الرعــــــــــــاة - أقصوصة-

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حميد بن خيبش
    أديب وكاتب
    • 08-09-2010
    • 28

    الرعــــــــــــاة - أقصوصة-

    الرُعــــــــــــــــا ة -أقصوصة-

    إني اراهم هناك ..على تلة هادئة..يعفرون وجه السماء بغبار قطعانهم ..يمدحون الله بموال ..مشدود إلى أوتار القلب ..يصفرون..يغنون ..يركضون خلف الحِملان الوجلة ..يمتليء الوادي ثغاء ..وحين يتعبون ..ينتقون من قعر الوادي حجارة ملساء..يصُفونها ..ويوقدون عليها النار ..حين تتقد الحجارة يطهون عليها خبزهم..ويُعدون شايهم ..ينتشون بما جادت عليهم به ..يد الإله الحانية .. يتمددون ..يتقلبون كأنما التل فر اش اثير..تبرك الشياه حولهم .. يهدأ كل شيء ..
    إني اراهم هناك..بعد أن مالت الشمس إلى المغيب ..يتلاومون ..يركلون أشياءهم غيظا ..القطعان تفرقت ايادي سبأ..يممت كل شاة إلى حيث الكلأ الوفير .. ركضوا بجنون في كل اتجاه.. يلملمون شعث القطيع .. صفير و صياح وثغاء يُحيل المدى سمفونية صاخبة .. تجمعت الشويهات بعد إنهاك و غضب ..جدت المسير صوب القرية ..كتائب من الصوف الأبيض تكسر رتابة المشهد ..
    إني اراهم هنا .. متحلقين حول الدكان الوحيد في القرية ..يتسامرون ..يدخنون التبغ الرديء..يحتسون الشاي في كؤوس باهتة ..يلحون على شيخ يرقب أذان العشاء لأن يروي لهم نتفا من سير البطولة ..يتافف الشيخ ثم يشرع في نسج خيوط الحكاية..ينصتون بشرهِِِ ..يملأ الجو عبق الخرافة ..جنيات و عفاريت و ساحرات ..يمرر أحدهم اصبعه على قفا صاحبه ..ينتفض كأنما لدغته حية ..يضحكون ..يُقسم الشيخ ألا يكمل الحكاية ..يغمغمون ..يتفرقون كل إلى خيمته
    إني أراهم هنا ..ذات صباح يحملقون ..في شاحنات محملة بقضبان سميكة ..قيل لهم أن خط السكة الحديدية سيشطر قريتهم نصفين ..همهموا ثم ساقوا قطعانهم صوب التلة الهادئة ..
    مرت اسابيع على بدء الاشغال .. انضاف العمال إلى حلقة الدكان ..اُجبر الشيخ على رفع صوته ليبلغ آذان الجميع .. لم يُنصتوا بشره كالعادة..فهم متوجسون ..ينتابهم إحساس غامض بأن هذه السكة ستنفث سمها على القرية ..
    ذات يوم قائظ حيل بينهم وبين التلة الهادئة ..اُجبروا على تزيين القرية احتفاء بسعادة المُحافظ.. سيدشن خط السكة الحديدية .. زفروا ..حكوا الأُرُم غيظا ..ثم عادوا الى خيامهم حنقين ..
    إني..لا أراهم هناك !!



    ذ. حميد بن خيبش
    فرق بين أن تحمل رماد السلف .. أو تحمل شعلته
  • محمد فطومي
    رئيس ملتقى فرعي
    • 05-06-2010
    • 2433

    #2
    إنّي أراهم هناك رؤيا استحضار و ذاكرة و حنين لاهب،و إنّي لا أراهم هناك فهي رؤيا اليقين و هي الصّورة التي عليها الحاضر،طبعا ليسوا هناك حتّى و هم هناك.
    لا شاي و لا حكايات و لا مزاج للمزاح و لا هويّة و لا عفويّة،ستنجح السكّة يوما ما في شطرهم نصفين حتّى و إن استبعدوا الفكرة و قاموموها.سيصير هناك شمال و جنوب بعد أن كانت أرضا لا تفهم الاتّجاهات.
    أعرف قرية روّج أحدهم أنّ سدّا سيقام فيها يربط جبلين،فماكان من الأهل إلاّ أن هجروا فلاحتهم و عقدوا أيديهم ينتظرون التّعويض،هذا العام العاشر و فلا سدّ و لا محصول.
    حين استعصى الهنود الحمر على الغزاة البيض خرجوا في حملات إبادة للجواميس البرّيّة،تكسّرت إذّاك عقيدة الهنود و انقسموا و اختلفوا و منهم من صار يقاتل مع الجبهة الأخرى.
    لغة غاية في الجمال إخراج فريد من نوعه يحدّث عن تجربة و حرفيّة أدبيّة كبيرة .
    مودّتي و تقديري أستاذ حميد بن خيبش.
    مدوّنة

    فلكُ القصّة القصيرة

    تعليق

    • حميد بن خيبش
      أديب وكاتب
      • 08-09-2010
      • 28

      #3
      قراءة للنص أتشرف بها من أستاذ جليل ..وتفاعل ينم عن ذوق فني عال اسعدني أني نلت منه قسطا و ارجو أن اكون عند حسن ظنكم سيدي ..
      بارك الله فيك
      فرق بين أن تحمل رماد السلف .. أو تحمل شعلته

      تعليق

      • ريما ريماوي
        عضو الملتقى
        • 07-05-2011
        • 8501

        #4
        نعم اعجبني ما قرأت, السرد جميل يشدك للنهاية,
        والعبرة واضحة, وكذلك رد الاستاذ محمد كان في الصميم,
        أهلا بك ألأخ حميد بيننا.
        تحيااااتي.


        أنين ناي
        يبث الحنين لأصله
        غصن مورّق صغير.

        تعليق

        • حميد بن خيبش
          أديب وكاتب
          • 08-09-2010
          • 28

          #5
          شكرا الاخت ريما على المرور الطيب و الترحاب ..
          تفاعل اعتز به
          فرق بين أن تحمل رماد السلف .. أو تحمل شعلته

          تعليق

          • آسيا رحاحليه
            أديب وكاتب
            • 08-09-2009
            • 7182

            #6
            بين وجودهم هناك ثم لا وجودهم هناك ..تتالت الصور بلغة سليمة جميلة ..
            هؤلاء الرعاة قد يكونون رعاة غنم و فقط و قد يرمزون لشعب بأكمله ..
            شقّت صفوفه سكك الفساد و الظلم ..فكانوا هناك و ما هم بهناك !
            استمتعت بالقراءة لك.
            تحيّة و تقدير.
            يظن الناس بي خيرا و إنّي
            لشرّ الناس إن لم تعف عنّي

            تعليق

            • ربيع عقب الباب
              مستشار أدبي
              طائر النورس
              • 29-07-2008
              • 25792

              #7
              العدسة كانت مقعرة و محدبة حينا آخر
              و الكثير من البداية لا تسى بما توقفت عنده
              ربما طالت المشهدية كثيرا
              و لكن ما يغني كان فى الجزء الأكثر غناء

              الحيادية كانت رائعة ، و كنت فى المنطقة الرمادية تماما ( منطقة الفن الجميل )
              ما أعجبتني النقاط عوضا عن علامات الترقيم
              و كثيرا ما كانت نكات يتناقلها النقاد فيما بينهم و المبدعين !!

              حنقين
              هذه الكلمة وقفت فى حلقي .. لا أدري .. أصحيحة أم لا
              ربما لا فصححها لو سمحت !!

              محبتي أيها الرائع
              sigpic

              تعليق

              • حميد بن خيبش
                أديب وكاتب
                • 08-09-2010
                • 28

                #8
                المشاركة الأصلية بواسطة آسيا رحاحليه مشاهدة المشاركة
                بين وجودهم هناك ثم لا وجودهم هناك ..تتالت الصور بلغة سليمة جميلة ..
                هؤلاء الرعاة قد يكونون رعاة غنم و فقط و قد يرمزون لشعب بأكمله ..
                شقّت صفوفه سكك الفساد و الظلم ..فكانوا هناك و ما هم بهناك !
                استمتعت بالقراءة لك.
                تحيّة و تقدير.

                الاخت الكريمة آسيا ..
                الشرف لي حقا أن تحظى هذه الاقصوصة برضاك .. و الاجمل هي القراءة الوازنة و استشفاف اغوار رمزية ربما لم تخطر ببال كاتبها ..دامت لك المسرات
                فرق بين أن تحمل رماد السلف .. أو تحمل شعلته

                تعليق

                • حميد بن خيبش
                  أديب وكاتب
                  • 08-09-2010
                  • 28

                  #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة ربيع عقب الباب مشاهدة المشاركة
                  العدسة كانت مقعرة و محدبة حينا آخر
                  و الكثير من البداية لا تسى بما توقفت عنده
                  ربما طالت المشهدية كثيرا
                  و لكن ما يغني كان فى الجزء الأكثر غناء

                  الحيادية كانت رائعة ، و كنت فى المنطقة الرمادية تماما ( منطقة الفن الجميل )
                  ما أعجبتني النقاط عوضا عن علامات الترقيم
                  و كثيرا ما كانت نكات يتناقلها النقاد فيما بينهم و المبدعين !!

                  حنقين
                  هذه الكلمة وقفت فى حلقي .. لا أدري .. أصحيحة أم لا
                  ربما لا فصححها لو سمحت !!

                  محبتي أيها الرائع
                  قراءة مميزة و تفاعل راقي سيدي ربيع ..بالنسبة للفظة "حنقين" فهي جمع حنق اي المغتاظ و الجمع صحيح كما تبين لي في المعاجم ..و الله اعلم
                  فرق بين أن تحمل رماد السلف .. أو تحمل شعلته

                  تعليق

                  يعمل...
                  X