الشّجرة / يحيى الطاهر عبد الله

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد فطومي
    رئيس ملتقى فرعي
    • 05-06-2010
    • 2433

    الشّجرة / يحيى الطاهر عبد الله

    الشّجرة


    حدّثت نفسي بصوت يحبّه ضميري:
    " و السّماء ذات الصّدع..لقد خالف أمرا..ممّا لا شكّ فيه أنّه خالف أمرا – لهذا أمسكت به الشّرطة،هو صديق و أنا أحبّه – لكنّي ما خالفت أمرا قطّ..قطّ..قطّ. قط و الله أمرا ما خالفت – فلماذا لا يأخذ هو نفسه بما آخذ أنا به نفسي ؟ لماذا يا رب السّماوات !!،ثم إنّه لا يجب أن يراني حتّى لا يّعي أنّه رآني..و ما من أحد من المارة – و هم قلّة – يعرف علاقتي به حتّى يأخذني بلوم..ما من أحد..ما من أحد يجرؤ،كما أن اليوم يوم راحتي..و لي صديقة تنتظرني – هناك بالحديقة تحت الشّجرة : يا لها من شجرة ..ساقها أملس صعب على الإنسان أن يعتليه..صعب صعب..جذورها الواضحة فوق الأرض تسعى طالبة لماء العين البعيدة ..لحاها أبيض ناصع البياض..أوراقها الخضراء تلمع كأنّها أجنحة الطير ترفّ تحت الشمس.

    ***

    ها هي ،ها أنا ،ها هو العالم، و هاهي الشّجرة يا للسّنوات:
    قالت : كنت هناك..كنت بالشّارع..يوم كنت هناك..يوم أمسكوا بك..لم أجرؤ..يا للسّنوات.
    قلت : كنت هناك..كنت بالشّارع يوم كان هناك..يوم أمسكوا به..لم أجرؤ..و كنت أظنّ أنك هنا و كنت أنت هناك..يا للسّنوات.
    قالت : يا لك من ولد طيب..يا لنا من أطفال مساكين.
    قلت : يا لك من فتاة طيّبة..يا لنا من أطفال مساكين.
    (قلبي و قلبها مازالا محفورين على ساق الشّجرة باسمينا)
    قالت : أذكر يوم أعطتنا ما يعطيه ثدي الأمّ : كان لبنا ناصع البياض.
    قلت : أذكر ..كان دمعا و لم يكن لبنا ناصع البياض..
    لا تجزم هل ذقت طعمه ؟
    و خلعت نعليها و مدّت يدها :صغيرة مبلولة ترتعش . و كنا نطوف حول الشّجرة.
    قالت : و لكن هل يعرف الشّجر الأمومة مثلنا نحن البشر ؟
    قلت : للبن طعم.. و الدموع مالحة.
    قالت : و لكنّك لم تجرب.
    و قالت : لا أنا و لا أنت ..نجرؤ.
    و قالت : يا لها من شجرة.
    فصرخت : نعم .. يا لها من شجرة.


    *****


    يحيى الطاهر عبد الله
    30/4/1938 – 9/4/1981
    ظاهرة أدبيّة متميّزة في عالم القصّ العربي.ولد بالكرنك محافظة قنا بمصر؛و ترجمت له أعمال كثيرة إلى أكثر من ثماني لغات.
    التعديل الأخير تم بواسطة محمد فطومي; الساعة 03-08-2011, 07:32.
    مدوّنة

    فلكُ القصّة القصيرة
  • ربيع عقب الباب
    مستشار أدبي
    طائر النورس
    • 29-07-2008
    • 25792

    #2
    يحي الطاهر عبد الله أبو أسماء و هاله
    عاش مطاردا ، و قضى مطاردا
    كان بالفعل يحفظ قصصه
    ويلقيها أمام الحشد الذى يتحلقه
    ويري فيه ملامح فارس جديد بعد يوسف إدريس
    قرؤته كاملا
    الدف و الصندوق
    و الطوق و الأسطورة التى أحدثت انقلابا فى عالم الرواية المصرية و العربية
    و ظلت تؤرق الكثيرين ، لما تحمل من قرابة و مائة عام من العزلة لجبرييال جارثيا ماركيز قبل أن تترجم إلى العربية
    وهو لم يكن يعرف إلا العربية !
    وروايته عن إسكافي المودة
    و ثلاث شجرات تثمر برتقالا ( إن لم تخني الذاكرة )
    و لا أنسى قصته ( جبل الشاي الأخضر ) من فواتيح أعماله

    شكرا محمد فطومي على وضع يحي هنا ؛ فلقد ترجم إلى 8 لغات حية !
    رحم الله يحي .. كان بالفعل فارسا للقص الجميل !
    sigpic

    تعليق

    • حسن لختام
      أديب وكاتب
      • 26-08-2011
      • 2603

      #3
      سُررت بمروري من هنا
      أشكرك، أستاذ فطومي
      تقديري

      تعليق

      يعمل...
      X