قال جدي في صبيحة حزينة:
- سنذبح بقرة لنطرد الشياطين من القرية و تحجب عنا صور المجاعة.
رد والدي بانفعال:
- لا، لن نذبح لا بقرة، و لا جملا، سنهاجر و السلام.
قالت جدتي وهي تشير إلى أبي بأنامل مرتعشة :
- اسمع، يا ولد، الرأي رأي أبيك، سنذبح البقرة الصفراء إذن…!
قالت أمي:
- البقرة الصفراء لا تستحق الذبح، فكم ساندنا ضرعها الكريم في
سنوات الجفاف.
رد جدي بلهجة صارمة:
- لهذا السبب وقع اختيارنا على البقرة الصفراء…!
أصر جدي على ذبح البقرة الصفراء، شحذت جدتي السكـين .
وأوقدت نارا.يئست أمي وركب رأس أبي العناد..هاجر الديار،
وترك لأمي أشواك العذاب ..!

أكلنا اللحم، وصلينا أكثر من مرة صلاة الاستسقاء، وما هطـل
المطـر..!
سألت أمي عن غياب أبي فقالت بحزن دفين:
- مسافر هو.. اطمئن لابد أنه سيعود،وسيحضر لك ألبسـة ودمى…ويروي لك حكايات عجيبة ..!
و سألت جدي، وبعد برهة تفكير، رد بصرامة الشيخ العنيد :
- أصابته لعنة السماء يا ولدي، لكن لا تيأس سأذبح البقـرة
السوداء، تبركا بالسماء ، سيعود إن شاء الله… !
شحذت جدتي السكين.وأوقدت نارا.حزنت أمي.. ركب رأسي
العناد فامتنعت عن أكل اللحم!بكيت أياما… أما هم فقد أكلوا اللحم، وما عاد أبي..!
سألتني أمي عن جدوى البكاء، فقلت :
- دموعي سمكات فضية تتراقص على إيـقاع الموج،وتستلقـي
على صفحات الماء ..!

قالت جدتي بلغة ذات انتحاب :
- ماذا تقول يا ولد.؟ أين السمكة، وأين الماء؟ يا عيني عليك يا ولدي..!
وقال جدي بلغة اليقين :
- الولـد، شبيه أبيه، نزلت عليه لعنة السماء هو الأخر.!ولذلك سنذبح البقـرة البيضاء، وسيعافى إن شاء الله!
صرخت أمي بأعلى صوتها:
لا، لا، إلا البقرة البيضاء ..سنذبحها حين عودة الأب..!
ركب العناد رأس جدي.شحذت جدتي السكين، أوقدت نارا..
حزنت أمي، وامتنعت أنا عن أكل اللحم.وأوصيتها بالامتنـاع..
أكل جدي وجدتي اللحم وحدهما حتى شبعا..
هكذا ذبحت البقرة الصفراء وما أمطرت السماء..وكذا السوداء
وما حان اللقاء ..وتلتهما البيضاء ولا زلت أنا شبيه أبي.. أومن بالهجرة، سأزفها عروسا لي في المساء ..!