كتب مصطفى بونيف

في جيوبنا قد نجد أشياء كثيرة لا قيمة لها...
كثيرا ما أضع يدي في جيوبي فاستخرج أشياء عجيبة مثل ورقة رثة كتب عليها أرقام هواتف بعض من يحرجني بإعطاء رقمه ليقول " ممكن تستحقه في يوم من الأيام " ، وأجد أيضا زر قميص قديم ..فمثلما تتساقط أسنان العجوز تتساقط أزرار القميص القديم ...وأجد أيضا وصفة طبية لم أشتر الدواء الذي فيها لأنه غال جدا...كما أجد قصاصة جريدة مكتوب عليها وظيفة شاغرة أو مسابقة شكلية لإحدى الشركات أو الإدارات...ثم أجد " بطاقة التعريف" أو بطاقة الهوية...وإذا كان لكل ما وجدته في جيبي لحد الآن من قيمة فالأكيد أن هذه الأخيرة ليس لها أية أهمية أو قيمة لحد الآن....سوى أني أبرزها لأعوان الأمن من الحراس والبوابين عندما أطلب مقابلة مسؤول معين ...فأتركها عندهم ...وعندما أخرج مقهورا من هذا المكتب أسحب بطاقتي من عند الحاجب وأنا موقن بأنها هي سبب النحس.
أيضا من ضمن استعمالاتي لبطاقة الهوية هو أني أتركها لمحل الفيديو عندنا أستاجر فلما ..وكثيرا ما يقول لي صاحب المحل " يا مصطفى ليس من الضروري أن تترك بطاقتك عندي أنت زبون وفي للمحل خذ بطاقتك " ، ومع ذلك أترك بطاقتي على الأقل حتى تقوم لها بمهمة بدل بقائها في جيبي لفترات طويلة بلا شغل.
وظيفة بطاقة الهوية في نظري ، تشبه وظيفة السرة التي تتوسط بطن الانسان فلا يعرف لها وظيفة حقيقة غير أنها من آثار الحبل السري مع الأم ..ولكن بعد الولادة لم يعد هنالك حبل سري ...فلماذا يترك أثره..ربما ليذكرك أنك ابن لامرأة كنت تقاسمها الطعام والشراب...؟؟
ربما وظيفة بطاقة الهوية كذلك...حتى تذكرك بأنك مواطن وابن بلد.
وقفت في منتصف الشارع أتأمل مخزنا مفتوحا وقد توقفت أمامه شاحنة كبيرة تحمل بضائع ثقيلة وبعض من الشباب يحملون هذه الصناديق على ظهورهم نظير بعض الملاليم التي يتكرم بها صاحب المخزن عليهم ثم أتسائل " هل يحمل هؤلاء بطاقة هوية ؟" الجواب قطعا "نعم "
ثم توقفت سيارة مرسيدس سوداء لينزل منها رجل تكاد بطنه تنفلق من شدة بروزها خارج جسمه وكأنه ابتلع بطيخة ،وبين فكيه سيجار كوبي ينفث دخانه في السماء ....تساءلت مرة أخرى " هل يحمل هذا الرجل الثري بطاقة هوية أيضا ، تشبه بطاقة هؤلاء الشباب ؟"...اقتربت متسلللا من الشاحنة وقلت لأحد هؤلاء الحمالين " لو كنت واصلت دراستك ما كان هذا موقفك تحمل أموال الناس على ظهرك الضعيف " فقال لي " أهلا ...مصطفى " ، فقلت له " وهل تعرفني ؟ " ..فقال لي " مابك هل نسيتني ؟، أنا أمين زميلك في كلية الحقوق " ..وسرعان ما صرخت مندهشا " أمين...مش ممكن " ...فقلت له " وما الذي تفعله هنا ؟ " فأجابني ساخرا " أمارس درسا عمليا لنظرية أدم سميث التي مفادها دعه يعمل دعه يمر "....قلت له " يا مجرم ألم تجد عملا غير حمل هذه الصناديق التي تشق الظهر " فقال لي " وهل هنالك عمل شريف يمكن أن أعمله غير هذا ؟ " فقلت له " فعلا لم تعد هنالك أعمال شريفة ..." ثم سألته " هل تحمل بطاقة هوية ؟ " فقال لي " طبعا "....ودعت صديقي بعدما انفجر صاحب المخزن " هيا يا سي أمين شوف شغلك ".
خرجت من المخزن..ثم واصلت سيري إلى المقهى فوجدت المقهى مليئا بالشباب الذي ينفث مع كل سيجارة روحه " هل معكم بطاقات هوية ؟ " ..فوضع الجميع بطاقاتهم على الطاولة ظنا منهم أني رجل شرطة ...ابتسمت بسخرية ثم قلت لهم " هناك مستودع لرجل ثري –يحمل بطاقة هوية- يطلب حمالين.." ولم أكمل جملتي حتى هرع الشباب نحو المستودع....
أخرجت بطاقتي من جيبي ورحت أقرأ بياناتها حتى أتاكد من شخصيتي " اسمي واسمي العائلي ، وجنسيتي ، وطول قامتي ، وختم السلطة الذي يؤكد صحة البيانات " ...لماذا لم تكتب في بطاقة الهوية بيان " شقي أم سعيد ؟" ، لماذا لم يكتب من أي طبقات المجتمع..من الطبقة الراقية أم من طبقة الحقراء ..؟ الطبقة التي وإن تعلموا فهم بهائم....يحملون أسفار الطبقة الراقية...ويكون من الأفضل أن تلون البطاقة حسب المكانة الاجتماعية ..فالطبقة الراقية تكون بطاقتها بيضاء بلون العز والفخفخة ...والطبقةالمتوسطة "رمادية " ...وبطاقة أبناء البلاد بالغلط تلون بلون أسود قاتم..حتى يتذكر كل واحد من هؤلاء اليوم الأسود الذي ولد فيه.
وهكذا عندما تتقدم لخطبة أي فتاة يكفي بأن تستظهر بطاقة هويتك فإذا كانت بيضاء سمعت "زغروتة من القلب " ..وإذا كانت رمادية " سمعت " زغزوتة ليست من القلب ولا من الحنجرة ولكن ما بينهما " ..أما إذا كانت سوداء فحط المنديل على أنفك "......وقفت أتامل في الشارع لتتوقف سيارة فخمة ، ثمنها لا يقل عن المليون دينار وقد نزل منها مراهق ، فقلت " أيعقل أن يكون لصاحب هذه السيارة بطاقة هوية تشبه بطاقتي ، وأنا الذي لا أجد حمارا يوصلني إلى البيت في عز هذا الحر ..؟ ".
توقف الأتوبيس في المحطة ..فركبت حتى أذهب إلى البيت ...الأتوبيس كان مزدحما..والحر شديد وطوال الطريق وأنا واقف في وسط الأتوبيس كنت أتأمل السيارات الفارهة والمكيفة في مثل هذا الحر ..كنت أتساءل " يا ترى هل يحمل هؤلاء بطاقات هوية تشبه بطاقات هذا السردين المتراص هنا ؟".
مر الأتوبيس من شارع توجد به ثانوية خاصة يقال أن الطالب الذي يدرس فيها يدفع الملايين خلال السنة الدراسية الواحدة ...ثم يواصل دراساته بعد النجاح الأكيد في إحدى كبريات الجامعات في العالم..تأملت في السيارات المتوقفة أمام شارع الثانوية فكانت كلها مكيفة وبسائق خاص.
ومن مساوئ الصدف أن يمر الأتوبيس من ثانوية عمومية ...ليخرج منها سيل عرم من الطلاب كما لو أنهم فيما يشبه مطاردة الثيران التي يقوم بها الإسبانيون كل سنة...تأملت الذين خرجوا من هذه الثانوية كما لو أنهم كانوا في نار جهنم...خرجوا يتراكضون إلى بيوتهم في عز الحر ...هؤلاء المساكين يشبهون عمال المناجم ..وإذا نجحوا بمعجزة في مثل هذه الظروف سوف يوجهون إلى جامعات لا تختلف كثيرا عن الثانوية التي درسوا بها..عدت وتساءلت طبعا " هل يحمل هؤلاء بطاقات هوية مثل التي يحملها طلاب الثانوية الأولى ؟".
ثم مر الأتوبيس أمام شركة كبيرة وضخمة كتب اسم مديرها العام بحروف كبيرة يقرؤها الأعمى من شدة وضوحها ..." لقد كان زميلي في كلية الحقوق ..ووالده صاحب شركات كبيرة في البلاد ...وأخته التي تحصلت على دبلوم في الهندسة المدنية تشتغل في تقديم نشرات الأخبار بالتلفزيون بينما بنت جارنا سي محمد والتي تخرجت من كلية الصحافة والإعلام لم تجد وظيفة إلى يومنا هذا...تساءلت هل يحمل كل هؤلاء نفس البطاقة ؟".
لقد وصلت إلى حينا "حي الصين الشعبية" ، ، كل سكان الحي يحملون بطاقات هوية متشابهة..." وضعت يدي في جيبي فلم أجد البطاقة ..لقد نشلت مني في الأتوبيس ....
أسرعت إلى استصدرا بطاقة بدل الضائعة ، حتى يجدها رجال الشرطة عندي إذا سألوني عنها في حاجز أو كبسة ....
مصطفى بونيف

في جيوبنا قد نجد أشياء كثيرة لا قيمة لها...
كثيرا ما أضع يدي في جيوبي فاستخرج أشياء عجيبة مثل ورقة رثة كتب عليها أرقام هواتف بعض من يحرجني بإعطاء رقمه ليقول " ممكن تستحقه في يوم من الأيام " ، وأجد أيضا زر قميص قديم ..فمثلما تتساقط أسنان العجوز تتساقط أزرار القميص القديم ...وأجد أيضا وصفة طبية لم أشتر الدواء الذي فيها لأنه غال جدا...كما أجد قصاصة جريدة مكتوب عليها وظيفة شاغرة أو مسابقة شكلية لإحدى الشركات أو الإدارات...ثم أجد " بطاقة التعريف" أو بطاقة الهوية...وإذا كان لكل ما وجدته في جيبي لحد الآن من قيمة فالأكيد أن هذه الأخيرة ليس لها أية أهمية أو قيمة لحد الآن....سوى أني أبرزها لأعوان الأمن من الحراس والبوابين عندما أطلب مقابلة مسؤول معين ...فأتركها عندهم ...وعندما أخرج مقهورا من هذا المكتب أسحب بطاقتي من عند الحاجب وأنا موقن بأنها هي سبب النحس.
أيضا من ضمن استعمالاتي لبطاقة الهوية هو أني أتركها لمحل الفيديو عندنا أستاجر فلما ..وكثيرا ما يقول لي صاحب المحل " يا مصطفى ليس من الضروري أن تترك بطاقتك عندي أنت زبون وفي للمحل خذ بطاقتك " ، ومع ذلك أترك بطاقتي على الأقل حتى تقوم لها بمهمة بدل بقائها في جيبي لفترات طويلة بلا شغل.
وظيفة بطاقة الهوية في نظري ، تشبه وظيفة السرة التي تتوسط بطن الانسان فلا يعرف لها وظيفة حقيقة غير أنها من آثار الحبل السري مع الأم ..ولكن بعد الولادة لم يعد هنالك حبل سري ...فلماذا يترك أثره..ربما ليذكرك أنك ابن لامرأة كنت تقاسمها الطعام والشراب...؟؟
ربما وظيفة بطاقة الهوية كذلك...حتى تذكرك بأنك مواطن وابن بلد.
وقفت في منتصف الشارع أتأمل مخزنا مفتوحا وقد توقفت أمامه شاحنة كبيرة تحمل بضائع ثقيلة وبعض من الشباب يحملون هذه الصناديق على ظهورهم نظير بعض الملاليم التي يتكرم بها صاحب المخزن عليهم ثم أتسائل " هل يحمل هؤلاء بطاقة هوية ؟" الجواب قطعا "نعم "
ثم توقفت سيارة مرسيدس سوداء لينزل منها رجل تكاد بطنه تنفلق من شدة بروزها خارج جسمه وكأنه ابتلع بطيخة ،وبين فكيه سيجار كوبي ينفث دخانه في السماء ....تساءلت مرة أخرى " هل يحمل هذا الرجل الثري بطاقة هوية أيضا ، تشبه بطاقة هؤلاء الشباب ؟"...اقتربت متسلللا من الشاحنة وقلت لأحد هؤلاء الحمالين " لو كنت واصلت دراستك ما كان هذا موقفك تحمل أموال الناس على ظهرك الضعيف " فقال لي " أهلا ...مصطفى " ، فقلت له " وهل تعرفني ؟ " ..فقال لي " مابك هل نسيتني ؟، أنا أمين زميلك في كلية الحقوق " ..وسرعان ما صرخت مندهشا " أمين...مش ممكن " ...فقلت له " وما الذي تفعله هنا ؟ " فأجابني ساخرا " أمارس درسا عمليا لنظرية أدم سميث التي مفادها دعه يعمل دعه يمر "....قلت له " يا مجرم ألم تجد عملا غير حمل هذه الصناديق التي تشق الظهر " فقال لي " وهل هنالك عمل شريف يمكن أن أعمله غير هذا ؟ " فقلت له " فعلا لم تعد هنالك أعمال شريفة ..." ثم سألته " هل تحمل بطاقة هوية ؟ " فقال لي " طبعا "....ودعت صديقي بعدما انفجر صاحب المخزن " هيا يا سي أمين شوف شغلك ".
خرجت من المخزن..ثم واصلت سيري إلى المقهى فوجدت المقهى مليئا بالشباب الذي ينفث مع كل سيجارة روحه " هل معكم بطاقات هوية ؟ " ..فوضع الجميع بطاقاتهم على الطاولة ظنا منهم أني رجل شرطة ...ابتسمت بسخرية ثم قلت لهم " هناك مستودع لرجل ثري –يحمل بطاقة هوية- يطلب حمالين.." ولم أكمل جملتي حتى هرع الشباب نحو المستودع....
أخرجت بطاقتي من جيبي ورحت أقرأ بياناتها حتى أتاكد من شخصيتي " اسمي واسمي العائلي ، وجنسيتي ، وطول قامتي ، وختم السلطة الذي يؤكد صحة البيانات " ...لماذا لم تكتب في بطاقة الهوية بيان " شقي أم سعيد ؟" ، لماذا لم يكتب من أي طبقات المجتمع..من الطبقة الراقية أم من طبقة الحقراء ..؟ الطبقة التي وإن تعلموا فهم بهائم....يحملون أسفار الطبقة الراقية...ويكون من الأفضل أن تلون البطاقة حسب المكانة الاجتماعية ..فالطبقة الراقية تكون بطاقتها بيضاء بلون العز والفخفخة ...والطبقةالمتوسطة "رمادية " ...وبطاقة أبناء البلاد بالغلط تلون بلون أسود قاتم..حتى يتذكر كل واحد من هؤلاء اليوم الأسود الذي ولد فيه.
وهكذا عندما تتقدم لخطبة أي فتاة يكفي بأن تستظهر بطاقة هويتك فإذا كانت بيضاء سمعت "زغروتة من القلب " ..وإذا كانت رمادية " سمعت " زغزوتة ليست من القلب ولا من الحنجرة ولكن ما بينهما " ..أما إذا كانت سوداء فحط المنديل على أنفك "......وقفت أتامل في الشارع لتتوقف سيارة فخمة ، ثمنها لا يقل عن المليون دينار وقد نزل منها مراهق ، فقلت " أيعقل أن يكون لصاحب هذه السيارة بطاقة هوية تشبه بطاقتي ، وأنا الذي لا أجد حمارا يوصلني إلى البيت في عز هذا الحر ..؟ ".
توقف الأتوبيس في المحطة ..فركبت حتى أذهب إلى البيت ...الأتوبيس كان مزدحما..والحر شديد وطوال الطريق وأنا واقف في وسط الأتوبيس كنت أتأمل السيارات الفارهة والمكيفة في مثل هذا الحر ..كنت أتساءل " يا ترى هل يحمل هؤلاء بطاقات هوية تشبه بطاقات هذا السردين المتراص هنا ؟".
مر الأتوبيس من شارع توجد به ثانوية خاصة يقال أن الطالب الذي يدرس فيها يدفع الملايين خلال السنة الدراسية الواحدة ...ثم يواصل دراساته بعد النجاح الأكيد في إحدى كبريات الجامعات في العالم..تأملت في السيارات المتوقفة أمام شارع الثانوية فكانت كلها مكيفة وبسائق خاص.
ومن مساوئ الصدف أن يمر الأتوبيس من ثانوية عمومية ...ليخرج منها سيل عرم من الطلاب كما لو أنهم فيما يشبه مطاردة الثيران التي يقوم بها الإسبانيون كل سنة...تأملت الذين خرجوا من هذه الثانوية كما لو أنهم كانوا في نار جهنم...خرجوا يتراكضون إلى بيوتهم في عز الحر ...هؤلاء المساكين يشبهون عمال المناجم ..وإذا نجحوا بمعجزة في مثل هذه الظروف سوف يوجهون إلى جامعات لا تختلف كثيرا عن الثانوية التي درسوا بها..عدت وتساءلت طبعا " هل يحمل هؤلاء بطاقات هوية مثل التي يحملها طلاب الثانوية الأولى ؟".
ثم مر الأتوبيس أمام شركة كبيرة وضخمة كتب اسم مديرها العام بحروف كبيرة يقرؤها الأعمى من شدة وضوحها ..." لقد كان زميلي في كلية الحقوق ..ووالده صاحب شركات كبيرة في البلاد ...وأخته التي تحصلت على دبلوم في الهندسة المدنية تشتغل في تقديم نشرات الأخبار بالتلفزيون بينما بنت جارنا سي محمد والتي تخرجت من كلية الصحافة والإعلام لم تجد وظيفة إلى يومنا هذا...تساءلت هل يحمل كل هؤلاء نفس البطاقة ؟".
لقد وصلت إلى حينا "حي الصين الشعبية" ، ، كل سكان الحي يحملون بطاقات هوية متشابهة..." وضعت يدي في جيبي فلم أجد البطاقة ..لقد نشلت مني في الأتوبيس ....
أسرعت إلى استصدرا بطاقة بدل الضائعة ، حتى يجدها رجال الشرطة عندي إذا سألوني عنها في حاجز أو كبسة ....
مصطفى بونيف
تعليق