[align=justify]
[/align][align=justify]القصة حملت عنوان المجموعة الفائزة
بجائزة الشارقة للإبداع العربي
الدورة 15
2011 / 2012 م
[/align]
[align=justify][BIMG]http://dl101.ot2.com/4265d96ac65e56bbcfb4eef45cb62c3a/3.jpg[/BIMG][/align]
[align=justify]
[/align]
[align=justify][/align][align=justify]القصة حملت عنوان المجموعة الفائزة
بجائزة الشارقة للإبداع العربي
الدورة 15
2011 / 2012 م
[/align]
[align=justify][BIMG]http://dl101.ot2.com/4265d96ac65e56bbcfb4eef45cb62c3a/3.jpg[/BIMG][/align]
[align=justify]
[/align]
رأيتُ الجنّة يا عمـي ..!!
[/align][align=justify]
كانت ـ ونحن مازلنا صغاراً ـ قطة ناعمة الوبر, ضيّقة العينين, تتدلى جدائلها على ظهرها حينما تتأرجح وتميل برأسها, منتقية أجمل المقطوفات التي غرّدت بها في الحفل المدرسيّ, حتى ظننتها تغازلني, لكنها في حقيقة الأمر كانت تستفزني كي أبين لها حبي, اقتنعت بذلك, أو بالأحرى أوهمت نفسها, أوعلى الأقل ارتأت في لعبنا ما جعلها تشكّ, وعندما سكتت ولم أعطها ما توقّعت, وقفت نصف وقفة مرتكنة على حوضها الأيسر "كالعروسة الحلاوة" ـ كعادتها حينما تكون مضطربة ـ وقالت :
ألم يعجبك النشيد؟
ثم استدارت بخفّة لاعبات الباليه على جانبها الأيمن وأضافت:
أو أنك لا تحب الغناء!
ـ الغناء حرام.. عمي صادق سمع ذلك في الشريط.. وأوصاني أنا ومحرم ألا نفتح الراديو ولا التلفزيون.
لم يكن ردي بالمتوقع أبداً, كأنني طرقت بسندان أبله على قلبها الرهيف, وهي التي فازت بترحيب مدرسيها للإنشاد في الحفل, وحظيت بإعجاب الزوار وأولياء الأمور, ومنحتها إدارة المدرسة شهادة تقدير ومقلمة وعلبة ألوان.
ـ أدخل ابنك الأزهر يا عارف ينوبك فيه ثواب,علمه كتاب ربنا على الأقل يحفظ القرآن ويكون سبب في دخولك الجنة.. يا أخي اعملوا معروف مرة في حياتكم.
كان عمي صادق جاسر القلب, رغم تدينه والتزامه, ورغم اللحية, كلمته مسموعة, لا يجرؤ أحد من إخوته أن يكسرها, وإلا فمصيره التوبيخ قدّام أبنائه وزوجته, حتى تصير رقبته قدّ السمسمة, وخاصة أنه الشورى والمشورة لأهل القرية, إن تعثروا في دينهم ودنياهم, وأغلب الأحيان ينفذون حكمه دون جدال, يتولى جمع التبرعات للمسجد الذي بناه بالجهود الذاتية, ويقوم بنفسه بترميم المراحيض وغسلها, وتغيير الصنابير والحصير, حتى الميكروفون, اشترى سلكه على حسابه ليطول دارنا ويتمكن من غرسه فوق السطح, قال: إنه بركة للدار, وأمر نساء العائلة بتنظيفه من الأتربة والغبار من آن لآخر كلما صعدن لإطعام البط , فيجلجل صوته الضخم في الشارع.
أحيانا كنا نشهد عراكا في الحارة لا نعرف سببه, وحينما نستفسر عنه يقولون أن فلانا قد مات.. أو أن بهيمة ضاعت!
وفي تلك المناسبات تكثر الفتاوى:
"من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل لا ردها الله عليك؛ فإن المساجد لم تبن لهذا"
ـ الموت علينا حق يا أفندي .. والمتضرّر عليه أن يرحل!
ـ لا هكذا يكون الرد يا شيخ .. يا حافظ كتاب ربنا.
وبعد ثوان معدودة نسمع زعيقاً حادّاً في الصالة الواسعة, رغم العرض السخيّ الذي قدّمه عباس أفندي لعمي الشيخ صادق..
ـ أجئت لمساومتي في حق ربنا يا متعلم يا بتاع المدارس؟
ـ حاشا لله.. أنا نفسي أعتبرها صدقة جارية أقدمها لبيت الله.. وفي نفس الوقت أشكو إليك حال ابنتي.. الامتحانات على الأبواب وهذا لا يرضي أحداً.
يظل عمي متمساكا بموقفه, ويخرج الأستاذ عباس مغتسلا بمرّ الكلمات, وأجدني متحيزا لحاله, وأشفق على سعاد التي شقّت طريقها الجامعي نحو الفنون بتوفيق متوقع..
منذ صغرها وهي تحب الغناء.. وتكتب الشعر.. تردده على السطح بصوتها الرخيم وتنشده بأعذب الألحان.. كيف ونحن صغار لم أع ذلك.. وما فطنت إليه البتّه؟
ما كنت أتوقع أن جمالها سيكون مكتملا بهذا الصقل الناعم.. ما أن أصعد بالصدفة على السطح لأذاكر "الأجرومية", و"التحف السنية", فيأخذني سحر متطاير من السطح المقابل.. وينشق داخلي نهر هادر له مذاق العنب..
لم تكتف بقصائد شوقي والحمداني.. كانت تترجم الشعر الغربي, وتتغنى به, فعرّفني هذا السحرعلى فولتيير, وهوجو, وبودليير..
[/align]
[align=justify]كانت ـ ونحن مازلنا صغاراً ـ قطة ناعمة الوبر, ضيّقة العينين, تتدلى جدائلها على ظهرها حينما تتأرجح وتميل برأسها, منتقية أجمل المقطوفات التي غرّدت بها في الحفل المدرسيّ, حتى ظننتها تغازلني, لكنها في حقيقة الأمر كانت تستفزني كي أبين لها حبي, اقتنعت بذلك, أو بالأحرى أوهمت نفسها, أوعلى الأقل ارتأت في لعبنا ما جعلها تشكّ, وعندما سكتت ولم أعطها ما توقّعت, وقفت نصف وقفة مرتكنة على حوضها الأيسر "كالعروسة الحلاوة" ـ كعادتها حينما تكون مضطربة ـ وقالت :
ألم يعجبك النشيد؟
ثم استدارت بخفّة لاعبات الباليه على جانبها الأيمن وأضافت:
أو أنك لا تحب الغناء!
ـ الغناء حرام.. عمي صادق سمع ذلك في الشريط.. وأوصاني أنا ومحرم ألا نفتح الراديو ولا التلفزيون.
لم يكن ردي بالمتوقع أبداً, كأنني طرقت بسندان أبله على قلبها الرهيف, وهي التي فازت بترحيب مدرسيها للإنشاد في الحفل, وحظيت بإعجاب الزوار وأولياء الأمور, ومنحتها إدارة المدرسة شهادة تقدير ومقلمة وعلبة ألوان.
ـ أدخل ابنك الأزهر يا عارف ينوبك فيه ثواب,علمه كتاب ربنا على الأقل يحفظ القرآن ويكون سبب في دخولك الجنة.. يا أخي اعملوا معروف مرة في حياتكم.
كان عمي صادق جاسر القلب, رغم تدينه والتزامه, ورغم اللحية, كلمته مسموعة, لا يجرؤ أحد من إخوته أن يكسرها, وإلا فمصيره التوبيخ قدّام أبنائه وزوجته, حتى تصير رقبته قدّ السمسمة, وخاصة أنه الشورى والمشورة لأهل القرية, إن تعثروا في دينهم ودنياهم, وأغلب الأحيان ينفذون حكمه دون جدال, يتولى جمع التبرعات للمسجد الذي بناه بالجهود الذاتية, ويقوم بنفسه بترميم المراحيض وغسلها, وتغيير الصنابير والحصير, حتى الميكروفون, اشترى سلكه على حسابه ليطول دارنا ويتمكن من غرسه فوق السطح, قال: إنه بركة للدار, وأمر نساء العائلة بتنظيفه من الأتربة والغبار من آن لآخر كلما صعدن لإطعام البط , فيجلجل صوته الضخم في الشارع.
أحيانا كنا نشهد عراكا في الحارة لا نعرف سببه, وحينما نستفسر عنه يقولون أن فلانا قد مات.. أو أن بهيمة ضاعت!
وفي تلك المناسبات تكثر الفتاوى:
"من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل لا ردها الله عليك؛ فإن المساجد لم تبن لهذا"
ـ الموت علينا حق يا أفندي .. والمتضرّر عليه أن يرحل!
ـ لا هكذا يكون الرد يا شيخ .. يا حافظ كتاب ربنا.
وبعد ثوان معدودة نسمع زعيقاً حادّاً في الصالة الواسعة, رغم العرض السخيّ الذي قدّمه عباس أفندي لعمي الشيخ صادق..
ـ أجئت لمساومتي في حق ربنا يا متعلم يا بتاع المدارس؟
ـ حاشا لله.. أنا نفسي أعتبرها صدقة جارية أقدمها لبيت الله.. وفي نفس الوقت أشكو إليك حال ابنتي.. الامتحانات على الأبواب وهذا لا يرضي أحداً.
يظل عمي متمساكا بموقفه, ويخرج الأستاذ عباس مغتسلا بمرّ الكلمات, وأجدني متحيزا لحاله, وأشفق على سعاد التي شقّت طريقها الجامعي نحو الفنون بتوفيق متوقع..
منذ صغرها وهي تحب الغناء.. وتكتب الشعر.. تردده على السطح بصوتها الرخيم وتنشده بأعذب الألحان.. كيف ونحن صغار لم أع ذلك.. وما فطنت إليه البتّه؟
ما كنت أتوقع أن جمالها سيكون مكتملا بهذا الصقل الناعم.. ما أن أصعد بالصدفة على السطح لأذاكر "الأجرومية", و"التحف السنية", فيأخذني سحر متطاير من السطح المقابل.. وينشق داخلي نهر هادر له مذاق العنب..
لم تكتف بقصائد شوقي والحمداني.. كانت تترجم الشعر الغربي, وتتغنى به, فعرّفني هذا السحرعلى فولتيير, وهوجو, وبودليير..
[/align]
***
ـ رأيت الجنة يا عمي.. رأيتها على سطح الأستاذ عباس.
استمعت إلى "النونية" كثيرا وقرأتها أكثر, لكن زادت حلاوتها وطلاوتها أكثر وأكثر, حينما سمعتها تتهادى إلى مسمعي من سعاد على سطح الدار.. كأنني رأيت الجنة.. فهل أذنبت سعاد؟ أو زنيتُ أنا حتى يسلخني عمي من ملابسي ويعلقني أمام بنات الدار وينعتني بالكافر الفاجر؟
احتجزني في غرفتي وحذرهم أن يخرجني أحد, لكن جاءني محرم ذات خلسة, حاملا منها رسالة, فحواها سطر واحد:
"ليس لأن العصافير مستباحة الصيد فهي مذنبة"
ما فهمت مقصدها, لكن لطّفت من الخطوط الحمراء والزرقاء الملتهبة على ظهري بالطول والعرض, وسريعا كتبت لها كلمة واحدة: "أحبك".. كتبتها ونسيت الوخز الذي يأكل جوانبي..
وقبل أن يصل لها محرم اصطاده عمنا صادق, فتبلبلت حواسه واختلجت أفكاره وارتبك, اشتمّ عمي رائحة غريبة في هرولته, وتأكد بفطنته العجيبة من شئ يخفيه, ارتعشت أوصال محرم.. جذبه من ياقته ونهره بعنف:
ما الحكاية يا محرم؟
لا شئ يا عمي.... !
ودون أن يشعر أخرج له الورقة.
بعدها أقسم لي أنه لا يعرف كيف فضحني بهذه السهولة, رغم أن عمنا صادق لم يلحظها وما طلبها, ثم سمعنا العويل والصراخ آت من تحت الأرض, ولا نعرف أين ذهب محرم.
خوفي كله كان ينصبّ على سعاد, والفضيحة التي ستلحق بها, وكيف سنفلت من العقاب.. أنا, ومحرم, وسعاد, وعباس أفندي..
على حدي.. فأنا كفيل بتحمل أذاه, لكن سعاد؟؟؟
ـ يا واقعة سودة ومطينة بطين !
ـ لن نخلص من هذا الأنين أبدا يا عارف؟ كم سنة ونحن محتملون.. لكن لحد كدة وكفاية.
ـ الصبر جميل يا أستاذ عباس.. طوّل بالك.
ـ وهل أمرنا الله بالأذية؟ يا أخي الرسول أوصاني بسابع جار.
كنا ندرك جيدا ضعف شخصية والدي معه, نعرف أنه بصدد المشاكل لا يحل ولا يربط.. وهذا ما أقلق عباس أفندي, يومها كنت قد لمّحت له برغبتي فى الارتباط بسعاد, لكن قفزت سيرة عمي صادق التي تظهر مسرعة في كل المناسبات وقال:
ـ ومن سيقرأ معنا الفاتحة؟أبوك أم عمك صادق؟ أولى لك أن تظل في القاهرة, ولما تنتهي الدراسة يحلها الحلال.
كانت كلماته كفيلة جدا لفض الموضوع.
بعد شهر تقريبا انفك أسري, وقد فاتني امتحان (الترم الأول) واعتقدت أنه سيعوضني عن ذلك في النصف الثاني, لكن فوجئت بقوله: استعد للزرع والقلع معنا في الغيط..
حاولت أن أدافع عن حقي في التعليم, قال: يكفينا أنك تفك الخط وتحفظ القرآن..
ولم يترك لي مجالا لإكمال المرافعة, وبعد صلاة الفجر ذهبت لأتسلم أولى مهامي الحقلية, في الطريق لاحظتُ عربة نصف نقل غريبة قد صفت في الشارع.
تحت الجميزة حِرتُ في مخطط مناسب لأتحرر كالعصافير وأطير إلى القاهرة, تلك الطيورالهادئة كم حسدتها وزقزقاتها فوق رأسي تتهادى, وكم حسدت سليمان, فهل بالضرورة أن أكون نبيا حتى تأتيني معجزة! لكنني رأيت الجنة, رأيتها على سطح الأستاذ عباس, وكانت سعاد تغرد, هناك, تغريدة الحب, وفوقها حلقتُ ونبت لي الريش, كنت عصفورا, أفهم ما تقول وتفهمني, صدقت سعاد حينما قالت لي في الصغر: أنت أسمر كعصفور الجنة..
أشكرك يا سعاد, الآن لا أحتاج لمعجزة, ولن أخطئ خطيئة المتنبئ, أبدا لن أكون نبيا يا سعاد, ويكفيني أنني رأيت الجنة..
لكن فجأة تجمدت أفكاري حينما تطايرت العصافير ومرّت العربة النصف نقل على الطريق الزراعي الممدد أمامي, حاملة أثاث وأمتعة عباس أفندي الذي اعتلى أحد الكراسي المرصوصة في الخلف, وترك الكابينة لسعاد تتفرّسني من خلالها بنظرات مكتومة....
[/align]
استمعت إلى "النونية" كثيرا وقرأتها أكثر, لكن زادت حلاوتها وطلاوتها أكثر وأكثر, حينما سمعتها تتهادى إلى مسمعي من سعاد على سطح الدار.. كأنني رأيت الجنة.. فهل أذنبت سعاد؟ أو زنيتُ أنا حتى يسلخني عمي من ملابسي ويعلقني أمام بنات الدار وينعتني بالكافر الفاجر؟
احتجزني في غرفتي وحذرهم أن يخرجني أحد, لكن جاءني محرم ذات خلسة, حاملا منها رسالة, فحواها سطر واحد:
"ليس لأن العصافير مستباحة الصيد فهي مذنبة"
ما فهمت مقصدها, لكن لطّفت من الخطوط الحمراء والزرقاء الملتهبة على ظهري بالطول والعرض, وسريعا كتبت لها كلمة واحدة: "أحبك".. كتبتها ونسيت الوخز الذي يأكل جوانبي..
وقبل أن يصل لها محرم اصطاده عمنا صادق, فتبلبلت حواسه واختلجت أفكاره وارتبك, اشتمّ عمي رائحة غريبة في هرولته, وتأكد بفطنته العجيبة من شئ يخفيه, ارتعشت أوصال محرم.. جذبه من ياقته ونهره بعنف:
ما الحكاية يا محرم؟
لا شئ يا عمي.... !
ودون أن يشعر أخرج له الورقة.
بعدها أقسم لي أنه لا يعرف كيف فضحني بهذه السهولة, رغم أن عمنا صادق لم يلحظها وما طلبها, ثم سمعنا العويل والصراخ آت من تحت الأرض, ولا نعرف أين ذهب محرم.
خوفي كله كان ينصبّ على سعاد, والفضيحة التي ستلحق بها, وكيف سنفلت من العقاب.. أنا, ومحرم, وسعاد, وعباس أفندي..
على حدي.. فأنا كفيل بتحمل أذاه, لكن سعاد؟؟؟
ـ يا واقعة سودة ومطينة بطين !
ـ لن نخلص من هذا الأنين أبدا يا عارف؟ كم سنة ونحن محتملون.. لكن لحد كدة وكفاية.
ـ الصبر جميل يا أستاذ عباس.. طوّل بالك.
ـ وهل أمرنا الله بالأذية؟ يا أخي الرسول أوصاني بسابع جار.
كنا ندرك جيدا ضعف شخصية والدي معه, نعرف أنه بصدد المشاكل لا يحل ولا يربط.. وهذا ما أقلق عباس أفندي, يومها كنت قد لمّحت له برغبتي فى الارتباط بسعاد, لكن قفزت سيرة عمي صادق التي تظهر مسرعة في كل المناسبات وقال:
ـ ومن سيقرأ معنا الفاتحة؟أبوك أم عمك صادق؟ أولى لك أن تظل في القاهرة, ولما تنتهي الدراسة يحلها الحلال.
كانت كلماته كفيلة جدا لفض الموضوع.
بعد شهر تقريبا انفك أسري, وقد فاتني امتحان (الترم الأول) واعتقدت أنه سيعوضني عن ذلك في النصف الثاني, لكن فوجئت بقوله: استعد للزرع والقلع معنا في الغيط..
حاولت أن أدافع عن حقي في التعليم, قال: يكفينا أنك تفك الخط وتحفظ القرآن..
ولم يترك لي مجالا لإكمال المرافعة, وبعد صلاة الفجر ذهبت لأتسلم أولى مهامي الحقلية, في الطريق لاحظتُ عربة نصف نقل غريبة قد صفت في الشارع.
تحت الجميزة حِرتُ في مخطط مناسب لأتحرر كالعصافير وأطير إلى القاهرة, تلك الطيورالهادئة كم حسدتها وزقزقاتها فوق رأسي تتهادى, وكم حسدت سليمان, فهل بالضرورة أن أكون نبيا حتى تأتيني معجزة! لكنني رأيت الجنة, رأيتها على سطح الأستاذ عباس, وكانت سعاد تغرد, هناك, تغريدة الحب, وفوقها حلقتُ ونبت لي الريش, كنت عصفورا, أفهم ما تقول وتفهمني, صدقت سعاد حينما قالت لي في الصغر: أنت أسمر كعصفور الجنة..
أشكرك يا سعاد, الآن لا أحتاج لمعجزة, ولن أخطئ خطيئة المتنبئ, أبدا لن أكون نبيا يا سعاد, ويكفيني أنني رأيت الجنة..
لكن فجأة تجمدت أفكاري حينما تطايرت العصافير ومرّت العربة النصف نقل على الطريق الزراعي الممدد أمامي, حاملة أثاث وأمتعة عباس أفندي الذي اعتلى أحد الكراسي المرصوصة في الخلف, وترك الكابينة لسعاد تتفرّسني من خلالها بنظرات مكتومة....
تعليق