[align=right][frame="6 80"]
سيدة الشوق
رواية بقلم
لميس الامام
ساعة واحدة ويمتلئ هذا المكان بكبار الزوار وعلية القوم ، ألقت نظرةأخيرة على المكان وكأنها تطمئن على محتوياته ... بهو أنيق بثراء
لوحات ثمينة تلتصق بجدرانه خيفة أن تمتد إليها نظرة فضولية لا تقيِّمُ معنى الفن الأصيل .. بسط تفترش أرضية هذا البهو، منمنمة بزخارف فارسية من زمن التراث المندثر تحت أنقاض الحضارة التي سادت ثم بادت.. وسائد حريرية موشاة بنسيج الذهب والفضة تستلقي بارتياح وأناقة فوق أرائك فرنسية الصنع، تخشى أن يتوسدها جسد ما يعكر صفو استرخاءها ، مناضد متناثرة هنا وهناك تعلوها تحف نادرة .... ثريات إيطالية الصنع تتدلى بغنج من سقف ذلك البهو وأخرى تتعلق بالحوائـط لتضفي على الجداريات جمالا فوق جمالها..ستائر مخملية يميل لونها إلى لون أزرق ملكي يتماشى وألوان البسط والأرائك.. .تغطي مساحات واسعة من الجدران لتعطي المكان دفئ ثري..
امرأة واحدة تسكن هذا الجمال ... هذا المكان .. هذا القصر المنيف ... غادرها الجميع ، فمنهم من انتقل إلى العالم الآخر ومنهم من هو على سفر.. وتبقى سيدة هذا القصر ساكنه الوحيد... تسترجع ذكريات عصفت
بها .. يوم خطت قدمها أول مرة بلاط هذا البهو .. تلاحقت الذكريات تباعا ...تلاحقت الأنفاس .. لكنها استدركت أن لا وقت الآن لاسترجاع ما كان .. وباستجداء نفسها وعقلها أرجأت استعادة الماضي إلى وقت آخر حيث لها أن تستعد للقاء الزوار..
حدثت نفسها فلا أحد هناك يشاركها الحوار عادة: هذه أمسية بدون مناسبة .. فلا بأس من جمع المعارف والأصدقاء من وقت لآخر حتى تتوشج عرى العلاقات الاجتماعية وعلاقات العمل .. ولكن لما لا اجعلها مناسبة خاصة اختلقها لكي أضفى على الأمسية نكهة غير عادية.. تزاحمت في رأسها الفكر واستقرت أن تتركها للظروف إنها دائما امرأة تعشق المفاجآت..
تركت البهو على أهبة الاستعداد للقاء الزوار وهي راضية عن كل شئ.. وأخذت ترتقي سلم الطابق الثاني بخفة فتاة في العشرين من عمرها لكي تبدأ بتجهيز نفسها استعدادا للقاء ..
ما بال ثوبها الوردي الموشى بزهور سوداء إنه قطعة ساري هندي حريرية ابتاعتها من الهند أثناء رحلة عمل العام الماضي ..وقد صممها لها مصمم الأزياء الشهير .......... لترتديه الليلة لم يره أحد بعد ..
خزنة حديدية ضخمة يكسوها خشب الورد وكأنها خزانة ملابس.. – للتمويه!!! - وبعد أن أدخلت الشفرة الخاصة قامت بفتحها .. علب مجوهرات متراصة بحرص فوق الارفف تمتلئ بعلب المجوهرات الثمينة .. فتحت هذه وتلك إلى أن
انتقت ذلك العقد الماسي المرصع بحبات الياقوت الأحمر ليتناسب و ثوبها ومعه القرط والخاتم والإسورة..أعادت الخزنة الحديدية إلى ما كانت عليه
تم تجهيز كل ما تحتاجه و الان استعدت لأخذ حمام دافئ .. الساعة الآن الثامنة والنصف .. باق من الزمن نصف ساعة .. انتهت من زينة وجهها وإعادة تصفيف شعرها الأسود المنسدل فوق كتفيها بارتياح..وأنوثة... ارتدت ثوبها ونفحت فوق
جيدها وخلف أذنيها وحول معصمها بخات عطر فرنسي راقي ..وازدانت بعقدها الماسي وباقي المجوهرات أما في إصبع يدها الخالي من خاتم زواج.. فقد دست ذلك الخاتم ذو الياقوتة الحمراء المرصع بالماس. ألقت نظرة أخيرة
على المرآة وودعتها بابتسامة أنثوية بالغة. مطمئنة إن كل شئ على مايرام
زوارها من علية القوم !!! هاهم قد بدءوا يتوافدون.. وقفت تستقبلهم بابتسامتها الرائعة ووجها الأربعيني النضر ..بدت كأميرة ذلك القصر ما تنفك تصافح هذا حتى تقبل وتعانق تلك .. جمع لا بأس به .. رجال ونساء ..مقربون واصدفاء
والساقي يدور بكؤوس الكريستال الفاخرة المملؤة بالعصائر الطازجة على الحضور وموسيقى بيتهوفن وباخ تزيد من أناقة الحفل وكلاسيكيته ..
هناك في ذلك الركن يقف رجل أنيق يرتدي حلة سوداء وربطة عنق أنيقة يحمل بين يديه كأسا يشرب منه بتؤدة ويده الأخرى تحمل سيجارا من النوع الفاخر .. يقف وحيدا .. يبدو عليه الهدوء ارتابت لرؤيته إن وجهه غير
مألوف لديها .. انه ليس من قائمة المدعوين .. من هو يا ترى؟ اقتربت منه بابتسامتها الرقيقة الجذابة..
- عمت مساءاُ يا سيدي- مصافحة إياه-
- عمت مساءا سيدتي .. عفوا لم اقدم نفسي إليك وأنت صاحبة الدعوة
ساحبا يدها الى حيث قبلها باحترام بالغ وكأنه أحد دوقات بلاط ملكي
- اسمحي لي ان اقدم نفسي أنا م. عمر شكري
_ أهلا وسهلا بك يا سيد عمر تشرفنا ساحبة يدها بكل هدوء وعلامات الاستفهام ترتسم فوق محياها بتساؤلات عدة ..
بين نفسها قالت :من أنت وكيف آتتك الدعوة فأنت لست ضمن قائمة المدعوين؟
بادرها مباشرة وكأنه قرأ تساؤلاتها :
- أنا في الحقيقة امثل السيد / امجد أبو النصر الذي أنابني
بالحضور عنه لظروف حلت عليه فجأة هذا المساء أرجو أن لا يزعجك حضوري سيدتي؟
- لا على الإطلاق!! مرحبا بك وأرجو أن يكون المانع في تعذر حضور السيد أمجد أبو النصر خيرا.. وراحت تردف قائلة: هو لم يتخلى عن أية دعوة وجهتها له منذ وفاة المرحوم زوجي..
- إنها فقط ابنته التي تصادف موعد عودتها من السفر في نفس موعد الدعوة
- الحمد لله..... على العموم بلغه تهنئتي بسلامة وصول الابنة. وأرجوك
اعتبر البيت بيتك ...
عادت إلى زوارها وعقلها مازال يفكر لما أرسل السيد/ أمجد أبو النصر هذا الرجل بالذات لحضور الحفل نيابة عنه دون اعتذار حتى بالهاتف .. إنها لم تعهده هكذا أبدا.. ولم يسبق لها أن عرفت أن السيد عمر شكري من
رجالات امجد أبو النصر..
نظرات ذلك الرجل أذهلتها فهو بالفعل وسيم حتى في اسلوب حديثه وتحيته... أنيق وجذاب.. ماذا وراء هذا الرجل ؟ كانت تلتفت إلى حيث هو من حين لآخر
لترى وقع حضوره على الضيوف.... ما الذي يجذبها إليه ؟ هاهو هناك مع مجموعة رجال الأعمال .. شركاؤها في العمل يتحدث بثقة بالغة حاملا كأسه بيد وباليد الأخرى سيجاره ينفث منه الدخان دون إزعاج لمن حوله .. أنيق
حتى في تجاذب الحديث مع الآخرين...
عقلها لا يتوقف عن التفكير به وبظروف مجيئه هاهو يرمقها من بعيد ويزف إليها ابتسامات عريضة وإمائة رأس كمن يذكرها بوجوده.
أخذ الحفل مجراه وهي تتنقل من مجموعة إلى أخرى تحدث هؤلاء وتحي هؤلاء وتشكر النساء على إطرائهن اناقتها وذوقها الرفيع الذي يكسو البيت من كل زاوية فيه.. مجاملات و اتيكيت وطقوس معتادة في مثل هذه
اللقاءات..
بدت الموسيقى وكأنها تدعو الجميع إلى الرقص .. لا تدري لماذا ألقت نظرة عليه من حيث وقفت وسط مجموعة صديقات ..الكي تحثه على دعوتها للرقص أم لتطمأن انه ما زال يرمقها من وقت إلى آخر..
التقت العيون وطال النظر .. دق قلبها لأول مرة ، هزها بعنف تعرف معناه تماما.. انه ... انه.. أيعقل في مثل هذا العمر أن يدق القلب من أول نظرة؟؟؟؟؟؟ لا لا يمكن ولن تسمح بهذا، إن وضعها الاجتماعي يفرض عليها
الاتزان في السكنات واللفتات لا بد من لحفاظ على مكانتها .. هي ليست
مراهقة .. معروفة هي بوضع حدود ووضع استرايتجيات عند الحاجة الى التعامل مع الآخرين هكذا علمها زوجها المرحوم محمود مراد..
لم تقاوم الإغراء بإطالة النظر اليه وكأنما هي من تدعوه لمراقصتها على وقع أنغام موسيقى التانجو الحالمة تريد أن تقترب منه اكثر .. وتفضحها عيناها .. يأتي بتؤدة نحوها وينحني بكبرياء وكلاسيكية أمامها لتسمح
له بهذه الرقصة..ولتجد نفسها بين ذراعيه .. فيعود قلبها للارتعاش مرة أخرى .. وتشعر بثلوجة تغمر يديها .. واضطراب في حركتها تماما كما لو كانت فتاة تقع في الحب لاول مرة...
-يبدو التوتر عليك سيدتي هل أنت مرهقة ؟
تساءل بهمس انيق وهو الشاعر بما ألم بها من أول لحظة لقاء...إن ثقته بنفسه عالية وحدسه غالبا ما يصدقه.. تلك النبرة الحانية الهامسة زادتها ارتباكا.
أردفت قائلة:
- لا أنا بخير .. ولكن يبدو أن حرارة الطقس مرتفعة اليوم
- أتودين الخروج إلى الشرفة فالمكان معبئ برائحة دخان السجائر
- نعم لا مانع لدي..
إحساس التواجد معه في مكان بعيد عن فضول الآخرين يغمرها بالخصوصية فلا عيون حولها تراقب حركاتها وسكناتها .. حساسيتها المفرطة تؤنبها أحيانا إنه وضعها الاجتماعي يفرض عليها شئا من التحفظ في سلوكياتها..
- ذوقك رائع سيدتي!! هذا ما يدل عليه المكان ..
- أشكرك ، قالتها وكأنها لا تريد فتح باب ٍللمزيد من المجاملات تريد فقط ان تكون برفقته كي تتبادل معه الحديث همسا.. ولكنها استدركت نفسها وكست وجهها بتعبير جاد الى -حد ما- ولكنه كسر الجمود المحيط بهما قائلا:
- مشهورة انت في أوساط العمل ..يقال انك حذقة في تسيير إدارة أعمالك
- نعم .. أنا أدير أعمالي بنفسي .. أقوم بتطويرها حتى نلحق بالقفزات الهائلة في هذا العصر السريع الايقاع والذي تسير عليه هذه الايام وما يليها .. ....وأنت ما ذا تفعل؟
- أنا مهندس ولدي مكتب استشارات هندسية .
- يبدو عليك هذا بشكل واضح
- ارتفع حاجباه بدهشة قائلا : كيف؟
- لا ادري ولكني اشعر أن للمهندسين بصفة خاصة سمة تميزهم عن الاخرين فكل سكناتهم وحركاتهم مدروسة .. أناقتهم ...اختيارهم للكلمات ..
كل شئ موزون بالمسطرة.. والميزان...وارسلت ضحكة هامسة
- أنت تبالغين يا سيدتي
- لا! حقيقي ما أقول أو على الأقل هذا رأيي..
- لم أصادف أحدا من أفراد أسرتك –ممعنا بتغيير دفة الحديث...
- كلهم غائبون ...منهم من غادر عالمنا ، ومنهم من في الخارج لإكمال الدراسة
- إذن أنت وحدك ؟ تعيشين بمفردك في هذا المكان الجميل؟؟!!!!
انا اغبطك سيدتي
- على الرغم من اشتياقي البالغ اليهم جميعا وشعوري بعض الاحيان بالوحدة لكن لا بأس ان كان لغيابهم مصلحة لهم آآآه كم انا بلهفة شديدة الى عودتهم فأنا اشعر أحيانا كثيرة بوحشة هذا المكان...
- أنت التي تٌحيينه بوجودك وحسك .. بطيبتك وحيويتك ، يبدو لي طيب معشرك .. طريقة اهتمامك بالجميع على حد سواء وترحيبك الدافئ بزوارك يجعلك مختلفة ..بل مميزة
- إنها مجرد بروتوكلات اجتماعية... إلى جانب الضرورة الملحة سواء كانت اجتماعية أم تختص بالعمل.
سرح بفكره بعيدا بعيدا .. وسرحت وإياه و ساد الصمت بينهما وحلق كل منهما في آفاق بعيدة .. تتشابك في ذهنها الذكريات سراعا بين ماض من الأيام لم ترى فيه السعادة والحب الذي تصبو اليه كاي امرأة في هذا الكون وبين الحاضر الذي يمتلئ بالعمل ..والمال المكنوز .. ؟ ما نفع هذا كله وهي وحيدة بين جدران الحياة؟ إنها تفتقد السعادة .. والحب والدفئ ..ان السعادة في رأيها لا تقاس بالأموال.. أما الأبناء؟ أين هم الآن؟ واستخلصت نتيجة جنمية وهي ان الحياة كلها تحصيل حاصل نقتتل على تجميع المال ونفنى في تربية الأبناء وفي النهاية كلٌ في طريق.. ويبقى هذا المال المقيت .. يزيد وينقص ونصارع من اجله .. أضحت المسائل كلها منافسة ثراء؟ لم تعد تدري أين هي واقفة الآن.. هكذا لاح لها الماضي والحاضر في لمحة فكر شاردة.
أما هو فقد ذهب فكره إلى منحنى آخر بعيدا كل البعد عن ماديات الحياة وترفها والأبناء ومآلهم كل ما كان يجول في خاطره هي وهي فقط .. كيف السبيل إلى توصيل مشاعره التي أشعل فتيلها لقاءا دام لحظات وهذه المرأة .. هذا الأثير المحيط بها كهالة من نور .. من جمال.. آه من رقتها وعذوبتها انها امرأة ساحرة بلا جدال.. وكأنها الحلم الذي طال بحثه عنه..
استفاق الاثنان على تغريد كروان في السماء محلقا وكأنه بشارة لبداية قصة حب ..
تذكرت الحفل والأصدقاء .. طلبت الاستئذان بالانصراف الى ضيوفها انه الواجب شعرته الآن لكنها لو أنصتت الى رقص دقات القلب لبقيت معه فقدأصبح هو كل ضيوفها..
مرت الليلة بعد تناول العشاء بسلام وحانت لحظة الوداع للجميع.. انصرف الجميع وبقي هو آخرهم .. صافحها بيد تمتلئ حرارة وشد على يدها حيث ودت ان يبقيها بين يديه ... دبيب غريب سرى بين أوصالها .. تماما كما شعرت حين وقع لحظها عليه.. قال بهمس:
- قضيت اجمل ليلة سيدتي .. اشكر السيد امجد أبو النصر ..لا بل اشكر ابنته التي أخرته عن الحضور وفزت أنا بالدعوة.. ابتسمت برقة قائلة :
- أهلا بك في أي وقت .. البيت بيتك شرفتنا بهذه الزيارة.
ترك يدها المرتعشه بعد أن وقًع بقبلة وداع فوقها وكأنه يسلب منها القلب والعقل مودعا إياها بتحية المساء ودعوة مستترة الى لقاء آخر ..
دلفت الى البهو عائدة بهدوء لم تعهده في نفسها تضمه نفحات من عذوبة لقاء حلق بها عاليا لقاء ما حلمت به يوما حتى عندما كانت في أوج شبابها.
صعدت السلم درجة تلو الأخرى صعودا بخفة فراشة... وصوت طائر الكروان ما برح يشنف آذانها ، ذلك الكروان العذب الصوت ودت حينها لو امتلكت أجنحة لتشاركه طيرانه .. لتحكي له عن أمسية ما أروعها أمسية..
جلست على أريكتها بكامل حلتها بعد ان ألقت نظرة أخرى على المرآة لتطمئن على جمالها كيف كان أثناء هذه الليلة المشهودة.
سرح فكرها بعيدا بعيدا الى تفاصيل اللقاء الغريبة لتلتقي عيناها بلوحة زيتية مرسومة لزوجها محمود والتي كانت تحتل مساحة لا بأس بها من الحائط المقابل لها وكأنه يذكرها بأنه صاحب هذا العز الذي تتمرغ به.. وأشياء أخرى حاولت أن لا تتطرق الى بالها .. كل ما فعلته ان أشاحت بوجهها لقاء النافذة المفتوحة على صفحة السماء الصافية المتألقة بضوء القمر تاركة لعينيها وعقلها العنان وكأنها تهرب من كل الدنيا لتستعيد ذكريات اللقاء بــ عمر شكري.. هذا الفارس الذي عصفت هبوب جاذبيته بقلبها ايما عصف.. والذي ما برح وجهه يفارق خيالها.. بكلماته الرشيقة
المنتقاة .. واناقته .. دفئ نظرات عينيه ... تلك القبلة التي وقعها فوق
يدها عند الوداع وكأنما باتت نقشا لا يندثر.. لكنها حتما نمت عن بداية لا
تعرف الى ماذا تؤول..
لم تكترث للساعة وكم من الوقت مضى عليها وهي على تلك الحال... غير ان بزوغ فجر يوم جديد أيقظها من أحلام يقظتها لتنهض متثاقلة لاستبدال ملابسها والاستعداد لرقاد هادئ..
رقدت وقد ضمت وسادتها الحريرية بين أحضانها لأول مرة وكأنها تستجدي منها الدفيء الذي حرمت منه سنين طوال.. وراحت في سبات عميق وابتسامة تعلو شفتيها
استيقظت على نقر باب غرفة النوم فإذا بخادمتها تحمل صينية الإفطار بين يديها .... وضعتها فوق المنضدة القريبة من سيدتها.. ألقت تحية الصباح واتجهت الى حيث جاءت.. أما هي فقد تكاسل جسدها في النهوض وتناول وجبة
الإفطار وكوب القهوة الساخن الذي عبقت نكهته المكان.. انه كسل لذيذ فضلت ان تسترخي قليلا لتعاودها الذكريات القريبة من جديد..
تنازعتها الأفكار فتارة تشدها الى الهاتف وتارة تشدها الى المزيد من التأمل في لقاء الأمس الذي لم يكن على البال ابدا..أتبادر بالهاتف تسأل عنه ؟ إنها حتى لا تعرف رقم هاتفه ولكن باستطاعتها الحصول عليها بسهولة طالما انه من طرف السيد امجد.. لا ..تراجعت عن هذه الفكرة نهائيا وتراجعت عن الاستئذان لفكرة الوقوع في
براثن الحب المفقود ...........ستترك الأمور لتسير في مجراها الطبيعي...
إنها ما زالت تئن تحت وطأة جبروت المرحوم .... لا لا كلهم أسياد والنساء عبيد لولا رحمة ربي لكانت في عداد الجواري في قصر سيدها .. ولكن الله أراحها
وبدد الظلمة فلم لا تسمح للنور ان يبين ليبدل حياتها? لعل وعسى فما يدريها...
نهضت فجأة وكأن بركانا يموج تحتها تريد أن تطفأ ناره بحمام بارد.. إنها بحاجة الى ان تغسل أشلائها تحت شلال الماء لتبدأ يوما جديدا في حياتها الاعتيادية التي لم تتغير طوال عشرة سنوات هي عمرها كأرملة .. لم تأخذ الأمور بهذا الشك ؟ إنها تلك الذكريات التي أبت إلا ان تسترجعها قبل قدوم الزوار على بيتها ليلة الأمس.. نعم ذكريات مغلفة بالغموض الذي أحاط حياتها عندما كانت زوجه لمحمود .. ذلك الزوج الطاغية كما كان يحلو لها ان تلقبه بينها وبين نفسها عندما كانا معا.. لقد كانت كالدمية بين يديه .... ولم لا ألم يتزوجها ويحتل صباها من اجل نفوذ عائلتها؟ لم يدفع سوى ذكاءه لقاء جمالها الفتان وهو الرجل الذي قارب على نهاية الاربعين بينما هي ما زالت في السابعة عشر من عمرها.. عندما طلبها للزواج كانت بالنسبة له صفقة رابحة فهي بجمالها ونفوذ ذويها وغناهم الفاحش وهو بذكائه وقوة حضوره .. لم يعر أبويها اعتبارا لكينونة تلك الصبية بعد ان زفوها اليه مظمئنين اليه
اليه ..قدموها له على طبق من فضة.. هو وكأنها مقبل شهي حظي به وقع عليه المزاد.. .. محمود.. رجل صلد لا يعرف معنى للعواطف فقير بها ولكنه أصبح غنيا بالمال الذي لا يعد ولا يحصى.. كانت هي طريقه الوحيد
بعد سنين عمره الطويلة ليصل الى ما يصبو اليه ولتنجب له أبناءا يرثوه ويرثوا اسمه من بعده ...وإلا فإن ثروته الطائلة لا مستفيد منها ستذهب الى الجمعيات الخيرية أو قد يهبها وقفا للفقراء والمعدمين وهو الذي صب عرقه ليجمعها ......اليس من العدل ان يرثها من بعده ابناء له ؟ أعطاها الكثير من الحب بداية وجعل منها ملكة متوجة لهذا البيت ملكة بدون مملكة على الإطلاق ، ملكة لأثاث وجدران البيت.. ملكة ترتدي الثياب الباهظة الثمن والمجوهرات النادرة وكأنها فترينة عرض يتظاهر بها أمام الآخرين، لم تكن تدري من أمور عمله وحياته الخاصة شيئا كل هذا كان عنها محجوبا..
انها تذكر يوم بدأ العد التنازلي لقرار كان قد راوده بالهجرة بأمواله وعائلته للخارج.. كان ينفخ ويزبد طوال الوقت ما عاد يريد البقاء هنا .. سيأخذها وأبناؤهما الى سويسرا او الى فرنسا ..آن له ان يرتاح ..وشاء الله ان يريحه بالفعل ولكن في دنيا أخرى غير عالمنا هذا ؟ ... فكان قدر الله ومشيئته. ..
بدت علامات المرض تظهر عليه شيئا فشيئا .. مرض عضال يعلن عن خاتمته .. هنا بدأ العد التنازلي لأيام عمره القليلة القادمة.. شعر بحاجته الماسة اليها لا كزوجة وحبيبة ..ولكن احتياجه كان لها كممرضة ترعاه ..
فما كان يثق بأي يد اخرى تعطيه الدواء أما هي فلا بأس لقد قام على تربيتها ويعلم مدى ولائها واخلاصها له او لنقل خوفها منه ...
كانا بعيدين كل البعد عن بعضهما كانت له حجرة خاصة ينام بها ولها حجرتها .. يزورها كل شهر مرة .. لمدة نصف ساعة ليتركها وحيدة تبكي حظها العاثر .. المال ... ما المال بدون سعادة كانت ترددها دائما ..جعلها ذلك المقت ان تزرع الحب والالفة في نفوس أبناءها فكانت لهم كل شئ وكانوا لها أكسير الحياة الذي تتنفسه والذي افتقدته مع ذلك الرجل عابد المناصب والمال والثراء ..رجل لم يعرف قلبه سوى تحجر العواطف واتخاذ القرارات الحاسمة دون ان يشاركها الرأي ولو عن طريق المجاملة ..إنه وجهه لم يعرف الابتسام الا ماندر عند لقاء الاصدقاء.... رجل لم يعرف معنى الإنسانية مطلقا
سبع سنوات وهو يعاني من المرض الذي لا أمل من الشفاء منه ... ذلك الخبيث الذي يتوارى عنه شهر او شهرين على الاكثر ليظهر بعنفه وشراسته بصورة اخرى أخري ولتمضي سبع سنوات كأنها الدهر ...بين الالم والعلاج والعلاج والامل ...الى ان قضى الله أمرا كان مقضيا.. تركها وترك لها ابناءا صغارا .. لا يعرفون معنى حنان الأب ..ولا يعرفون كيف يخططون لمستقبل ما شاركهم يوما به حلما على اقل تقدير فكنتيجة حتميه لم يكن لفقدانه ذلك الوقع الكبير في نفوسهم سوى انه كان مجرد مصدر للعيش الرغد ... وبقيت هي بعده تلعب دور الأم والأب معا الى أن مرت السنين وكبر الأبناء وتزوجت الابنة الكبرى ورحل الابنان الى الخارج لاستكمال الدراسة هناك..أما هي فكانت ذات قدرة عجيبة على التأقلم والتعلم .. تعلمت كيف تدير عمل زوجها .. بجدارة ..وتعلمت كيف تكون قادرة على تقمص دورها الجديد كسيدة أعمال من الطراز الأول..
مرت بها الأيام تكاد بالكاد تتذكر من هي حقيقة .. أهي امرأة أم هي رجل؟ على الرغم من اهتمامها بمظهرها كأنثى ولكنها في تعاملاتها كانت رجلا بمعنى الكلمة ...فكم صدت ذئابا اقتربت لتصطاد هذه الفريسة الثرية الجميلة ... امرأة ذات مال وجمال.. وذكاء..وشباب وقفت لهم كأنثى الأسد التي لا يجرؤ أحد على الاقتراب من جرائها
كانت الحماية والامن والأمان لهم...
هكذا كانت الى الأمس القريب.. فماذا حدث ...!! هل هو الذي أيقظ الإحساس في صدرها ,.. إحساس الأنثى التي هي بحاجته؟ حاجتها الى رجل رقيق المشاعر ..وسيم . ذكي مثقف . لبق، وفوق كل هذا وذاك، ذلك الميل
الخفي الذي حدث وليد ساعة عجزت ان تعد ثوانيها..هذا إحساس وليس عارض.. جعلها تهجر الكرى ويهجرها طوال ساعات الليلة الماضية.. انها تلك الكهرباء التي صعقتها فأيقظتها من سباتها..
فجأة يدق الهاتف ! تتسارع دقات قلبها مهرولة صوب ذلك الصوت الزاعق في لحظات الذكريات.. من يا تري ؟ لم تعتاد ان يرن جرس هاتفها في مثل هذه الساعة من الصباح ... الكل يحترم سويعات صحوها ... ولكن هناك ما يشدها الى الرد على الهاتف انتفضت نحوه رافعة السماعة ليتجلى لها صوت هادئ أنيق ..
- صباح الخير سيدتي صباح النور والسرور من المتحدث عفوا؟
- عمر شكري معك سيدتي أرجو ان لا تكوني قد نسيت الاسم؟
-
- حاولت ان تلتقط أنفاسها وفي الوقت نفسه ان توهمه بأنها تحاول ان
تتذكر الاسم
- نعم ... نعم ...تذكرت أهلا وسهلا كيف الحال؟
- انا بخير وكيف أنت سيدتي؟
-الحمد لله
الحقيقة وددت ان أكون أول من يشكرك على استضافة الأمس لقد كانت سهرة رائعة
-العفو .. أرجو ان كانت كذلك
- يا إلهي أو قد اغمض لي جفن الى الآن؟
- ولم؟ أتراك أثقلت في الطعام؟؟وأطلقت ضحكة هامسة ممزوجة بعذوبة أنثى تستمتع بالإطراء
- لا لا كلا بالطبع، لقد كان الطعام خفيفا ورائعا ولكن هناك من استولى على ساعات نومي وعمل على إبقائي مستيقظا الى الآن..
- آها!! ما هو يا تري ان جاز لي أن أسأل ؟ تساءلت وهي على يقين تام بالإجابة .. حدس الأنثى الذي لا تملكه الا الأنثى... صمت لثوان معدودة أطلق بعدها آهة تخفي ورائها فيض من الكلمات يجيش بخاطره، قال بعدها :
- سيدتي سأحاول قولها لك فنحن لسنا مراهقين يتحرجا البوح .. بل نحن طرفان يتمتع كلينا بحس ونضج عاطفي كاف لان يبوح كلانا للآخر فأنا على يقين تام بأن الكرى ودع جفونك ليلة البارحة أليس كذلك؟
-أراك ترد على سؤالي بسؤال أليس كذلك؟.. دعنا نستمع إليك أولا
-إذن اعتبره إذن منك بالدخول الى الموضوع مباشرة
- بل الى ما ارَّق عيونك ليلة البارحة وسهدها..
- حسنا سأعترف .... نعم خذيه كاعتراف مني .. منذ اللحظة الأولى التي لمحتك فيها وانا اشعر ان كلانا للآخر بدون أدنى تحفظ.. عندما التقيتك ليلة البارحة رأيت فيك امرأة الشوق التي كنت أتوق لقاءها منذ سنين طويلة هي عمري كله .. وجدت فيك الرقة والعذوبة .. وجدت فيك جمال الروح ورشاقة الكلمة ..وجدت فيك المرأة الحقيقة بكل تفاصيلها .. امرأة مكتملة ناضجة تخفي وراء نظراتها المشعة مشاعرها الحزينة التي لم يلحظها سواي مشاعر قابعة في ركن سحيق داخل نفسك.. حرمان مزدوج ... لا يهم ما تمتلكيه من ثراء ونشاط في مجال العمل ولكن هناك ما هو اعمق .. هناك احتياج محاط بسياج أحطت به قلبا حزينا ..تحاولين رسم بسمة رقيقة عذبة على وجهك تلك البسمة التي من ورائها يختبئ حزن امرأة . سيدتي هل لي ان اتمادى في الكلام ....
قالت بعذوبة الأنثى ..
- نعم ارجوك اكمل
-أشعلت النار في شراييني.. لم أطق ان ابعد عنك مذ لمحتك .. بعدها بت بأحر الشوق أن أحادثك وان أتواصل معك ...وقد حدث فتعلق قلبي بك اكثر واكثر... وددت لو ان الجمع ينفض سريعا كي انفرد بك .. وقد حدث بالفعل ..عندما دلفنا الى تلك الفيراندا الجميلة التي زادت من جو الرومانسية الذي
اكتنفني، كنت أتوق لحظتها ان آخذك لأسبح وإياك مع ذياك القمر لأحيط جيدك بعقد من للآلئ النجوم .... كم كنت اشعر بنشوة ما بعدها
نشوة..... مجسات عجيبة تمازجت بيننا فطالبتنا
بالإذعان فورا .... وتمنيت ان يطول اللقاء المنفرد معك .. لكني
عذرتك فالحفل للجميع ليس لي فقط .. بعدها منيت نفسي بلقاء آخر حتى ولو عبر الهاتف ..لأعبر لك عن مكنون نفسي وذلك الشعور الذي سرى في داخلي.. ولم يزل.. سيدتي .. انا اشكر السيد أمجد ابو النصر لإنابتي عنه في حضور صالونك .. انا اعلم ان لديك من الاستفسارات الكثير الكثير .. انت لا تعلمي عني شيئا ولك ان تسألي وأنا أجيب.. أرجو ان لا اكون قد اطلت وبحت بأكثر مما يجب؟؟؟
- كل هذا حدث في غضون ساعات قليلة ؟؟؟ أطلقت ضحكتها المثيرة
مرة أخرى ..ضحكة شابة في ريعان شبابها ... آذنت لها ان تخرج من صدرها
لأول مرة .. لكنها استدركت نفسها فجأة وقالت: او يسري الهوى في عروق القلب بهذه السرعة
هكذا؟؟
- ان هذه مفاجأة حقا.. وكيف تطرق الى ذهنك اني قد انجذب إليك؟
سيدي انك تبالغ حقا ..
- لا لا لا لم أبالغ قلت لك إننا بالنضوج الكافي كي نفصح عن مشاعرنا وأنا
برأيي أننا كان ولا بد ان نلتقي منذ زمن بعيد ولكن هكذا شاءت الأقدار..
صدقيني لا مطمع لي سوى شخصك وروحك وكيانك كامرأة دخلت شغاف قلبي بدون
استئذان...
- ولكنني امرأة مقيدة بمجتمع لا يرحم يا سيدي وارتباطات عائلية لا تدع
لي منفذا لكي أهنأ ببناء علاقة مع أي رجل .. انني امرأة رحل رجلها وترك
لها ارث كبير من المسئولية التي تقع على كاهلها من أبناء وإدارة
أموال ... لا أجد لنفسي ثغرة انفذ منها الى عالم العشق والحب والهيام ..
يا سيدي انا محاطة فعلا بسياج ولكنه سياج ملئ بالأعباء والمسئوليات ..
- يا
سيدي أنا لا وقت عندي للحب على الرغم من ان شيئا ما زغرد داخلي فرحا
بقدوم الجديد في حياتي .. ولكن....
أعقب مباشرة
- ولكن ماذا؟ الست انسانة بحاجة الى دفئ عاطفي .. يغذي
روحك ؟ لما تحرمي نفسك من هذه المتعة ؟... ان ما مر من العمر قد اخذ منك
شبابك واخذ معه متع الحياة المستباحة وترك لك الجد والعمل .... أنت
بحاجة الى من يعيد اليك البهجة وانا كذلك .. على العموم انا لا أريد ان
افرض نفسي عليك .. ولكن فكري بالموضوع فهو جدير بالتفكير وانا بانتظار
ردك علي .. حتى تأخذ الأمور مجراها... سعدت حقا بسماع صوتك وبالمناسبة يمكنك مناداتي باسمي مجردا ..عمر ... هل لي ان اطمع بان أناديك باسمك مجردا انا أيضا يا ليلى؟
- ليكن ... وأنا أيضا سعدت بمكالمتك يا عمر وارجو ان يتكرر لقاءنا
عبر الهاتف مرة أخرى..فقد تكون صداقة رائعه.. أسعدت صباحا..
أسعدت صباحا واسمحي لي بعد ان منحتني الإذن بمحادثتك مرة أخرى فليكن لنا لقاء مساء هذا اليوم .. ان كان وقتك يسمح..
- لا مانع لدي فأنا غير مرتبطة هذا المساء الى اللقاء
- إذن الى اللقاء.
ارتسمت على محياها ابتسامة عريضة ... أهي ابتسامة الرضا ام ابتسامة
الشكر لله ان من عليها بمثل هذا الصباح الجميل...
أجندة اليوم مليئة حتى الساعة الثالثة عصرا.. لتستعد إذن لإنجاز ما
ورائها.. قامت الى صينية الإفطار .. شربت القهوة وأخذت تستعد لبداية يوم
من اجمل ايام عمرها على الإطلاق..
محمد سائق السيارة ينتظر السيدة ليلى ... وها هي ذا تنزل درج الفيلا
الأنيقة بخطوات خفيفة ترتدي ثوبا أنيقا حاملة بيدها حقيبة عملها متجهة
الى مقر الشركة متقمصة شخصيتها الجادة ولكنها اليوم قد غلفتها بسولفان
التبسط ....
كيف حالك يا عم محمد وكيف الأهل جميعا.. ؟؟
• تلفت اليها السائق مبتسما متفائلا بسؤالها ..
• الحمد لله يا سيدتي كلهم بخير يقبلون أياديكي الحانية .. انهم دائما يذكرونك ويذكرون أفضالك علينا..
• استغفر الله لا تقل هذا انها عشرة عمر وأولادك هم بمثابة أبنائي
لا شك في هذا..
• ادام الله المعروف يا سيدتي وأبقاك لنا .. انا لا أنسى تجهيزك
بيت الزوجية لابنتي فاطمة وزينب والله لقد قمت بتجهيزهم بما لا ينفقه اب
مثلي عليهن..
• قلت لك يا عم محمد أبناءك هم أبنائي وان قدمت شئ فهو لله اولا
ثم ردا لإخلاصك وتفانيك في العمل معنا طيلة هذا العمر.. أرجوك ان لا تذكر
هذا مجددا..
• عوض الله عليك بالخير يا سيدتي
• الطقس بديع اليوم أليس كذلك؟
• هو كذلك يا سيدتي كما الأمس كما قبل الأمس كما غدا وماذا سيتغير فيه ؟ أطلق ضحكة من أعماقه وكأنه سئل سؤالا غريبا..
اما هي فإنها تشعر بالفارق في كل شئ .. الطقس .. الشوارع.. الألوان كل شئ امام
ناظريها رائع وجميل حتى الزحام والأجساد التي تتحرك هنا وهناك تبدو لها
وكأنها تتراقص فرحا..
وانتبهت الى نفسها ... ما لذي جعل الأشياء والناس تبدو اجمل.. شعورها
بأنها اليوم جميلة جعلها ترى الأشياء أجمل .... جميلة بما تحمله من
نفحات نسائم ربيع تأتي في خريف العمر باتت تحملها داخلها .. مشاعر
جديدة حتى على نفسها .. تنهدت تنهيدة عميقة وابتسمت ابتسامة عريضة
بينها وبين نفسها انها تعرف السبب.. يا ترى هل سيطرأ تجديد على حياتها بعد هذا
اللقاء المفعم بالمشاعر والذي تغلغل بين ثنايا صدرها؟؟ لا بد وان يكون هناك تغيير!!
ولكن كيف سيكون هذا التغيير؟ وكيف ستتعامل معه .. أسئلة دارت بذهنها لا تعرف لها إجابة.
مضى عليها يوم العمل كأطول يوم في التاريخ .. إنها تنتظر المساء ...
تنتظر المحادثة الهاتفية التي ستجمعها معه .. تارة تبتسم ..وتارة تقطب
حاجبيها استغرابا.. افي أوان الخريف يأتي الربيع؟؟ ولكنها مصرة
ان تخوض التجربة الى النهاية إنها تبدو تجربة جميلة تنعش نفسها اكثر
مما توقعت.. هي لا تدري ما ذا تخبئ الاقدار لها وما معنى هذا الشعور ......
انتهى يوم العمل أخيرا واستعدت للعودة الى البيت وهي تردد بينها وبين
نفسها أغنية ام كلثوم .. أغدا ألقاك؟ .. يا خوف فؤادي من غدي .. يا
لشوقي واحتراقي لاقتراب الموعد.....لهفة اللقاء أخذتها الى عالم
الموسيقى والشعر وماذا ايضا؟؟.
دخلت البيت مسرعة متجهة نحو الطابق العلوي غير مكترثة بمديرة منزلها وهي
تنبهها أن المائدة ستعد حالا لتناول وجبتها الوحيدة التي تتناولها يوميا
في مثل هذا الموعد..ولكنها لم تكترث لتنبيه مديرة المنزل التي اعادت
عليها التنبيه مرة أخرى بعد ان لاحقتها الى منتصف المسافة.. التفتت ليلى
وقالت لها ..
- ان كان ولا بد من تناول الطعام فأعدي لي وجبة خفيفة جدا..
لا اشعر بالجوع مطلقا الآن..تاركة ،اياها مشدوهة من أجابتها فقد تم إعداد
قائمة طعام انتقتها بنفسها هذا الصباح.. ولكن هي الأوامر ولا بد من
الانصياع لها.........
غرفة نومها معتمة .. الستائر مقفلة لتبدو الغرفة اكثر هدوءا كما هي
تعليماتها اليومية حين تأخذ قسطا من الراحة قبل ان تعود لعملها
وأوراقها، ليس خارج المنزل ولكن في غرفتها وعلى مكتبها الخاص تكمل
وتراجع ما أنجزته وما ستعده ليوم الغذ.
• لا مانع من حمام بارد انا استحقه بعد عناء هذا اليوم الذي
بدا لي انه دهر .. اخذت تحدث نفسها وتبتسم ابتسامة خبيثة وكأنها تعرف
لما بدا اليوم طويلا.. طويلا ..
انتهت من حمامها وارتدت عباءتها المريحة الوردية اللون كي تضيف تفاؤلا
على تفاؤلها .. مديرة المنزل تدخل وبيدها عربة تجرها عليها من الطعام
اخفه كما كانت رغبتها .. امرتها بترك العربة والانصراف مضيفة انها لا
تريد ازعاجا البته تريد ان تأخذ قسطا من الراحة.. ولكن هي في غمرة
فرحتها بالمكالمة الهاتفية التي قد تأتيها بين حين واخر كانت تنظر الى
الطعام ولا تلمسه يدها ..ولكنها امتدت الى كوب العصير لتشرب منه رشفة
وتتركه مكانه.. وتستلقي على سريرها تستعيد ذكريات الأمس والصباح
مستبشرة بابتسامة لا تخلو من العجب ..
من اين اتى لها هذا ؟؟ انها لا تبرح تستغرب من أين أتى هذا الذي يشغل
حيزا لا بأس به من عقلها بل ومن قلبها أيضا.. أغمضت عيناها باسترخاء
تام ... وتركت نفسها للنوم وهي ما زالت تفكر فيه...بعمر .. وغرقت في
نوم لم يوقظها منه سوى رنين الهاتف بقربها .. آلو!!! قالتها بعد ان
رفعت سماعة الهاتف الى اذنها وهي نصف نائمة .. فجاءها صوته وكأنه صدى صوت آت من الفضاء البعيد..
• أتراني ايقظتك من نومك؟
• تنبهت للصوت فاعتدلت وقالت بكسل لذيذ : لا ابدا لقد اخذتني
قيلولة العصر الاعتيادية ولكني كنت متوقعة ان تطلبني كما اتفقنا اليوم
صباحا اليس كذلك؟
• بالطبع .. طوال النهار وانا افكر متى تأتي هذه اللحظة
لاستمتع بسماع صوتك فانا بشوق وفرحة لا تسعها دنيتي الصغيرة....
• تريد ان تقول لي انك تعيش وحدك ؟
• طوال عمري اعيش وحدي منذ ان رحل والداي وتركاني وحيدا في
هذه الدنيا لا أخ ولا أخت ولا....
• ولا ماذا ؟ الم تتزوج بعد؟؟
• كلا لم أتزوج أبدا!! أخذتني دنيا العمل والسفر والقراءة الى
عالم بعيد كل البعد عن التفكير في بناء حياة أسرية ..ولا أخفيك كنت أهرب
منها تارة بالعمل وتارة بالقراءة ..سكت لحظة وكأنه يلوم نفسه على لحظة سكوت تترجم أسفه على العمر الذي مضى..
• عجيب أمرك أول مرة اسمع أن رجلا لا يروم إلى تكوين أسرة
واستقرار...
• وكأنه يبرر لنفسه ولها أردف قائلا : لا ليس عجيبا على عمر شكري هذ، ا فأنا طوال عمري افضل الوحدة والانعزال عن الآخرين الا ما ندر ،وكأنه نعليل لها بعدم ارتباطه بالزواج أبدا..
• لا يبدو عليك هذا .. كنت في سهرة البارحة وكأنك من رواد
الحفلات واجتماعات رجال الأعمال
• نعم هذا من صمبم عملي انك لماحة سيدتي او دعيني اناديك بـ
ليلى ان سمحت لي
• بالطبع انا لا احب الألقاب خارج ساعات العمل
• والآن دعينا من هذا كله كيف أنت اليوم ؟ لم ابرح التفكير بك لحظة واحدة ودعيني أصارحك انه لا توجد امرأة في هذا الكون أخذت حيزا من تفكيري كما أخذته أنت إاني بالفعل منجذب اليك بكل حواسي .. واعذريني على صراحتي السريعة ولكنك تعرفين ان المهندسين يفضلون الخطوط المستقيمة اللف والدوران ليس من طباعهم..
• ماذا اقول لك ... انك تذهلني حقا .. افكر فيك وأقول في نفسي
او يطمح رجل مثلك لبناء علاقة مع امرأة سبق لها الزواج والإنجاب وأبناءها
منهم المتزوج ومنهم من هو على مقاعد الدراسة.. اعني ان مثلك لا بد وان
يبحث عن فتاة لم يسبق لها الزواج ولا الإنجاب الا ترى ان هذا غريبا بعض
الشئ؟
• أسمعت قط عن حب يطرق الباب بالاستئذان ليقدم سيرته الذاتية؟
• لا لم اسمع ولكني جد مذهولة مما يجري خاصة وأنني لم آذن للحب
ان يمر مرورا بقربي حتى .. وتجدني الآن مدعوة لكي أخطو أولى خطواتي إليه.. لا تستغرب صراحتي يا عمر، ولكنك فتحت لي طاقة كنت قد أغلقتها من سنين مضت ولم أفكر قط حتى بمحاولة فتحها.... انا أتحدث اليك حديث امرأة عركتها الحياة فلا أجد حرجا ايضا في التحدث عن أي شئ وهذا ليس أي شئ.. انه حدث قوي سريع... مدته لا تزيد عن اربع وعشرون ساعة
• الحال واحد يا ليلي .. ولكن دعيني اشرح لك ماذا يحدث في
مثل هذه الحالة... الحب يأتي بغتة كالقدر المحتوم .. مجرد نظرة او لفته
أو حتى إيماءة لينذر بالدخول.. وجدت نفسي بدون تكلف انظر إليك ..
أتفحصك لا تفحص غريزي من عيني رجل لامرأة ولكنه كان انجذاب آخاذ هز
كياني كله وانا كما قلت لك لم تجرؤ امرأة واحدة قبلك على الخوض في
أعماق قلبي كما فعلت أنت منذ اللحظة الأولى التي قابلتك بها.. كنت كمن
صوب نحوي سهما أصاب مني القلب ولم يقتله ولكنه احياه انه سهم الحب يا ليلى هذا ما أستطيع ان أقوله ..
• لا أخفيك يا عمر لقد حدث لي ما حدث لك بالتمام شعرت وان
الحفل كله أنت.. أنت وحدك وودت لو ان أقوم على ضيافتك وحدك .. لقد كان
وجود الآخرين معدوم لدي تقريبا.. كنت أنت كل ضيوفي انت فقط الذي اتوق
اليه حديثا ورقصا .. انا أجزم ان الجميع لاحظوا التغيير الذي طرأ علي..
ولك ان تصدق او لا تصدق ان حدسي- قبل ساعة من وصول الجميع -كان يحدثني
بأن هناك شئ ما سيحدث تلك الليلة وقد صدق بالفعل او يجوز انا اردت اخلق هذا الحدس واجعله حقيقة.......
• ليلى هل لي ان اطلب لقاءك .. لا اعتقد بأننا في وضع يسمح فقط
بإجراء مكالمات هاتفية لكي نتواصل
• صحيح ولكنك تعرف ظروفي صعب على لقاءك في الأماكن العامة ...
والخاصة ايضا ..
• اذا ما رأيك لو سافرنا الى مكان بعيد لا يصل فيه الينا
احد؟ وفي نفس الوقت يكون التعارف بدون رقابة..
• أصبت .. انا بالفعل بحاجة الى ان اخذ فترة استجمام كما هي
عادتي في مثل هذا الموسم من السنة ما رأيك في رحلة خارج الوطن لا تكون بعيدة ولا قريبه؟
• رائع لا مانع لدي بالطبع .. اذا ليكن .. أتودين ان أقوم
باللازم؟
• لما لا على الأقل لن يعرف أحد الى أين اتجه وفي الوقت نفسه فإن
الهاتف المتنقل ما عاد يترك احدا بدون تواصل مع الآخرين حتى لو كان في
القمر... اعني ان كانوا بحاجة الي فسيقومون بالاتصال بي في أي لحظة دون
ان يعلموا اين انا .. يا لهذه التكنولوجيا أعطت خصوصية لا بأس بها للناس
..
• اذا سأقوم غدا بعمل اللازم سأقوم بحجز مكانين على الطائرة وسأبلغك لاحقا بما تم..
اتفقنا؟
• اتفقنا سأترك لك هذه المهمة ونلتقي في المطار حالما يتحدد
السفر..
• اذا سأبقى على اتصال بك لأوافيك بكل ما تم إنجازه..
• حسنا وأنا بانتظار اتصالك .. أما الآن فاسمح لي بان أتناول
وجبة الطعام الذي لم تمتد اليه يدي بعد
• الى اللقاء يا ليلى سأحلم باللقاء الى ان ألقاك.. مع السلامة
• مع السلامة ...
ليلى ما عادت تصدق هذا الذي يحدث بهذه السرعة وهذه التطورات التي
أخذت طابع الجدية نحو هذه العلاقة.. إنها تفكر وتفكر فقط بعمر.. وما
الذي سيتم بينهما في لقاء السحاب.. كما حلا لها ان تصفه
وفجأة علا صوت الهاتف كأنه نذير شؤم هكذا شعرت ليلى في ثوان معدودات..
• آلو
• آلو مدام ليلى ؟ كيف حالك انا أمجد ابو النصر
• أهلا وسهلا بك كيف حالك يا سيد امجد؟
• بخير والحمد لله
• الحمد لله على سلامة ابنتك .. أرجو ان تكون بخير
• ابنتي بخير والحمد لله ولكن لم تسألي عنها بالذات؟
• الم تكن مسافرة وحضرت بالأمس فقط أليس هذا ا ما عطلك عن حضور
الحفل الذي أقمته انا وقمت بدعوتك اليه من خلال بطاقة دعوة؟
• كلا أبدا .. أبدا لم يأتني منك أي بطاقة دعوة لحضور الحفل
وهذا ما أثار حميتي ودعاني لمحادثتك فقد استغربت عدم دعوتي لحضور جمعة
الأمس التي سمعت بها من بعض مدعويك.. وثانيا ابنتى ريم هنا لم تغادر
الوطن أبدا.. غريب ما تقولين يا مدام ليلى..
توقفت ليلى عن الكلام لحظات وعادت تقول بضحكة مفتعلة ولكن الغيظ يملؤ قلبها
• يالي من امرأة مشغولة البال حقا .. ظننت اني أرسلت لك
بطاقة الدعوة، وقد كنت أنت بالذات من أوائل المدعوين .. لعله خير ويبدو
ان البطاقة لم تكتب أصلا .. آه لن اعتمد على سكرتارية الشركة مرة أخرى لا
بد لي من مراجعة القوائم دائما قبل الإرسال .. على العموم ملحوقة ..
وآسفة حقا..
• ولكنك قلت ان ابنتى كانت في سفر ؟؟ من قال لك هذا ؟
• لا تأخذ ببالك يا سيد امجد يبدو انه لبس في الأمور. على
العموم لنا لقاءات أخرى بعد اجتماع الغد ان شاء الله واعتذر مرة
أخرى..على ما حدث..
• لا تعتذري فليس بيننا رسميات الى هذا الحد مجرد مكالمة
هاتفية منك وكأني قد دعيت.. وارسل ضحكة عالية ليشعرها بالتخلي عن
الرسميات بينهما .. فهم عائليا أصدقاء مقربون منذ عهد زوجها المرحوم
محمود..
انتهت المكالمة بهدوء ولكن عاصفة هوجاء اجتاحت نفسها .. كان آخر شي
قد يطرأ على بالها ان يكون عمر شكري مدعيا .. متلاعبا .. او يكون
نصابا؟ فمن اين تحصل على بطاقة دعوة تخص السيد امجد ابو النصر؟ تثاقل جسدها فرمته فوق السرير وهي تجاهد دقات قلبها التي بدأت تخفق بشده..أهو خوف من المفاجآت ام خوف من ان يتسرب شعورها المطلق بالسعادة الآتية اليها طواعية؟ ماذا حدث ومن هو هذا الذي ادعي ما ادعى بتبرير حضوره الحفل... يا لها من بلهاء ... شعرت بالحنق والغيظ .. كيف سمحت لنفسها بالانزلاق الى إلى هذا الحد مع رجل لم تتأكد من هويته حتى..اختلط عليها الأمر .. لكنها لملمت مشاعرها التي تبعثرت في لحظات...
لن تسبق الاحداث انها امرأة عاقلة فمهما حدث ليلة البارحة واليوم فلن يكون بأقسى مم مر بها في حياتها.. استجمعت قواها وركزت في تفكيرها كيف تخرج نفسها من هذا المأزق؟ وكيف تكشف عمر شكري امام نفسه..
استلقت ورأسها مستند على ظهر السرير ...تناولت لفافة تبغ تنفث دخانها
وهي التي لا تحبذ التدخين ابدا... لتدخن فقد يساعدها على التفكير ...انها تستعيد شريط احداث الأمس واليوم و تكاد تبعد فكرة المصداقية في مجرياتها من
ناحية ومن ناحية اخرى تستبعد هذا التوجس الخفي داخلها واخذت
بالتخطيط .. كيف تكشف له الحقيقة المرة..كيف تواجهه؟
مر عليها من الوقت ما جعلها تنسى انجاز باقي اعمالها لليوم.
تناولت سماعة الهاتف وأعادت الاتصال بآخر رقم مسجل على الهاتف..
وجاءها صوته حانيا عطوفا لهفا لسماع صوتها الذي فارقة منذ وقت ليس
بطويل ؟ ساعة؟ لا يهم المهم انها هي التي تحادثه .
• الو.. قالتها بتثاقل : السيد عمر شكري؟
• ليلى !!!!!! ما هذه المفاجأة الجميلة.. هل أنا احلم؟
• لا انت لا تحلم يا عزيزي أنا بالفعل مدام ليلي
• مدام ليلى؟ خير؟ هل انت بخير؟
• أنا بخير ولكن حدث طارئ الآن أردت ان اخطرك به قبل ان تقوم بأي
إجراء يخص السفر الآن
• خيرا ان شاء الله ما هذا الطارئ الذي حدث بهذه السرعة
• لا ..خيرا ان شاء الله ان علاء ابنى سيكون في طريقه الى هنا من اوربا!!
• يصل بسلامة الله ..على العموم اخبريني متى تتوقعين وصوله ؟
• لا ادري لم يخبرني عن برنامج رحلته بعد ولكنه قد يأتي في أي
لحظةز
• خيرا ان شاء الله ولكن لم رنة الأسى في صوتك اني كما افهم انك
كنت على لهف للقاء أي احد من ابناءك..
• نعم ولكن عودته الغير متوقعة الان هذا فقط ما يزعجني
• اذن لنؤجل اللقاء الى ان تنتهي زيارة علاء لك
• نعم هذا ما وددت اخبارك بهز
• ارى مزاجك لا يسمح بإطالة الحديث لذا سأتركك الان واعاود
الاتصال في وقت لاحق لاطمئن عليك
• اعتذر منك ولنا لقاء اخر عبر الهاتف مرة اخرى
• الى اللقاء
• الى اللقاء
دمعت عيناها وبدت متألمة وبدأ الهاجس النكر يثب الى نفسها ... ايحتمل
ان يكون ؟؟؟؟ لالا يمكن لا بد ان الامر فيه لبس ... انه تبرير مفتعل جاء في
لحظة ظنت فيها ان الأقدار ما زالت تعاندها وتقف في طريق سعادتها ...
ولكن هذه الاحاسيس لا يمكن ان تكون مفتعلة لا يمكن ....كيف ؟؟ .. قامت الى
خزانة الأدوية وتناولت قرصا مهدئا لتهرب فيه من هواجس جمة داهمتها وهي
في اوج فرحها وسعادتها...
استلقت على فراشها وقلبها ينوء بحمل تنوء الجبال احتماله... وشئيا.. فشئيا
راحت في سبات عميق ودموعها ما فتئت تتساقط فوق وجناتها..
استيقظت من نومها العميق وشعور بالراحة نوعا ما قد لازمها ولكن
عقلها مازال يقدح ويفكر ويستنكر.. كيف لها ان تلقى عمر شكري وان تكشف حقيقته ..
وفي خاطرها ان لا يكون سوى عمر شكري الذي ايقظ مشاعرها..
مضى روتين ليلى كما يمر كل يوم .. اخذت طريقها الى مقر عملها ورأسها
يعمل في كيفية اكتشاف هذا الأمر .
دلفت مبنى الشركة وجميع من يلقاها يلقي بتحية احترام لها وكأنها ملكة
تمر بين رعيتها.. راعها ان يستهزأ عمر شكري بشخصها وان ينتحل شخصية
المحب الولهان ولكنها كمن كانت بين مصدق و مكذب.. رفعت سماعة الهاتف
وطلبت من السكرتيرة ان تطلب لها فورا رقم امجد ابو النصر... وكأنها في
سباق مع الزمن تريد ان تطمئن ام تريد ان تكتشف وجه الحقيقة .. جميع
اوصالها ترتعش وهي تحادث امجد ابو النصر
- هالو .. صباح الخير سيد امجد كيف الحال؟
- بخير والخير ازداد بعد سماع صوتك
- سيد أمجد اريد ان آخذ رأيك في موضوع خاص
- تفضلي سيدتي انا تحت امرك
- أريدك ان ترشح لي مهندسا معماريا من معارفك ... فأنا بصدد بناء فيلا
لابني علاء ، حيث انه على استعداد للزواج الآن بعد ان قارب على الانتهاء من دراسته أريد أن مفاجأته بمخططي هذا.. اود ان ترشح لي مهندسا مرموقا ليقوم برسم خرائط الفيلا؟
- ألف مبروك لك ولعلاء .. بالطبع انا على علاقة بأمهر المهندسين هنا وفي ذهني الآن احدهم سأقوم بالاتصال به وأخذ موعد معه ليقوم بدراسة عمل خرائط الفيلا معك..
- هل لي ان اعرف من هو ذا الذي وقع عليه ترشيحك؟
- نعم انه احد المهندسين البارعين والذي قام بعدة مشاريع يشار اليها
بالبنان
- من هو ؟
- انه المهندس المعروف عمر شكري..
- وقع الاسم كان كالصاعقة ولكنها احتفظت بشئ من الهدوء
واضافت : امتأكد انت منه؟ ان قطعة الأرض التي ستقوم عليها الفيلا كبيرة الى حد ما ولكنها باهظة الثمن .. أريد ان يقوم عليها بيت العمر لعلاء
-لا تشغلي بالك فقد رشحت لك أحد ابرع المهندسين في البلد وسأقوم بترتيب موعد لتلتقيه .. متى تودين ان احدد الموعد؟
اليوم مساءا ان كانت ظروفه تسمح..
حسنا سيكون لقاءك به في مقر عملك الساعة الثامنة مساءا .. هل يناسبك هذا الموعد؟
نعم .. نعم.. وخير البر عاجله.
اذن سأوافيك بعد قليل بترتيب الموعد
أشكرك سيد امجد وانتظر مكالمتك
بدا لها شئ من الارتياح داخل نفسها وكأنها تطمئن نفسها ان بعض ما قاله
حقيقي ... بقي عليها ان تسبر غوره وتعرف باقي التفاصيل التي مكنته من
المشاركة في تلك الأمسية..
يبدو أن الأستاذ امجد ابو النصر لا يعرف التباطؤ في مثل هذه الأمور
فالسيدة ليلى تهمه جدا .. او ليست زوجة صديق عمره محمود؟ وأبناؤها هم
بمثابة أبناءَ له فهو لا ينسى صديقه المرحوم محمود ولاينسى الأيام التي
عاشاها سويا يحفرون الصخر ليصلوا الى ما وصلوا اليه معا حتى باتوا
شركاء عمل ولكن الموت الذي غيب محمود لم يكن لينسي امجد ابو النصر
مسئوليته تجاه عائلة محمود فهو الذي قام بتشجيع ليلى على مواصلة
المسيرة حتى لا يضيع مجهودهما هباءا .. وقد قام بتدريب ليلى وتعلميها
حتى باتت احدى سيدات العمل المعروفات على صعيد ساحة الأعمال ... ومما شجعه حقا التزام ليلى وجديتها في مواصلة الطريق..
الساعة الثامنة الآن الا عشر دقائق .. ليلى في مكتبها وعقلها يقدح
بالتفكير كيف سيكون اللقاء مع عمر شكري وكيف ستفاتحه بالقصة التي
افتعلها ليأتي حفل تلك الليلة..
الثامنة تماما وباب الغرفة يدق لتبدو السكرتيرة من ورائه معلنة وصول
المهندس عمر شكري..
عمر شكري داخلا الى غرفة المكتب وابتسامة عريضة ترتسم على وجهه بعينين تلمعان ذكاءا وعمقا بدا عمر وهو في قمة السعادة مما زاده وسامة عن اول مرة رأته فيها عند حضوره الى منزلها......
ابتسمت ليلى وقامت من على الكرسي وصافحت عمر الذي مد يده لملامسة يدها .. ولكنها لم تبق يدها في يده متعمدة وكأنها بدأت تأخذ اولى خطوات الحذر..
ما هذه المصادفة الجميلة
أي مصادفة؟
عندما حادثني السيد امجد عن مشروع بناء فيلا فاخرة لم اكن اعلم ابدا
انها تخصك في البداية ولم ارحب بالفكرة لأن خططي بعيدة المدى.. من غير ان أسأل عن صاحب المشروع مبدئيا... وعندما ابلغني بأنك صاحبة المشروع لا تتصوري فرحتي وحماسي..سأوقف كل المشاريع من أجلك انت فقط..
أشكرك جدا .. انني بصدد بناء فيلا وتجهيزها لإبني علاء فهو على عجلة من أمره كما يبدو عليهيريد ان يتزوج ويستقر بعد الانتهاء من الدراسة وحصوله على شهادة الماجستير.. وقد رشحك لي السيد امجد وبالفعل كانت مفاجأة لي أنا أيضا.. لقد نسيت انك مهندس معماري..
أرانا قد بدأنا في النسيان!!! .. كيف نسيت وكيف لم تحدثيني في الموضوع
مباشرة ؟ ان السيد امجد لا يعرف عن معرفتي بك شيئا وانا بدوت كمن يحدثني عن مشروع جديد فقط..
لمحت ليلى طبيعية عمر وتلقائيته في التعبير والتوضيح .. فتداخلت في
رأسها الشكوك ... ايكون امجد ابو النصر قد قام بترتيب اللقاء بينهما
بدون علمها؟
ليلى إنسانه تحب الوضوح في كل شئ ولا تهوى المراوغة .. سألته فجأة
وبدون مقدمات:
عمر هل لك ان تصارحني كيف وصلت إليك بطاقة الدعوة الخاصة بالحفل
الذي أقمته في بيتي وحضرت إليه أنت مدعيا انك تمثل امجد أبو النصر
لانشغاله بعودة ابنته من الخارج؟
ضحك عمر وقام من على كرسيه يريد ان يأخذها بين ذراعيه وقد اشتم
رائحة اكتشافها لسبب حضوره الحفل بدون دعوة.. ولكنه توقف فجأة وقال
لها: ليلى انا اعرف ماذا يدور بخاطرك ..لا تشغلي بالك ... سأقول لك
التفاصيل:
كنت عند السيد امجد الأسبوع الماضي ... وللعلم انا والسيد امجد
أصدقاء على صعيد العلاقات الاجتماعية والعملية.. اقول ذهبت الى السيد
امجد وقد بدا علي شئ من الضيق والملل .. سألني ماذا بي؟ قلت له بدون لف
ولا دوران : انا مللت هذه الحياة الروتينية ولاول مرة افتح عيني لاجدني
بدون شريك حياه .. فراغ بالفعل ممل على الرغم مما بلغته من شهرة ونجاح
في العمل... فما كان من السيد امجد إلا ان اقترح علي لقاءك على ان لا
يكون هناك ترتيب مسبق له.. أعطاني البطاقة وقال لي : لن تندم أبدا على
لقاء مدام ليلى...وقد كان...
ليلى كانت تستمع بين مصدق ومكذب للتفاصيل ولكنها من الداخل ترقص
فرحا... وقد بدت عيناها تلمعان من الفرحة لسماع الخبر .. اذن كل شكوكها
كانت ليست ذي بال .. عمر هو عمر الذي دق قلبها له من اول نظرة ..
وتيقنت ان اللقاء كان مفتعلا ولكنه كان حقيقيا .. دقات قلبيهما دقتا كما
تدق الساعة بصدق..
استطاع عمر بذكائه ان يكتشف القلق وتفاصيل المكالمة التلفونية الاخيرة
بينهما فما كان منه الا خطا الى مكتبها ماسكا يديها بين يديه طابعا
فوقهما قبلته تلك التي تركت وشما على يدها في اول لقاء..
ليلى لا تخافي ايتها الغالية انا صادق وغرضي شريف ولكننا اتفقنا انا
والسيد امجد ان نختلق قصة عودة ابنته ليبدو الأمر طبيعيا ولكن للأسف مع
كثرة انشغاله بالعمل نسي الموضوع نهائيا ...مما اثار حيرتك اليس كذلك؟
نعم يا عمر لا أخفيك كم شعرت بحماقة لم أشعرها قط في حياتي ... بدوت
لنفسي كطفلة حائرة مرتبكة لا تستطيع ان تكشف وجوه الحقيقة .. ولكن صدقني إنني كنت أتصرف معك بتلقائية وكأنني فتاه في عمر الزهور ينبض قلبها لأول مرةانت بالفعل فتاه في عمر الزهور يا ليلى وانا الذي سيعوضك كل ما فاتك وستعوضيني كل ما فاتني من عمر.. أليس كذلك؟
أكيد يا عمر.. بقى علي أن أبدا بمفاتحة الأبناء بهذا..وأعتفد انهم لن
يعارضوا فعقولهم مفتوحة وسوف يتفهمون الوضع الذي اخترته خصوصا انك
تستطيع بلباقتك ان تدخل قلوبهم كما دخلت قلبي وحتى تصبح علاقتنا على نور أمام الله والجميع بدون تحسب لهمس ولمز وغمز اليس كذلك؟
لا مانع عندي ابدا وبدلا من ان نسافر للتعارف خارج البلاد أود لو يكون
سفرنا بهدف قضاء شهر العسل ... بل بداية عمر العسل..وعمر الربيع..[/frame][/align][/font][/align]
سيدة الشوق
رواية بقلم
لميس الامام
ساعة واحدة ويمتلئ هذا المكان بكبار الزوار وعلية القوم ، ألقت نظرةأخيرة على المكان وكأنها تطمئن على محتوياته ... بهو أنيق بثراء
لوحات ثمينة تلتصق بجدرانه خيفة أن تمتد إليها نظرة فضولية لا تقيِّمُ معنى الفن الأصيل .. بسط تفترش أرضية هذا البهو، منمنمة بزخارف فارسية من زمن التراث المندثر تحت أنقاض الحضارة التي سادت ثم بادت.. وسائد حريرية موشاة بنسيج الذهب والفضة تستلقي بارتياح وأناقة فوق أرائك فرنسية الصنع، تخشى أن يتوسدها جسد ما يعكر صفو استرخاءها ، مناضد متناثرة هنا وهناك تعلوها تحف نادرة .... ثريات إيطالية الصنع تتدلى بغنج من سقف ذلك البهو وأخرى تتعلق بالحوائـط لتضفي على الجداريات جمالا فوق جمالها..ستائر مخملية يميل لونها إلى لون أزرق ملكي يتماشى وألوان البسط والأرائك.. .تغطي مساحات واسعة من الجدران لتعطي المكان دفئ ثري..
امرأة واحدة تسكن هذا الجمال ... هذا المكان .. هذا القصر المنيف ... غادرها الجميع ، فمنهم من انتقل إلى العالم الآخر ومنهم من هو على سفر.. وتبقى سيدة هذا القصر ساكنه الوحيد... تسترجع ذكريات عصفت
بها .. يوم خطت قدمها أول مرة بلاط هذا البهو .. تلاحقت الذكريات تباعا ...تلاحقت الأنفاس .. لكنها استدركت أن لا وقت الآن لاسترجاع ما كان .. وباستجداء نفسها وعقلها أرجأت استعادة الماضي إلى وقت آخر حيث لها أن تستعد للقاء الزوار..
حدثت نفسها فلا أحد هناك يشاركها الحوار عادة: هذه أمسية بدون مناسبة .. فلا بأس من جمع المعارف والأصدقاء من وقت لآخر حتى تتوشج عرى العلاقات الاجتماعية وعلاقات العمل .. ولكن لما لا اجعلها مناسبة خاصة اختلقها لكي أضفى على الأمسية نكهة غير عادية.. تزاحمت في رأسها الفكر واستقرت أن تتركها للظروف إنها دائما امرأة تعشق المفاجآت..
تركت البهو على أهبة الاستعداد للقاء الزوار وهي راضية عن كل شئ.. وأخذت ترتقي سلم الطابق الثاني بخفة فتاة في العشرين من عمرها لكي تبدأ بتجهيز نفسها استعدادا للقاء ..
ما بال ثوبها الوردي الموشى بزهور سوداء إنه قطعة ساري هندي حريرية ابتاعتها من الهند أثناء رحلة عمل العام الماضي ..وقد صممها لها مصمم الأزياء الشهير .......... لترتديه الليلة لم يره أحد بعد ..
خزنة حديدية ضخمة يكسوها خشب الورد وكأنها خزانة ملابس.. – للتمويه!!! - وبعد أن أدخلت الشفرة الخاصة قامت بفتحها .. علب مجوهرات متراصة بحرص فوق الارفف تمتلئ بعلب المجوهرات الثمينة .. فتحت هذه وتلك إلى أن
انتقت ذلك العقد الماسي المرصع بحبات الياقوت الأحمر ليتناسب و ثوبها ومعه القرط والخاتم والإسورة..أعادت الخزنة الحديدية إلى ما كانت عليه
تم تجهيز كل ما تحتاجه و الان استعدت لأخذ حمام دافئ .. الساعة الآن الثامنة والنصف .. باق من الزمن نصف ساعة .. انتهت من زينة وجهها وإعادة تصفيف شعرها الأسود المنسدل فوق كتفيها بارتياح..وأنوثة... ارتدت ثوبها ونفحت فوق
جيدها وخلف أذنيها وحول معصمها بخات عطر فرنسي راقي ..وازدانت بعقدها الماسي وباقي المجوهرات أما في إصبع يدها الخالي من خاتم زواج.. فقد دست ذلك الخاتم ذو الياقوتة الحمراء المرصع بالماس. ألقت نظرة أخيرة
على المرآة وودعتها بابتسامة أنثوية بالغة. مطمئنة إن كل شئ على مايرام
زوارها من علية القوم !!! هاهم قد بدءوا يتوافدون.. وقفت تستقبلهم بابتسامتها الرائعة ووجها الأربعيني النضر ..بدت كأميرة ذلك القصر ما تنفك تصافح هذا حتى تقبل وتعانق تلك .. جمع لا بأس به .. رجال ونساء ..مقربون واصدفاء
والساقي يدور بكؤوس الكريستال الفاخرة المملؤة بالعصائر الطازجة على الحضور وموسيقى بيتهوفن وباخ تزيد من أناقة الحفل وكلاسيكيته ..
هناك في ذلك الركن يقف رجل أنيق يرتدي حلة سوداء وربطة عنق أنيقة يحمل بين يديه كأسا يشرب منه بتؤدة ويده الأخرى تحمل سيجارا من النوع الفاخر .. يقف وحيدا .. يبدو عليه الهدوء ارتابت لرؤيته إن وجهه غير
مألوف لديها .. انه ليس من قائمة المدعوين .. من هو يا ترى؟ اقتربت منه بابتسامتها الرقيقة الجذابة..
- عمت مساءاُ يا سيدي- مصافحة إياه-
- عمت مساءا سيدتي .. عفوا لم اقدم نفسي إليك وأنت صاحبة الدعوة
ساحبا يدها الى حيث قبلها باحترام بالغ وكأنه أحد دوقات بلاط ملكي
- اسمحي لي ان اقدم نفسي أنا م. عمر شكري
_ أهلا وسهلا بك يا سيد عمر تشرفنا ساحبة يدها بكل هدوء وعلامات الاستفهام ترتسم فوق محياها بتساؤلات عدة ..
بين نفسها قالت :من أنت وكيف آتتك الدعوة فأنت لست ضمن قائمة المدعوين؟
بادرها مباشرة وكأنه قرأ تساؤلاتها :
- أنا في الحقيقة امثل السيد / امجد أبو النصر الذي أنابني
بالحضور عنه لظروف حلت عليه فجأة هذا المساء أرجو أن لا يزعجك حضوري سيدتي؟
- لا على الإطلاق!! مرحبا بك وأرجو أن يكون المانع في تعذر حضور السيد أمجد أبو النصر خيرا.. وراحت تردف قائلة: هو لم يتخلى عن أية دعوة وجهتها له منذ وفاة المرحوم زوجي..
- إنها فقط ابنته التي تصادف موعد عودتها من السفر في نفس موعد الدعوة
- الحمد لله..... على العموم بلغه تهنئتي بسلامة وصول الابنة. وأرجوك
اعتبر البيت بيتك ...
عادت إلى زوارها وعقلها مازال يفكر لما أرسل السيد/ أمجد أبو النصر هذا الرجل بالذات لحضور الحفل نيابة عنه دون اعتذار حتى بالهاتف .. إنها لم تعهده هكذا أبدا.. ولم يسبق لها أن عرفت أن السيد عمر شكري من
رجالات امجد أبو النصر..
نظرات ذلك الرجل أذهلتها فهو بالفعل وسيم حتى في اسلوب حديثه وتحيته... أنيق وجذاب.. ماذا وراء هذا الرجل ؟ كانت تلتفت إلى حيث هو من حين لآخر
لترى وقع حضوره على الضيوف.... ما الذي يجذبها إليه ؟ هاهو هناك مع مجموعة رجال الأعمال .. شركاؤها في العمل يتحدث بثقة بالغة حاملا كأسه بيد وباليد الأخرى سيجاره ينفث منه الدخان دون إزعاج لمن حوله .. أنيق
حتى في تجاذب الحديث مع الآخرين...
عقلها لا يتوقف عن التفكير به وبظروف مجيئه هاهو يرمقها من بعيد ويزف إليها ابتسامات عريضة وإمائة رأس كمن يذكرها بوجوده.
أخذ الحفل مجراه وهي تتنقل من مجموعة إلى أخرى تحدث هؤلاء وتحي هؤلاء وتشكر النساء على إطرائهن اناقتها وذوقها الرفيع الذي يكسو البيت من كل زاوية فيه.. مجاملات و اتيكيت وطقوس معتادة في مثل هذه
اللقاءات..
بدت الموسيقى وكأنها تدعو الجميع إلى الرقص .. لا تدري لماذا ألقت نظرة عليه من حيث وقفت وسط مجموعة صديقات ..الكي تحثه على دعوتها للرقص أم لتطمأن انه ما زال يرمقها من وقت إلى آخر..
التقت العيون وطال النظر .. دق قلبها لأول مرة ، هزها بعنف تعرف معناه تماما.. انه ... انه.. أيعقل في مثل هذا العمر أن يدق القلب من أول نظرة؟؟؟؟؟؟ لا لا يمكن ولن تسمح بهذا، إن وضعها الاجتماعي يفرض عليها
الاتزان في السكنات واللفتات لا بد من لحفاظ على مكانتها .. هي ليست
مراهقة .. معروفة هي بوضع حدود ووضع استرايتجيات عند الحاجة الى التعامل مع الآخرين هكذا علمها زوجها المرحوم محمود مراد..
لم تقاوم الإغراء بإطالة النظر اليه وكأنما هي من تدعوه لمراقصتها على وقع أنغام موسيقى التانجو الحالمة تريد أن تقترب منه اكثر .. وتفضحها عيناها .. يأتي بتؤدة نحوها وينحني بكبرياء وكلاسيكية أمامها لتسمح
له بهذه الرقصة..ولتجد نفسها بين ذراعيه .. فيعود قلبها للارتعاش مرة أخرى .. وتشعر بثلوجة تغمر يديها .. واضطراب في حركتها تماما كما لو كانت فتاة تقع في الحب لاول مرة...
-يبدو التوتر عليك سيدتي هل أنت مرهقة ؟
تساءل بهمس انيق وهو الشاعر بما ألم بها من أول لحظة لقاء...إن ثقته بنفسه عالية وحدسه غالبا ما يصدقه.. تلك النبرة الحانية الهامسة زادتها ارتباكا.
أردفت قائلة:
- لا أنا بخير .. ولكن يبدو أن حرارة الطقس مرتفعة اليوم
- أتودين الخروج إلى الشرفة فالمكان معبئ برائحة دخان السجائر
- نعم لا مانع لدي..
إحساس التواجد معه في مكان بعيد عن فضول الآخرين يغمرها بالخصوصية فلا عيون حولها تراقب حركاتها وسكناتها .. حساسيتها المفرطة تؤنبها أحيانا إنه وضعها الاجتماعي يفرض عليها شئا من التحفظ في سلوكياتها..
- ذوقك رائع سيدتي!! هذا ما يدل عليه المكان ..
- أشكرك ، قالتها وكأنها لا تريد فتح باب ٍللمزيد من المجاملات تريد فقط ان تكون برفقته كي تتبادل معه الحديث همسا.. ولكنها استدركت نفسها وكست وجهها بتعبير جاد الى -حد ما- ولكنه كسر الجمود المحيط بهما قائلا:
- مشهورة انت في أوساط العمل ..يقال انك حذقة في تسيير إدارة أعمالك
- نعم .. أنا أدير أعمالي بنفسي .. أقوم بتطويرها حتى نلحق بالقفزات الهائلة في هذا العصر السريع الايقاع والذي تسير عليه هذه الايام وما يليها .. ....وأنت ما ذا تفعل؟
- أنا مهندس ولدي مكتب استشارات هندسية .
- يبدو عليك هذا بشكل واضح
- ارتفع حاجباه بدهشة قائلا : كيف؟
- لا ادري ولكني اشعر أن للمهندسين بصفة خاصة سمة تميزهم عن الاخرين فكل سكناتهم وحركاتهم مدروسة .. أناقتهم ...اختيارهم للكلمات ..
كل شئ موزون بالمسطرة.. والميزان...وارسلت ضحكة هامسة
- أنت تبالغين يا سيدتي
- لا! حقيقي ما أقول أو على الأقل هذا رأيي..
- لم أصادف أحدا من أفراد أسرتك –ممعنا بتغيير دفة الحديث...
- كلهم غائبون ...منهم من غادر عالمنا ، ومنهم من في الخارج لإكمال الدراسة
- إذن أنت وحدك ؟ تعيشين بمفردك في هذا المكان الجميل؟؟!!!!
انا اغبطك سيدتي
- على الرغم من اشتياقي البالغ اليهم جميعا وشعوري بعض الاحيان بالوحدة لكن لا بأس ان كان لغيابهم مصلحة لهم آآآه كم انا بلهفة شديدة الى عودتهم فأنا اشعر أحيانا كثيرة بوحشة هذا المكان...
- أنت التي تٌحيينه بوجودك وحسك .. بطيبتك وحيويتك ، يبدو لي طيب معشرك .. طريقة اهتمامك بالجميع على حد سواء وترحيبك الدافئ بزوارك يجعلك مختلفة ..بل مميزة
- إنها مجرد بروتوكلات اجتماعية... إلى جانب الضرورة الملحة سواء كانت اجتماعية أم تختص بالعمل.
سرح بفكره بعيدا بعيدا .. وسرحت وإياه و ساد الصمت بينهما وحلق كل منهما في آفاق بعيدة .. تتشابك في ذهنها الذكريات سراعا بين ماض من الأيام لم ترى فيه السعادة والحب الذي تصبو اليه كاي امرأة في هذا الكون وبين الحاضر الذي يمتلئ بالعمل ..والمال المكنوز .. ؟ ما نفع هذا كله وهي وحيدة بين جدران الحياة؟ إنها تفتقد السعادة .. والحب والدفئ ..ان السعادة في رأيها لا تقاس بالأموال.. أما الأبناء؟ أين هم الآن؟ واستخلصت نتيجة جنمية وهي ان الحياة كلها تحصيل حاصل نقتتل على تجميع المال ونفنى في تربية الأبناء وفي النهاية كلٌ في طريق.. ويبقى هذا المال المقيت .. يزيد وينقص ونصارع من اجله .. أضحت المسائل كلها منافسة ثراء؟ لم تعد تدري أين هي واقفة الآن.. هكذا لاح لها الماضي والحاضر في لمحة فكر شاردة.
أما هو فقد ذهب فكره إلى منحنى آخر بعيدا كل البعد عن ماديات الحياة وترفها والأبناء ومآلهم كل ما كان يجول في خاطره هي وهي فقط .. كيف السبيل إلى توصيل مشاعره التي أشعل فتيلها لقاءا دام لحظات وهذه المرأة .. هذا الأثير المحيط بها كهالة من نور .. من جمال.. آه من رقتها وعذوبتها انها امرأة ساحرة بلا جدال.. وكأنها الحلم الذي طال بحثه عنه..
استفاق الاثنان على تغريد كروان في السماء محلقا وكأنه بشارة لبداية قصة حب ..
تذكرت الحفل والأصدقاء .. طلبت الاستئذان بالانصراف الى ضيوفها انه الواجب شعرته الآن لكنها لو أنصتت الى رقص دقات القلب لبقيت معه فقدأصبح هو كل ضيوفها..
مرت الليلة بعد تناول العشاء بسلام وحانت لحظة الوداع للجميع.. انصرف الجميع وبقي هو آخرهم .. صافحها بيد تمتلئ حرارة وشد على يدها حيث ودت ان يبقيها بين يديه ... دبيب غريب سرى بين أوصالها .. تماما كما شعرت حين وقع لحظها عليه.. قال بهمس:
- قضيت اجمل ليلة سيدتي .. اشكر السيد امجد أبو النصر ..لا بل اشكر ابنته التي أخرته عن الحضور وفزت أنا بالدعوة.. ابتسمت برقة قائلة :
- أهلا بك في أي وقت .. البيت بيتك شرفتنا بهذه الزيارة.
ترك يدها المرتعشه بعد أن وقًع بقبلة وداع فوقها وكأنه يسلب منها القلب والعقل مودعا إياها بتحية المساء ودعوة مستترة الى لقاء آخر ..
دلفت الى البهو عائدة بهدوء لم تعهده في نفسها تضمه نفحات من عذوبة لقاء حلق بها عاليا لقاء ما حلمت به يوما حتى عندما كانت في أوج شبابها.
صعدت السلم درجة تلو الأخرى صعودا بخفة فراشة... وصوت طائر الكروان ما برح يشنف آذانها ، ذلك الكروان العذب الصوت ودت حينها لو امتلكت أجنحة لتشاركه طيرانه .. لتحكي له عن أمسية ما أروعها أمسية..
جلست على أريكتها بكامل حلتها بعد ان ألقت نظرة أخرى على المرآة لتطمئن على جمالها كيف كان أثناء هذه الليلة المشهودة.
سرح فكرها بعيدا بعيدا الى تفاصيل اللقاء الغريبة لتلتقي عيناها بلوحة زيتية مرسومة لزوجها محمود والتي كانت تحتل مساحة لا بأس بها من الحائط المقابل لها وكأنه يذكرها بأنه صاحب هذا العز الذي تتمرغ به.. وأشياء أخرى حاولت أن لا تتطرق الى بالها .. كل ما فعلته ان أشاحت بوجهها لقاء النافذة المفتوحة على صفحة السماء الصافية المتألقة بضوء القمر تاركة لعينيها وعقلها العنان وكأنها تهرب من كل الدنيا لتستعيد ذكريات اللقاء بــ عمر شكري.. هذا الفارس الذي عصفت هبوب جاذبيته بقلبها ايما عصف.. والذي ما برح وجهه يفارق خيالها.. بكلماته الرشيقة
المنتقاة .. واناقته .. دفئ نظرات عينيه ... تلك القبلة التي وقعها فوق
يدها عند الوداع وكأنما باتت نقشا لا يندثر.. لكنها حتما نمت عن بداية لا
تعرف الى ماذا تؤول..
لم تكترث للساعة وكم من الوقت مضى عليها وهي على تلك الحال... غير ان بزوغ فجر يوم جديد أيقظها من أحلام يقظتها لتنهض متثاقلة لاستبدال ملابسها والاستعداد لرقاد هادئ..
رقدت وقد ضمت وسادتها الحريرية بين أحضانها لأول مرة وكأنها تستجدي منها الدفيء الذي حرمت منه سنين طوال.. وراحت في سبات عميق وابتسامة تعلو شفتيها
استيقظت على نقر باب غرفة النوم فإذا بخادمتها تحمل صينية الإفطار بين يديها .... وضعتها فوق المنضدة القريبة من سيدتها.. ألقت تحية الصباح واتجهت الى حيث جاءت.. أما هي فقد تكاسل جسدها في النهوض وتناول وجبة
الإفطار وكوب القهوة الساخن الذي عبقت نكهته المكان.. انه كسل لذيذ فضلت ان تسترخي قليلا لتعاودها الذكريات القريبة من جديد..
تنازعتها الأفكار فتارة تشدها الى الهاتف وتارة تشدها الى المزيد من التأمل في لقاء الأمس الذي لم يكن على البال ابدا..أتبادر بالهاتف تسأل عنه ؟ إنها حتى لا تعرف رقم هاتفه ولكن باستطاعتها الحصول عليها بسهولة طالما انه من طرف السيد امجد.. لا ..تراجعت عن هذه الفكرة نهائيا وتراجعت عن الاستئذان لفكرة الوقوع في
براثن الحب المفقود ...........ستترك الأمور لتسير في مجراها الطبيعي...
إنها ما زالت تئن تحت وطأة جبروت المرحوم .... لا لا كلهم أسياد والنساء عبيد لولا رحمة ربي لكانت في عداد الجواري في قصر سيدها .. ولكن الله أراحها
وبدد الظلمة فلم لا تسمح للنور ان يبين ليبدل حياتها? لعل وعسى فما يدريها...
نهضت فجأة وكأن بركانا يموج تحتها تريد أن تطفأ ناره بحمام بارد.. إنها بحاجة الى ان تغسل أشلائها تحت شلال الماء لتبدأ يوما جديدا في حياتها الاعتيادية التي لم تتغير طوال عشرة سنوات هي عمرها كأرملة .. لم تأخذ الأمور بهذا الشك ؟ إنها تلك الذكريات التي أبت إلا ان تسترجعها قبل قدوم الزوار على بيتها ليلة الأمس.. نعم ذكريات مغلفة بالغموض الذي أحاط حياتها عندما كانت زوجه لمحمود .. ذلك الزوج الطاغية كما كان يحلو لها ان تلقبه بينها وبين نفسها عندما كانا معا.. لقد كانت كالدمية بين يديه .... ولم لا ألم يتزوجها ويحتل صباها من اجل نفوذ عائلتها؟ لم يدفع سوى ذكاءه لقاء جمالها الفتان وهو الرجل الذي قارب على نهاية الاربعين بينما هي ما زالت في السابعة عشر من عمرها.. عندما طلبها للزواج كانت بالنسبة له صفقة رابحة فهي بجمالها ونفوذ ذويها وغناهم الفاحش وهو بذكائه وقوة حضوره .. لم يعر أبويها اعتبارا لكينونة تلك الصبية بعد ان زفوها اليه مظمئنين اليه
اليه ..قدموها له على طبق من فضة.. هو وكأنها مقبل شهي حظي به وقع عليه المزاد.. .. محمود.. رجل صلد لا يعرف معنى للعواطف فقير بها ولكنه أصبح غنيا بالمال الذي لا يعد ولا يحصى.. كانت هي طريقه الوحيد
بعد سنين عمره الطويلة ليصل الى ما يصبو اليه ولتنجب له أبناءا يرثوه ويرثوا اسمه من بعده ...وإلا فإن ثروته الطائلة لا مستفيد منها ستذهب الى الجمعيات الخيرية أو قد يهبها وقفا للفقراء والمعدمين وهو الذي صب عرقه ليجمعها ......اليس من العدل ان يرثها من بعده ابناء له ؟ أعطاها الكثير من الحب بداية وجعل منها ملكة متوجة لهذا البيت ملكة بدون مملكة على الإطلاق ، ملكة لأثاث وجدران البيت.. ملكة ترتدي الثياب الباهظة الثمن والمجوهرات النادرة وكأنها فترينة عرض يتظاهر بها أمام الآخرين، لم تكن تدري من أمور عمله وحياته الخاصة شيئا كل هذا كان عنها محجوبا..
انها تذكر يوم بدأ العد التنازلي لقرار كان قد راوده بالهجرة بأمواله وعائلته للخارج.. كان ينفخ ويزبد طوال الوقت ما عاد يريد البقاء هنا .. سيأخذها وأبناؤهما الى سويسرا او الى فرنسا ..آن له ان يرتاح ..وشاء الله ان يريحه بالفعل ولكن في دنيا أخرى غير عالمنا هذا ؟ ... فكان قدر الله ومشيئته. ..
بدت علامات المرض تظهر عليه شيئا فشيئا .. مرض عضال يعلن عن خاتمته .. هنا بدأ العد التنازلي لأيام عمره القليلة القادمة.. شعر بحاجته الماسة اليها لا كزوجة وحبيبة ..ولكن احتياجه كان لها كممرضة ترعاه ..
فما كان يثق بأي يد اخرى تعطيه الدواء أما هي فلا بأس لقد قام على تربيتها ويعلم مدى ولائها واخلاصها له او لنقل خوفها منه ...
كانا بعيدين كل البعد عن بعضهما كانت له حجرة خاصة ينام بها ولها حجرتها .. يزورها كل شهر مرة .. لمدة نصف ساعة ليتركها وحيدة تبكي حظها العاثر .. المال ... ما المال بدون سعادة كانت ترددها دائما ..جعلها ذلك المقت ان تزرع الحب والالفة في نفوس أبناءها فكانت لهم كل شئ وكانوا لها أكسير الحياة الذي تتنفسه والذي افتقدته مع ذلك الرجل عابد المناصب والمال والثراء ..رجل لم يعرف قلبه سوى تحجر العواطف واتخاذ القرارات الحاسمة دون ان يشاركها الرأي ولو عن طريق المجاملة ..إنه وجهه لم يعرف الابتسام الا ماندر عند لقاء الاصدقاء.... رجل لم يعرف معنى الإنسانية مطلقا
سبع سنوات وهو يعاني من المرض الذي لا أمل من الشفاء منه ... ذلك الخبيث الذي يتوارى عنه شهر او شهرين على الاكثر ليظهر بعنفه وشراسته بصورة اخرى أخري ولتمضي سبع سنوات كأنها الدهر ...بين الالم والعلاج والعلاج والامل ...الى ان قضى الله أمرا كان مقضيا.. تركها وترك لها ابناءا صغارا .. لا يعرفون معنى حنان الأب ..ولا يعرفون كيف يخططون لمستقبل ما شاركهم يوما به حلما على اقل تقدير فكنتيجة حتميه لم يكن لفقدانه ذلك الوقع الكبير في نفوسهم سوى انه كان مجرد مصدر للعيش الرغد ... وبقيت هي بعده تلعب دور الأم والأب معا الى أن مرت السنين وكبر الأبناء وتزوجت الابنة الكبرى ورحل الابنان الى الخارج لاستكمال الدراسة هناك..أما هي فكانت ذات قدرة عجيبة على التأقلم والتعلم .. تعلمت كيف تدير عمل زوجها .. بجدارة ..وتعلمت كيف تكون قادرة على تقمص دورها الجديد كسيدة أعمال من الطراز الأول..
مرت بها الأيام تكاد بالكاد تتذكر من هي حقيقة .. أهي امرأة أم هي رجل؟ على الرغم من اهتمامها بمظهرها كأنثى ولكنها في تعاملاتها كانت رجلا بمعنى الكلمة ...فكم صدت ذئابا اقتربت لتصطاد هذه الفريسة الثرية الجميلة ... امرأة ذات مال وجمال.. وذكاء..وشباب وقفت لهم كأنثى الأسد التي لا يجرؤ أحد على الاقتراب من جرائها
كانت الحماية والامن والأمان لهم...
هكذا كانت الى الأمس القريب.. فماذا حدث ...!! هل هو الذي أيقظ الإحساس في صدرها ,.. إحساس الأنثى التي هي بحاجته؟ حاجتها الى رجل رقيق المشاعر ..وسيم . ذكي مثقف . لبق، وفوق كل هذا وذاك، ذلك الميل
الخفي الذي حدث وليد ساعة عجزت ان تعد ثوانيها..هذا إحساس وليس عارض.. جعلها تهجر الكرى ويهجرها طوال ساعات الليلة الماضية.. انها تلك الكهرباء التي صعقتها فأيقظتها من سباتها..
فجأة يدق الهاتف ! تتسارع دقات قلبها مهرولة صوب ذلك الصوت الزاعق في لحظات الذكريات.. من يا تري ؟ لم تعتاد ان يرن جرس هاتفها في مثل هذه الساعة من الصباح ... الكل يحترم سويعات صحوها ... ولكن هناك ما يشدها الى الرد على الهاتف انتفضت نحوه رافعة السماعة ليتجلى لها صوت هادئ أنيق ..
- صباح الخير سيدتي صباح النور والسرور من المتحدث عفوا؟
- عمر شكري معك سيدتي أرجو ان لا تكوني قد نسيت الاسم؟
-
- حاولت ان تلتقط أنفاسها وفي الوقت نفسه ان توهمه بأنها تحاول ان
تتذكر الاسم
- نعم ... نعم ...تذكرت أهلا وسهلا كيف الحال؟
- انا بخير وكيف أنت سيدتي؟
-الحمد لله
الحقيقة وددت ان أكون أول من يشكرك على استضافة الأمس لقد كانت سهرة رائعة
-العفو .. أرجو ان كانت كذلك
- يا إلهي أو قد اغمض لي جفن الى الآن؟
- ولم؟ أتراك أثقلت في الطعام؟؟وأطلقت ضحكة هامسة ممزوجة بعذوبة أنثى تستمتع بالإطراء
- لا لا كلا بالطبع، لقد كان الطعام خفيفا ورائعا ولكن هناك من استولى على ساعات نومي وعمل على إبقائي مستيقظا الى الآن..
- آها!! ما هو يا تري ان جاز لي أن أسأل ؟ تساءلت وهي على يقين تام بالإجابة .. حدس الأنثى الذي لا تملكه الا الأنثى... صمت لثوان معدودة أطلق بعدها آهة تخفي ورائها فيض من الكلمات يجيش بخاطره، قال بعدها :
- سيدتي سأحاول قولها لك فنحن لسنا مراهقين يتحرجا البوح .. بل نحن طرفان يتمتع كلينا بحس ونضج عاطفي كاف لان يبوح كلانا للآخر فأنا على يقين تام بأن الكرى ودع جفونك ليلة البارحة أليس كذلك؟
-أراك ترد على سؤالي بسؤال أليس كذلك؟.. دعنا نستمع إليك أولا
-إذن اعتبره إذن منك بالدخول الى الموضوع مباشرة
- بل الى ما ارَّق عيونك ليلة البارحة وسهدها..
- حسنا سأعترف .... نعم خذيه كاعتراف مني .. منذ اللحظة الأولى التي لمحتك فيها وانا اشعر ان كلانا للآخر بدون أدنى تحفظ.. عندما التقيتك ليلة البارحة رأيت فيك امرأة الشوق التي كنت أتوق لقاءها منذ سنين طويلة هي عمري كله .. وجدت فيك الرقة والعذوبة .. وجدت فيك جمال الروح ورشاقة الكلمة ..وجدت فيك المرأة الحقيقة بكل تفاصيلها .. امرأة مكتملة ناضجة تخفي وراء نظراتها المشعة مشاعرها الحزينة التي لم يلحظها سواي مشاعر قابعة في ركن سحيق داخل نفسك.. حرمان مزدوج ... لا يهم ما تمتلكيه من ثراء ونشاط في مجال العمل ولكن هناك ما هو اعمق .. هناك احتياج محاط بسياج أحطت به قلبا حزينا ..تحاولين رسم بسمة رقيقة عذبة على وجهك تلك البسمة التي من ورائها يختبئ حزن امرأة . سيدتي هل لي ان اتمادى في الكلام ....
قالت بعذوبة الأنثى ..
- نعم ارجوك اكمل
-أشعلت النار في شراييني.. لم أطق ان ابعد عنك مذ لمحتك .. بعدها بت بأحر الشوق أن أحادثك وان أتواصل معك ...وقد حدث فتعلق قلبي بك اكثر واكثر... وددت لو ان الجمع ينفض سريعا كي انفرد بك .. وقد حدث بالفعل ..عندما دلفنا الى تلك الفيراندا الجميلة التي زادت من جو الرومانسية الذي
اكتنفني، كنت أتوق لحظتها ان آخذك لأسبح وإياك مع ذياك القمر لأحيط جيدك بعقد من للآلئ النجوم .... كم كنت اشعر بنشوة ما بعدها
نشوة..... مجسات عجيبة تمازجت بيننا فطالبتنا
بالإذعان فورا .... وتمنيت ان يطول اللقاء المنفرد معك .. لكني
عذرتك فالحفل للجميع ليس لي فقط .. بعدها منيت نفسي بلقاء آخر حتى ولو عبر الهاتف ..لأعبر لك عن مكنون نفسي وذلك الشعور الذي سرى في داخلي.. ولم يزل.. سيدتي .. انا اشكر السيد أمجد ابو النصر لإنابتي عنه في حضور صالونك .. انا اعلم ان لديك من الاستفسارات الكثير الكثير .. انت لا تعلمي عني شيئا ولك ان تسألي وأنا أجيب.. أرجو ان لا اكون قد اطلت وبحت بأكثر مما يجب؟؟؟
- كل هذا حدث في غضون ساعات قليلة ؟؟؟ أطلقت ضحكتها المثيرة
مرة أخرى ..ضحكة شابة في ريعان شبابها ... آذنت لها ان تخرج من صدرها
لأول مرة .. لكنها استدركت نفسها فجأة وقالت: او يسري الهوى في عروق القلب بهذه السرعة
هكذا؟؟
- ان هذه مفاجأة حقا.. وكيف تطرق الى ذهنك اني قد انجذب إليك؟
سيدي انك تبالغ حقا ..
- لا لا لا لم أبالغ قلت لك إننا بالنضوج الكافي كي نفصح عن مشاعرنا وأنا
برأيي أننا كان ولا بد ان نلتقي منذ زمن بعيد ولكن هكذا شاءت الأقدار..
صدقيني لا مطمع لي سوى شخصك وروحك وكيانك كامرأة دخلت شغاف قلبي بدون
استئذان...
- ولكنني امرأة مقيدة بمجتمع لا يرحم يا سيدي وارتباطات عائلية لا تدع
لي منفذا لكي أهنأ ببناء علاقة مع أي رجل .. انني امرأة رحل رجلها وترك
لها ارث كبير من المسئولية التي تقع على كاهلها من أبناء وإدارة
أموال ... لا أجد لنفسي ثغرة انفذ منها الى عالم العشق والحب والهيام ..
يا سيدي انا محاطة فعلا بسياج ولكنه سياج ملئ بالأعباء والمسئوليات ..
- يا
سيدي أنا لا وقت عندي للحب على الرغم من ان شيئا ما زغرد داخلي فرحا
بقدوم الجديد في حياتي .. ولكن....
أعقب مباشرة
- ولكن ماذا؟ الست انسانة بحاجة الى دفئ عاطفي .. يغذي
روحك ؟ لما تحرمي نفسك من هذه المتعة ؟... ان ما مر من العمر قد اخذ منك
شبابك واخذ معه متع الحياة المستباحة وترك لك الجد والعمل .... أنت
بحاجة الى من يعيد اليك البهجة وانا كذلك .. على العموم انا لا أريد ان
افرض نفسي عليك .. ولكن فكري بالموضوع فهو جدير بالتفكير وانا بانتظار
ردك علي .. حتى تأخذ الأمور مجراها... سعدت حقا بسماع صوتك وبالمناسبة يمكنك مناداتي باسمي مجردا ..عمر ... هل لي ان اطمع بان أناديك باسمك مجردا انا أيضا يا ليلى؟
- ليكن ... وأنا أيضا سعدت بمكالمتك يا عمر وارجو ان يتكرر لقاءنا
عبر الهاتف مرة أخرى..فقد تكون صداقة رائعه.. أسعدت صباحا..
أسعدت صباحا واسمحي لي بعد ان منحتني الإذن بمحادثتك مرة أخرى فليكن لنا لقاء مساء هذا اليوم .. ان كان وقتك يسمح..
- لا مانع لدي فأنا غير مرتبطة هذا المساء الى اللقاء
- إذن الى اللقاء.
ارتسمت على محياها ابتسامة عريضة ... أهي ابتسامة الرضا ام ابتسامة
الشكر لله ان من عليها بمثل هذا الصباح الجميل...
أجندة اليوم مليئة حتى الساعة الثالثة عصرا.. لتستعد إذن لإنجاز ما
ورائها.. قامت الى صينية الإفطار .. شربت القهوة وأخذت تستعد لبداية يوم
من اجمل ايام عمرها على الإطلاق..
محمد سائق السيارة ينتظر السيدة ليلى ... وها هي ذا تنزل درج الفيلا
الأنيقة بخطوات خفيفة ترتدي ثوبا أنيقا حاملة بيدها حقيبة عملها متجهة
الى مقر الشركة متقمصة شخصيتها الجادة ولكنها اليوم قد غلفتها بسولفان
التبسط ....
كيف حالك يا عم محمد وكيف الأهل جميعا.. ؟؟
• تلفت اليها السائق مبتسما متفائلا بسؤالها ..
• الحمد لله يا سيدتي كلهم بخير يقبلون أياديكي الحانية .. انهم دائما يذكرونك ويذكرون أفضالك علينا..
• استغفر الله لا تقل هذا انها عشرة عمر وأولادك هم بمثابة أبنائي
لا شك في هذا..
• ادام الله المعروف يا سيدتي وأبقاك لنا .. انا لا أنسى تجهيزك
بيت الزوجية لابنتي فاطمة وزينب والله لقد قمت بتجهيزهم بما لا ينفقه اب
مثلي عليهن..
• قلت لك يا عم محمد أبناءك هم أبنائي وان قدمت شئ فهو لله اولا
ثم ردا لإخلاصك وتفانيك في العمل معنا طيلة هذا العمر.. أرجوك ان لا تذكر
هذا مجددا..
• عوض الله عليك بالخير يا سيدتي
• الطقس بديع اليوم أليس كذلك؟
• هو كذلك يا سيدتي كما الأمس كما قبل الأمس كما غدا وماذا سيتغير فيه ؟ أطلق ضحكة من أعماقه وكأنه سئل سؤالا غريبا..
اما هي فإنها تشعر بالفارق في كل شئ .. الطقس .. الشوارع.. الألوان كل شئ امام
ناظريها رائع وجميل حتى الزحام والأجساد التي تتحرك هنا وهناك تبدو لها
وكأنها تتراقص فرحا..
وانتبهت الى نفسها ... ما لذي جعل الأشياء والناس تبدو اجمل.. شعورها
بأنها اليوم جميلة جعلها ترى الأشياء أجمل .... جميلة بما تحمله من
نفحات نسائم ربيع تأتي في خريف العمر باتت تحملها داخلها .. مشاعر
جديدة حتى على نفسها .. تنهدت تنهيدة عميقة وابتسمت ابتسامة عريضة
بينها وبين نفسها انها تعرف السبب.. يا ترى هل سيطرأ تجديد على حياتها بعد هذا
اللقاء المفعم بالمشاعر والذي تغلغل بين ثنايا صدرها؟؟ لا بد وان يكون هناك تغيير!!
ولكن كيف سيكون هذا التغيير؟ وكيف ستتعامل معه .. أسئلة دارت بذهنها لا تعرف لها إجابة.
مضى عليها يوم العمل كأطول يوم في التاريخ .. إنها تنتظر المساء ...
تنتظر المحادثة الهاتفية التي ستجمعها معه .. تارة تبتسم ..وتارة تقطب
حاجبيها استغرابا.. افي أوان الخريف يأتي الربيع؟؟ ولكنها مصرة
ان تخوض التجربة الى النهاية إنها تبدو تجربة جميلة تنعش نفسها اكثر
مما توقعت.. هي لا تدري ما ذا تخبئ الاقدار لها وما معنى هذا الشعور ......
انتهى يوم العمل أخيرا واستعدت للعودة الى البيت وهي تردد بينها وبين
نفسها أغنية ام كلثوم .. أغدا ألقاك؟ .. يا خوف فؤادي من غدي .. يا
لشوقي واحتراقي لاقتراب الموعد.....لهفة اللقاء أخذتها الى عالم
الموسيقى والشعر وماذا ايضا؟؟.
دخلت البيت مسرعة متجهة نحو الطابق العلوي غير مكترثة بمديرة منزلها وهي
تنبهها أن المائدة ستعد حالا لتناول وجبتها الوحيدة التي تتناولها يوميا
في مثل هذا الموعد..ولكنها لم تكترث لتنبيه مديرة المنزل التي اعادت
عليها التنبيه مرة أخرى بعد ان لاحقتها الى منتصف المسافة.. التفتت ليلى
وقالت لها ..
- ان كان ولا بد من تناول الطعام فأعدي لي وجبة خفيفة جدا..
لا اشعر بالجوع مطلقا الآن..تاركة ،اياها مشدوهة من أجابتها فقد تم إعداد
قائمة طعام انتقتها بنفسها هذا الصباح.. ولكن هي الأوامر ولا بد من
الانصياع لها.........
غرفة نومها معتمة .. الستائر مقفلة لتبدو الغرفة اكثر هدوءا كما هي
تعليماتها اليومية حين تأخذ قسطا من الراحة قبل ان تعود لعملها
وأوراقها، ليس خارج المنزل ولكن في غرفتها وعلى مكتبها الخاص تكمل
وتراجع ما أنجزته وما ستعده ليوم الغذ.
• لا مانع من حمام بارد انا استحقه بعد عناء هذا اليوم الذي
بدا لي انه دهر .. اخذت تحدث نفسها وتبتسم ابتسامة خبيثة وكأنها تعرف
لما بدا اليوم طويلا.. طويلا ..
انتهت من حمامها وارتدت عباءتها المريحة الوردية اللون كي تضيف تفاؤلا
على تفاؤلها .. مديرة المنزل تدخل وبيدها عربة تجرها عليها من الطعام
اخفه كما كانت رغبتها .. امرتها بترك العربة والانصراف مضيفة انها لا
تريد ازعاجا البته تريد ان تأخذ قسطا من الراحة.. ولكن هي في غمرة
فرحتها بالمكالمة الهاتفية التي قد تأتيها بين حين واخر كانت تنظر الى
الطعام ولا تلمسه يدها ..ولكنها امتدت الى كوب العصير لتشرب منه رشفة
وتتركه مكانه.. وتستلقي على سريرها تستعيد ذكريات الأمس والصباح
مستبشرة بابتسامة لا تخلو من العجب ..
من اين اتى لها هذا ؟؟ انها لا تبرح تستغرب من أين أتى هذا الذي يشغل
حيزا لا بأس به من عقلها بل ومن قلبها أيضا.. أغمضت عيناها باسترخاء
تام ... وتركت نفسها للنوم وهي ما زالت تفكر فيه...بعمر .. وغرقت في
نوم لم يوقظها منه سوى رنين الهاتف بقربها .. آلو!!! قالتها بعد ان
رفعت سماعة الهاتف الى اذنها وهي نصف نائمة .. فجاءها صوته وكأنه صدى صوت آت من الفضاء البعيد..
• أتراني ايقظتك من نومك؟
• تنبهت للصوت فاعتدلت وقالت بكسل لذيذ : لا ابدا لقد اخذتني
قيلولة العصر الاعتيادية ولكني كنت متوقعة ان تطلبني كما اتفقنا اليوم
صباحا اليس كذلك؟
• بالطبع .. طوال النهار وانا افكر متى تأتي هذه اللحظة
لاستمتع بسماع صوتك فانا بشوق وفرحة لا تسعها دنيتي الصغيرة....
• تريد ان تقول لي انك تعيش وحدك ؟
• طوال عمري اعيش وحدي منذ ان رحل والداي وتركاني وحيدا في
هذه الدنيا لا أخ ولا أخت ولا....
• ولا ماذا ؟ الم تتزوج بعد؟؟
• كلا لم أتزوج أبدا!! أخذتني دنيا العمل والسفر والقراءة الى
عالم بعيد كل البعد عن التفكير في بناء حياة أسرية ..ولا أخفيك كنت أهرب
منها تارة بالعمل وتارة بالقراءة ..سكت لحظة وكأنه يلوم نفسه على لحظة سكوت تترجم أسفه على العمر الذي مضى..
• عجيب أمرك أول مرة اسمع أن رجلا لا يروم إلى تكوين أسرة
واستقرار...
• وكأنه يبرر لنفسه ولها أردف قائلا : لا ليس عجيبا على عمر شكري هذ، ا فأنا طوال عمري افضل الوحدة والانعزال عن الآخرين الا ما ندر ،وكأنه نعليل لها بعدم ارتباطه بالزواج أبدا..
• لا يبدو عليك هذا .. كنت في سهرة البارحة وكأنك من رواد
الحفلات واجتماعات رجال الأعمال
• نعم هذا من صمبم عملي انك لماحة سيدتي او دعيني اناديك بـ
ليلى ان سمحت لي
• بالطبع انا لا احب الألقاب خارج ساعات العمل
• والآن دعينا من هذا كله كيف أنت اليوم ؟ لم ابرح التفكير بك لحظة واحدة ودعيني أصارحك انه لا توجد امرأة في هذا الكون أخذت حيزا من تفكيري كما أخذته أنت إاني بالفعل منجذب اليك بكل حواسي .. واعذريني على صراحتي السريعة ولكنك تعرفين ان المهندسين يفضلون الخطوط المستقيمة اللف والدوران ليس من طباعهم..
• ماذا اقول لك ... انك تذهلني حقا .. افكر فيك وأقول في نفسي
او يطمح رجل مثلك لبناء علاقة مع امرأة سبق لها الزواج والإنجاب وأبناءها
منهم المتزوج ومنهم من هو على مقاعد الدراسة.. اعني ان مثلك لا بد وان
يبحث عن فتاة لم يسبق لها الزواج ولا الإنجاب الا ترى ان هذا غريبا بعض
الشئ؟
• أسمعت قط عن حب يطرق الباب بالاستئذان ليقدم سيرته الذاتية؟
• لا لم اسمع ولكني جد مذهولة مما يجري خاصة وأنني لم آذن للحب
ان يمر مرورا بقربي حتى .. وتجدني الآن مدعوة لكي أخطو أولى خطواتي إليه.. لا تستغرب صراحتي يا عمر، ولكنك فتحت لي طاقة كنت قد أغلقتها من سنين مضت ولم أفكر قط حتى بمحاولة فتحها.... انا أتحدث اليك حديث امرأة عركتها الحياة فلا أجد حرجا ايضا في التحدث عن أي شئ وهذا ليس أي شئ.. انه حدث قوي سريع... مدته لا تزيد عن اربع وعشرون ساعة
• الحال واحد يا ليلي .. ولكن دعيني اشرح لك ماذا يحدث في
مثل هذه الحالة... الحب يأتي بغتة كالقدر المحتوم .. مجرد نظرة او لفته
أو حتى إيماءة لينذر بالدخول.. وجدت نفسي بدون تكلف انظر إليك ..
أتفحصك لا تفحص غريزي من عيني رجل لامرأة ولكنه كان انجذاب آخاذ هز
كياني كله وانا كما قلت لك لم تجرؤ امرأة واحدة قبلك على الخوض في
أعماق قلبي كما فعلت أنت منذ اللحظة الأولى التي قابلتك بها.. كنت كمن
صوب نحوي سهما أصاب مني القلب ولم يقتله ولكنه احياه انه سهم الحب يا ليلى هذا ما أستطيع ان أقوله ..
• لا أخفيك يا عمر لقد حدث لي ما حدث لك بالتمام شعرت وان
الحفل كله أنت.. أنت وحدك وودت لو ان أقوم على ضيافتك وحدك .. لقد كان
وجود الآخرين معدوم لدي تقريبا.. كنت أنت كل ضيوفي انت فقط الذي اتوق
اليه حديثا ورقصا .. انا أجزم ان الجميع لاحظوا التغيير الذي طرأ علي..
ولك ان تصدق او لا تصدق ان حدسي- قبل ساعة من وصول الجميع -كان يحدثني
بأن هناك شئ ما سيحدث تلك الليلة وقد صدق بالفعل او يجوز انا اردت اخلق هذا الحدس واجعله حقيقة.......
• ليلى هل لي ان اطلب لقاءك .. لا اعتقد بأننا في وضع يسمح فقط
بإجراء مكالمات هاتفية لكي نتواصل
• صحيح ولكنك تعرف ظروفي صعب على لقاءك في الأماكن العامة ...
والخاصة ايضا ..
• اذا ما رأيك لو سافرنا الى مكان بعيد لا يصل فيه الينا
احد؟ وفي نفس الوقت يكون التعارف بدون رقابة..
• أصبت .. انا بالفعل بحاجة الى ان اخذ فترة استجمام كما هي
عادتي في مثل هذا الموسم من السنة ما رأيك في رحلة خارج الوطن لا تكون بعيدة ولا قريبه؟
• رائع لا مانع لدي بالطبع .. اذا ليكن .. أتودين ان أقوم
باللازم؟
• لما لا على الأقل لن يعرف أحد الى أين اتجه وفي الوقت نفسه فإن
الهاتف المتنقل ما عاد يترك احدا بدون تواصل مع الآخرين حتى لو كان في
القمر... اعني ان كانوا بحاجة الي فسيقومون بالاتصال بي في أي لحظة دون
ان يعلموا اين انا .. يا لهذه التكنولوجيا أعطت خصوصية لا بأس بها للناس
..
• اذا سأقوم غدا بعمل اللازم سأقوم بحجز مكانين على الطائرة وسأبلغك لاحقا بما تم..
اتفقنا؟
• اتفقنا سأترك لك هذه المهمة ونلتقي في المطار حالما يتحدد
السفر..
• اذا سأبقى على اتصال بك لأوافيك بكل ما تم إنجازه..
• حسنا وأنا بانتظار اتصالك .. أما الآن فاسمح لي بان أتناول
وجبة الطعام الذي لم تمتد اليه يدي بعد
• الى اللقاء يا ليلى سأحلم باللقاء الى ان ألقاك.. مع السلامة
• مع السلامة ...
ليلى ما عادت تصدق هذا الذي يحدث بهذه السرعة وهذه التطورات التي
أخذت طابع الجدية نحو هذه العلاقة.. إنها تفكر وتفكر فقط بعمر.. وما
الذي سيتم بينهما في لقاء السحاب.. كما حلا لها ان تصفه
وفجأة علا صوت الهاتف كأنه نذير شؤم هكذا شعرت ليلى في ثوان معدودات..
• آلو
• آلو مدام ليلى ؟ كيف حالك انا أمجد ابو النصر
• أهلا وسهلا بك كيف حالك يا سيد امجد؟
• بخير والحمد لله
• الحمد لله على سلامة ابنتك .. أرجو ان تكون بخير
• ابنتي بخير والحمد لله ولكن لم تسألي عنها بالذات؟
• الم تكن مسافرة وحضرت بالأمس فقط أليس هذا ا ما عطلك عن حضور
الحفل الذي أقمته انا وقمت بدعوتك اليه من خلال بطاقة دعوة؟
• كلا أبدا .. أبدا لم يأتني منك أي بطاقة دعوة لحضور الحفل
وهذا ما أثار حميتي ودعاني لمحادثتك فقد استغربت عدم دعوتي لحضور جمعة
الأمس التي سمعت بها من بعض مدعويك.. وثانيا ابنتى ريم هنا لم تغادر
الوطن أبدا.. غريب ما تقولين يا مدام ليلى..
توقفت ليلى عن الكلام لحظات وعادت تقول بضحكة مفتعلة ولكن الغيظ يملؤ قلبها
• يالي من امرأة مشغولة البال حقا .. ظننت اني أرسلت لك
بطاقة الدعوة، وقد كنت أنت بالذات من أوائل المدعوين .. لعله خير ويبدو
ان البطاقة لم تكتب أصلا .. آه لن اعتمد على سكرتارية الشركة مرة أخرى لا
بد لي من مراجعة القوائم دائما قبل الإرسال .. على العموم ملحوقة ..
وآسفة حقا..
• ولكنك قلت ان ابنتى كانت في سفر ؟؟ من قال لك هذا ؟
• لا تأخذ ببالك يا سيد امجد يبدو انه لبس في الأمور. على
العموم لنا لقاءات أخرى بعد اجتماع الغد ان شاء الله واعتذر مرة
أخرى..على ما حدث..
• لا تعتذري فليس بيننا رسميات الى هذا الحد مجرد مكالمة
هاتفية منك وكأني قد دعيت.. وارسل ضحكة عالية ليشعرها بالتخلي عن
الرسميات بينهما .. فهم عائليا أصدقاء مقربون منذ عهد زوجها المرحوم
محمود..
انتهت المكالمة بهدوء ولكن عاصفة هوجاء اجتاحت نفسها .. كان آخر شي
قد يطرأ على بالها ان يكون عمر شكري مدعيا .. متلاعبا .. او يكون
نصابا؟ فمن اين تحصل على بطاقة دعوة تخص السيد امجد ابو النصر؟ تثاقل جسدها فرمته فوق السرير وهي تجاهد دقات قلبها التي بدأت تخفق بشده..أهو خوف من المفاجآت ام خوف من ان يتسرب شعورها المطلق بالسعادة الآتية اليها طواعية؟ ماذا حدث ومن هو هذا الذي ادعي ما ادعى بتبرير حضوره الحفل... يا لها من بلهاء ... شعرت بالحنق والغيظ .. كيف سمحت لنفسها بالانزلاق الى إلى هذا الحد مع رجل لم تتأكد من هويته حتى..اختلط عليها الأمر .. لكنها لملمت مشاعرها التي تبعثرت في لحظات...
لن تسبق الاحداث انها امرأة عاقلة فمهما حدث ليلة البارحة واليوم فلن يكون بأقسى مم مر بها في حياتها.. استجمعت قواها وركزت في تفكيرها كيف تخرج نفسها من هذا المأزق؟ وكيف تكشف عمر شكري امام نفسه..
استلقت ورأسها مستند على ظهر السرير ...تناولت لفافة تبغ تنفث دخانها
وهي التي لا تحبذ التدخين ابدا... لتدخن فقد يساعدها على التفكير ...انها تستعيد شريط احداث الأمس واليوم و تكاد تبعد فكرة المصداقية في مجرياتها من
ناحية ومن ناحية اخرى تستبعد هذا التوجس الخفي داخلها واخذت
بالتخطيط .. كيف تكشف له الحقيقة المرة..كيف تواجهه؟
مر عليها من الوقت ما جعلها تنسى انجاز باقي اعمالها لليوم.
تناولت سماعة الهاتف وأعادت الاتصال بآخر رقم مسجل على الهاتف..
وجاءها صوته حانيا عطوفا لهفا لسماع صوتها الذي فارقة منذ وقت ليس
بطويل ؟ ساعة؟ لا يهم المهم انها هي التي تحادثه .
• الو.. قالتها بتثاقل : السيد عمر شكري؟
• ليلى !!!!!! ما هذه المفاجأة الجميلة.. هل أنا احلم؟
• لا انت لا تحلم يا عزيزي أنا بالفعل مدام ليلي
• مدام ليلى؟ خير؟ هل انت بخير؟
• أنا بخير ولكن حدث طارئ الآن أردت ان اخطرك به قبل ان تقوم بأي
إجراء يخص السفر الآن
• خيرا ان شاء الله ما هذا الطارئ الذي حدث بهذه السرعة
• لا ..خيرا ان شاء الله ان علاء ابنى سيكون في طريقه الى هنا من اوربا!!
• يصل بسلامة الله ..على العموم اخبريني متى تتوقعين وصوله ؟
• لا ادري لم يخبرني عن برنامج رحلته بعد ولكنه قد يأتي في أي
لحظةز
• خيرا ان شاء الله ولكن لم رنة الأسى في صوتك اني كما افهم انك
كنت على لهف للقاء أي احد من ابناءك..
• نعم ولكن عودته الغير متوقعة الان هذا فقط ما يزعجني
• اذن لنؤجل اللقاء الى ان تنتهي زيارة علاء لك
• نعم هذا ما وددت اخبارك بهز
• ارى مزاجك لا يسمح بإطالة الحديث لذا سأتركك الان واعاود
الاتصال في وقت لاحق لاطمئن عليك
• اعتذر منك ولنا لقاء اخر عبر الهاتف مرة اخرى
• الى اللقاء
• الى اللقاء
دمعت عيناها وبدت متألمة وبدأ الهاجس النكر يثب الى نفسها ... ايحتمل
ان يكون ؟؟؟؟ لالا يمكن لا بد ان الامر فيه لبس ... انه تبرير مفتعل جاء في
لحظة ظنت فيها ان الأقدار ما زالت تعاندها وتقف في طريق سعادتها ...
ولكن هذه الاحاسيس لا يمكن ان تكون مفتعلة لا يمكن ....كيف ؟؟ .. قامت الى
خزانة الأدوية وتناولت قرصا مهدئا لتهرب فيه من هواجس جمة داهمتها وهي
في اوج فرحها وسعادتها...
استلقت على فراشها وقلبها ينوء بحمل تنوء الجبال احتماله... وشئيا.. فشئيا
راحت في سبات عميق ودموعها ما فتئت تتساقط فوق وجناتها..
استيقظت من نومها العميق وشعور بالراحة نوعا ما قد لازمها ولكن
عقلها مازال يقدح ويفكر ويستنكر.. كيف لها ان تلقى عمر شكري وان تكشف حقيقته ..
وفي خاطرها ان لا يكون سوى عمر شكري الذي ايقظ مشاعرها..
مضى روتين ليلى كما يمر كل يوم .. اخذت طريقها الى مقر عملها ورأسها
يعمل في كيفية اكتشاف هذا الأمر .
دلفت مبنى الشركة وجميع من يلقاها يلقي بتحية احترام لها وكأنها ملكة
تمر بين رعيتها.. راعها ان يستهزأ عمر شكري بشخصها وان ينتحل شخصية
المحب الولهان ولكنها كمن كانت بين مصدق و مكذب.. رفعت سماعة الهاتف
وطلبت من السكرتيرة ان تطلب لها فورا رقم امجد ابو النصر... وكأنها في
سباق مع الزمن تريد ان تطمئن ام تريد ان تكتشف وجه الحقيقة .. جميع
اوصالها ترتعش وهي تحادث امجد ابو النصر
- هالو .. صباح الخير سيد امجد كيف الحال؟
- بخير والخير ازداد بعد سماع صوتك
- سيد أمجد اريد ان آخذ رأيك في موضوع خاص
- تفضلي سيدتي انا تحت امرك
- أريدك ان ترشح لي مهندسا معماريا من معارفك ... فأنا بصدد بناء فيلا
لابني علاء ، حيث انه على استعداد للزواج الآن بعد ان قارب على الانتهاء من دراسته أريد أن مفاجأته بمخططي هذا.. اود ان ترشح لي مهندسا مرموقا ليقوم برسم خرائط الفيلا؟
- ألف مبروك لك ولعلاء .. بالطبع انا على علاقة بأمهر المهندسين هنا وفي ذهني الآن احدهم سأقوم بالاتصال به وأخذ موعد معه ليقوم بدراسة عمل خرائط الفيلا معك..
- هل لي ان اعرف من هو ذا الذي وقع عليه ترشيحك؟
- نعم انه احد المهندسين البارعين والذي قام بعدة مشاريع يشار اليها
بالبنان
- من هو ؟
- انه المهندس المعروف عمر شكري..
- وقع الاسم كان كالصاعقة ولكنها احتفظت بشئ من الهدوء
واضافت : امتأكد انت منه؟ ان قطعة الأرض التي ستقوم عليها الفيلا كبيرة الى حد ما ولكنها باهظة الثمن .. أريد ان يقوم عليها بيت العمر لعلاء
-لا تشغلي بالك فقد رشحت لك أحد ابرع المهندسين في البلد وسأقوم بترتيب موعد لتلتقيه .. متى تودين ان احدد الموعد؟
اليوم مساءا ان كانت ظروفه تسمح..
حسنا سيكون لقاءك به في مقر عملك الساعة الثامنة مساءا .. هل يناسبك هذا الموعد؟
نعم .. نعم.. وخير البر عاجله.
اذن سأوافيك بعد قليل بترتيب الموعد
أشكرك سيد امجد وانتظر مكالمتك
بدا لها شئ من الارتياح داخل نفسها وكأنها تطمئن نفسها ان بعض ما قاله
حقيقي ... بقي عليها ان تسبر غوره وتعرف باقي التفاصيل التي مكنته من
المشاركة في تلك الأمسية..
يبدو أن الأستاذ امجد ابو النصر لا يعرف التباطؤ في مثل هذه الأمور
فالسيدة ليلى تهمه جدا .. او ليست زوجة صديق عمره محمود؟ وأبناؤها هم
بمثابة أبناءَ له فهو لا ينسى صديقه المرحوم محمود ولاينسى الأيام التي
عاشاها سويا يحفرون الصخر ليصلوا الى ما وصلوا اليه معا حتى باتوا
شركاء عمل ولكن الموت الذي غيب محمود لم يكن لينسي امجد ابو النصر
مسئوليته تجاه عائلة محمود فهو الذي قام بتشجيع ليلى على مواصلة
المسيرة حتى لا يضيع مجهودهما هباءا .. وقد قام بتدريب ليلى وتعلميها
حتى باتت احدى سيدات العمل المعروفات على صعيد ساحة الأعمال ... ومما شجعه حقا التزام ليلى وجديتها في مواصلة الطريق..
الساعة الثامنة الآن الا عشر دقائق .. ليلى في مكتبها وعقلها يقدح
بالتفكير كيف سيكون اللقاء مع عمر شكري وكيف ستفاتحه بالقصة التي
افتعلها ليأتي حفل تلك الليلة..
الثامنة تماما وباب الغرفة يدق لتبدو السكرتيرة من ورائه معلنة وصول
المهندس عمر شكري..
عمر شكري داخلا الى غرفة المكتب وابتسامة عريضة ترتسم على وجهه بعينين تلمعان ذكاءا وعمقا بدا عمر وهو في قمة السعادة مما زاده وسامة عن اول مرة رأته فيها عند حضوره الى منزلها......
ابتسمت ليلى وقامت من على الكرسي وصافحت عمر الذي مد يده لملامسة يدها .. ولكنها لم تبق يدها في يده متعمدة وكأنها بدأت تأخذ اولى خطوات الحذر..
ما هذه المصادفة الجميلة
أي مصادفة؟
عندما حادثني السيد امجد عن مشروع بناء فيلا فاخرة لم اكن اعلم ابدا
انها تخصك في البداية ولم ارحب بالفكرة لأن خططي بعيدة المدى.. من غير ان أسأل عن صاحب المشروع مبدئيا... وعندما ابلغني بأنك صاحبة المشروع لا تتصوري فرحتي وحماسي..سأوقف كل المشاريع من أجلك انت فقط..
أشكرك جدا .. انني بصدد بناء فيلا وتجهيزها لإبني علاء فهو على عجلة من أمره كما يبدو عليهيريد ان يتزوج ويستقر بعد الانتهاء من الدراسة وحصوله على شهادة الماجستير.. وقد رشحك لي السيد امجد وبالفعل كانت مفاجأة لي أنا أيضا.. لقد نسيت انك مهندس معماري..
أرانا قد بدأنا في النسيان!!! .. كيف نسيت وكيف لم تحدثيني في الموضوع
مباشرة ؟ ان السيد امجد لا يعرف عن معرفتي بك شيئا وانا بدوت كمن يحدثني عن مشروع جديد فقط..
لمحت ليلى طبيعية عمر وتلقائيته في التعبير والتوضيح .. فتداخلت في
رأسها الشكوك ... ايكون امجد ابو النصر قد قام بترتيب اللقاء بينهما
بدون علمها؟
ليلى إنسانه تحب الوضوح في كل شئ ولا تهوى المراوغة .. سألته فجأة
وبدون مقدمات:
عمر هل لك ان تصارحني كيف وصلت إليك بطاقة الدعوة الخاصة بالحفل
الذي أقمته في بيتي وحضرت إليه أنت مدعيا انك تمثل امجد أبو النصر
لانشغاله بعودة ابنته من الخارج؟
ضحك عمر وقام من على كرسيه يريد ان يأخذها بين ذراعيه وقد اشتم
رائحة اكتشافها لسبب حضوره الحفل بدون دعوة.. ولكنه توقف فجأة وقال
لها: ليلى انا اعرف ماذا يدور بخاطرك ..لا تشغلي بالك ... سأقول لك
التفاصيل:
كنت عند السيد امجد الأسبوع الماضي ... وللعلم انا والسيد امجد
أصدقاء على صعيد العلاقات الاجتماعية والعملية.. اقول ذهبت الى السيد
امجد وقد بدا علي شئ من الضيق والملل .. سألني ماذا بي؟ قلت له بدون لف
ولا دوران : انا مللت هذه الحياة الروتينية ولاول مرة افتح عيني لاجدني
بدون شريك حياه .. فراغ بالفعل ممل على الرغم مما بلغته من شهرة ونجاح
في العمل... فما كان من السيد امجد إلا ان اقترح علي لقاءك على ان لا
يكون هناك ترتيب مسبق له.. أعطاني البطاقة وقال لي : لن تندم أبدا على
لقاء مدام ليلى...وقد كان...
ليلى كانت تستمع بين مصدق ومكذب للتفاصيل ولكنها من الداخل ترقص
فرحا... وقد بدت عيناها تلمعان من الفرحة لسماع الخبر .. اذن كل شكوكها
كانت ليست ذي بال .. عمر هو عمر الذي دق قلبها له من اول نظرة ..
وتيقنت ان اللقاء كان مفتعلا ولكنه كان حقيقيا .. دقات قلبيهما دقتا كما
تدق الساعة بصدق..
استطاع عمر بذكائه ان يكتشف القلق وتفاصيل المكالمة التلفونية الاخيرة
بينهما فما كان منه الا خطا الى مكتبها ماسكا يديها بين يديه طابعا
فوقهما قبلته تلك التي تركت وشما على يدها في اول لقاء..
ليلى لا تخافي ايتها الغالية انا صادق وغرضي شريف ولكننا اتفقنا انا
والسيد امجد ان نختلق قصة عودة ابنته ليبدو الأمر طبيعيا ولكن للأسف مع
كثرة انشغاله بالعمل نسي الموضوع نهائيا ...مما اثار حيرتك اليس كذلك؟
نعم يا عمر لا أخفيك كم شعرت بحماقة لم أشعرها قط في حياتي ... بدوت
لنفسي كطفلة حائرة مرتبكة لا تستطيع ان تكشف وجوه الحقيقة .. ولكن صدقني إنني كنت أتصرف معك بتلقائية وكأنني فتاه في عمر الزهور ينبض قلبها لأول مرةانت بالفعل فتاه في عمر الزهور يا ليلى وانا الذي سيعوضك كل ما فاتك وستعوضيني كل ما فاتني من عمر.. أليس كذلك؟
أكيد يا عمر.. بقى علي أن أبدا بمفاتحة الأبناء بهذا..وأعتفد انهم لن
يعارضوا فعقولهم مفتوحة وسوف يتفهمون الوضع الذي اخترته خصوصا انك
تستطيع بلباقتك ان تدخل قلوبهم كما دخلت قلبي وحتى تصبح علاقتنا على نور أمام الله والجميع بدون تحسب لهمس ولمز وغمز اليس كذلك؟
لا مانع عندي ابدا وبدلا من ان نسافر للتعارف خارج البلاد أود لو يكون
سفرنا بهدف قضاء شهر العسل ... بل بداية عمر العسل..وعمر الربيع..[/frame][/align][/font][/align]
تعليق