رواية خضر قد والعصر الزيتوني
تأليف الروائي العراقي نصيف فلك
نشرت في كتيب خاص من اصدار جريدة الصباح العراقيه
ان هذه الراوية لم تحكي عن معاناة الشعب العراقي فحسب بل هي تراجيديا الانسان الضائع في زمن الخوف، ضياع الطاقات الكامنة في الشباب، ضياع الابداع، والحضور الانساني ،ضياع الحب والاحلام
كل شئ موقوف بالحرب الزواج ، الدراسة ،الطموح ، المستقبل كلها مشاريع مؤجلة، مادامت الكلاب الزيتونيه تجوب الشوارع والازقة،وتدمر كل ماهو جميل ،تطالعنا وجوهم الكالحة في كل مكان ، انها مأساة حقيقية للعراقي الذي فقد الاحساس بالزمن والمكان كل مايتمناه ان يذوق طعم الراحة وان يضع رأسه على الوسادة ويحلم بحبيبته
ان لايؤخذ من احضان زوجه اومن بين اولاده
اوميد كردي وشيعي وشيوعي كم من العذاب يستحق حتى يرضي الجلاد
وقد الهارب من الجيش الى ايران مالعقاب الذي يستحق ...تساؤلات لاتحتاج الى تفكير فليس غير الموت من عقاب يستطيع النظام ان يرضي بها ساديته
تدور احداث الرواية في مدينة الثورة تلك المدينة التي تضم كل اطياف الشعب العراقي فقد هو المسيحي وهو المسلم وهو المندائي والسني والشيعي، قد يكون تركمانيا
او يكون واحداَ من هؤلاء مادام يقول للسلطان لا، فالكل يتساوى في ميزان العداء للسلطة،
انه يرجعنا الى فترة الثمانينات دون ان يدع لنا فرصة لجذب الانفاس،وكأنه يريد ان يصلنا الى النهاية دون ابطاء،فالكل مربوط بالحدث الصغير. انها حوارية مع النفس، فمن منا لم يعش تلك الفترة المظلمه ،ومن منا لم يطارده ازلام النظام كي يلقي به الى محرقة الحرب...؟ومن منا لم تلق تلك الفترة بظلالها الاسود عليه....؟مدفوعين الى الموت عنوة .لقد ابدع الكاتب بتصوير تلك الحقبة بأسلوب يجمع بين الفكاهة والمأساة فمن قمة الحزن تخرج النكات (اوميد انا مستغرب وحائر من هذا الضحك المتهور الذي راح يهجم علينا هنا ونحن في قعر جهنم الحياة)تخرج تلك الضحكات عفويه وهم في معتقلات الموت
ثمة احلام في اذهاننا اوهمنا انفسنا بها نحاول من خلالها ان نتقمص شخصية المنقذ فتكبر بداخلنا الاحلام ،حوارية دائمة مع الذات اوحلام مراهقة لكثرة ماجند النظام من طاقات اعلامية ومادية لعبت دورا كبيرا في ترسيخ هذا الوهم تعكس الى حد كبير لامعقولية رغبات الفرد اتجاه ديناميكية الصراع العربي الصهيوني حرب اوهام ومحاولات خلاص من هم جاثم على النفوس ( اعتقلوني وانا على وشك تحرير فلسطين كل فلسطين من البحر الى النهر ) هذه قمة التوهان والهذيان النفسي انها نوع من الهلوسة ،ان العبثية التي قادت الشباب الى تلك المهالك وتلك الاحداث المأساوية اوصلت خضر قد الى محاولة لاقناع الذات بأن كل هذه المآسي مرهونة ( بقميصه الجوزي )الذي اشتراه من اللنكات ( ملابس قديمة كانت تاتي الى العراق كمساعدات لبلد صاحب اكبر احتياطي نفطي في العالم )انها سخرية ذكية لعدم مشروعية كل هذه الاهوال والحروب .ومن اكثر الاشياء مدعاة للسخرية هي ورش العوق المنتشرة في مريدي ( سوق لبيع كل غريب يكثر فيه تزوير الوثائق الرسمبه، وبيع الموادالقديمه والمستهلكه)
انها صورة حقيقية من الواقع المر فالكثير من الشباب كان يريد الخلاص من هذه الحرب (كسر يد ،قطع رجل، بتر كف، اواصابع ،أو خلع عين ) بهذه الكلمات يفاجئ عبودي كي يبتعد عن عنابر الموت ( هدايا الحرب تقدم ملفوفة بالعلم العراقي ذلك العلم الذي اصبح منظره يثير الخوف والاشمئزاز لدى العراقيين فهو نذر شؤم اليهم . كم يتمنى الفرد ان ينجح في الدراسة لكن الراسب في العراق كان يهنئ لأنه يرجئ سنة اخرى يبتعد فيها عن الخدمة العسكرية ا والمشاركة في الحرب.. في قمة المأساة هذه تسقط كل الحسابات المنطقيه .
ان الرواية عبارة عن هروب متواصل من الموت لم يكن هروبا للخلاص بل هي محاولات للتنفيس عن الكبت الخانق الذي يعيشه الانسان هروب من العسكرية هروب من الوطن هروب من ايران الذي توهم قد مثلما توهم الكثير انه سيلجأ الى ملائكة من نور ولكنه يصطتدم بواقع مرير، وفي قمة يأسه واستسلامه لهذا الواقع يقول( لم تعد حياتي تعنينني قد تعني اي شخص اخرغيري )نكوص وارتداد بسبب الخوف من المجهول .ان الكائن الحي الانساني نموذج معقد من الطاقة فرغم البلاء وقساوة الحرب والموت المحيق به الا انه لاينسى غريزته ،فالغريزة كالنهر فأنه ينساب في مجراَ خاص به ، فرغم مماساة الانسان الاان هذه الغريزه باقية ومن خلال علاقة عابره مع فتاة في ايران الهارب اليها والهارب منها يجد نفسه منساقا الى جوع غريزي للمرأة يكاد ان يفتك به بعد ان اتهموه بأنه هو الذي اجبر تلك الفتاة على ممارسة الجنس..
ان مااراده الكاتب هو ان الانسان لاينسى انسانيته رغم كل شئ فالحب ، والجنس ، والحنين ،والرغبات كلها موجوده وان كانت مؤجلة بعضا من الوقت؛إن هذه الرواية يجب ان يعطى لها حقها من حيث الاهتمام وطباعتها بشكل جيد وبأخراج يتفق والقيمة الفنية لها
فهي تتناول حقبة من اهم الحقب التأريخية في العراق وهي محاولة لقراءة سيكلوجية الانسان العراقي وتحليلها بحيادية تامة فالبطل لم يكن ايجابيا في كل الاوقات تجده تارة رجال وفينة طفل مرة بطل وحينا جبان فيقمة احزانه يضحك ، وعند الفرح تراه يبكي
واقع عشناه ولازالت اثاره باقيه فينا امتد طيلة حكم البعث والتي كممت الافواه والجمت كل محاولة للرفض وصيرت الانسان حطبا لنار ادفئت غرائز الحاكم و اصطلى بها الشعب...
سالم الحميد
ملاحظه (كان النظام قد عمم لبس الملابس الزيتونيه لافراد الحزب وقياداته..لذا فعنوان الرواية كناية عن تلك الحقبه )