غيب مطلق ليس له مدى....

        ينتقل الكاتب بسلاسة مذهلة بين عالمي الغيب و الشهادة ليطلعنا على معرفة تسكن وجدان شاعر ألم به وجع جمر الأربعين, ليكون حزنه احتراق تفيض كلماته زلال ماء لعلها تطفيء نار شوق لآت و ألم ندم على ما فات ....
        للزمان انقضاء و أماني تصوغنا قبل أن نصوغها فحضورها يكون وفق إرادة غيب لتنتفي إرادة الإنسان أمامها و لا يبقى فينا غير ذكرى أردناها حلما مشرقا أو مظلما حسب طموح فيه من غرور الخيال أكثر من تواضع الحقيقة, فلا يتحقق ما نحب بقدر ما يتحقق ما نكره هي مشيئة تسير خطونا لنكون الحادي و المسافر , الخيال و الواقع , و الحقيقة و ظلها
        و يقول الشاعر:
        شـمـخَ المبـتـدا ولـسـتُ مُضـافـاً
        مــا تـسـاوى بمبـتـداه المـضـاف
        ما تسـاوى الوصـالُ يومـاً بنـأي
        أجمـل الشـوق جـفـوةٌ وائـتـلاف
        سَكْـرةُ العيـشِ وِزرُنـا مـنـذ كُّـنـا
        ربَّ ذنــــبٍ نـعـيـمُـهُ الاقــتِــرافُ

        ينتقل الشاعر باللغة إلى اللغة ليكون له شموخ المبتدأ الذي يكره أن يكون مضافا فهو لا يعترف بنقص الإضافة بل بكمال البداية, ليكون له حسن جمال النهاية, فالكامل لا يمكن أن يتساوى مع الناقص ,كما لا يتساوى الوصال بالبعد, فعدم التساوي لا يعنى انقطاع الصلة بين معاني الكلمات و التي رغم التجافي الظاهر يجعل الشاعر من وجودها حقيقة وجودية. تتكامل مفارقات خلناها خلقت لتتصارع و تتناحر فنجد أن للشوق جمال ماتع بعد جفوة هي في حد ذاتها افتعال لائتلاف ....

        للحياة سكرة يحدوها الهوى القاطع و الأماني الراكضة في ساح الخيال الرحب لتكون وزرنا الذي نحمل طوال سني عمر نعيشها لتعيش فينا أوزارا تتنامى لتثقل كاهل وجودنا الإنساني ليقول الشاعر أن الذنب أحيانا يكون إقترافه نعيم......صورة عبر عنها القرآن الكريم و تناولها الشاعر فكانت بلاغتها في إيجازها عندما قال "رب ذنب نعيمه إقتراف " نلتذ باقتراف ذنب لكننا نتلذذ أكثر بالتوبة منه ويقول الشاعر:

        تلـك يـا بحـرُ حيلتـي فـي شِباكـي
        يَغلـبُ المـوجَ حِيلـةٌ لا اغـتـراف
        صحـوةَ الأربعيـن قيلي بكفي
        فـمــرايــاكِ غَـيـمُـهــا شَـــفّـــافُ

        يعود الشاعر إلى بحر مشاعر تسكنه لتكون أمواجه حيلة شِباكه المنتظرة لصيد وفير يجنيه من سفره في بحر له سفينة موسى و صحبة العبد الصالح في زمن و كأنه خارج التاريخ فهو غيب مشبع بحقيقة وجود الإنسان يخوض غمار الحياة من دون سابق معرفة بها و لا بما ينطوي في ثناياها من أحداث تنتظر خطونا على ارض الزمان و التاريخ ليكون للموج غَلبة حيلة في حياة أردنا إمتلاكها فملكتنا ,غرفت منا أجمل ما فينا لتعطينا أقبح ما فيها.
        هي صحوة الأربعين يقول الشاعر يناشدها أن تقيل في كفه لتكون ملازمة لأعماله و أقواله ليصحو هو من غفلة عاشته ملكت حركته و دنياه شكلت وجوده بمفرداتها السالبة و لا يكون هو الإنسان الواعي بمفرداته الموجبة الخلاقة في كون خلق من أجله لأجله .

        لصحوة بعد سني الأربعين مرايا صقيلة شفافة تنعكس عليها ذكريات شاعر إنسان أختزل داخله حياة كل الإنسانية ليكون هي في مقام جمع و هو في مقام فرق , فرد بذاته مع أحداث تتلاحق صورها على المرايا لتحكي عن وجود إنسان له بيان خيال واقع و بيان آخر هو حقيقة وجودية تسكننا لنكون رسما له ملامح جسد و كيان إنسان, له روح عارفة بلحظة الحياة و الموت و باشراقة فجر و عتمة ليل هي النور و الظلمة التي نعيشها و التي ما فتِىء الشاعر ينتقل بينهما ليفصح عن حياة أخرى تسكنه , يسكن إليها و لا يستطيع تجاهلها و لا التنصل منها بل يُقِر بحقيقة منها مآتاه و إليها رجوعه يريد أن يجسدها على أرض واقع مشبع بالزيف و الوهم يفقد القدرة على تجاوزه ليبكي الحزن داخله على حزن أكبر هو وهم و خيال واقع .
        للمرايا غيم شفاف يوحي بوجود رذاذ هو جنين غيمة ينتظر منه الشاعر ولادة رحمة من رحم يكون فيها خلاصه و قطرة ماء تروي عطش سني عمر عاش الجفاف و القحط ....
        و يقول الشاعر:

        ظَلّ لـي مـن صِبـاي كـرْمُ قَـوافٍ
        حـانــيــاتٍ وكــوثـــرٌ وسُـــــلافُ
        عـقــلُ شـيــخٍ وخـافــقٌ لـشـقــيٍّ
        فشـفـاهـي صَـبـابـةٌ وارتِــشــافُ

        يعود الشاعر إلى صباه ليقول أنه لم يبقى منه غير كَرمُ قواف يتفيأ ظلالها الوارفة و كأنها تشد أزره و تخفف عنه وزره و تغذي جوعه لمعرفة هي أصل فيه فَقد مفرداتها في زحمة حياة و تيه عطش صحراء قاحلة. لكرم القوافي سلاف يسكره و للكلمة بيان ساحر لمريد عاشق لحقيقة وجود هو منه يحيا فيه, ليكون السُّكر مضاعفا يثمل وجدانه و يسكر بيانه ليصبح للشاعر عقل شيخ و خافق شقي ينبض بحياة أخرى لايعرفها غيره, هي مطلق حقيقة وجود تسكنه و لا يستطيع التعبير السليم عنها فتكون حركاته و أقواله أخرى غير مألوفة و لا معروفة القصد و لا الحُجة .... للشفاه صبابة تسعده و تشقيه و إرتشاف يصحو منه ليسكر , و يثمل ليغفو, هي الكلمة التي يصبح لها مفعول خمر و سحر بيان تغيب فيه عن الوجود ليغيب الإنسان في غياهبها و لا يدرك وجهة قصد و لا طريق عودة.

        للجهل تيه, و للمعرفة أخرى, للظلمة ضياع و للنور إشراق و هداية, للطريق وصول مُؤجل و غياب حاضر, نعيشه لنعرف أنه آت, كل لحظة هي قرب قادم و بعد آفل نتمنى الخلود فيه و لا ندري مخاطره التي تحدق بنا طوال حياة نقضيها في بحث مستمر عن مفردات ننشد بها وجود لا يغيب و يقول الشاعر :
        شَـطَـحَ الشـيـخُ والمـريـد تفـانـى
        مــا لِـسِـرٍّ بـغـيـر ذاك انـكـشـافُ
        بيـتُ شعـري مَحَجّتـي – فبِنُسكـي
        يُحْرِمُ الحرفُ – وانتشائي طَوافُ

        وتنتهي القصيدة و يرسم لنا الشاعر بريشة فنان, واقع يتلون ليفصح عن نفسه العارفة و التي يطيح بها السكر ليكون له شطح شيخ و تفاني مريد فهو العارف الذي أسكرته الحقيقة و أثمله الوجد, فأستنارت بصيرته باشراقة كلمة, كانت حقيقة اختفى من أمامها وهم خيال, للسر إنكشاف ,و الكلمة بيانه, و الشيخ مصدره, و القلب عرشه, ولا ينكشف السر حتى يعيش الإنسان حقيقة هي كامنة في وجدانه , يصبح شيخا عند وصوله إلى باب الحقيقة ليمسك بمفتاح المعرفة القادرة على فتحه , لأنها انطوت فيه وهو من اتبع إشاراتها المضيئة على جانبي طريق الحياة الذي سلكه دون توقف ولا التفات لملذاتها و إغراءاتها المهلكة.

        يكشف الشاعر في آخر القصيدة عن تعلقه بالكلمة الشاعرة و التي تحلق في سماء الإبداع ليكون هو البحر و في أعماقه در كلمات هي أبيات شعر تسكنه, ليسكن إليها حجه بها و بها يتعبد و حولها يطوف فهو الناسك المتعبد في محراب الكلمة بها مناجاته و عشقه و بها ذنبه و توبته وهي جمر ذنب بها يستيقظ و بها يغفو لتكون وسادة سني عمر تحتضن غفوة النوم .

        بنسك الشاعر يحرم الحرف و يتطهر من زيغ الأماني و دنس أفكار الخيال هو إحرام طواف و انتشاء شاعر برقصة صوفي يطوف ككون صغير إحتوى آخر ليكون الكبيرَ و الصغيرَ معا في طواف متناسق الحركة متوازنها حتى لا ينخرم نظام الكونين و تتلاشى المنظومة الكونية وتقوم قيامة شاعر هو إنسان يعيش أجوبة لأسئلة وجودية تربعت على عرش سنيه الأربعين لتكون جمارا تضاف إلى جمار الحياة نتقلب فيها نخال أننا نحياها فإذا بمفرداتها تميت أجمل ما فينا
        يجد الشاعر نفسه لتكون الروح هي الحادي لبيان قرآنه و تفصح له عن حقيقة وجوده فيكون لانتشائه طواف يسعد فطرة تسكنه ليكون الشيخ و المريد و السكر و الثمالة و الخطاب و المخاطب .

        أبدع الشاعر في رسم حقيقة وجودية فتماهى الإنسان مع الأرض و الطبيعة و الكلمة على بساط أبجدية زاخرة بمعاني الكلمات المعبرة عن وجودها الثر و الذي ظاهره تباين و لبه تواصل وتكامل , ليكون الإنسان هو الأرض و الطبيعة و الحياة و الموت و الكلمة و المعنى و الروح النابض بالحياة المحلق في سماء ملائكية السمات لتتواصل الأرض بالسماء و الفكر بالغيب يستقي منه الإنسان اشراقات هي تجليات حقيقة تضيئ ظلمة الجهل بنفسه و بماهيته فهو المستخلف في أرض خلقت من أجله عندما سخرت له كل مفرداتها.

        كنت معكم في قراءة لقصيدة بعنوان جمر الأربعين للشاعر القدير خالد أبو حمدية طرح بساط أسئلة كانت الحياة و الوجود تطوف حول هذا الإنسان الكون, المتغطرس المتعبد, الجاهل العارف, النائم الصاحي, الطاغي على الأرض المستسلم لهواه , فكانت للأجوبة كمون في حياة الإنسان وفي كلمة لها روح و بيان .....

        قراءة منجية بن صالح لقصيدة "جمر الأربعين" للشاعر خالد أبو حمدية
        التعديل الأخير تم بواسطة منجية بن صالح; الساعة 11-07-2011, 14:01.

        تعليق

        • ميرفت إدريس
          أديب وكاتب
          • 08-07-2011
          • 33

          #5
          اختيارات رائعة وقراءة ولا أجمل

          هذه القصيدة من أروع ما كتب الشاعر المبدع خالد أبو حمدية

          وقد تأهلت للنهائيات في أمير الشعراء

          أبدعت أخيّتي وأمتعت

          أشكرك على هذا الجمال والشكر موصول لشاعرنا المتألق خالد أبو حمدية


          تحايا

          تعليق

          • فارس جميل
            شاعر
            • 14-03-2008
            • 524

            #6
            كُـفّ يـا بحـرُ شوَّقتنـي الضِّفـافُ

            حــنَّ فــيّ الـشـراع والمـجـدافُ

            لعـيـونٍ تـصـوغُ رمـلـي نُـضـارا

            فـتـبـوحُ الـصـخـور والأصـــدافُ


            بحر خفيف هادئ الموج
            أدرت فيه عجلة العمر
            بروعة حزنك!!
            وجاءت قراءة الأديبة المميزة
            منجية بن صالح
            لتكمل عقد الجمال

            تقديري واعتزازي لكما

            ديوان ومنتديات النيل والفرات

            [BIMG]http://img102.herosh.com/2011/03/01/136650786.jpg[/BIMG]

            تعليق

            • عبد الرحيم محمود
              عضو الملتقى
              • 19-06-2007
              • 7086

              #7
              الأخت منجية الغالية
              قراءة موازية للقصيدة ، تحاول ألا تتعامد ولا تتقاطع معها ، خواطر أوحتها القصيدة ، نقد انطباعي راق ، محاولة للتفسير ، لو أردت نقدها لنقدت الصور المبتكرة ونقدت معنى حرف الفاء ولم اختاره الشاعر ليكون رويه وقافيته ، فحرف الفاء هو حرف العطاء اللامحدود ، ولبحثت عن تفاضل حروفه وتكامل صوره ليقول الشاعر أنه يعطي كل ما لدية ويقطف السراب والخيانة والسراب / تحيتي لك أختي منجية الرائعة !!
              نثرت حروفي بياض الورق
              فذاب فؤادي وفيك احترق
              فأنت الحنان وأنت الأمان
              وأنت السعادة فوق الشفق​

              تعليق

              • محمد نجيب بلحاج حسين
                مدير عام
                • 09-10-2008
                • 619

                #8
                السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                نحلتنا اليوم تجلب لنا أروع الرحيق
                وتسكب علينا أحلى العسل

                الشاعر من أنبل من عرفت
                والقصيدة من أعمق وأعذب ما قرأت

                وأختنا الفاضلة منجية تكشف لنا ذلك
                في قراءة أوصلتها تقريبا إلى جميع التفاصيل

                هنيئا لملتقانا بك أيتها الفاضلة

                تحياتي العطرة
                [align=center]محمد نجيب بلحاج حسين
                الميدة - تونس[/align]

                تعليق

                • سليمى السرايري
                  مدير عام/رئيس ق.أدب وفنون
                  • 08-01-2010
                  • 13572

                  #9
                  /
                  /

                  تقوم قناعاتي على أن الشاعر هنا يتكلم لغة لا تشبه سواه
                  جدالا واضحا بين الذات والعالم ينكشف بفعله الوجود الإنساني في شتّى تجلياته
                  الخطاب الشعري قوامه معنى ومبنى ثنائي لا ينفصم احدهما على الآخر
                  وهنا أقول، الشعر ليس زخرفة أو لوحة نستمتع بها ، لكنها وجع الشاعر الذي يئن تحت قميص القصيدة
                  وإن كانت قراءة القصيدة قراءة للعالم ،فإنّ هذه القراءة جاءت قراءة ذوقيّة عاشقة ساحرة لقصيدة جمر الأربعين نحتها الشاعر خالد أبوحمديّة على جدار القلب
                  فشاعرنا ممتلى بشي مفقود عند باقي الجمع
                  احساسه ودقة ريشته تدعونا يقينا ان نتامل جيدا ما بين يدينا
                  رجل من زمن اخر ان صح التعبير تشبيها

                  نجد في نصه تمثيل لحالة حلم ربما يكون مفقودا حساً وحاضراً روحا

                  صفائه الروحي يتقدم مجمل جمله الشعرية المتطهرة

                  لذلك لا نستغرب ان نشبه الشاعر بتسونامي الأدب الجديد

                  فهو ينتقل بالمتلقي ويضرم نار احساسه ويعيده لمهده الأول

                  يمتلك الشاعر خزين لاباس به من المعرفه الدلالية لمفتاح النص

                  نبتدا من عنوان اطروحته:

                  جمر الأربعين

                  هذا التمازج في انطلاقته يكون صعب التركيب من ناحية البدا بالجمر وختمها بمدة زمنيه
                  يتراى للمتتبع كيف استطاع الشاعر جميع مكونان يكادان يختلفان بتركيبتهما الزمكانيه

                  فالجمع بين هذه وتلك تستدعي الكاتب ان يستنفر أدواته كي لايقع بموقع شبهة تطاله

                  وهذا الشي يتبدد حين ولوجنا للنص



                  كُـفّ يـا بحـرُ شوَّقتنـي الضِّفـافُ***حــنَّ فــيّ الـشـراع والمـجـدافُ
                  لعـيـونٍ تـصـوغُ رمـلـي نُـضـارا*****ًفـتـبـوحُ الـصـخـور والأصـــدافُ


                  فالصفات الشخصية ( وهي لغة تمازج البحر والشراع )
                  جعل منها الشاعر تمتلك حضورا مميزا ليس على نحو آخر كما يحلو لبعض الشعراء
                  بل هو وضف هذه الصفات ككيان يسبح بملوكته السماوي


                  صحـوةُ الأربعيـنَ نَصْـلُ حسـابٍ **** لـلـنـوايـا وتــوبـــةٌ واعــتـــرافُ


                  ومن هنا جاءت صرخة الشاعر بالصحوة
                  فكان الانتقال من حاله الغيبوبة الى الوعي



                  وأكــفُّ الحـيـاة تَـبْــري سِـهـامـاً**** مــن ضلـوعـي تَسُلُّـهـا فـأخــافُ
                  كـلّـمــا طــــارَ للـمـنـيـةِ ســهــم ٌ***** أنَّ قـلـبـي وعـانَـدَتْـه الـشّـغــافُ
                  إيـهِ يـا عمـرُ يــا نَـديـم الخطـايـا**** خُنْتَ دومـاً حيـن الأخـلاّءُ زافـوا
                  فَعـلـى أيِّ المستحـيـلاتِ نـبـكـي ***** وبـأصـلابِـنـا تَــخــونُ الـنّـطــافُ


                  هنا نقلنا الشاعر بكل حرفية لحالة انبعاث هلاميه واستمرار لرؤيا تجسد الفاجعه

                  ولايفوتنا مقدرة الشاعر على بنائية وتأثيث النص متموسق مع جدلية الموت وبرزخ الرحم :



                  سَكَـنَ المـوتُ خَفْقَنـا مــذ سَكـنّـا**** ظُلمةَ الرَّحم ، حَـلَّ فينـا القطـافُ
                  وهَـجَـرْنــا زلالَـــــه ذات طــيـــنٍ ****فاعترى الجَدْبُ نَبْضَنا والجَفـافُ


                  وهنا يجد الشاعر نفسه يسترسل بطرح تناقضات من خلال مراحل الرحيل والتاجيل
                  يشتكي من خلال سرديته ما تواجهه الروح وكيف هو ايمانه بما سيأتي
                  ويتيقن أن ما سيأتي لاسبيل منه الا المواجهه



                  إنّـه العُـمـرُ فـرجـةٌ بـيـنَ مـوتـي****نِ ، رحـيـلٌ مـؤجَّـلٌ وانـصــرافُ
                  كم صحارى هجيرُهـا شـاخَ فينـا ****وسَــــواقٍ مـيـاهُـهُـنَّ رُعـــــافُ
                  وضَـــلالٍ قـتـامُـه شَـــعَّ طُــهْــراً**** وهـدايــاتٍ شَمـسُـهـا لا تُـشــافُ
                  رزقُنـا الخَطْـوُ مــا قنعـنـا بــدربٍ**** لــو غَنيـنـا فَـكُـلُ عُـمــرٍ كَـفــافُ
                  عِـبـرةُ الأوفـيـاءِ أصــداءُ وَجْـــدٍ****فَهُـمُ مــن غَيـابَـة القـبـر وافــوا
                  وأنـــا عَـبْـرتـي رهـيـنـةُ حــــزنٍ ****حَبْسُـهُ فـي سِيـاج جفنـي عَفـاف
                  لا يجيء الزمان طـوعَ الأمانـي***** لـيــسَ مـاقــد نُـحـبـهُ أو نَــعــافُ
                  شـمـخَ المبـتـدا ولـسـتُ مُضـافـاً ****مــا تـسـاوى بمبـتـداه المـضـاف

                  يختزل الشاعر بعدها جمل اعتراضيه

                  تبتدا ب

                  الوصال

                  الشوق

                  العيش

                  نعيمه

                  كرم

                  كوثر

                  خافق

                  شفاه

                  نسكي

                  طواف

                  كل هذه المترادفات استطاع من خلالها فك لغز المتناقضات التي اوردها

                  من هنا كان مصدر قوة النص وجمال صورته الشعريه

                  ختاما

                  قرات الشاعر اولا كإنسان

                  ومن ثم فسرت جمله كشاعر يحمل بين جوانحه فيض سنواته التى مرت وتساؤلاته
                  والتي استطاع من خلالها ان ينتقل بالقارى عبر ازمنة شتى



                  ودي وورووودي



                  التعديل الأخير تم بواسطة سليمى السرايري; الساعة 15-07-2011, 17:34.
                  لا تلمني لو صار جسدي فاكهة للفصول

                  تعليق

                  • بلقاسم علواش
                    العـلم بالأخـلاق
                    • 09-08-2010
                    • 865

                    #10
                    قصيدة قـالـت أشـــياء وأخفت أشياء
                    والقراءة تلقفت الجـمـيـل مـنـها
                    فالناص له مقصديتــه
                    وللنص مقصدية أخرى
                    وللقارئ مقصديته التي تتأتى من تلك النصوص المخزنة والتي يواجه بها النص، وقد يعانق القارئ جلّ تلك القصديات
                    وقد يأتي على القليل منها
                    والناقدة الأستاذة منجية بن صالح
                    أفلحت في نقل رياحين الربيع من القصيدة الخضراء الفواحة بالياسمين
                    فشنفت الآذان، وعطرت المكان، وأمتعت الأعين، ولامست الذوائق النقدية والقارئة، الرائقة منها والراقية
                    كل الشكر وكل التقدير
                    للشاعر خالد أبوحمدية
                    وللكاتبة القديرة منجية بن صالح
                    وأسفي الكبير لعدم الحضور، وتفويت هذا المحفل المحتفي بجميل الحرف وأطايب الكالمات لظروف، شغلتنا وفوتت علينا الفرص النادرة.
                    تحياتي
                    التعديل الأخير تم بواسطة بلقاسم علواش; الساعة 12-07-2011, 23:07.
                    لا يَحـسُـنُ الحـلم إلاّ فـي مواطـنِهِ
                    ولا يلـيق الـوفـاء إلاّ لـمـن شـكـرا

                    {صفي الدين الحلّي}

                    تعليق

                    • منجية بن صالح
                      عضو الملتقى
                      • 03-11-2009
                      • 2119

                      #11
                      المشاركة الأصلية بواسطة ميرفت إدريس مشاهدة المشاركة
                      اختيارات رائعة وقراءة ولا أجمل

                      هذه القصيدة من أروع ما كتب الشاعر المبدع خالد أبو حمدية

                      وقد تأهلت للنهائيات في أمير الشعراء

                      أبدعت أخيّتي وأمتعت

                      أشكرك على هذا الجمال والشكر موصول لشاعرنا المتألق خالد أبو حمدية


                      تحايا

                      العزيزة ميرفت

                      سعيدة بزيارتك للموضوع و قراءتك له
                      و الشاعر القدير خالد أبو حمدية متألق بشعره
                      و بالكلمة و المشاعر الصادقة
                      كل التحية و التقدير

                      تعليق

                      • منجية بن صالح
                        عضو الملتقى
                        • 03-11-2009
                        • 2119

                        #12
                        المشاركة الأصلية بواسطة فارس جميل مشاهدة المشاركة
                        كُـفّ يـا بحـرُ شوَّقتنـي الضِّفـافُ

                        حــنَّ فــيّ الـشـراع والمـجـدافُ

                        لعـيـونٍ تـصـوغُ رمـلـي نُـضـارا

                        فـتـبـوحُ الـصـخـور والأصـــدافُ


                        بحر خفيف هادئ الموج
                        أدرت فيه عجلة العمر
                        بروعة حزنك!!
                        وجاءت قراءة الأديبة المميزة
                        منجية بن صالح
                        لتكمل عقد الجمال

                        تقديري واعتزازي لكما

                        الشاعر القدير فارس جميل

                        تحية لتعليقك و تحية لحضورك الراقي
                        و الذي يسعدني دائما
                        للصدق ملامح على قصائد الشعراء
                        و للشعراء تألق بالكلمة المناضلة
                        في ساح الأدب و الفكر الإنساني
                        كل التحية و التقدير

                        تعليق

                        • منجية بن صالح
                          عضو الملتقى
                          • 03-11-2009
                          • 2119

                          #13
                          المشاركة الأصلية بواسطة عبد الرحيم محمود مشاهدة المشاركة
                          الأخت منجية الغالية
                          قراءة موازية للقصيدة ، تحاول ألا تتعامد ولا تتقاطع معها ، خواطر أوحتها القصيدة ، نقد انطباعي راق ، محاولة للتفسير ، لو أردت نقدها لنقدت الصور المبتكرة ونقدت معنى حرف الفاء ولم اختاره الشاعر ليكون رويه وقافيته ، فحرف الفاء هو حرف العطاء اللامحدود ، ولبحثت عن تفاضل حروفه وتكامل صوره ليقول الشاعر أنه يعطي كل ما لدية ويقطف السراب والخيانة والسراب / تحيتي لك أختي منجية الرائعة !!
                          الشاعر القدير عبد الرحيم محمود
                          شرف لي حضورك في الغرفة الصوتية و شرف لي تعليقك الجميل
                          و أنتم الشعراء نتعلم و نستقي منكم المعرفة باللغة و الكتابة
                          ألف شكر و تحية

                          تعليق

                          يعمل...
                          X