يا....ثوبها ..
تجمّع قاطنو العمارة ، عند الثّانية فجراً ، على صرخةٍ ، أرعدتْ السّكون .
و على ساقيةٍ حمراءَ متفجّرة ، من جسدٍ فيه بقايا حمحمةٍ تتشبّث بالنبض ، تيبّستْ أقدامهم .
النساء يلطمن وجوههنّ ، يعركن جفوناً منتفخةً ، لنومٍ استبيح على عجلٍ ،والرّجال يدفعون بهنّ خارج الدار، لفظاعة المنظر ، محاولين إنهاء المشهد ، ببعض تعقّلٍ ، يفضي لحلٍّ لا بدّ أن يكون سريعاً .
يداه تضمّانها بعنفٍ إلى جسده المحموم انتفاضاً ، وقد أسند ظهره إلى الجدار ، ينزلها برفقٍ على منكبيه ، يمسّد شعرها وخصلاته الناعمة التي ترشح باللّون الأحمر .
كان شريط العمر يدور ...يدور ..ثمّ يحطّ فوق أجفانه ، كسياطٍ عفاريتيّةٍ تتداخل أصواتها ، حتى استحكمتْ على حواسه ،
فما عاد يرى ، أو يسمع من حوله .
تعمّد أن يرفع ذراعها التي فقدتْ النبض ، حول عنقه ،دافناً وجهه في صدرها البضّ ، يبلّلها بدموعٍ أمطرها على نهديها ،
اللذين تبدّيا من خلف ثوب نومها الشفّاف ، كحمامتين ، استراحتا للتوّ من الخفق ..والاضطراب.
لماذا يا نجوى ..؟؟ لماذا خنتني ..؟؟؟
طعنتني يا نجوى ألف مرّةٍ برماح الشكّ ، وأنا ألقم قروحي بعض عزاءٍ ، وتبريرٍ ، وحماقةٍ ، واستعماء .
أحاول أن أستعير أذنَي أصمّ ، ولسان أبكمٍ ، كي لا تتشكّل الصّورة القاطعة للخيانة ،أكذّب ظنوني، ألعن ذاتي معاتباً،
أهزّ رأسي المصّدع ، وأنا أُرغم الصّدق على قبول ما تدفعينه من حججٍ واهيةٍ ، تجلجلها دموعك السّخيّة ، وصوتك الذي أعشقه ، حدّ الضعف ، حين يشهق برنّةٍ تذبحني انكساراً ، وحناناً .
تنبّه إلى ساقيها البيضاوتين ، وقد استراحتا في سكون الموت ، ردّ عليها أطراف ثوبها ، اشتعلتْ أصابعه ذهولاً :
ياااااااااه وترتدين قميص النوم ذاته ؟؟؟ !! ذاك الذي أهديته لك عشيّة عيد ميلادك ..؟؟!!
كم افتتنتُ بك وأنت ترقصين به حولي كفراشةٍ بروح جنّيّة ؟؟ فأسكرتني ، وغيّبتني ، ثمّ بومضةٍ ، أرجعتني إلى كوكبي الأرضيّ .!!!
كم تبدّتْ لي ثمارك الشّهيّة التي تخاتل كلّ مساحات كنوزك الأسطوريّة ، وهي تناديني بقطافك حبّةً ..حبّة ، حدّ الثمالة.!!
هل أذقتهِ ذات الثمار ؟ هل شمّ فيك نفس الرّحيق الذي يكويني بعذوبته ؟ فيحرق كلّ خلاياي ؟؟
احكي لي عن همساتك له ، هل نفثتِ على مسامعه سحر أنفاسك وهي تتلوّن ، تعلو ، وتهبط ، تدنو ، وتبعد ؟؟
آااااه يا ثوبها الغجريّ ،الذي اعتصر فيك زهر الرّمان لونه، كيف اجترأتَ أن تنزاح عن جسدها بيدٍ غريبةٍ ، غير التي وضعتك في علبةٍ أنيقةٍ ، فضضتُ أشرطتها قرب حبيبتي ، وقد أودعت فيك كلّ أسراري ، هيامي ، رجولتي ، وجنوني ؟
انفلتتْ إلى وعيه بعض همهماتٍ وأصواتٍ :
ـ ها هو يا سيّدي قاتل زوجته ، إنّه في الداخل ، في غرفة النوم .
امتلأت الصّالة عن آخرها برؤوسٍ ذات أشكالٍ متعدّدةٍ ،وعيون مرتعدةٍ ،فضوليّةٍ ، وأفواهٍ كالبنادق، تستعدّ لتخزين الرصاص ، حتى يلعلع في الخارج كسبقٍ صحفيّ مدفوع الثمن، وقلوبٍ لها نشيج ..لا تخلو من الرحمة والشفقة ممّا ترى
الضابط يطلب الهدوء ، ويشير إلى عناصره بإخلاء الغرفة ، و بخطواتٍ ثابتةٍ ، يتّجه صوب جسدين ميتين ،
الأوّل فيهما ، تتحشرج في صدره بعض أنفاسٍ أثقل من النّزع .
الأصابع التي نقرتْ على كتفه ، نبّهته إلى ضرورةٍ لا بدّ منها : تسليم نفسه ..
وبين الرّضا، والرّغبة في احتضان نصل السّيف ، قبل أن يُقتلع من جسده ، فتنبجس الدّماء ..
حملها بين ذراعيه ، فتهاوتْ أطرافها الخامدة ، والتصقتْ بخدّه خصلات شعرها ، كأنّها تلثم معتذرةً أديمه المصفرّ إنهاكاً .
مدّدها فوق السّرير ، ثمّ ألقى عليها بملاءةٍ نظيفةٍ ، استخرجها من الخزانة على عجلٍ ، موارياً وجهه عن ملاءةٍ أخرى ،
معجونة بالفضيحة ، والذلّ ، والعار ، ورائحة الخيانة .
سأله الضابط : هل تعرف يا عماد من كان عشيقها ؟؟
وبذهولٍ تمتم : كنت لا أرى إلاّ شجرة داري ، التي غدرتْ بي وقدّمتْ ثمارها بطواعيةٍ ليدٍ غريبةٍ ، أمّا هو فقد هرب كفأرٍ من أحد الشّقوق قبل أن أرتدّ إليه ، أترين كم يحبكّ يا نجوى هذا النذل ، تركك وحدك تدفعين الثمن ، ونجا بجلده !!!
ـ هيّا يا عماد ..سترافقنا الآن ، كان الأجدر بك لو أحلتَ الأمر للقضاء ، بعد أن تثبت الحالة ، متلبّسة أصولاً .
ـ وهل سيتغيّر يا سيّدي وجه الموت ، إن تعدّدتْ أسبابه ، كانت كلّ حياتي ، وارتكبتْ جرم قتلي قبل أن .....
خبّأ ملامحه عن العيون التي تحاصره ، لمّا اصطدم بصره بدرفتي الخزانة المفتوحتين ، فاشتعلتْ في رأسه الذكرى وهو يقلّب بنظره أرجاء غرفة النوم ، عندما حطّتْ في متجره مع أمّها تنتوي شراء أريكةٍ لغرفة المعيشة ، فدكّتْ حصونه برقّتها ، ودلالها ، وجمالها الهادئ الذي ينسلّ متغلغلاّ في الأعطاف ..كما النسيم .
تذكّر حين عدلتْ عن الفكرة لضعف الحال ، وكيف انثنتْ يدها بخجلٍ إلى حقيبتها ، تعيد المبلغ الزّهيد الذي لا يصلح لشراء ما حلمتْ باقتنائه .
وكيف كان للقدر كلمته ، لمّا جعلتْ الأيّام من كوكبها مساراً لنجوم عمره ، وقد وهبها كلّ نبضه ، وبساتين عشقه .
يحسّ الآن بطعم قبلاتها على وجنتيه ، وهي تقرّب وجهه من خدّيها، بأصابعها النديّة ، فرحاً ، تتجوّل مشدوهةً بين أرجاء المنزل الذي ستزفّ إليه ، وكيف تبخترت في غرفة النوم الأسطوريّة، كسلطانةٍ ذات صولجان ، وعزّ .
يا الله ..حتى الغرفة التي صنعتها بنبضي ، خانتني هي الأخرى ، رضيت بالسكوت ، وقنعتْ باستباحتها ..؟؟!!
هكذا همس لنفسه وهو يغلق بابَي الخزانة ، عن مهرجان فساتين تدلّتْ بألوان صاخبة ، فقدتْ صلاحيّة بهجتها ، وإثارتها.
شيّعها بنظره ، مرّر يده على جسدها ...شيء ما لايزال ينبض في خلاياها ،يريد الصّراخ قبل أن توارى الثرى ..أمعن في عينيها لمح دفقاتٍ من الدموع اللاّمرئيّة تحتشد ،تهذي ، تثور:
قالتا له : ليس الآن فقط ، لقد قتلتني آلاف المرّات وأنا بين يديك أصطنع الفرح ، أرقص مذبوحة الشريان ، قتلتني من يوم أن انتزعتني من حضن حبيبٍ شاركته أحلام الطفولة في بناء عشّ صغير ، سرقتني منه حين حبستني ببيتٍ فارهٍ
أشعره بعجزه ، قتلتني وأنت تشدّ على أصابعي ، تسحبني بشبقٍ إلى سيارتك الفارهة ، وكدت تدوسه وهو أسفل السّلم يواري دمعته خلف شجرة الليمون العتيقة يوم زفافي ، فأطلقت سيلاً من الشتائم والسخرية على شابّ أهبل كاد يموت تحت العجلات ...هل تذكره ..؟؟؟ إنه هو ..ذاك النحيل ، رقيق الحال ، بعينيه الواسعتين الحزينتين ، وحبّه المنكسر بين ضلوعه ، ويديه اللتين تجمعان كلّ حنان العالم ..
تبّاً لمالٍ اشتراني كعبدةٍ، لا تتقن إلاّ فنّ الإمتاع حدّ القيء ، تثخنها جراحها كلّ ليلة، على فراش رجلٍ تملّكها، لم يستطع أن يميّز بين دموع الفرح يوم عقد القران ، ودموع قلبٍ يمزّقه الفراق ...
حاولتُ أن أروّض ذاتي على الرّضوخ ...ولكنّ وهج طيفه كان أقوى ،كان أعنف ، كان الأشدّ موتاً ..ولو عدت إلى الحياة لأحببته من جديد ..ليس الأمر بيدي ..
هيّا ...هيّا هل ارتحت الآن ؟؟؟ّإذن امضِ ودعني أرحل في سلام ..وأغلق الستار ..
أطبق على فمها بكفّيه من جديدٍ، كأنّه يريد أن يخفتَ صوتها إلى الأبد مردّداً ...اصمتي..اصمتي ..
سحبته أيدٍ قويّةٍ إلى الخارج بعد أن استحكم هذيانه ، وأذهب عقله ..
وصل إلى الصّالة ، ثمّ عاد إليها ، وبأصابعه الواهنة ارتجفتْ قبضته ، وهو يستجمع قبل الوداع الأخير ، أطياف لون ثوبها ، في علبةٍ ، تقطر دمعاً بلون زهر الرّمان .
تجمّع قاطنو العمارة ، عند الثّانية فجراً ، على صرخةٍ ، أرعدتْ السّكون .
و على ساقيةٍ حمراءَ متفجّرة ، من جسدٍ فيه بقايا حمحمةٍ تتشبّث بالنبض ، تيبّستْ أقدامهم .
النساء يلطمن وجوههنّ ، يعركن جفوناً منتفخةً ، لنومٍ استبيح على عجلٍ ،والرّجال يدفعون بهنّ خارج الدار، لفظاعة المنظر ، محاولين إنهاء المشهد ، ببعض تعقّلٍ ، يفضي لحلٍّ لا بدّ أن يكون سريعاً .
يداه تضمّانها بعنفٍ إلى جسده المحموم انتفاضاً ، وقد أسند ظهره إلى الجدار ، ينزلها برفقٍ على منكبيه ، يمسّد شعرها وخصلاته الناعمة التي ترشح باللّون الأحمر .
كان شريط العمر يدور ...يدور ..ثمّ يحطّ فوق أجفانه ، كسياطٍ عفاريتيّةٍ تتداخل أصواتها ، حتى استحكمتْ على حواسه ،
فما عاد يرى ، أو يسمع من حوله .
تعمّد أن يرفع ذراعها التي فقدتْ النبض ، حول عنقه ،دافناً وجهه في صدرها البضّ ، يبلّلها بدموعٍ أمطرها على نهديها ،
اللذين تبدّيا من خلف ثوب نومها الشفّاف ، كحمامتين ، استراحتا للتوّ من الخفق ..والاضطراب.
لماذا يا نجوى ..؟؟ لماذا خنتني ..؟؟؟
طعنتني يا نجوى ألف مرّةٍ برماح الشكّ ، وأنا ألقم قروحي بعض عزاءٍ ، وتبريرٍ ، وحماقةٍ ، واستعماء .
أحاول أن أستعير أذنَي أصمّ ، ولسان أبكمٍ ، كي لا تتشكّل الصّورة القاطعة للخيانة ،أكذّب ظنوني، ألعن ذاتي معاتباً،
أهزّ رأسي المصّدع ، وأنا أُرغم الصّدق على قبول ما تدفعينه من حججٍ واهيةٍ ، تجلجلها دموعك السّخيّة ، وصوتك الذي أعشقه ، حدّ الضعف ، حين يشهق برنّةٍ تذبحني انكساراً ، وحناناً .
تنبّه إلى ساقيها البيضاوتين ، وقد استراحتا في سكون الموت ، ردّ عليها أطراف ثوبها ، اشتعلتْ أصابعه ذهولاً :
ياااااااااه وترتدين قميص النوم ذاته ؟؟؟ !! ذاك الذي أهديته لك عشيّة عيد ميلادك ..؟؟!!
كم افتتنتُ بك وأنت ترقصين به حولي كفراشةٍ بروح جنّيّة ؟؟ فأسكرتني ، وغيّبتني ، ثمّ بومضةٍ ، أرجعتني إلى كوكبي الأرضيّ .!!!
كم تبدّتْ لي ثمارك الشّهيّة التي تخاتل كلّ مساحات كنوزك الأسطوريّة ، وهي تناديني بقطافك حبّةً ..حبّة ، حدّ الثمالة.!!
هل أذقتهِ ذات الثمار ؟ هل شمّ فيك نفس الرّحيق الذي يكويني بعذوبته ؟ فيحرق كلّ خلاياي ؟؟
احكي لي عن همساتك له ، هل نفثتِ على مسامعه سحر أنفاسك وهي تتلوّن ، تعلو ، وتهبط ، تدنو ، وتبعد ؟؟
آااااه يا ثوبها الغجريّ ،الذي اعتصر فيك زهر الرّمان لونه، كيف اجترأتَ أن تنزاح عن جسدها بيدٍ غريبةٍ ، غير التي وضعتك في علبةٍ أنيقةٍ ، فضضتُ أشرطتها قرب حبيبتي ، وقد أودعت فيك كلّ أسراري ، هيامي ، رجولتي ، وجنوني ؟
انفلتتْ إلى وعيه بعض همهماتٍ وأصواتٍ :
ـ ها هو يا سيّدي قاتل زوجته ، إنّه في الداخل ، في غرفة النوم .
امتلأت الصّالة عن آخرها برؤوسٍ ذات أشكالٍ متعدّدةٍ ،وعيون مرتعدةٍ ،فضوليّةٍ ، وأفواهٍ كالبنادق، تستعدّ لتخزين الرصاص ، حتى يلعلع في الخارج كسبقٍ صحفيّ مدفوع الثمن، وقلوبٍ لها نشيج ..لا تخلو من الرحمة والشفقة ممّا ترى
الضابط يطلب الهدوء ، ويشير إلى عناصره بإخلاء الغرفة ، و بخطواتٍ ثابتةٍ ، يتّجه صوب جسدين ميتين ،
الأوّل فيهما ، تتحشرج في صدره بعض أنفاسٍ أثقل من النّزع .
الأصابع التي نقرتْ على كتفه ، نبّهته إلى ضرورةٍ لا بدّ منها : تسليم نفسه ..
وبين الرّضا، والرّغبة في احتضان نصل السّيف ، قبل أن يُقتلع من جسده ، فتنبجس الدّماء ..
حملها بين ذراعيه ، فتهاوتْ أطرافها الخامدة ، والتصقتْ بخدّه خصلات شعرها ، كأنّها تلثم معتذرةً أديمه المصفرّ إنهاكاً .
مدّدها فوق السّرير ، ثمّ ألقى عليها بملاءةٍ نظيفةٍ ، استخرجها من الخزانة على عجلٍ ، موارياً وجهه عن ملاءةٍ أخرى ،
معجونة بالفضيحة ، والذلّ ، والعار ، ورائحة الخيانة .
سأله الضابط : هل تعرف يا عماد من كان عشيقها ؟؟
وبذهولٍ تمتم : كنت لا أرى إلاّ شجرة داري ، التي غدرتْ بي وقدّمتْ ثمارها بطواعيةٍ ليدٍ غريبةٍ ، أمّا هو فقد هرب كفأرٍ من أحد الشّقوق قبل أن أرتدّ إليه ، أترين كم يحبكّ يا نجوى هذا النذل ، تركك وحدك تدفعين الثمن ، ونجا بجلده !!!
ـ هيّا يا عماد ..سترافقنا الآن ، كان الأجدر بك لو أحلتَ الأمر للقضاء ، بعد أن تثبت الحالة ، متلبّسة أصولاً .
ـ وهل سيتغيّر يا سيّدي وجه الموت ، إن تعدّدتْ أسبابه ، كانت كلّ حياتي ، وارتكبتْ جرم قتلي قبل أن .....
خبّأ ملامحه عن العيون التي تحاصره ، لمّا اصطدم بصره بدرفتي الخزانة المفتوحتين ، فاشتعلتْ في رأسه الذكرى وهو يقلّب بنظره أرجاء غرفة النوم ، عندما حطّتْ في متجره مع أمّها تنتوي شراء أريكةٍ لغرفة المعيشة ، فدكّتْ حصونه برقّتها ، ودلالها ، وجمالها الهادئ الذي ينسلّ متغلغلاّ في الأعطاف ..كما النسيم .
تذكّر حين عدلتْ عن الفكرة لضعف الحال ، وكيف انثنتْ يدها بخجلٍ إلى حقيبتها ، تعيد المبلغ الزّهيد الذي لا يصلح لشراء ما حلمتْ باقتنائه .
وكيف كان للقدر كلمته ، لمّا جعلتْ الأيّام من كوكبها مساراً لنجوم عمره ، وقد وهبها كلّ نبضه ، وبساتين عشقه .
يحسّ الآن بطعم قبلاتها على وجنتيه ، وهي تقرّب وجهه من خدّيها، بأصابعها النديّة ، فرحاً ، تتجوّل مشدوهةً بين أرجاء المنزل الذي ستزفّ إليه ، وكيف تبخترت في غرفة النوم الأسطوريّة، كسلطانةٍ ذات صولجان ، وعزّ .
يا الله ..حتى الغرفة التي صنعتها بنبضي ، خانتني هي الأخرى ، رضيت بالسكوت ، وقنعتْ باستباحتها ..؟؟!!
هكذا همس لنفسه وهو يغلق بابَي الخزانة ، عن مهرجان فساتين تدلّتْ بألوان صاخبة ، فقدتْ صلاحيّة بهجتها ، وإثارتها.
شيّعها بنظره ، مرّر يده على جسدها ...شيء ما لايزال ينبض في خلاياها ،يريد الصّراخ قبل أن توارى الثرى ..أمعن في عينيها لمح دفقاتٍ من الدموع اللاّمرئيّة تحتشد ،تهذي ، تثور:
قالتا له : ليس الآن فقط ، لقد قتلتني آلاف المرّات وأنا بين يديك أصطنع الفرح ، أرقص مذبوحة الشريان ، قتلتني من يوم أن انتزعتني من حضن حبيبٍ شاركته أحلام الطفولة في بناء عشّ صغير ، سرقتني منه حين حبستني ببيتٍ فارهٍ
أشعره بعجزه ، قتلتني وأنت تشدّ على أصابعي ، تسحبني بشبقٍ إلى سيارتك الفارهة ، وكدت تدوسه وهو أسفل السّلم يواري دمعته خلف شجرة الليمون العتيقة يوم زفافي ، فأطلقت سيلاً من الشتائم والسخرية على شابّ أهبل كاد يموت تحت العجلات ...هل تذكره ..؟؟؟ إنه هو ..ذاك النحيل ، رقيق الحال ، بعينيه الواسعتين الحزينتين ، وحبّه المنكسر بين ضلوعه ، ويديه اللتين تجمعان كلّ حنان العالم ..
تبّاً لمالٍ اشتراني كعبدةٍ، لا تتقن إلاّ فنّ الإمتاع حدّ القيء ، تثخنها جراحها كلّ ليلة، على فراش رجلٍ تملّكها، لم يستطع أن يميّز بين دموع الفرح يوم عقد القران ، ودموع قلبٍ يمزّقه الفراق ...
حاولتُ أن أروّض ذاتي على الرّضوخ ...ولكنّ وهج طيفه كان أقوى ،كان أعنف ، كان الأشدّ موتاً ..ولو عدت إلى الحياة لأحببته من جديد ..ليس الأمر بيدي ..
هيّا ...هيّا هل ارتحت الآن ؟؟؟ّإذن امضِ ودعني أرحل في سلام ..وأغلق الستار ..
أطبق على فمها بكفّيه من جديدٍ، كأنّه يريد أن يخفتَ صوتها إلى الأبد مردّداً ...اصمتي..اصمتي ..
سحبته أيدٍ قويّةٍ إلى الخارج بعد أن استحكم هذيانه ، وأذهب عقله ..
وصل إلى الصّالة ، ثمّ عاد إليها ، وبأصابعه الواهنة ارتجفتْ قبضته ، وهو يستجمع قبل الوداع الأخير ، أطياف لون ثوبها ، في علبةٍ ، تقطر دمعاً بلون زهر الرّمان .
تعليق