قصة قصيرة/الرجل الفار من مدن الصقيع

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبدالنعيم بغيبغ
    عضو الملتقى
    • 09-06-2011
    • 16

    قصة قصيرة/الرجل الفار من مدن الصقيع

    قصة قصيرة/الرجل الفار من مدن الصقيع
    كنت شاردا...أسير في الشارع الرئيسي للمدينة بلا هدى،ولا ترتيب سابق،طلبا للراحة
    ..قذفت بنفسي في أول صالة شاي صادفتها..أردت التنفيس والتغيير ،أبحث عن أي فسحة
    تشعرني بالتجديد..عن أي نقطة ضوء تخرجني من شرنقة الملل..وورطة الأيام الباردة
    سئمت جشع الأصدقاء،وأحاديثهم الفجة والقاسية عن أبي...أردت الفرار من الجميع،من أبي
    من أمي من كل الوجوه المصطنعة،والقلوب الكاذبة...كنت في حالة سيئة ،كل الأشياء أمامي
    باهتة وفارغة..أخذت كرسيا وطلبت فنجان شاي ،كانت موسيقى حالمة تغزو القاعة...تقوقعت
    على ذاتي ،ورحت أتصفح أوراق الماضي..نعم لدي رصيد في البنك،وسيارة فارهة،وكثير من
    المتع لأني وحيد والديا لكني في المقابل لا أرى وجه أمي إلا مرة واحدة في الأسبوع،أو أكثر
    لا أدري ماذا تفعل بالضبط،تقف أمام المرآة بالساعات،تطلي وجهها بكل أصباغ الدنيا ثم تلعن
    وتكثر السباب لبعض التجاعيد التي غزت وجهها ،وتنتف بعض الشعيرات البيضاء،ثم تقف أمامي لتسألني كطفلة غرة ألست جميلة؟ لا تنتظر انطباعي ككل مرة ...تحمل حقيبة يدها..وتأخذ كلبهاالمدلل الصغير وتبرح المكان،أما أبي فقد نسيت تقاسيم وجهه العريض ...وكرشه المندلقة كان كثير السفر،كثيف الغياب ،يهتف دائما للبيت ،لا أدري لمن؟كانت نبرة صوته في الهاتف تشعرني بالقرف والكآبة..أتعلم أن والدك أنجح رجل في العالم ،سنشتري هذا العام منزلا كبيرا بمحاذاة،الشاطئ لماذا لا تقبل بالزوجة التي اخترتها لك...ثم ينهي كلامه بنفس النغمة المعتادة ماذا أحضرلك ،وقبل أن أرد يقفل الخط ،حديثه بارد كبرودة غرفتي الواسعة ..لم أحس يوما بصدقهما كانت ابتسامتهما لي بلاستيكية لا روح فيها ،وأحاديثهما يعلوه الصدأ،نظرتهما فقيرة مزيفة جرداء....ومشاعرهما حزمة من النفاق،وعندما تسنح الفرصة ونلتقي على مائدة الطعام وهذا نادرا ما يحدث يثرثران دون توقف عن تأثيث البيت ...نجاحهما الاجتماعي وإتيكيت الكلام واللباس والأكل ومواعيد السفر ،وبرنامج السهرات مع صفوة المجتمع المفيد التي لا تنتهي كانا يعيشان في عالم آخر لا أعرفه ،أمقته ...لما كنت طالبا وأمنح الجوائز التقديرية كان أبي يضع رزما مالية في جيبي ثم لاشيء بعد ذلك كنت أنتظر تقديرا أدبيا تشجيعا تحفيزا نظرة انتشاء علامة فرح ولكن تبخرت كل احتياجاتي مع الأيام...وبدأت أنكمش على ذاتي وفترت إرادتي وهمد حماسي للدراسة ،وسرعان ما توقفت نهائيا ،وكم أشعر بالحسرة على ذلك..لم يثنن أحد عن قرار ي الغبي ،لم يلمني أبي ثم سمعت منه ما هو أفظع من ذلك لديك المال الكافي يغنيك عن العلم التعيس إنه مجرد وهم كبيرلتجبير خواطر الفقراء ...أحسست بضآلتي وضياعي وقلة حيلتي ..حياتي كلها بعد ذلك أضحت بلا معنى ولا جدوى وقررت الفرار من هذا الجحيم..فنجان الشاي لم يفقد حرارته بعد...استيقظ شعوري على عينين غاية في الألق كانت رائعة وعذبة...مصوبة سهامها نحوي بجرأة عنيفة استسلمت لنظراتها اللذيذة...وفي لحظة ألغى اهتمامها بي جميع إحباطاتي القديمة .........تقدمت نحوي يظهر أنك زبون جديد قالت وهموم كثيرة قلت كنت محتاجا لمن يسمعني محتاجا للبوح للإفضاء لمن يشاركني صميم المشاعر اللطيفة التي أحملها وأعياني ثقلها ،أغرقتني في بحر إصغائها المدهش ..أخرجت مكنون شعوري حدثتها عن انكساراتي ومحطات الفشل ...وأنوارا لأمل التي تملأني وعن أحلام المستقبل ..كانت تبتسم فتتفتح أساريرها الوهاجة على الفجرالذي بزغ رحت أغوص حتى الثمالة في معالم بهائها وأنفاسها الحارة طلبت رقم هاتفي وأصبحنالا نفترق حددت على خريطتها دروب الزمن الجميل الآتي تجولنا في شوارع المدينة وتحت زخات المطر المنعش ...وعلى ضوء القمر أنشدنا معزوفة الوفاء دخلنا أفخم المطاعم وزرنا أرقى المحلات وفي غمرة فرحتي كانت تطلب المزيد ..ولم ابخل عليها بأي شيء..كنت قد استعدت بفضلها توازني المفقود،وأشعرتني بوجودي ،وأحسست بحلاوة الحياة ،وفي صباح يوم مشرق جميل ذهبت لأزف لها قراري بحثت عنها في كل مكان وعرفت متأخرا أنها سافرت ..بخلت علي حتى بكلمة الوداع الأخيرة صدمت..وهدني الخبر اللعين ،وأدركت أن المدينة تجتاحها أمواج الصقيع أخذت أندب حظي ..وأفكر في مصيري المجهول ، وتساءلت هل نحن فعلا على مشارف نهاية المشاعر الجميلة؟وهل هؤلاء هم الممثلون الرئيسيون لرواية الحياة وهل أصبح الحب عملة قديمة؟ ولكن بفضل الإيمان والإرادة استطعت نسيان أيامي المتعبة لأخرج بنصف انتصار،واستجمعت ما بقى لي من روح الحياة ورحت أبحث عن بقايا الأكسجين المبثوث في حناياالطبيعة العذراء..وقادتني رجلاي إلى حديقة ما جلست ...كانت إحداهن تنظر إلي بإمعان وبإصرارأطرقت ،ثم راحت تسمر عينيها في ملامحي المرهفة ...دنت أظنك زائرا جديدا للحديقة ...ودون أن أنبس ببنت شفة نهضت أبحث عن فضاء آخر
    تمت
    عبد النعيم بغيبغ
  • توفيق بن حنيش
    أديب وكاتب
    • 14-06-2011
    • 490

    #2
    أشكرك يا صاحبي على هذا النصّ الذي وضعته بين أيدي القراء وقصّتك فعلا تستحقّ من قلوبنا ان "تصغي"إلى همساتها وانّاتها ...شكرا مرّة أخرى

    تعليق

    • عبدالنعيم بغيبغ
      عضو الملتقى
      • 09-06-2011
      • 16

      #3
      شكرا لك أخي توفيق بن حنيش على اهتمامك بما كتبت
      وردك كان مفعما بالإدراك والذكاء موصولا بالأحاسيس
      النبيلة
      شكرا أخي وعلى المودة نلتقي

      تعليق

      يعمل...
      X