اعتلى شجرة الجميز الباسقة ليراقب الفتيات وهن يملأن الجرار من النبعة، فسمع صوت أبيه آمرا: انزيل يا هبيل ،شوبتساوي عاالشجرة؟ قاعد بتبحلق عالنسوان يا عديم الأدب والناموس.
تأتأ عبدول بسذاجته المعهودة: التوبة يا بيي ما رح عيدا بس أنا صرت شب وبدي مره( امرأة)!! شو بعمل يا بيي كل ما شفت مره الشيطان بيرقص قدامي .
: نزيل يا عبدول وأنا رح جوزك ، قولي مين البنت اللي بتستحليها من بنات عمك أو من بنات الضيعة .
: قلتلك يا بيي أي مره!!
قال متعجبا من جواب عبدول:يا هبيلة ،لواخترتلك جحشة "بوصطوف" ما قلتش لأ.
نزل عبدول عن الجميزة واقترب من والده معتذرا وقبّل يده وطأطأ رأسه احتراما
قال بحزم:يا عبدول مهر بنت عمّك غالي، لأنو عمّك بها المهرلازم يشتري دونمين أرض في الضيعة ،هيدي عاداتنا، سافرعالمدينة واشتغل حمّال لتجهز المهر.
هذا هو عبدول،فلاح ساذج له عزيمة الشباب المتدفق وعشق للنساء لا يهدأ ،يذهل عقله كلّما لاحت له تنورة أو رأى قواما يتمايل مع رقصة الجرارعلى الأكتاف، استعد للسفر، بدّل بنطاله التراثي (البنطال ذو السرج المنخفض إلى ركبتيه"الشروال") وتفرنج ليرتدي البنطال الضيق، بدأ بتوفيرالمهر من خلال عمل تنهدّ له الجبال، لكنّ عبارة والده قيّدته "إياك والبحلقة في النسوان ولازم غضّ البصر، وإلا لا أنت ابني ولا بعرفك " تاهت منه الكلمات حين وعد والده أن يغضّ البصر فالمهر يحتاج إلى سنتين من الكفاح، سباق مريرمع الزمن والجائزة "امرأة".
وضع أشياءه في كيس من الكتان وسحب من تحت فرشته مجموعة من صور النساء التي اقتنصها من مجلة أعطاها له ابن المختار، فلمّا دخل والده فجأة خبأها في الجيب الخلفي لبنطاله وحمل الكيس على ظهرهوغادر إلى المدينة المتألقة بحضارة الشرق والغرب والتي تعج بخليط من ثقافات تعجز العقول عن إدراكها، وحفظ تحذيره من مدينة تتباهى بعُري نسائها باسم الرقيّ، وصل إلى الموقف العام للمدينة، ازدحام بشريّ، خليط من الرجال والنساء من مختلف الأعمار، وقف للحظات مذهولا فاغرا فاه ، ما هذه المدينة ؟إنّها غابة من السيقان والصدور المتقافزة والأذرع العارية والشعور المتطايرة، ماذا سيفعل بالوعد الذي قطعه لوالده .
بدأ العمل حين سمع صوتا: تعال يا حمّال وانطلق للعمل، أخذت القروش تنصبّ في جيوبه والفرح يدغدغ أحلامه، نودي لحمولة إلى أحد الفنادق الفخمة عند الشاطيء، كان يظنّ أنّ الشاطئ مياه مالحة وأسماك وصخور وبواخر لكن لم يخطر بباله أن شاطئ الفندق يعجّ بالحوريات في ملابس البحر شبه العارية، أيفقأ عينيه ليغضّ البصر، سار بحمولته مطأطئ الرأس والعين تسرق الرؤى الشهية، لوأغمض عينيه في المطلق لاصطدم بألف جدار وأصبح فريسة للعثرات والدحرجات.
مزّق صور الفتيات، فالبث هنا حيّ ومباشر، بُنية قوية غذتها خيرات القرية ليحمل ثقيل الأحمال بلا معاناة، يأكل الرخيص من الأطعمة وينام في غرفة بائسة.
أراد أن يستثمر زمنه فقررالبحث عن مكان يتضاعف العمل فيه، توسّط أحدهم له للعمل في المطار الدولي لتلك المدينة نظرا لنشاطه، ففي المطار سيتدفق عليه أنواع النقد و"البقشيش" لكنّ النساء في هذا المكان فاتنات، أجنبيات وعربيات ومن كل الأجناس، وحرصه على غض البصر وقهر الغريزة يتسبب له بمعاناة شديدة.
إنها قادمة من هناك، تتأبط ذراع زوجها أو حبيبها، قامتها طويلة كنخلة سامقة، لم تكن مثل "عيوش" ممتلئة تتدحرج في مشيتها وليست قصيرة مثل "خدوج" بالكاد تتحقق من تفاصيل قوامها، لكنّ تنورتها قصيرة جدا تستر جزءايسيرا من الفخذين، بدت وكأنها تقف على أعمدة من المرمر، تحتضن رجلها وتبكي لفراقه، دمعها يزيدها جمالا، حاصرتها النظرات وانحسرت فيها وكأنها نار تذيب من حولها، سمع رجليغازلها( أوه.. إنها توب مودلز ) فهم أنها كلمات إعجاب، لم يكن وحده التي لفتت نظره لقد أذهلت الجميع بجمالها،هذا يغمز وذاك يصفر وآخر يبتسم، وكلمات غزل من هنا وهناك، فكان يحدّق بها مرارا ويمسح اللعاب بكمه،عند بوابة المسافرين قبّلت رجلها وتركها ليدخل قاعة المسافرين وهي تلوح له من بعيد، ثم ّدلفت اإلى الشرفة التي تمكّنها من رؤيته متوجها إلى الطائرة، وقفت هناك وشعرها الفاحم يتطاير،تلوح بيديها العاريتين إلى الحبيب المغادر، ويا لهول ما تبرزه فتحة الصدر، انحنت أكثر، تاه عبدول بنظراته من بعيد إلى التنورة التي تنحسر أكثر إلى الأعلى، غضّ البصر ،لكنّ المشهد يزيده إثارة، البراكين تتفجر داخله، حمل حمولة كبيرة عسى البركان يخمد،ثمّ عاد،عساها تترك الشرفة لكنّها واقفة بانحناء والتنورة تنحسر للأعلى، غضّ البصر اصطدم بالعامود ونزف جبينه، احترقت كل مساماته شيء ما يصرخ بداخله لم يعد يملك السيطرة على كيانه يحدّق في أعمدة المرمر، مرّ بقربها شعر أن نيران جهنم تلفحه ففرّ بعيدا، وغضبات العيب آتية من داخله تصفعه، اختبأ خلف الأعمدة يناور نفسا انهارت كل ّقيمها أمام غريزة الجسد، وللحظات هربت من الزمن، غفلت عنه آدميته، فانطلق إليها كسهم مسموم، التصق فيها، صرخت، قيدها بيديه الحديديتين ، وربطها بالحبل كأيّ متاع واغتصبها أمام الملأ، صراخها ملأ المكان، الشرطي يضربه بكعب بندقيته، الناس ملأته بالبصاق، الأحذية هوت عليه من جميع الاتجاهات، لم يعد عبدول" هبيلة" فالوحش انطلق من داخله لم يعد هناك مجال للابتعاد عنها، والسياط تلسعه وهو غائب في عالم النشوة الحارقة، لو قطّعوه إربا لما انزاح عنها إلى أن ينال مبتغاه، وتركها حطام امرأة وحملتها سيارة الإسعاف ودمع النساء يبكيها ،عار ما فعله، والألسن تنعته بأقسى الصفات، قيدته الشرطة وجرّته في أرض المطار ككلب مصعوق ودماؤه تنزف وكاميرات التصوير تلتهم اللقطات، إنّها فضيحة الساعة، والده تبرأ منه، ورفض عمّه مصاهرته،وفي لحظات الصحوة وعودة الرشد إلى إنسانيته، عنّف نفسه وبكى ، ماذا فعل؟ وخال حبل المشنقة يلتفّ حول عنقه، إنّه ينتظر حكم المحكمة بتهمة اغتصاب سيدة فاضلة علنا في مكان عام .
السؤال الكبير الذي أعلنه القاضي:هل هو مذنب يستحق أقسى عقوبة أم غير مذنب، ومن الذي أشهر السيف في تلك الحادثة؟ وما الحكم الذي يستحقه ؟
(هذه الحادثة وقعت في أحد المطارات العربية منذ زمن)
تعليق