تويت
وفي نفسه شيء من حتى!!
[align=center]وفي نفسه شيء من حتى!![/align]
ذات خريف ثمانيني كتبت صحيفة مهنية عن احتفالية لا أذكر مناسبتها الآن، ومن ضمن ما ساقته من تغطية أنه قد حضر الاحتفالية "فلان وفلان وفلان وفلان"، ثم ذيل الصحفي هذا التتالي بالكتابة: "وحضر حتى علي مصطفى المصراتي!!". والصحفي ربما لا يقصد التصغير من شأن شيخنا، لكن النتائج كانت على غير ما يشتهي!! فظهر العدد الذي يليه بمقال طويل للأستاذ علي مصطفى المصراتي عنوانه بالبنط العريض والكبير (يموت الإنسان وفي نفسه شيء من حتى)!! وتعرفون طبعا أن شيخنا الرائع ذرب اللسان، جرار القلم، لا يحتاج إلى وقفات أو استراسالات يستقيها. فلديه مخزون هائل من العبارات المناكفة. والشيخ علي تربطني به كل الأواصر الطيبة منذ طفولتي، لأنه كان صديقا لوالدي (رحمه الله). وأذكر لحظة نشر المقال، أني ذهبت للشيخ وعاتبته وقلت له: "لماذا شرشحت الرجل فإنه لا يقصد". ضحك ضحكته المعهودة التي نعرفها وقال لي: "إنك غرير، ومازلت طفلاً كما أعرفك. عندما تتجاوز الخمسين، تعال مرة أخرى وعاتبني إذا استطعت)!! ولم أفهم. لكنه لم يضف حرفاً واحداً ودخل في موضوع آخر.
منذ أكثر من شهر حولت لي زميلة عربية (من عُمان) رابطاً عبر شبكة المعلومات لتغطية صحفية حول ذكرى الراحل الجميل (علي الفزاني) في أحد المواقع الليبية المحلية، وأرفقت الرابط بجملة قالت فيها: "اقرأ وتمعن ما الذي تكتبونه، وكيف هي طريقة تغطيتكم لمناشطكم!".
قرأت التغطية، ولم أجد فيها ما يثير الانتباه، واعترف أنه في البداية قد عجز جهازي المفاهيمي عن إدراك ما تعنيه الزميلة العزيزة. لقد قرأت وتمعنت عدة مرات فلم أجد ما يثير الانتباه، وخجلت أن أسأل الزميلة عن قصدها، فقد تضخمت (الأنا) كالعادة، وقلت لا يمكن أن أظهر لها أني لا أعرف كل شيء!!.
وأعدت القراءة على طريقة أصدقائي التفكيكيين في الوسط، وخاصة محمد المالكي، واكتشفت أن هذه الطريقة الجبرية جميلة، وتكتشف كثير من المعاني. التغطية الصحفية تحدثت عن مشاركتي بطريقة غير حرفية إطلاقاً. تحكم عليها من أول قراءة بالقصدية، فماذا تقول التغطية في جزء منها: حضر الأستاذ والأستاذ الأديب الكبير والشاعرة والصحفية ووو إلخ. ثم تذيل ذلك بالقول الكاتب والصحفي محمد السنوسي الغزالي، الذي وصف علي الفزاني بالكاتب الكبير .. إلخ.
عندئذ أدركت بأن المعنى بأني لست أستاذا ولا كاتبا. وفي تغطيه لنفس المناسبة أسقط اسمي تماماً في صحيفة الجماهيرية. اعترف أني انزعجت في البداية، ورجعت إلى التفكيك، فقلت إذا أسقطتني مثل هذه التغطيات، فلابد أن الخلل لدي وليس لديهم. هذا إذا كانت تغطيات تتوخى الحرفية في الكتابة!! وتذكرت كم من طوابير الأساتذة والأستاذات لدينا!! لدرجة أن صفة الأستاذ تعني لي أحياناً وكأنها سبة مقذعة!! ولذلك أتضايق من بعض الزملاء والزميلات الذين يخاطبونني بهذه الصفة، وكأنهم يجعلون مني كالذي يحمل أسفارا!! أو هكذا يتراءى لي، مع احترامي للقاص محمد عقيلة العمامي الذي كان من المحظوظين بهذه الصفة في التغطية الإنترنتية!!.
وتذكرت ما قاله لي الشيخ المصراتي منذ ربع قرن، وأعترف أني لم أعد أستطيع معاتبته، وإذا كان في ذلك الزمن توجد مسافات عُرفت في الإبداع، فالآن قد ضاعت هذه المسافات، وأصبحت عبارة عن سداح مداح، أو على رأي غوار (كل من إيدو إلو)!!.
ورحم الله ذلك الإمام الذي كان يحضر خطبة احد العامة وهو جالس، وقد مد إحدى رجليه، فلامه على ذلك وقرعه وأعلمه أنه ليس من الأدب واللياقة الجلوس على هذا النحو وهو يخطب في الناس. لكن الإمام لم ينبس بحرف، واسترسل الرجل في خطبته ووعظه الركيك، وعند نصف الخطبة مد الإمام رجله الثانية، وقال بصوت جهوري:
- لقد جاز للإمام أن يمد الأخرى!!
وبعد أيام وصلتني رسالة أخرى من الزميلة العربية، قالت فيما قالت: "لا تحزن، فالكبير دائما كبير، وإن حاصرته الصغائر". ثم تقول أيضاً: "لدينا هنا أوركسترا لاتقل إيلاماً. أوركسترا كرسها الإعلام وعمل على تسويقها، لكنها تظل صغيرة"!.
وأنا هنا لا أبحث عن أستذة، فهي تحتاج إلى وقت وجهد وعرق وثني للركب على طريقة ذلك الإمام، لكني أثق أيضا أن بعض الأسماء التي ذكرت بأنها كبيرة تحتاج إلى وقت وجهد مثلي! وإلا كيف تكون الحوافز وكيف تكون المسافات التي تجيز مثل هذه الحوافز. ورحم الله الصادق النيهوم الذي ذكر ذات يوم بأنه ليس باحثاً ولا علمياً، ولايكتب شيئا، مع أنه شيخ الباحثين، وسيد الكلمة المعنى.
ذات خريف ثمانيني كتبت صحيفة مهنية عن احتفالية لا أذكر مناسبتها الآن، ومن ضمن ما ساقته من تغطية أنه قد حضر الاحتفالية "فلان وفلان وفلان وفلان"، ثم ذيل الصحفي هذا التتالي بالكتابة: "وحضر حتى علي مصطفى المصراتي!!". والصحفي ربما لا يقصد التصغير من شأن شيخنا، لكن النتائج كانت على غير ما يشتهي!! فظهر العدد الذي يليه بمقال طويل للأستاذ علي مصطفى المصراتي عنوانه بالبنط العريض والكبير (يموت الإنسان وفي نفسه شيء من حتى)!! وتعرفون طبعا أن شيخنا الرائع ذرب اللسان، جرار القلم، لا يحتاج إلى وقفات أو استراسالات يستقيها. فلديه مخزون هائل من العبارات المناكفة. والشيخ علي تربطني به كل الأواصر الطيبة منذ طفولتي، لأنه كان صديقا لوالدي (رحمه الله). وأذكر لحظة نشر المقال، أني ذهبت للشيخ وعاتبته وقلت له: "لماذا شرشحت الرجل فإنه لا يقصد". ضحك ضحكته المعهودة التي نعرفها وقال لي: "إنك غرير، ومازلت طفلاً كما أعرفك. عندما تتجاوز الخمسين، تعال مرة أخرى وعاتبني إذا استطعت)!! ولم أفهم. لكنه لم يضف حرفاً واحداً ودخل في موضوع آخر.
منذ أكثر من شهر حولت لي زميلة عربية (من عُمان) رابطاً عبر شبكة المعلومات لتغطية صحفية حول ذكرى الراحل الجميل (علي الفزاني) في أحد المواقع الليبية المحلية، وأرفقت الرابط بجملة قالت فيها: "اقرأ وتمعن ما الذي تكتبونه، وكيف هي طريقة تغطيتكم لمناشطكم!".
قرأت التغطية، ولم أجد فيها ما يثير الانتباه، واعترف أنه في البداية قد عجز جهازي المفاهيمي عن إدراك ما تعنيه الزميلة العزيزة. لقد قرأت وتمعنت عدة مرات فلم أجد ما يثير الانتباه، وخجلت أن أسأل الزميلة عن قصدها، فقد تضخمت (الأنا) كالعادة، وقلت لا يمكن أن أظهر لها أني لا أعرف كل شيء!!.
وأعدت القراءة على طريقة أصدقائي التفكيكيين في الوسط، وخاصة محمد المالكي، واكتشفت أن هذه الطريقة الجبرية جميلة، وتكتشف كثير من المعاني. التغطية الصحفية تحدثت عن مشاركتي بطريقة غير حرفية إطلاقاً. تحكم عليها من أول قراءة بالقصدية، فماذا تقول التغطية في جزء منها: حضر الأستاذ والأستاذ الأديب الكبير والشاعرة والصحفية ووو إلخ. ثم تذيل ذلك بالقول الكاتب والصحفي محمد السنوسي الغزالي، الذي وصف علي الفزاني بالكاتب الكبير .. إلخ.
عندئذ أدركت بأن المعنى بأني لست أستاذا ولا كاتبا. وفي تغطيه لنفس المناسبة أسقط اسمي تماماً في صحيفة الجماهيرية. اعترف أني انزعجت في البداية، ورجعت إلى التفكيك، فقلت إذا أسقطتني مثل هذه التغطيات، فلابد أن الخلل لدي وليس لديهم. هذا إذا كانت تغطيات تتوخى الحرفية في الكتابة!! وتذكرت كم من طوابير الأساتذة والأستاذات لدينا!! لدرجة أن صفة الأستاذ تعني لي أحياناً وكأنها سبة مقذعة!! ولذلك أتضايق من بعض الزملاء والزميلات الذين يخاطبونني بهذه الصفة، وكأنهم يجعلون مني كالذي يحمل أسفارا!! أو هكذا يتراءى لي، مع احترامي للقاص محمد عقيلة العمامي الذي كان من المحظوظين بهذه الصفة في التغطية الإنترنتية!!.
وتذكرت ما قاله لي الشيخ المصراتي منذ ربع قرن، وأعترف أني لم أعد أستطيع معاتبته، وإذا كان في ذلك الزمن توجد مسافات عُرفت في الإبداع، فالآن قد ضاعت هذه المسافات، وأصبحت عبارة عن سداح مداح، أو على رأي غوار (كل من إيدو إلو)!!.
ورحم الله ذلك الإمام الذي كان يحضر خطبة احد العامة وهو جالس، وقد مد إحدى رجليه، فلامه على ذلك وقرعه وأعلمه أنه ليس من الأدب واللياقة الجلوس على هذا النحو وهو يخطب في الناس. لكن الإمام لم ينبس بحرف، واسترسل الرجل في خطبته ووعظه الركيك، وعند نصف الخطبة مد الإمام رجله الثانية، وقال بصوت جهوري:
- لقد جاز للإمام أن يمد الأخرى!!
وبعد أيام وصلتني رسالة أخرى من الزميلة العربية، قالت فيما قالت: "لا تحزن، فالكبير دائما كبير، وإن حاصرته الصغائر". ثم تقول أيضاً: "لدينا هنا أوركسترا لاتقل إيلاماً. أوركسترا كرسها الإعلام وعمل على تسويقها، لكنها تظل صغيرة"!.
وأنا هنا لا أبحث عن أستذة، فهي تحتاج إلى وقت وجهد وعرق وثني للركب على طريقة ذلك الإمام، لكني أثق أيضا أن بعض الأسماء التي ذكرت بأنها كبيرة تحتاج إلى وقت وجهد مثلي! وإلا كيف تكون الحوافز وكيف تكون المسافات التي تجيز مثل هذه الحوافز. ورحم الله الصادق النيهوم الذي ذكر ذات يوم بأنه ليس باحثاً ولا علمياً، ولايكتب شيئا، مع أنه شيخ الباحثين، وسيد الكلمة المعنى.
تعليق