بين السحاب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • أحمد عيسى
    أديب وكاتب
    • 30-05-2008
    • 1359

    بين السحاب


    حملتها رغم سني عمرها الستة ، إلى غصن شجرة عالٍ عليها ، فاختطفت حبة التين وابتلعت نصفها، أنزلتها فابتسمت ، لتظهر أسنانها والفراغ بينها ، مضحكٌ كما عودتنا عندما يمتزج مع لثغة حروفها ، قالت لي : تركت لك نصفها
    مسحت على شعرها الأسود الجميل في حنان ، ترهقني أكثر حين تبتسم ، حين تحنو عليك وأنت الأكبر منها سناً ، أنت الأقدر منها على ذلك ، فتشعرني بالضياع ، أتيه فيها ولا أملك إلا ترك دمعتي اليتيمة تسقط في صمت ، أحاذر أن تراها ..
    - احملني على كتفيك
    - إلى أين تريدين أن تصلي ؟
    أشارت بإصبعها الصغير إلى السماء : إلى تلك السحابة أو أبعد
    أحتضنها بكل الحب ، حتى ظنت أني أعتصرها ، هربت منها إلى منزلي الحزين ، إلى مرآتي التي تشهد دموعي كل ليلة ، بكيت ، تركت لدموعي العنان ،"نسمة" زهرتي الحبيبة ، نسجت من شوقي أغنية حروفها صامتة ، دندنت لنفسي بلحنٍ حزين ، أحاذر أن يسمعه غيري ، حتى وجدتها – فجأة – صارت خلفي
    تقول : هل سأموت يا أبي ؟
    أنظر بعين ملتاعة ، كانت تعرف ، كنت متيقناً من هذا ، لا شك شعرت بدموعي كل ليلة ، منذ خرجت بها من غرفة الطبيب ، منذ اكتشفت مرضها الخبيث ، منذ فقدت بعضاً من روحي ، ما أصعب تلك اللحظة على نفسي !
    قلت لها : ستعيشين ، من أخبرك بغير هذا ؟
    لم تكن تصدق ، لا شك تعرف كل شيء ، تبتسم في مرح :
    - هل تعلم شيئاً ؟ أنا لست حزينة ، يكفي أنني سأمسك السحاب بيدي ..
    نظرت لها حزيناً ، فاتسعت عيناها : ماذا .؟ ألن ألمس السحاب إذا مِتُّ ؟
    أخذتها بين يدي ، كأني أخشى من فقدانها فجأة ، تركتها تنام الليلة في سريري ، وكل ليلة صرت أسهر حتى الفجر معها ، فوق سطح المنزل ، نتأمل السحاب سوياً ، كم هو مرير أن تقضي وقتاً تشعر أنه سينتهي فجأة ، تمضي في طريق تعرف نهايته المظلمة ، لتنتهي حياتك فجأة ..
    تخيلت المنزل دونها ، تخيلت حياتي دونها ، تركت عملي في إجازة مفتوحة ، أخبرتني صديقتها أن " نسمة " ستعانق السحاب ، وأنها سعيدة لهذه الفرصة .
    اشتد مرضها واشتدت مأساتي ، دخلت عليها ذات يوم ، أمسكتها من يديها ، رجوتها أن تتحامل على نفسها ، كي تأتي معي ، ففعلتْ ..
    على سطح المنزل وجَدتْ سحابة كبيرة ، من القطن تتدلى أمامها ، نظرتْ حولها إلى النجوم التي خبا بريقها أو كاد ، مدت يديها على اتساعها ، لتلمس السحابة ، فانتشت
    شعرتُ برجفة خفيفة في أوصالها ، جلستُ على ركبتي أمامها ،
    وعدتها أن تلمس سحابة كل ليلة ، وقلت همساً وقد انهمرت دموعي
    لكن لا تموتي ..

    ****

    أحمد - ذات مساء
    ” ينبغي للإنسان ألاّ يكتب إلاّ إذا تـرك بضعة من لحمه في الدّواة كلّما غمس فيها القلم” تولستوي
    [align=center]أمــــوتُ .. أقـــــاومْ [/align]
  • ريما ريماوي
    عضو الملتقى
    • 07-05-2011
    • 8501

    #2
    كلام عذب, صدر من الروح ليصل الى روحي,
    أعجبني النص بعذوبته, والله يحمي أطفالنا من كل أذى
    قد يصيبهم, شكرا لك أستاذ أحمد عل النص الجميل,
    والحبكة الرائعة التي استدرت دموعي.
    مودتي وتقديري.
    تحياتي.
    التعديل الأخير تم بواسطة ريما ريماوي; الساعة 07-08-2011, 05:57.


    أنين ناي
    يبث الحنين لأصله
    غصن مورّق صغير.

    تعليق

    • ريمه الخاني
      مستشار أدبي
      • 16-05-2007
      • 4807

      #3
      ماأروع ماخطته أناملك...
      إنها القصة بطعم الخاطرة..
      كنت هنا
      وفقك الله

      تعليق

      • ربيع عقب الباب
        مستشار أدبي
        طائر النورس
        • 29-07-2008
        • 25792

        #4
        حلقت إذن نسمة كنسمة ربيعية
        حلقت لضيق العالم الذى تعيش فيه
        لتكون هناك فى رحابة فلك

        ما أجملك حين تكون منغمسا فى الوجع و البراءة
        و لكن لم تبدو لى بعض الكلمات أكبر من أن تمر على شفتي بنت السادسة
        و المشكلة أنك متيقن من ذلك ، أو كنت متيقنا
        أتدري أحمد حبيبي
        رواية من 300 صفحة ، لم تحمل حرفا ناسخا
        و قصتك حملت الكثير ........ لم أحمد ؟!!

        محبتي
        وكل سنة و انت بخير و سعادة
        أرجو أن تكون قصة لا غصة و ألم !!!
        sigpic

        تعليق

        • أحمد عيسى
          أديب وكاتب
          • 30-05-2008
          • 1359

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة ريما ريماوي مشاهدة المشاركة
          كلام عذب, صدر من الروح ليصل الى روحي,
          أعجبني النص بعذوبته, والله يحمي أطفالنا من كل أذى
          قد يصيبهم, شكرا لك أستاذ أحمد عل النص الجميل,
          والحبكة الرائعة التي استدرت دموعي.
          مودتي وتقديري.

          تحياتي.
          الأخت الفاضلة : ريما ريماوي

          مسرور جداً بوجودك وحزين لدموعك

          نسأل الله أن يجعل أيامك كلها سعادة

          كل الود
          ” ينبغي للإنسان ألاّ يكتب إلاّ إذا تـرك بضعة من لحمه في الدّواة كلّما غمس فيها القلم” تولستوي
          [align=center]أمــــوتُ .. أقـــــاومْ [/align]

          تعليق

          • فاطمة يوسف عبد الرحيم
            أديب وكاتب
            • 03-02-2011
            • 413

            #6
            الأديب الرائع أحمد عيسى
            تحية وبعد
            أقسى الابتلاءات أن يفقد الأنسان فلذة كبده والأكثر ألما أن يشعر بالموت يقترب رويدا رويدا منه ، نص رائع وصدق المشاعر جعلني حزينة وفكرة اقتران حالة الموت بالسحابة أعطى النص شفافية رائعة نص أدبي راق سلمت يمينك

            تعليق

            • آسيا رحاحليه
              أديب وكاتب
              • 08-09-2009
              • 7182

              #7
              كيف تكون هاته القصة حزينة و عذبة في نفس الوقت ..
              لا أدري ..
              أكيد هو قلمك الذي استطاع تصوير الألم و الحزن و الفقد برقة و جمال .
              أعجبتني القصة .
              تحيّتي لك أخي احمد عيسى .

              كنت متيقنا من هذا
              يظن الناس بي خيرا و إنّي
              لشرّ الناس إن لم تعف عنّي

              تعليق

              • إيمان الدرع
                نائب ملتقى القصة
                • 09-02-2010
                • 3576

                #8
                من أروع ما قرأت لك
                أديبنا الغالي أحمد ...
                فكلّ نصّ يساكن خاطرك قبل أن تغادره ..
                يعلن عن قوّة تعبيريّة تأخذك بعيداً بين السّحاب ..
                وهاقد فعلتَ ..
                سلّم الله صغار العصافير ..فبدونهم يشحّ الفضاء ، ويكفهرّ
                وتموت القلوب برحيلهم ..
                تحيّاتي وأصدق أمنياتي ..زميلي الغالي أحمد

                تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

                تعليق

                • أحمد عيسى
                  أديب وكاتب
                  • 30-05-2008
                  • 1359

                  #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة ريمه الخاني مشاهدة المشاركة
                  ماأروع ماخطته أناملك...
                  إنها القصة بطعم الخاطرة..
                  كنت هنا
                  وفقك الله
                  وما أروع مرورك أستاذتي
                  وأنت تزينين هذه القصة التي أحزنتني لأني كنت أرى بعين ذلك الأب ، وأبكي معه على طفلته
                  شكراً لوجودك الراقي

                  وكل الود
                  ” ينبغي للإنسان ألاّ يكتب إلاّ إذا تـرك بضعة من لحمه في الدّواة كلّما غمس فيها القلم” تولستوي
                  [align=center]أمــــوتُ .. أقـــــاومْ [/align]

                  تعليق

                  • ايمان اللبدي
                    أديب وكاتب
                    • 21-02-2008
                    • 1361

                    #10
                    روعة النص تكمن في مدى استحواذه على حواس المتلقي.

                    وهنا قرأت سطورا عذبة بريئة لا زلت احلّق في روعتها

                    شكرا لك

                    تعليق

                    • أحمد عيسى
                      أديب وكاتب
                      • 30-05-2008
                      • 1359

                      #11
                      المشاركة الأصلية بواسطة ربيع عقب الباب مشاهدة المشاركة
                      حلقت إذن نسمة كنسمة ربيعية
                      حلقت لضيق العالم الذى تعيش فيه
                      لتكون هناك فى رحابة فلك

                      ما أجملك حين تكون منغمسا فى الوجع و البراءة
                      و لكن لم تبدو لى بعض الكلمات أكبر من أن تمر على شفتي بنت السادسة
                      و المشكلة أنك متيقن من ذلك ، أو كنت متيقنا
                      أتدري أحمد حبيبي
                      رواية من 300 صفحة ، لم تحمل حرفا ناسخا
                      و قصتك حملت الكثير ........ لم أحمد ؟!!

                      محبتي
                      وكل سنة و انت بخير و سعادة
                      أرجو أن تكون قصة لا غصة و ألم !!!
                      الربيع الرائع

                      ودي لك وكل ااحترامي لكل حرف تخطه في متصفحي
                      رائعٌ أنت في كل حالاتك أستاذي
                      حتى وأنت توجه النقد !
                      أحبك أستاذي
                      والحروف الناسخة لا أدري
                      ربما لتأكيد الألم
                      لتأكيد الفاجعة
                      حاولت أن أخففها قليلاً بعد ردك
                      وأرجو أن تكون القصة هكذا أفضل
                      مودتي كلها

                      وشكراً لك
                      ” ينبغي للإنسان ألاّ يكتب إلاّ إذا تـرك بضعة من لحمه في الدّواة كلّما غمس فيها القلم” تولستوي
                      [align=center]أمــــوتُ .. أقـــــاومْ [/align]

                      تعليق

                      يعمل...
                      X