أنا طالع الشجرة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • دينا نبيل
    أديبة وناقدة
    • 03-07-2011
    • 732

    أنا طالع الشجرة

    أنا طالع الشجرة !!



    يا طالع الشجرة ... هات لي معك بقرة

    تحلب وتسقيني ... بالملعقة الصيني
    ..................



    ترتجّ الشجرة بقوة وتهتز أغصانها ، وتأخذ أوراقها في التهاوي والتبعثر حتى بدت كرأس زنجي أشعث صوته مرعب كصوت حفيف أوراقها ... وفجأة وبعيدا عن أي توقع أو تخيل ... سقط جسد عار !! ... فراغت الأصوات بين صرخة وزعقة ... ... وانكسر الإيقاع
    -- " جمال !! "

    هب الناس نحوه .. قلّبته ... وجهه أصفر شاحب قد تجمدت دماؤه في عروقه ... ماذا حلّ به ؟؟

    وبين حسبلة وحوقلة مرت الأحداث سراعا أمام عيني في لحظة شرد فيها فكري وشلّ فيها عقلي ...
    " قرية البقرة " ... قريتنا ...وسبب التسمية وراء موت صاحبي " جمال " ... رفيق عمري .

    كانت تتداول الأخبار منذ زمن ليس بالقصير حول حديقة عمدتنا التي تحوي شجرة وارفة الأغصان ؛ تضرب بأغصانها في الأرض فينبت لها الجذور فتخرج منها شجرة أخرى وهكذا حتى بدت كسلسلة أشجار ملتفة حولها ، وكان فيما يروى عن هذه الشجرة أن هناك بقرة تسكن أعلاها ولها من الكرامات ما يطير له العقل تعجبا ... إنها بقرة تتكلم بل والأدهى أنها تحلب نفسها وتسقي عمدتنا " بملعقة صيني " !!
    طبعا كان الجميع مصدقين فكل مرة تسقي البقرة فيها عمدتنا يخرج علينا بوجه غير الوجه الذي ذهب به ؛ يسود شعره الذي اشتعل شيبا ويعود ممتلئا حيوية قد اختفت تجاعيده وعاد ابن الثلاثين ، وما كان أحد ليشك فيما يقوله العمدة وبطانته من ورائه أن البقرة ستسمم البهائم إن امتنع أصحابها من دفع الإيجار أو أنها ستشعل النار في المحصول إن طالب الفلاحون بحصة سماد زائدة ، وأنها ستفعل وتفعل ... وبالفعل كانت كثيرا ما تفعل ...كان حلم البعض وكابوس الكثير أن يجن جنون البقرة وتنزل من الشجرة ... ترى ما شكلها ؟ ... وماذا ستقول لنا ؟؟

    وكنت أنا و جمال كسائر الصبية في القرية نجري ونتحلق في حلق ونشدو :

    يا طالع الشجرة ... هات لي معك بقرة

    تحلب وتسقيني ... بالملعقة الصيني



    نحلم بحلم لطالما راود أحلامنا البريئة " أن نطلع الشجرة " ونقابل البقرة بل وننزل بها ليعم خيرها الجميع فتعطي هذا كوب لبن ليتغذى عليه وذاك كوب لبن ليصير أكثر شبابا فيقوى على إطعام أولاده ... لكن وحق ربي ما كان أحد ليفكر في ذبحها أو تقسيمها علينا ... ترى ماذا كان ليحدث إن تغذينا عليها ؟ ... لا شك أنه الخلود بلا موت !
    كانت هذه من المسلمات لدينا ،فكل ما حولنا يؤكد ذلك - العمدة وبطانته وبعض من تراءت لهم البقرة في المنام - ومن كان يشك فيها لحظة كان مصيره وصمة الجنون والجحود...

    كبرت أنا وجمال ...
    وكما كنا لا نفترق في القرية كنا لانفترق في الدراسة بالعاصمة ... وعندما عدنا كانت القرية غير القرية ... ماذا تغير فيها ؟ .. ما هذه العيشة ؟ .. ما هذ الجهل والفقر والعمى ؟ ... ألا يرون صورهم في المرآة ؟ .. أشباح تمشي على الأرض .. أحياء أموات سلبت من أعينهم الحياة فضلا عن الابتسام .. ملامح بلا معان .. عقول تائهة وآذان من طين كالذي يدوسون عليه .. صارت كل الوجوه متشابهة .. إنهم قوالب يصبون صبا فإذا ما مر بها الهواء تسمع لها دويا كالنحاس المجوف.

    أخذت أنا وجمال نتجول في القرية نتفرس الوجوه ونقلبها بأعيننا مصدومين ، وكانت صدمتنا الكبرى عندما سمعنا شدو الأولاد :

    يا طالع الشجرة ... هات لي معك بقرة

    تحلب وتسقيني ... بالملعقة الصيني



    --" أتذكر يا جمال ؟"
    -- " أجل ، ماذا يقولون ؟ ... (إيه الهبل ده) !"
    -- " يقولون ما يقول أهالو القرية !"
    مقطبا جبينه، " بجلابيته " الزرقاء انطلق إلى والده يدوس طين الأرض بقدميه فيتخلل أصابعه :
    -- " ما موضوع البقرة يا أبي ؟ "
    -- " بقرة الكرامات والنعم يابني .. . ربنا يحميها لنا !"
    -- " يا أبي هذه خرافة !"
    -- " اسكت يا بني لا ترفع صوتك فيسمعك الناس "
    -- " ألا تسمع يا أبي ما ينشده الصغار ويردده الكبار ؟!! ... كيف تعيش بقرة فوق شجرة ؟... وكيف تحلب وتسقي بنفسها ؟!"
    -- " تسقي بالملعقة الصيني "
    -- " الملعقة صيني أم صنعت في الصين ؟ .... ويا ترى البقرة جنسيتها (إيه )؟ ... أمريكاني؟ ! ... والشجرة شجرتنا ومزروعة في أرضنا وتسقى من مائنا ودمنا !"
    -- " اسكت يا بني .. (كفاية) كلام "
    -- " نعم (كفاية ) كلام .. ويبقى الفعل !"
    جريت وراءه .." ماذا ستفعل يا جمال ؟ " ....
    -- " أنا طالع الشجرة !"
    أخذت اجتهد في العدو خلفه إلا أنه صار كمارد خرج من مصباحه حديثا لا يمكنني اللحاق به أو إيقافه أخشى إن اعترضته أن ينفث النار ويحرقني ! .. قد استشاط غضبا فأصبح لا يرى سوى الشجرة في حديقة العمدة ماثلة أمامه تحوي هذه البقرة الشاذة التي رضيت مفارقة قطيعها من الأبقار وآثرت العيش منعزلة، وقد مسخت طبيعتها فبدلا من حرثها الأرض صارت تسكن الأشجار وتنظر إلى الناس من عل وتخور مستهزئة بهم ، وطمست فطرتها فبدلا من خضوعها لثورها صارت تحلب نفسها بنفسها وتسقي عمدتنا وترضعه لبنها فيعود شابا من أحضانها !
    -- " جمال ... جمال ... انتظر لا تدخل على العمدة هكذا .. لا بد من تصريح ! ... انتظر حتى يخرج من الغرفة أو ينزل يشرب الشاي في الحديقة ... لا تتعدى حرمة الدار ! "
    وتعالت أصواتنا واختلفت أيدينا بين شد وجذب ..فاجتمع أهل القرية حولنا فانتهز جمال الفرصة ووقف خطيبا :" يا أهل القرية .... قد عشتم سنوات طوالا في خرافة ... خرافة البقرة التي تسكن الشجرة ... لا يوجد شئ كهذا ! ... سأثبت لكم .. سأدخل الدار وأطلع الشجرة وألوح لكم من فوق .. أنه لا يوجد لا بقرة ولا ملعقة صيني !"
    وكما توقعت ... ارتفعت الأصوات وامتزجت بين سب ولعن ... نصح وتحذير ... وخوف وترقب ... وكاد الأمر يتطور للصقع والصفع والرجم والحثو إلا أنهلّة العمدة علينا من شرفته كانت أذهب لكل هذا
    وسط سكون ترقب جاثم على صدور الأهالي شق صوته الأجش السكون
    -- " ما هذه الجلبة ؟ ... وما هذا التجمهر ؟ "
    -- " أريد أن أطلع الشجرة !"
    وسط أصداء ضحكه المجلجل الذي رددته صدورهم كانت المفاجأة
    -- " حسنا ... افتحوا له الأبواب ... تفضل !"
    أبهذه السهولة يكون الأمر ؟! ... إذن لم لم يطلبه أحد من قبل ؟ ... ولم سكتنا عليه الدهر ولم يجسر أحد بالتفكير فيه حتى ؟! ...
    وبين دهشة الجميع ... تردد جمال ... يمشي .. يجري ... يخطو خطوة ويتلفت حوله خشية طلقة غدر ... وينظر إلى الأهالي رؤوس مطأطئة وأعناق مشرئبة ...وأعين متعلقة بين الخوف والأمل ... يرى في أحدها الدموع وفي أخرى التبسم ...
    فما إن اطمأن لمسيره حتى أخذ يعدو نحو الشجرة المحفوفة بسياج الأشجار ...


    يا طالع الشجرة ... هات لي معك بقرة

    تحلب وتسقيني ... بالملعقة الصيني


    وسريعا شمر " جلابيته " حتى بدت ساقاه السمراوتان النحيلتان وأخذ يتسلق الشجرة .. راح يتشبث بالأغصان وتتشبث به الأعين والأنفاس .. إن انزلقت قدمه انزلقت قلوبنا وسقطت تحت قدميه
    فما إن وصل إلى قمتها حتى استوى قائما وأشار لنا من بعيد منفرج الأسارير ...... وكانت اللحظة ... لحظة ولوجه في الشجرة ليغيب وسط أوراقها الكثيفة .. كطبقات وحجب بيننا وبينه
    .........
    خرجت " جلابيته " الزرقاء ملوحة في الهواء معلنة الظفر والنصر .... فانفرجت على إثرها الأفواه مكبرة ، ثم .... سقطت
    -- " هل سيخرج الآن ؟ .... بلا جلابية .. عاريا ؟!"
    وبين ترقب الرجال وغض طرف النساء ... صاح صوت عال هزّ الأركان ... خوار بقرة !! ... خارت على إثره القلوب وذابت من الرعب والخور
    -- " هل هناك بقرة ؟ ... ولم لوح بجلابيته ؟ ... ما الأمر ؟"
    وكان ما كان ... انكسر الإيقاع ... واهتزت الشجرة وسقط جمال عار الجسد
    ووسط الصراخ والعويل وذهول الألباب ... أخذت أقلب جسده ...ماذا حلّ به ؟


    وفتحت فمه ... وإذا الملعقة الصيني قد حشرت في حلقه


    ... فحبست بذلك أنفاسه !
    التعديل الأخير تم بواسطة دينا نبيل; الساعة 23-07-2011, 22:49.

  • دينا نبيل
    أديبة وناقدة
    • 03-07-2011
    • 732

    #2
    خدمات رابطة محبي اللغة العربية

    أنا طالع الشجرة !!


    يا طالع الشجرة ... هات لي معك بقرة
    تحلب وتسقيني ... بالملعقة الصيني
    ..................


    ترتجّ الشجرة بقوة وتهتز أغصانها ، وتأخذ أوراقها في التهاوي والتبعثر حتى بدت كرأس زنجي أشعث صوته مرعب كصوت حفيف أوراقها ... وفجأة وبعيدا عن أي توقع أو تخيل ... سقط جسد عار !! ... فراغت الأصوات بين صرخة وزعقة ... ... وانكسر الإيقاع
    -- " جمال !! "

    هب الناس نحوه .. قلّبته ... وجهه أصفر شاحب قد تجمدت دماؤه في عروقه ... ماذا حلّ به ؟؟

    وبين حسبلة وحوقلة مرت الأحداث سراعا أمام عيني في لحظة شرد فيها فكري وشلّ فيها عقلي ...
    " قرية البقرة " ... قريتنا ...وسبب التسمية وراء موت صاحبي " جمال " ... رفيق عمري .

    كانت تتداول الأخبار منذ زمن ليس بالقصير حول حديقة عمدتنا التي تحوي شجرة وارفة الأغصان ؛ تضرب بأغصانها في الأرض فينبت لها الجذور فتخرج منها شجرة أخرى وهكذا حتى بدت كسلسلة أشجار ملتفة حولها ، وكان فيما يروى عن هذه الشجرة أن هناك بقرة تسكن أعلاها ولها من الكرامات ما يطير له العقل تعجبا ... إنها بقرة تتكلم بل والأدهى أنها تحلب نفسها وتسقي عمدتنا " بملعقة صيني " !!
    طبعا كان الجميع مصدقين فكل مرة تسقي البقرة فيها عمدتنا يخرج علينا بوجه غير الوجه الذي ذهب به ؛ يسود شعره الذي اشتعل شيبا ويعود ممتلئا حيوية قد اختفت تجاعيده وعاد ابن الثلاثين ، وما كان أحد ليشك فيما يقوله العمدة وبطانته من ورائه أن البقرة ستسمم البهائم إن امتنع أصحابها من دفع الإيجار أو أنها ستشعل النار في المحصول إن طالب الفلاحون بحصة سماد زائدة ، وأنها ستفعل وتفعل ... وبالفعل كانت كثيرا ما تفعل ...كان حلم البعض وكابوس الكثير أن يجن جنون البقرة وتنزل من الشجرة ... ترى ما شكلها ؟ ... وماذا ستقول لنا ؟؟

    وكنت أنا و جمال كسائر الصبية في القرية نجري ونتحلق في حلق ونشدو :


    يا طالع الشجرة ... هات لي معك بقرة
    تحلب وتسقيني ... بالملعقة الصيني


    نحلم بحلم لطالما راود أحلامنا البريئة " أن نطلع الشجرة " ونقابل البقرة بل وننزل بها ليعم خيرها الجميع فتعطي هذا كوب لبن ليتغذى عليه وذاك كوب لبن ليصير أكثر شبابا فيقوى على إطعام أولاده ... لكن وحق ربي ما كان أحد ليفكر في ذبحها أو تقسيمها علينا ... ترى ماذا كان ليحدث إن تغذينا عليها ؟ ... لا شك أنه الخلود بلا موت !
    كانت هذه من المسلمات لدينا ،فكل ما حولنا يؤكد ذلك - العمدة وبطانته وبعض من تراءت لهم البقرة في المنام - ومن كان يشك فيها لحظة كان مصيره وصمة الجنون والجحود...

    كبرت أنا وجمال ...
    وكما كنا لا نفترق في القرية كنا لانفترق في الدراسة بالعاصمة ... وعندما عدنا كانت القرية غير القرية ... ماذا تغير فيها ؟ .. ما هذه العيشة ؟ .. ما هذ الجهل والفقر والعمى ؟ ... ألا يرون صورهم في المرآة ؟ .. أشباح تمشي على الأرض .. أحياء أموات سلبت من أعينهم الحياة فضلا عن الابتسام .. ملامح بلا معان .. عقول تائهة وآذان من طين كالذي يدوسون عليه .. صارت كل الوجوه متشابهة .. إنهم قوالب يصبون صبا فإذا ما مر بها الهواء تسمع لها دويا كالنحاس المجوف.

    أخذت أنا وجمال نتجول في القرية نتفرس الوجوه ونقلبها بأعيننا مصدومين ، وكانت صدمتنا الكبرى عندما سمعنا شدو الأولاد :


    يا طالع الشجرة ... هات لي معك بقرة
    تحلب وتسقيني ... بالملعقة الصيني


    --" أتذكر يا جمال ؟"
    -- " أجل ، ماذا يقولون ؟ ... (إيه الهبل ده) !"
    -- " يقولون ما يقول أهالو القرية !"
    مقطبا جبينه، " بجلابيته " الزرقاء انطلق إلى والده يدوس طين الأرض بقدميه فيتخلل أصابعه :
    -- " ما موضوع البقرة يا أبي ؟ "
    -- " بقرة الكرامات والنعم يابني .. . ربنا يحميها لنا !"
    -- " يا أبي هذه خرافة !"
    -- " اسكت يا بني لا ترفع صوتك فيسمعك الناس "
    -- " ألا تسمع يا أبي ما ينشده الصغار ويردده الكبار ؟!! ... كيف تعيش بقرة فوق شجرة ؟... وكيف تحلب وتسقي بنفسها ؟!"
    -- " تسقي بالملعقة الصيني "
    -- " الملعقة صيني أم صنعت في الصين ؟ .... ويا ترى البقرة جنسيتها (إيه )؟ ... أمريكاني؟ ! ... والشجرة شجرتنا ومزروعة في أرضنا وتسقى من مائنا ودمنا !"
    -- " اسكت يا بني .. (كفاية) كلام "
    -- " نعم (كفاية ) كلام .. ويبقى الفعل !"
    جريت وراءه .." ماذا ستفعل يا جمال ؟ " ....
    -- " أنا طالع الشجرة !"
    أخذت اجتهد في العدو خلفه إلا أنه صار كمارد خرج من مصباحه حديثا لا يمكنني اللحاق به أو إيقافه أخشى إن اعترضته أن ينفث النار ويحرقني ! .. قد استشاط غضبا فأصبح لا يرى سوى الشجرة في حديقة العمدة ماثلة أمامه تحوي هذه البقرة الشاذة التي رضيت مفارقة قطيعها من الأبقار وآثرت العيش منعزلة، وقد مسخت طبيعتها فبدلا من حرثها الأرض صارت تسكن الأشجار وتنظر إلى الناس من عل وتخور مستهزئة بهم ، وطمست فطرتها فبدلا من خضوعها لثورها صارت تحلب نفسها بنفسها وتسقي عمدتنا وترضعه لبنها فيعود شابا من أحضانها !

    -- " جمال ... جمال ... انتظر لا تدخل على العمدة هكذا .. لا بد من تصريح ! ... انتظر حتى يخرج من الغرفة أو ينزل يشرب الشاي في الحديقة ... لا تتعدى حرمة الدار ! "
    وتعالت أصواتنا واختلفت أيدينا بين شد وجذب ..فاجتمع أهل القرية حولنا فانتهز جمال الفرصة ووقف خطيبا :" يا أهل القرية .... قد عشتم سنوات طوالا في خرافة ... خرافة البقرة التي تسكن الشجرة ... لا يوجد شئ كهذا ! ... سأثبت لكم .. سأدخل الدار وأطلع الشجرة وألوح لكم من فوق .. أنه لا يوجد لا بقرة ولا ملعقة صيني !"
    وكما توقعت ... ارتفعت الأصوات وامتزجت بين سب ولعن ... نصح وتحذير ... وخوف وترقب ... وكاد الأمر يتطور للصقع والصفع والرجم والحثو إلا أنهلّة العمدة علينا من شرفته كانت أذهب لكل هذا
    وسط سكون ترقب جاثم على صدور الأهالي شق صوته الأجش السكون
    -- " ما هذه الجلبة ؟ ... وما هذا التجمهر ؟ "
    -- " أريد أن أطلع الشجرة !"
    وسط أصداء ضحكه المجلجل الذي رددته صدورهم كانت المفاجأة
    -- " حسنا ... افتحوا له الأبواب ... تفضل !"
    أبهذه السهولة يكون الأمر ؟! ... إذن لم لم يطلبه أحد من قبل ؟ ... ولم سكتنا عليه الدهر ولم يجسر أحد بالتفكير فيه حتى ؟! ...
    وبين دهشة الجميع ... تردد جمال ... يمشي .. يجري ... يخطو خطوة ويتلفت حوله خشية طلقة غدر ... وينظر إلى الأهالي رؤوس مطأطئة وأعناق مشرئبة ...وأعين متعلقة بين الخوف والأمل ... يرى في أحدها الدموع وفي أخرى التبسم ...
    فما إن اطمأن لمسيره حتى أخذ يعدو نحو الشجرة المحفوفة بسياج الأشجار ...


    يا طالع الشجرة ... هات لي معك بقرة

    تحلب وتسقيني ... بالملعقة الصيني

    وسريعا شمر " جلابيته " حتى بدت ساقاه السمراوتان النحيلتان وأخذ يتسلق الشجرة .. راح يتشبث بالأغصان وتتشبث به الأعين والأنفاس .. إن انزلقت قدمه انزلقت قلوبنا وسقطت تحت قدميه
    فما إن وصل إلى قمتها حتى استوى قائما وأشار لنا من بعيد منفرج الأسارير ...... وكانت اللحظة ... لحظة ولوجه في الشجرة ليغيب وسط أوراقها الكثيفة .. كطبقات وحجب بيننا وبينه
    .........
    خرجت " جلابيته " الزرقاء ملوحة في الهواء معلنة الظفر والنصر .... فانفرجت على إثرها الأفواه مكبرة ، ثم .... سقطت
    -- " هل سيخرج الآن ؟ .... بلا جلابية .. عاريا ؟!"
    وبين ترقب الرجال وغض طرف النساء ... صاح صوت عال هزّ الأركان ... خوار بقرة !! ... خارت على إثره القلوب وذابت من الرعب والخور
    -- " هل هناك بقرة ؟ ... ولم لوح بجلابيته ؟ ... ما الأمر ؟"
    وكان ما كان ... انكسر الإيقاع ... واهتزت الشجرة وسقط جمال عار الجسد
    ووسط الصراخ والعويل وذهول الألباب ... أخذت أقلب جسده ...ماذا حلّ به ؟


    وفتحت فمه ... وإذا الملعقة الصيني قد حشرت في حلقه


    ... فحبست بذلك أنفاسه !



    تعليق

    • سلام الكردي
      رئيس ملتقى نادي الأصالة
      • 30-09-2010
      • 1471

      #3
      تم النقل بنجاح,شكراً لسعة صدرك استاذتنا دينا نبيل,كما شكراً لثقتك بنا نحن نادي اصالة للإبداع الأدبي.
      [COLOR=#0000ff][SIZE=6][FONT=Andalus][COLOR=black]انا الدمشقي .. لو شرحتم جسدي... لسال منه ,عناقيد وتفاح[/COLOR]
      [COLOR=darkorange]ولو فتحتم شراييني بمديتكم...سمعتم في دمي اصوات من راحوا[/COLOR][/FONT][/SIZE][/COLOR]
      [FONT=Andalus][SIZE=6][COLOR=#0000ff][/COLOR][/SIZE][/FONT]
      [FONT=Andalus][SIZE=6][COLOR=#0000ff][/COLOR][/SIZE][/FONT]
      [FONT=Andalus][SIZE=6][COLOR=seagreen]مآذن الشام تبكي اذ تعانقني...[/COLOR][/SIZE][/FONT][FONT=Andalus][SIZE=6][COLOR=#0000ff][COLOR=seagreen]وللمآذن, كالاشجارارواح[/COLOR]
      [COLOR=purple]للياسمين, حقوق في منازلنا...وقطة البيت تغفو .. حيث ترتاح[/COLOR][/COLOR][/SIZE][/FONT]
      [COLOR=#0000ff][/COLOR]

      تعليق

      • سلام الكردي
        رئيس ملتقى نادي الأصالة
        • 30-09-2010
        • 1471

        #4
        لم تنتهي القصة عند هذا الحد.
        هذا ما أشعر به حتى الاّن .
        أكاد أجزم أن هناك ما يجب قوله,وأحداث لم تذكرها الكاتبة بعد.
        أهي الفكرة التي تشد القارئ وتجعله يطلب المزيد ولا يقتنع بأن الكاتب قد أنهى كتابته هنا؟
        وينتظر جزءاً اّخر ربما.
        لكنه ليس مسلسلاً "تلفزيونياً" ولا هي أحداث من قلب الواقع والمجتمع الذي يعيشه القارئ,ليكون في الامر ما يقبل جزئيات متوالية,تسرد أحداثاً لا تنتهي.
        أم أنه اسلوب الكاتبة,المشوق,الذي من شأنه ان يحث القارئ على القول بأن النص لم ينتهي هنا,مزيد من المتعة في القراءة القصصية الجميلة, والتي قد تكون نادرة بحسب رأي القارئ للوهلة الاولى؟
        ذكرتني هذه القصة بقصص الأطفال في البرامج التلفزيونية القديمة,"حكايات من العالم","كان يا ما كان".
        أفكار سريالية إلى حد كبير,استطاعت أن تلامس قلوبنا كأطفال,وما اقدر الكاتب على الكتابة حين يستطيع الوصول بنصوصه إلى قلب طفل,وهو العصي على الكثير من الأدباء والفنانين,هذا وإن دل.
        فإنه يدل على قدرة الكاتبة ,على ابتكار الفكرة التي تشد القارئ وتجعل من النص محط أنظار الكثيرين ممن يتوخون الجدية في القراءة وتفنيد النصوص الأدبية.
        هذا من جهة.
        ومن جهة أخرى,نستطيع القول:
        بأن الكاتبة استطاعت توظيف المفردات لخدمة شاعريتها التي بدت واضحة في النص من خلال بعض الصور الأدبية الجميلة والمبهرة رغم المبالغة في بعضها,إلا أنها استطاعت شد القارئ إلى هذِاللجزئية بالذات من نصهاباقتدار ومهارة نادرين.
        وهذا دائما ما يحسب للكاتب ويمنحه المزيد من التميز.

        يتبع
        [COLOR=#0000ff][SIZE=6][FONT=Andalus][COLOR=black]انا الدمشقي .. لو شرحتم جسدي... لسال منه ,عناقيد وتفاح[/COLOR]
        [COLOR=darkorange]ولو فتحتم شراييني بمديتكم...سمعتم في دمي اصوات من راحوا[/COLOR][/FONT][/SIZE][/COLOR]
        [FONT=Andalus][SIZE=6][COLOR=#0000ff][/COLOR][/SIZE][/FONT]
        [FONT=Andalus][SIZE=6][COLOR=#0000ff][/COLOR][/SIZE][/FONT]
        [FONT=Andalus][SIZE=6][COLOR=seagreen]مآذن الشام تبكي اذ تعانقني...[/COLOR][/SIZE][/FONT][FONT=Andalus][SIZE=6][COLOR=#0000ff][COLOR=seagreen]وللمآذن, كالاشجارارواح[/COLOR]
        [COLOR=purple]للياسمين, حقوق في منازلنا...وقطة البيت تغفو .. حيث ترتاح[/COLOR][/COLOR][/SIZE][/FONT]
        [COLOR=#0000ff][/COLOR]

        تعليق

        • دينا نبيل
          أديبة وناقدة
          • 03-07-2011
          • 732

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة سلام الكردي مشاهدة المشاركة
          لم تنتهي القصة عند هذا الحد.
          هذا ما أشعر به حتى الاّن .
          أكاد أجزم أن هناك ما يجب قوله,وأحداث لم تذكرها الكاتبة بعد.
          أهي الفكرة التي تشد القارئ وتجعله يطلب المزيد ولا يقتنع بأن الكاتب قد أنهى كتابته هنا؟
          وينتظر جزءاً اّخر ربما.
          لكنه ليس مسلسلاً "تلفزيونياً" ولا هي أحداث من قلب الواقع والمجتمع الذي يعيشه القارئ,ليكون في الامر ما يقبل جزئيات متوالية,تسرد أحداثاً لا تنتهي.
          أم أنه اسلوب الكاتبة,المشوق,الذي من شأنه ان يحث القارئ على القول بأن النص لم ينتهي هنا,مزيد من المتعة في القراءة القصصية الجميلة, والتي قد تكون نادرة بحسب رأي القارئ للوهلة الاولى؟
          ذكرتني هذه القصة بقصص الأطفال في البرامج التلفزيونية القديمة,"حكايات من العالم","كان يا ما كان".
          أفكار سريالية إلى حد كبير,استطاعت أن تلامس قلوبنا كأطفال,وما اقدر الكاتب على الكتابة حين يستطيع الوصول بنصوصه إلى قلب طفل,وهو العصي على الكثير من الأدباء والفنانين,هذا وإن دل.
          فإنه يدل على قدرة الكاتبة ,على ابتكار الفكرة التي تشد القارئ وتجعل من النص محط أنظار الكثيرين ممن يتوخون الجدية في القراءة وتفنيد النصوص الأدبية.
          هذا من جهة.
          ومن جهة أخرى,نستطيع القول:
          بأن الكاتبة استطاعت توظيف المفردات لخدمة شاعريتها التي بدت واضحة في النص من خلال بعض الصور الأدبية الجميلة والمبهرة رغم المبالغة في بعضها,إلا أنها استطاعت شد القارئ إلى هذِاللجزئية بالذات من نصهاباقتدار ومهارة نادرين.
          وهذا دائما ما يحسب للكاتب ويمنحه المزيد من التميز.

          يتبع

          سيدي الفاضل الاستاذ سلام ...

          أشكر لحضرتك التعليق على نصي المتواضع والنصائح التي توجها للمبتدئين أمثالي في مجال الكتابة
          ونقد نصي النقد البناء الذي أطمح إليه دائما وهذا هو عهدي بالاساتذة الفضلاء في هذا الملتقى المحترم ،

          أشكرك سيدي شكرا جزيلا على التشجيع ولا حرمنا الله توجيهاتك التي تأخذ بأيدينا إلى الطريق

          وبانتظار بقية التعليق ان شاء الله

          تعليق

          • سلام الكردي
            رئيس ملتقى نادي الأصالة
            • 30-09-2010
            • 1471

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة سلام الكردي مشاهدة المشاركة
            لم تنتهي القصة عند هذا الحد.
            هذا ما أشعر به حتى الاّن .
            أكاد أجزم أن هناك ما يجب قوله,وأحداث لم تذكرها الكاتبة بعد.
            أهي الفكرة التي تشد القارئ وتجعله يطلب المزيد ولا يقتنع بأن الكاتب قد أنهى كتابته هنا؟
            وينتظر جزءاً اّخر ربما.
            لكنه ليس مسلسلاً "تلفزيونياً" ولا هي أحداث من قلب الواقع والمجتمع الذي يعيشه القارئ,ليكون في الامر ما يقبل جزئيات متوالية,تسرد أحداثاً لا تنتهي.
            أم أنه اسلوب الكاتبة,المشوق,الذي من شأنه ان يحث القارئ على القول بأن النص لم ينتهي هنا,مزيد من المتعة في القراءة القصصية الجميلة, والتي قد تكون نادرة بحسب رأي القارئ للوهلة الاولى؟
            ذكرتني هذه القصة بقصص الأطفال في البرامج التلفزيونية القديمة,"حكايات من العالم","كان يا ما كان".
            أفكار سريالية إلى حد كبير,استطاعت أن تلامس قلوبنا كأطفال,وما اقدر الكاتب على الكتابة حين يستطيع الوصول بنصوصه إلى قلب طفل,وهو العصي على الكثير من الأدباء والفنانين,هذا وإن دل.
            فإنه يدل على قدرة الكاتبة ,على ابتكار الفكرة التي تشد القارئ وتجعل من النص محط أنظار الكثيرين ممن يتوخون الجدية في القراءة وتفنيد النصوص الأدبية.
            هذا من جهة.
            ومن جهة أخرى,نستطيع القول:
            بأن الكاتبة استطاعت توظيف المفردات لخدمة شاعريتها التي بدت واضحة في النص من خلال بعض الصور الأدبية الجميلة والمبهرة رغم المبالغة في بعضها,إلا أنها استطاعت شد القارئ إلى هذِاللجزئية بالذات من نصهاباقتدار ومهارة نادرين.
            وهذا دائما ما يحسب للكاتب ويمنحه المزيد من التميز.

            يتبع
            من ثم استخدام اللهجة العامية في السياق العام للنص,جاء موفقاً في أكثر الزوايا,وكان حميميا,يخرج القارئ من أتون الجدية وملاحقة المعاني التي قد تبدو غامضة في بعض الزوايا,للارتياح والفهم السريع,ضمن إطار بعض الجمل العامية كقول الكاتبة:
            "- " أجل ، ماذا يقولون ؟ ... (إيه الهبل ده) !""
            "وياترى البقرة جنسيتها"ايه"؟
            و يتنابني بعض الشك في فهمي,حول تلوين بعض الفقرات بلون مغاير,واختيار الأحمر لها لوناً مفضلاً,أنا لا أستطيع تجاهل هذه الناحية في الكتابات وعادة ما استطيع تفسيرها وتأويلها غير أني في هذا النص أقف عاجزاً عن الفهم,لذلك أقف عند هذه الجززئية متسائلاً فحسب,ولا أنتظر من الكاتبة شرحاً يفيد في هذا الخصوص ,لأن كتاب النصوص, غير ملزمين بالإجابة عن تساؤلات القراء التي لا تتعلق بالبنية واللغة.
            أعجبني اسلوب الكاتبة في استخدامها بعض المفردات الفصيحة والتي هي أقرب إلى العامية لتشرح شعوراً خاصاً,تريد الكاتبة أو توصله إلى القارئ باستخدام هذه الطريقة التي هي في الاصل سجع,لكنه يختلف عن السجع القديم"سجع الكهان"الغير مرغوب به في النصوص الأدبية هذه الايام.
            ذلك كقول الكاتبة"
            "

            يا طالع الشجرة ... هات لي معك بقرة

            تحلب وتسقيني ... بالملعقة الصيني"

            شكرا جزيلاً للكاتبة دينا نبيل,مع فائق الاحترام والتقدير.
            [COLOR=#0000ff][SIZE=6][FONT=Andalus][COLOR=black]انا الدمشقي .. لو شرحتم جسدي... لسال منه ,عناقيد وتفاح[/COLOR]
            [COLOR=darkorange]ولو فتحتم شراييني بمديتكم...سمعتم في دمي اصوات من راحوا[/COLOR][/FONT][/SIZE][/COLOR]
            [FONT=Andalus][SIZE=6][COLOR=#0000ff][/COLOR][/SIZE][/FONT]
            [FONT=Andalus][SIZE=6][COLOR=#0000ff][/COLOR][/SIZE][/FONT]
            [FONT=Andalus][SIZE=6][COLOR=seagreen]مآذن الشام تبكي اذ تعانقني...[/COLOR][/SIZE][/FONT][FONT=Andalus][SIZE=6][COLOR=#0000ff][COLOR=seagreen]وللمآذن, كالاشجارارواح[/COLOR]
            [COLOR=purple]للياسمين, حقوق في منازلنا...وقطة البيت تغفو .. حيث ترتاح[/COLOR][/COLOR][/SIZE][/FONT]
            [COLOR=#0000ff][/COLOR]

            تعليق

            • سلام الكردي
              رئيس ملتقى نادي الأصالة
              • 30-09-2010
              • 1471

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة دينا نبيل مشاهدة المشاركة
              سيدي الفاضل الاستاذ سلام ...

              أشكر لحضرتك التعليق على نصي المتواضع والنصائح التي توجها للمبتدئين أمثالي في مجال الكتابة
              ونقد نصي النقد البناء الذي أطمح إليه دائما وهذا هو عهدي بالاساتذة الفضلاء في هذا الملتقى المحترم ،

              أشكرك سيدي شكرا جزيلا على التشجيع ولا حرمنا الله توجيهاتك التي تأخذ بأيدينا إلى الطريق

              وبانتظار بقية التعليق ان شاء الله
              شكراً, لهذه الكلمات الراقية أستاذة دينا نبيل,أحسن الله إليكِ,وجزاك عنا كل خير.
              رمضان مبارك لنا ولكم إن شاء الله.
              التعديل الأخير تم بواسطة سلام الكردي; الساعة 01-08-2011, 13:13.
              [COLOR=#0000ff][SIZE=6][FONT=Andalus][COLOR=black]انا الدمشقي .. لو شرحتم جسدي... لسال منه ,عناقيد وتفاح[/COLOR]
              [COLOR=darkorange]ولو فتحتم شراييني بمديتكم...سمعتم في دمي اصوات من راحوا[/COLOR][/FONT][/SIZE][/COLOR]
              [FONT=Andalus][SIZE=6][COLOR=#0000ff][/COLOR][/SIZE][/FONT]
              [FONT=Andalus][SIZE=6][COLOR=#0000ff][/COLOR][/SIZE][/FONT]
              [FONT=Andalus][SIZE=6][COLOR=seagreen]مآذن الشام تبكي اذ تعانقني...[/COLOR][/SIZE][/FONT][FONT=Andalus][SIZE=6][COLOR=#0000ff][COLOR=seagreen]وللمآذن, كالاشجارارواح[/COLOR]
              [COLOR=purple]للياسمين, حقوق في منازلنا...وقطة البيت تغفو .. حيث ترتاح[/COLOR][/COLOR][/SIZE][/FONT]
              [COLOR=#0000ff][/COLOR]

              تعليق

              يعمل...
              X