وداعاً .... صديقي الشهيد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبد الله راتب نفاخ
    أديب
    • 23-07-2010
    • 1173

    وداعاً .... صديقي الشهيد

    وداعاً .. صديقي الشهيد :


    مرة ، في حصة الموسيقى ..
    حين كان يجمعني به صف واحد أواخر المرحلة الإعدادية ..
    ضاق ذرعاً بأغنيات العشق و الغرام ،فطلب الإذن بأن ينشد .
    خرج صوته مقطَّعاً بمخارج حروف التجويد ، ليقول إن صاحبه من براعم القرآن
    ورغم الاستهزاء القميء من كثير من زملائه ، فقد أكمل أنشودته تلك حتى النهاية ...
    مازلت أسمع صوته اليوم في أذنيَّ مردداً :
    سبح الطير و كبَّر ...... منشداً الله أكبر
    و مرة ...
    حين سرق جمع من التلاميذ المؤذين كرة من المدرسة و طلبهم المدير ، فأنكروا و قالوا : إنها لهم ، و كنا جلوساً فسئلنا ، فران علينا عجزنا و خوفنا منهم .
    حينها التفت السائل إليه و قال له : أنت لا تكذب و لا تعرف الكذب ، فأخبرني .
    وقف عندها بشجاعته و عنفوان قيمه ، غير مبالٍ بالضرر الكبير الذي سيلحقه منهم ، فأخبره الحقيقة .
    و لما اجتمع هؤلاء كلهم عليه – و كانوا يربون على العشرين – نظرت إلى الأرض قائلا ًلنفسي : أبله ، لقد أودى بنفسه . و لم أدر أنني كنت الأبله الحق حينها .
    لكم كانت مثله العليا تجلله ، و كم كانت كلماته تنضح براءة و خُلقاً .
    في الأسبوع الأخير صادفته مرتين على غير العادة ، فكانت بيننا كلمات قليلة لم أحسب لحظةً أنها ستكون كلماتنا الأخيرة المتبادلة .
    و حين قفز في وجهي نبأ استشهاده ، فارقني طائر التوازن محلقاً بلا أجنحة ، و توقف عقلي ليعرض شريطاً مصوراً للمواقف التي جمعتني به في ثلاث عشرة سنة .
    أرحل ؟
    نعم ... رحل
    رحل الذي ما رأيته يوماً إلا في لَبوس أخلاق الصالحين ، رحل الذي عرفته تقياً مذ كان في أيام الصبا ، رحل الذي ما حسبت أنني سأتلقى نبأ استشهاده يوماً ، و إن كنت ألمح فيه كثيراً من صفات الشهداء .
    غادرنا نحو السماء راكباً حصانه المطهَّم بالخير ، رحل كما كان قدوة لكل رفاقه في إيمانه و صدقه و تقواه .
    رحل تاركاً أثراً أعمق مما كان له في حياته ، أثراً لا أحسب أنْ قد تذهب به أيٌّ من أحداث الدنيا و ما عليها .
    رحل و هو يجبرنا اليوم و غداً و بعد غد، بل في كل وقت يرد فيه ذكره على أن نصفه بأنه كان دوماً : عظيماً .... عظيماً ... عظيماً .
    التعديل الأخير تم بواسطة عبد الله راتب نفاخ; الساعة 20-09-2011, 16:42.
    الأديب هو من كان لأمته و للغتها في مواهب قلمه لقب من ألقاب التاريخ

    [align=left]إمام الأدب العربي
    مصطفى صادق الرافعي[/align]
  • عبد الله راتب نفاخ
    أديب
    • 23-07-2010
    • 1173

    #2
    وداعاً .. صديقي الشهيد :


    مرة ، في حصة الموسيقى ..
    حين كان يجمعني به صف واحد أواخر المرحلة الإعدادية ..
    ضاق ذرعاً بأغنيات العشق و الغرام ،فطلب الإذن بأن ينشد .
    خرج صوته مقطَّعاً بمخارج حروف التجويد ، ليقول إن صاحبه من براعم القرآن
    ورغم الاستهزاء القميء من كثير من زملائه ، فقد أكمل أنشودته تلك حتى النهاية ...
    مازلت أسمع صوته اليوم في أذنيَّ مردداً :
    سبح الطير و كبَّر ...... منشداً الله أكبر
    و مرة ...
    حين سرق جمع من التلاميذ المؤذين كرة من المدرسة و طلبهم المدير ، فأنكروا و قالوا : إنها لهم ، و كنا جلوساً فسئلنا ، فران علينا عجزنا و خوفنا منهم .
    حينها التفت السائل إليه و قال له : أنت لا تكذب و لا تعرف الكذب ، فأخبرني .
    وقف عندها بشجاعته و عنفوان قيمه ، غير مبالٍ بالضرر الكبير الذي سيلحقه منهم ، فأخبره الحقيقة .
    و لما اجتمع هؤلاء كلهم عليه – و كانوا يربون على العشرين – نظرت إلى الأرض قائلا ًلنفسي : أبله ، لقد أودى بنفسه . و لم أدر أنني كنت الأبله الحق حينها .
    لكم كانت مثله العليا تجلله ، و كم كانت كلماته تنضح براءة و خُلقاً .
    في الأسبوع الأخير صادفته مرتين على غير العادة ، فكانت بيننا كلمات قليلة لم أحسب لحظةً أنها ستكون كلماتنا الأخيرة المتبادلة .
    و حين قفز في وجهي نبأ استشهاده ، فارقني طائر التوازن محلقاً بلا أجنحة ، و توقف عقلي ليعرض شريطاً مصوراً للمواقف التي جمعتني به في ثلاث عشرة سنة .
    أرحل ؟
    نعم ... رحل
    رحل الذي ما رأيته يوماً إلا في لَبوس أخلاق الصالحين ، رحل الذي عرفته تقياً مذ كان في أيام الصبا ، رحل الذي ما حسبت أنني سأتلقى نبأ استشهاده يوماً ، و إن كنت ألمح فيه كثيراً من صفات الشهداء .
    غادرنا نحو السماء راكباً حصانه المطهَّم بالخير ، رحل كما كان قدوة لكل رفاقه في إيمانه و صدقه و تقواه .
    رحل تاركاً أثراً أعمق مما كان له في حياته ، أثراً لا أحسب أنْ قد تذهب به أيٌّ من أحداث الدنيا و ما عليها .
    رحل و هو يجبرنا اليوم و غداً و بعد غد، بل في كل وقت يرد فيه ذكره على أن نصفه بأنه كان دوماً : عظيماً .... عظيماً ... عظيماً .
    الأديب هو من كان لأمته و للغتها في مواهب قلمه لقب من ألقاب التاريخ

    [align=left]إمام الأدب العربي
    مصطفى صادق الرافعي[/align]

    تعليق

    • شيماءعبدالله
      أديب وكاتب
      • 06-08-2010
      • 7583

      #3
      قد أثنيت وزدت وذلك بحق الميت شهادة ..ولشهيد..
      هنيئا له ذهب عن هذه الدنيا الفانية البائسة
      هنيئا له وهو يقابل ربه بوجه صبوح أفلح
      هنيئا له والعزاء لأنفسنا
      هو حي عند الله يرزق ونحن الميتون
      الله يرحمنا ويحشرنا محشر هؤلاء الشهداء السعداء ويتقبلنا كما تقبله عنده

      الفاضل القدير عبد الله
      عظم الله أجرك وألهمك الصبر على مفارقة صاحبك
      وبارك الله بك على شهادتك
      وهذه الإشادة شهادة تحسب لك أجرا ولصاحبك منزلة
      بارك الله بك وبسعيك
      مع فائق التقدير

      تعليق

      يعمل...
      X