آمنــــة - أقصوصة -

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حميد بن خيبش
    أديب وكاتب
    • 08-09-2010
    • 28

    آمنــــة - أقصوصة -

    آمنــــة .. اقصوصة


    حميد بن خيبش



    " عجل بالإياب ..آمنة تحتضر ! "

    ألقى السماعة من يده وحث الخطى صوب البوابة الخارجية .مستحيل ..آمنة ؟ ..الزوجة و الأم و الحبيبة.. توشك أن تفارقه ؟


    ركض كالمجنون غير عابيء بالدمع المنهمر..تداعت الذكريات أمام ناظريه كشريط مسجل..


    آمنة غادة الحي..ست الصبايا ..حظيت بحسني الظاهر و الباطن ..وقلما اجتمعا في صبية..كل شباب الحي يخطبون ودها لكنها اختارته لدماثة خلقه وطيب معدنه !


    حلقت طيور الصفاء فوق عشهما الدافيء الصغير ..كانت آمنة نعم الزوجة الصالحة..القنوع ..وكان هو لا يألوا جهدا في توفير اسباب السعادة ..رُزقا صبيين فاكتمل سفر الرضى ..مرت السنون كأنها لحظات ..شب الولدان عن طوق آمنة ..وغادرا العش صوب أحلامهما على الضفة الأخرى ..بكت آمنة أما هو فتجلد :


    - هي سنة الحياة ومشيئة الرحمن !


    غشي البيت همود ورتابة ..هو يقضي سحابة يومه في المعمل ..أما آمنة فتزجي الوقت في تطريز المناديل ..وتقليب ألبوم الصور ..ترفع بصرها بين الفينة و الأخرى لتعد ما تبقى من سويعات قبل عودته .


    طرقاته الخفيفة على الباب تبدد وحشتها ..فتسرع إليه لتحضنه ..يمسح جفنيها المتورمين دمعا وشوقا إلى الغائبين .ثم يبري نبال الضحك ليصيب حزنها في مقتل !


    ذات صباح شعرت آمنة بمغص شديد ..أنياب من حديد تمزق أحشاءها .. بدا للألم أن يمارس غوايته الخاصة ..فينفرد بضحاياه في ساعات الوحدة و الانكفاء على الذات ..أن يلتذ بالمباغتة في أحلك لحظات العمر ..لم تشعر آمنة بأعراض و مقدمات كعادة من يمرضون !


    قضت ليلتها تسبر غور أحلامها ..في الحقيقة لم يكن غير حلم واحد ..حلم إياب الطيور المهاجرة ..وعودة الدفء إلى العش الصغير .


    تجلدت ..تحاملت على نفسها وغادرت الفراش ..لا تحب أن تراه مهموما ..تعلم جيدا أنه يواري شوقه لابنيهما خلف بسمات يوزعها في ارجاء البيت كلما عاد منهكا ..ستعد له وجبته الاثيرة و تحيك له جوارب من صوف , فالشتاء على الابواب .


    بيد أن عزيمة الألم لم تنثن ..سرعان ما شعرت آمنة مجددا بكلاليب تقتلع أحشاءها ..صرخت..حثت الخطى صوب فراشها لكن قبضة الألم اشتدت ..تناهى الى سمعها لغط الجارات قرب الباب ..أحست بخدر مريب يسري في قدميها ..هوت على الارض ثم اطبقت جفنيها تأهبا ..لحلم جديد !


    لأول مرة تراه باكيا .. لم يتمالك نفسه حين أطلعه الطبيب على حقيقة الوضع ..لا أمل !..فالسرطان اللعين سرى في البدن سريان النار في هشيم يابس ..


    توقف قليلا كي يستجمع أنفاسه ..ويجفف عرقه المتصبب بغزارة ثم واصل الركض ..دنا من الباب فسرت في بدنه قشعريرة غريبة ..التقط أنفاسه ثم فتح الباب ..


    إن سيرة الألم غامضة حقا !.. إنه يفتح دولاب الجسد ليطارد شعلة الروح .وحين يوشك أن يلملم اسفاره يمهر صاحبه بوهج طفولي ! !


    هكذا بدت آمنة وهي ..تمتطي صهوة الحلم !


    التعديل الأخير تم بواسطة حميد بن خيبش; الساعة 05-08-2011, 09:47.
    فرق بين أن تحمل رماد السلف .. أو تحمل شعلته
  • عبدالمنعم حسن محمود
    أديب وكاتب
    • 30-06-2010
    • 299

    #2
    صورة قصصية بامتياز
    وتشريح لقطاع عرضي لجانب من لوحة كبيرة
    اسمها مسيرة حياة كاملة
    إنها لمسة فنية ذات شحنة عاطفية عالية
    بسرد تعاقبي مكثف ضغط عبره الكاتب
    مادته بشكل ماهر ليمنحنا في النهاية
    وحدة نغم قوية.
    جميل سيدي وأنيق
    مع تحياتي.
    التواصل الإنساني
    جسرٌ من فراغ .. إذا غادره الصدق


    تعليق

    • ريما ريماوي
      عضو الملتقى
      • 07-05-2011
      • 8501

      #3
      نعم أعجبني ما قرأت
      والله يرحم آمنة فهي صورة للأم والزوجة
      الصابرة المجالدة,
      يسلموا الأيادي أستاذ حميد على النص الرائع,
      مودتي وتقديري,
      تحياتي.


      أنين ناي
      يبث الحنين لأصله
      غصن مورّق صغير.

      تعليق

      • ربيع عقب الباب
        مستشار أدبي
        طائر النورس
        • 29-07-2008
        • 25792

        #4
        يارجل ..
        و لم كل هذه التفاصيل
        و هذا الركض فى السنين
        ألأجل أن نعرف أنها مرضية بالسرطان ؟؟؟؟؟؟

        يارجل .. القصة قد تكون مشهدا أو ومضة أو موقفا .. محددا بزمان ومكان محدود و إلا خلعت رداء القص إلى غيره !
        أنت تملك أدواتك جيدا
        و لكن ربما أنت بحاجة لمراجعة مفهوم القصة القصيرة !!!


        محبتي
        sigpic

        تعليق

        • حميد بن خيبش
          أديب وكاتب
          • 08-09-2010
          • 28

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة عبدالمنعم حسن محمود مشاهدة المشاركة
          صورة قصصية بامتياز
          وتشريح لقطاع عرضي لجانب من لوحة كبيرة
          اسمها مسيرة حياة كاملة
          إنها لمسة فنية ذات شحنة عاطفية عالية
          بسرد تعاقبي مكثف ضغط عبره الكاتب
          مادته بشكل ماهر ليمنحنا في النهاية
          وحدة نغم قوية.
          جميل سيدي وأنيق


          مع تحياتي.

          الاخ عبدالمنعم شاكر لك متابعتك وقراءتك التي اعتز بها ..بالفعل يتعلق الامر بمسيرة حياة باكملها احببت ان اوثقها حتى لو اضطررت للتكثيف ..بوركت
          فرق بين أن تحمل رماد السلف .. أو تحمل شعلته

          تعليق

          • حميد بن خيبش
            أديب وكاتب
            • 08-09-2010
            • 28

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة ريما ريماوي مشاهدة المشاركة
            نعم أعجبني ما قرأت
            والله يرحم آمنة فهي صورة للأم والزوجة
            الصابرة المجالدة,
            يسلموا الأيادي أستاذ حميد على النص الرائع,
            مودتي وتقديري,
            تحياتي.
            وسلمت اناملك الاخت ريما على التفاعل الطيب و القراءة المشحونة بدفقات وجدانية مميزة ..تقبلي شكري
            فرق بين أن تحمل رماد السلف .. أو تحمل شعلته

            تعليق

            • حميد بن خيبش
              أديب وكاتب
              • 08-09-2010
              • 28

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة ربيع عقب الباب مشاهدة المشاركة
              يارجل ..
              و لم كل هذه التفاصيل
              و هذا الركض فى السنين
              ألأجل أن نعرف أنها مرضية بالسرطان ؟؟؟؟؟؟

              يارجل .. القصة قد تكون مشهدا أو ومضة أو موقفا .. محددا بزمان ومكان محدود و إلا خلعت رداء القص إلى غيره !
              أنت تملك أدواتك جيدا
              و لكن ربما أنت بحاجة لمراجعة مفهوم القصة القصيرة !!!


              محبتي
              لم يكن الغرض من هذا الركض السردي هو الوصول الى معضلة السرطان بل كانت الغاية فقط هي استحضار مسيرة انسانية و الاشادة بطينة من النساء بدأت للاسف الشديد تندر في مجتمعاتنا ..
              نعم سيدي ربيع كان هناك تكثيف وتعريض الاحداث لدرجة كبيرة من الانضغاط كي توضع تحت يافطة القصة القصيرة ..ومتفق معك اني بحاجة الى مراجعة لمفهوم القصة القصيرة لأني لم افكر يوما في كتابتها بل اكتفيت بالقراءة ..و القراءة المكثفة لا غير ..
              لك الشكر سيدي على التوجيه السديد و القراءة غير المنحازة التي تنتصر للابداع وهذا ما أتمنى صادقا ان يسود في مثل هذه المنتديات لتشذيب بواكير الانتاج الادبي و الرقي بها
              فرق بين أن تحمل رماد السلف .. أو تحمل شعلته

              تعليق

              يعمل...
              X