ترك يدا حانية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • فاطمة يوسف عبد الرحيم
    أديب وكاتب
    • 03-02-2011
    • 413

    ترك يدا حانية

    ترك يدا حانية
    مظاهر العيد تعلن عن نفسها بجماليّة أخاذة، صخب الشوارع، ضجيج الباعة، ثرثرات الأطفال البريئة عن استقبال العيد بأفراح ورديّة، وحساباتهم الحائرة، كم ستكون العيديّة؟ أحلامهم عن كيفية قضاء أجمل اللحظات مع الأهل والأصدقاء في أماكن اللهو، حديث الصبايا عن الملابس الأنيقة، عن اختيار تسريحة الشعر، استعداد الأمهات المنزلية للأطعمة والحلويات التي تخص العيد، تنهدات الآباء الحائرة بسبب النفقة العالية، والسؤال الذي يطرح نفسه على الجيوب من أين وكيف؟ "والله بدبرها"، ذكريات تجمعنا بالأحبة الذين نأت بهم المسافات، أحزان تطل برأسها على الروح الوجيعة وتنادي على من غيّبهم الردى وكانوا على مسرح الحياة يعانقوننا ويقدمون لنا الهدايا والعيديّات، منذ عام كان هنا دقّ باب بيتي، الأبناء يتسارعون لفتح الباب، رنين صدى فرحتهم يؤكد أنّ القادم" جدّو الحاج" كعادته يكون أول المهنئين، العيد لا يكون عيدا إلا إذا كان أبي أول المعيّدين، وجهه الغارق في بحيرة من الدفء والحنان.
    كأن طلّته هي العيد ذاته ولسانه الدافق بمعسول الكلام ووجوده الذي يفيض على روحي بالسكينة، يده السخيّة في العيديّات وفي كلّ سبل الخير، ضحتكه التي ترنّ كشلال هادر،لكنّ الدنيا طوته في رحاب الحياة البرزخيّة وليس لنا إلا أن نترحم عليه وندعو له أن يسكنه الله فسيح جنّاته.

    رنين الهاتف يخرجني من دوامة الذكرى الحزينة : ألو أنا موظف من المصرف لدينا "حوالة مصرفيّة "من خارج البلد باسمك ،تفضلي لاستلامها قبل انتهاء الدوام، شكرا.
    أخذت أتساءل قد يكون هناك خطأ ما، لم يحدث أن وصلتني "حوالة مصرفيّة "من أحد ، لكن الموظف أكدّ لي أنّها باسمي، توجهت إلى المصرف، اليوم وقفة العيد، ناولته بطاقتي الشخصيّة واستفسرت عن الأمر .

    :هذه حوالة بمبلغ" ألف دولار"،وقعي بالاستلام .
    وقّعت وحملتني الحيرة إلى التساؤل،لم ؟ أنها من أخي، لكني لم أطلب منه مالا، الحمد لله عندي، على الفور طلبت أخي من هاتفي الخلوي: مرحبا، كيفك حالك،ما هذه الحوالة؟: ما بك، هل نسيت ؟؟ أنها عيديّة والدي المعتادة.

    -: والدي توفيّ منذ عام ، وأخذنا حقنا من الميراث!
    -: لكنّ عمله الصالح لم ينقطع، وصلته لبناته مستمرة إلى ما شاء الله، لقد ترك وقفا للصدقات، ووقفا آخر من أمواله لبناته، وأوصانا أن تكون العيدية عندكن في كلّ عيد ، وأوصى- وأتمنى أن يمتعكن الله بالصحة والعافية- إذا احتاجت أيّ واحدة منكن تكاليف علاجيّة لأيّ مرض يكون على حساب هذا الوقف، وكل عام وأنت بخير يا أختي الحبيبة، سلام.
    لم أدرِ في تلك اللحظة كم دفق دمعي حزنا على فراق هذا الأبّ الرائع الذي أصرّ أن يكون حضوره بالعمل الصالح مستمرا إلى ما بعد الحياة، في حياته كان صمّام الأمان لحياتنا بعد الله، وبعد وفاته استمر هذا الإحساس، وكم يمكنني أن أنحني لعظمة هذا الأب الدافق في عطائه، حنان مذهل وطيبة لا حدّ لها وحبّ عميق لبناته اللواتي طوّحت بهن الغربة في أنحاء العالم، كان حريصا على صلتهن بأيّ وسيلة، وكأنه ترك يده الحانية لتخفف عنا معاناة الألم، وتصافحنا في لحظات الفرح، وبوفاته أحسست التيه يشدني إلى قيعانه، كيف لا وأنا الأثيرة لديه، وعبارته الحميمة ترنّ في أذني:"أنا أنتِ يا غالية".
    عدت إلى البيت ومزيج من المشاعر الحزينه تتماوج بصخب في داخلي، صوّبت نظري إلى صورته التي تتصدر الجدار وخلته يترك الإطار ليحتويني بين ذراعيه ويطبع على جبيني قبلته الدافقة بالحب والحنان ويشيح نظره ليخفي دمعة وجيعة وعبارته المعهودة: أنت جرحي الذي لم يلتئم يا ابنتي، وخلت نفسي أنحني على يده لأطبع عليها قبلة الحبّ والولاء قائلة: كل عام وأنت بخير يا أغلى إنسان علي قلبي.
  • محمد فطومي
    رئيس ملتقى فرعي
    • 05-06-2010
    • 2433

    #2
    قصّة مؤثّرة ،مليئة بالحبّ،ليس بيدي أن لا أبدي إعجابي بها و بثوبها اللّغويّ الجميل و أترك كلمة امتنان لصاحبتها.
    كل عام و أنت بخير أستاذة فاطمة.
    مدوّنة

    فلكُ القصّة القصيرة

    تعليق

    • ريما ريماوي
      عضو الملتقى
      • 07-05-2011
      • 8501

      #3
      كل عام وانت بخير
      والاب هو السند والصديق
      الله يرحم هذا الوالد الجميل,
      ويطولنا اعمار ابائنا.
      استمتعت كعادتي بقصتك الجميلة,
      الله يطول عمرك حبيبتي ويرعاك.


      أنين ناي
      يبث الحنين لأصله
      غصن مورّق صغير.

      تعليق

      • فاطمة يوسف عبد الرحيم
        أديب وكاتب
        • 03-02-2011
        • 413

        #4
        الأستاذ محمد فطومي
        أشكر لك اهتمامك بالنص وقراءتك العميقة وتعقيبك الراقي
        وكل عام وأنت بخير

        تعليق

        • فاطمة يوسف عبد الرحيم
          أديب وكاتب
          • 03-02-2011
          • 413

          #5
          الرائعة ريما
          سررت بتعليقك ، نتمنى أن تكون الأبوة دافقة بالعطف والحنان مثل هذا الأب لكان لدنيا أجيال معطاءة فالحب الأبوي منارة العطاء والرقي شكرا عزيزتي وكل عام وأنت بخير

          تعليق

          • عبد الحميد عبد البصير أحمد
            أديب وكاتب
            • 09-04-2011
            • 768

            #6
            كم أنت بسيطة وغير متكلفة..يروق لى اسلوبك الأنيق

            والطيبة الأخاذة التى يبوح بها حرفك.. كم أنتى رائعة

            مودتى الصادقة
            الحمد لله كما ينبغي








            تعليق

            • فاطمة يوسف عبد الرحيم
              أديب وكاتب
              • 03-02-2011
              • 413

              #7
              الأستاذ أحمد فريد
              تحية وبعد
              أشكر لك هذا الاهتمام وكلماتك الراقية التي تدل على طيبتك ورقيك وكل عام وأنت بخير

              تعليق

              • ربيع عقب الباب
                مستشار أدبي
                طائر النورس
                • 29-07-2008
                • 25792

                #8
                وصلت العيدية فى موعدها المناسب تماما
                نعم ياله من أب
                قدر له الله أن يفعل حتى و لو حكم الرحيل ببعده
                و كم من أب عجز عن تلك بل ربما ما كان يملك ليدلل على حبه لأبنائه


                شجية و جميلة أستاذة فاطمة

                كل سنة و انت بخير و سعادة
                و عيد سعيد ومبارك

                تقديري
                sigpic

                تعليق

                • فاطمة يوسف عبد الرحيم
                  أديب وكاتب
                  • 03-02-2011
                  • 413

                  #9
                  الأستاذ ربيع
                  تحية وبعد
                  حضور مميز وكلمات رائقة أشكر اهتمامك أخي فالأبوة الحقّة نعمة من نعم الله على خلقه لكن البعض يسيئون استخدام هذه السلطة
                  التعديل الأخير تم بواسطة فاطمة يوسف عبد الرحيم; الساعة 03-09-2011, 13:50.

                  تعليق

                  • ميساء عباس
                    رئيس ملتقى القصة
                    • 21-09-2009
                    • 4186

                    #10
                    صوّبت نظري إلى صورته التي تتصدر الجدار وخلته يترك الإطار ليحتويني بين ذراعيه ويطبع على جبيني قبلته الدافقة بالحب والحنان ويشيح نظره ليخفي دمعة وجيعة

                    فااااطمة الجميلة
                    الطيبة
                    التي نثرت قلبها هنا قبل حرفها
                    شجية الكلمات
                    دافئة السماء
                    عفوية جدااااا
                    بثوبك الجميل البسيط
                    تقطنين القلب
                    أنت وقصتك
                    بوركت يالغالية
                    مخالب النور .. بصوتي .. محبتي
                    https://www.youtube.com/watch?v=5AbW...ature=youtu.be

                    تعليق

                    • فاطمة يوسف عبد الرحيم
                      أديب وكاتب
                      • 03-02-2011
                      • 413

                      #11
                      عزيزتي ميساء
                      لقد سررت بمرورك العبق بروائع الكلم وصدق التعبير ...أشكرك
                      تقديري ومحبتي

                      تعليق

                      يعمل...
                      X