قصه قصيره_ معاناة واقدار

تقليص
هذا الموضوع مغلق.
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • صالح صلاح سلمي
    أديب وكاتب
    • 12-03-2011
    • 563

    قصه قصيره_ معاناة واقدار

    تحت خزان الماء العام في المخيم , وحيث وفرت الرطوبة الأرضية ملجأ أوت اليه, منذ ساعات الظهيره اللاهبه . الأفعى البنيه الرقطاء, بدأت بقنصها الليلي, وها هي, ترمي بثقلها في تتابع خاطف , تلتف, وتقبض بفكيها ,على فأر الصحراء الصغير . غير بعيد , وعلى مرمى حجر, في هدأة ليل الصحراء الذي أناره القمر . جلست الأم ,عند باب خيمتها. مكفهرة الوجه , شارده بذهنها , يلفها حزن وقنوط, وخوف من المجهول , تنظر إلى الخيام التي بدت لها , كجمال أناخت بأحمالها , وتوزعت وتقاربت وسط الصحراء., جالت بعينيها, وانغمست إلى حدود الألم والوجع بأفكارها , تسترق من قمرٍ منيرِ نظرات , ومن نجوم باهتات خلجات , ومن نسيم ليل الصحراء زفرات , ومن الأفق الأغبش المجهول تساؤلات ,

    لم َنحن هكذا ؟ إلا نحن .. كتبت علينا الخيام , جيلاً بعد جيل , لم َ تتحقق تنبؤات آبائنا , ووصايا عجائزنا ؟. انهمرت بعض دموع من عينيها , تذكر أبيها يمازحها, وهي تسأله ضاحكه.. ماذا من الأرض ستورثنا إياها يا أبتِ بعد عمر طويل ! فيرد عليها ضاحكا في سخريه: سأورثكم خيمه لا املك غيرها , في بلادي العربيه., في هذا المكان وعند باب خيمتها , لا تأمن دبيب هوام الأرض , هي قد تعودت , في كل مقامِ لها منغصات , وهي كغيرها, وضعت عند باب خيمتها وجوانبها حواجز تمنع دخول الهوام إليها , لكنها لم تعد تقوى على الجلوس في الخيمه.. أمامه , ذاك الصغير الذي هده المرض , فخرجت تتنفس.. أملاً , واحست بخيوطه واهنه, تكاد ان تتقطع بها سبله. وتستولد الليل الطويل فجرا , طال انتظاره. ولم ينقضي من الليل إلا ثلثه , وهي هنا في هذا المخيم .. تستنفر لقدومه كل هواجسها ومخاوفها , فاالليل مجمع الأوجاع , كما كانت تقول جدتها. وهو ضيق ذات اليد وعجزها, حين يحين طارئ , وما أكثر الحوادث الطارئه في المخيم . وما أهون أن تتعالى بين الخيام.. الصرخات التي تُفزِعها, والاستغاثات اللاهفه التي تبهتها.

    فذاك.. صغير قد طعنت باطن قدمه الغض , إبرة عقرب سوداء , نفثت سمها , فيتعالى الصراخ.. بسرعة خذوه إلى الإسعاف , وما ابعد الإسعاف , وذاك فانوس إناره, قد قلبته الريح في خيمه , أو بابور كاز , هبت السنة نيران منه , فأشعل الخيمه, وخرج أهلها يتراكضون, وساد الأجواء هرج ومرج , وتعالت هتافات ضائعة.. بسرعه اقطعوا الحبال ..اعزلوها بسرعه .. حتى لا تمتد السنة النيران خيمه اثر خيمه.

    وذاك شاب , قد اخترق حظرا للتجوال تفرضه شمس الصحراء , في ساعات الذروه, على كل الأحياء , خارج حدود الظل , فأصيب بضربة شمس وتيفوئيد أعيا جسده , و أولائك.. صبيه, يتراكضون خلف ثياب لهم, حملتها ورحلت بها زوبعه دورانيه, من الرمال المتحركه, اجتاحت خيامهم على حين غره , وغير ذلك كثير , مما تخاف من مفاجأ ت مرعبه., لكنها خرجت الآن , وتبعها زوجها, وكل رعبها من حال وليدها, الذي هده المرض فسكن جسده.. هذه الساعات, وبعد طول بكاء غط في غيبه, وتخشى أن تكون آخر غيباته., تهش بعلها بعينيها السؤال هشاً: أتراه سيعيش ؟. يبرم فمه.. ويلوذ بالعتمه, ليخفي عينيه عنها , يمهد الطريق للصدمه .. يعيش .. وإذا... ليس بأفضل ممن سبقه , هذا حال شعبنا ! هذا قدرنا ! هيا لننام وفي الصباح يفعل الله ما يشاء ,

    تتعالى في الآفاق صرخه , ونباح , وصبي اقبل نحوهم يركض في العتمه , وكلاب سائبة تطارده , ما أكثر الكلاب السائبة , يلوذ بها عند باب خيمتها , والكلاب في أثره. تحتضنه في لهفه وهي تتساءل: ما الذي أخرجك ؟. ينهر زوجها الكلاب و هو يقول : اليتيم , خرج يملأ من خزان الماء قربه., يئن ابنها في الخيمة .. صرخه , تدلف إلى خيمتها, تنظر إليه ,يغط في غيبه . قد جاوز السنة من عمره, لكنه يبدو كرضيع لم يتجاوز يومه الأربعين , فقد نصف وزنه , وتجعد وجهه , وغارت عيناه . وطبيب يزور المخيم , لم يشخص من مرضه إلا الإسهال , يقول: اغلوا له الماء فمياه المخيم ملوثه . لكن الصغير تأخذه غيبه, وترتفع وتهبط حرارة جسمه ., الأب ..عنده الخبر اليقين , يشيح ويهرب بوجهه عنها .. هيا لننام .. أطفئي الفانوس , إن قلبته الريح هذه الخيمة تشتعل بسرعة ,

    كيف تنام ؟ وخيول الموت تراها.. تطوف متنقله, بين الخيام , ويعسكر أجودها بباب خيمتها , يطلب الوليد ليردفه ظهره ., تطفئ الفانوس . يشعل في صمت سيجاره, وينسل خارجاً ينفث مع الهواء النقي همه ., تستلقي عند قدمي طفلها , على جنبها.. كقطه, وكلتا يديها تحت رأسها , تغمض عينيها, وتفتح أذنيها , لعله يصحو فتلقمه ثديها , أو تسعفه بكمادات تخفف بها حرارة جسمه., في هزيع الليل الأخير , يموء الصغير الوجع .. في مطه , تفتح عينيها , أبوه يرقبه , جاثيا عليه, وقد أشعل ولاعته ليرى وجهه. تحبوا إليه , تقيس نبضه , ما تزال عروق من الحياة ترف في ذاك الكفن ., منذ يومين خافت و تشاءمت من اللون الأبيض في ثيابه. يقول الأب وهو يطفئ سيجاره أخرى: نامي .. غدا سأسافر به إلى المدينة , سيسمحوا لنا بذلك , وهناك سيعرفون علته ,

    تسأله في لهفه: هل سأذهب معك , يجيبها وهو يتشاغل بتعديل فراشه : لا , ستبقين مع إخوته , هيئي له عند الصباح ملابسه . تحمل عيناه كلاماً , لكنه لا يبث كل ما في قلبه., اليوم الطبيب الذي زار المخيم أسرَ له نصيحة .. وهو يسير حاملاً حقيبته, ويمشي هو بجانبه , مال بفمه نحو أذنه وهو يقول : اسمع , ابنك علته ليست في الإسهال , الماء في المخيم , وحتى الهواء ملوث, علته ليست في معدته , بصراحة .. ربما التهاب السحايا .. أو حتى التهاب في الدماغ .. الجراثيم كثيره هنا , المهم لا أريد أن أثير بلبله , هذا الأمر أقوله لكَ وحدك , أرجو أن لا يصل لغيرك , بخاصه.. المشرفين في المخيم ., صافح الطبيب مودعاً, كمن يقطع على نفسه عهداً بأن لا يذيع سراً ,

    عند الفجر انسلت الأم من فراشها , أيقظت ابنها الأكبر, طلبت منه أن يذهب معها للحمامات العامه, كان فجراً ضحوكاً , أنارته طلائع إشعاعات شمس بدأت تشق الفضاء عند الأفق البعيد , فغلب عليها بعض التفاؤل , أشرق وجهها , بعد أيام من الشحوب الخائف , وحملت بين جوانحها أملاً , بأن يذهب طفلها إلى المدينه , ولا تفقده . عادت إلى خيمتها , أيقظت زوجها , فطلب منها أن تمهله قليلا , ثم صلت الفجر , وحين عاد ابنها الأكبر إلى فراشه, منغمساً في لذة نوم .. توفرها برودة الصحراء عند الصباح , نظرت اليه بإشفاق , ولم تشأ أن توقظه ., حملت قربة الماء , وانطلقت لتملئها من خزان الماء القريب , وتغسل لطفلها المسافر بعضا من ثيابه , توقفت قرب الخزان قليلا , وقف ضفدع صحراوي, تحت حنفية الماء مباشره , ناظراً للاشيء .. وكأنه يستجدي أن ينهمر عليه شيء من الماء يبلل جسده , هشت الضفدع بقدمها.. لمرتين متتاليتين. وفي فزع صرخت, وهي تتراجع لتسقط على ظهرها . كانت الأفعى البنية الرقطاء بين الحشائش تترصد الضفدع , وحين قفز , لم تجد إلا ساق المرأه لتغرس فيها أنيابها وتنفث سمها . نهضت وانسحبت في هلع تتلوى إلى خيمتها , وتصرخ في زوجها لتوقظه , وتنظر إلى كل أبنائها . أهي لحظات الفراق .. أم هي أشباهها !!

    ولم يمض وقت طويل حتى كانت تتلوى كقطعة من قماش بهت سوادها ., وفي ذلك المخيم كان طفل يتيم قد ترعرع وأصبح صبياً وهو لا يذكر وجه أمه ! .
    التعديل الأخير تم بواسطة صالح صلاح سلمي; الساعة 18-08-2011, 07:32.
  • بسمة الصيادي
    مشرفة ملتقى القصة
    • 09-02-2010
    • 3185

    #2
    مأساة ما بعدها مأساة !
    وموت يتلوى كأفعى بين الأقدام
    وأغاني المجد لا تسقينا إلا ألحانا ..!
    فتبقى الأفئدة عطشى والأرواح في حين أن الواحات
    من حولنا كلها سراب!
    قصتك فاقت حدود الوجع سيدي
    كان الدمع يتفجر ينابيعا من بين السطور
    ولا شيء يواسي هذا الحزن.. فها نحن ننتقل من حالة إلى أسوء
    من تهجير إلى اخر
    نسأل الله رحمته
    شكرا لك على المشاعر النبيلة
    خالص الود والتقدير
    في انتظار ..هدية من السماء!!

    تعليق

    يعمل...
    X