مقامة الإمتحان المهني: لست ادري

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سعيدة خربوش
    عضو الملتقى
    • 14-09-2011
    • 15

    مقامة الإمتحان المهني: لست ادري

    مقامة الإمتحان المهني: لست ادري

    إلتقينا أسرار بنت المختار، فباحت لنا بما حصل معها وصار، قالت:
    توصلت بالمذكرة الوزارية، عن الإمتحانات المهنيـة. فاشتعل في نفسي الطموح، لولوج السلم العاشر بجموح. فهذه فرصة ذهبية، لتحسين الأوضاع المادية، وانطلقت أبحث في كل زاوية، عن كتب علوم النفس والتربية، لواطسون وابن خلدون، ومن له في بيداغوجيا الأهداف وزن موزون. فقـرأت حتى اكتـفـيـت، ونهلت حتى ارتويت. وذهبـت لإجتيـاز الإمتحان على يقين، أني ولا شـك سأكون من الفائزين.
    ساحة مركز الإمتحان، معرض فريد للمتناقضات. قد تصدمك بأزياء أول الزمان، وقد تصعقك بآخـر الموضات الصارخات. قد تلمح شخصا وحيدا لا يبرح المكـان، وقد تسمع نقاشـا ساخـنا في حلقات. قد تستوحش إذ لم تتعرف على إنسان، وقد تأنس بوجه لم تره من سنوات.
    بحثت عن رقمي بين الأرقـام، واتجهت صوب أحد الأقسـام. أبسمـل وأحوقـل، بقلـب على الله متوكل. نفسي تهتز من رهبة الإمتحان، المحك الذي نكرم عليه أو نهان. لكن الرهبة سرعـان مـا انقشعـت، وانجلـت الأوهـام واتضحـت. فعن أي امتحـان نتحدث، إن كـانـت الطـاولات بدزينـات المراجع تتأثث. ناهيك عن الكتب المدسوسة تحت السترات، أو على المقاعد جالسون عليها وجالسات.
    ثم دق جرس البداية، وصدمتي لا حد لها ولا نهـايـة. وانكببت على ورقة الإجابة، أشبع فيهـا رغبتي في الكتابة. فالأسئلة كانت في المتناول، توحي لك أن هذي قطوفي دانية فلا تتطاول! لكن يا فرحة ما تمت، ويا سعادة منذ البدايـة تحطمت. فالأستاذة المكلفة بالحراسة، تتمتع بضمير حـي وفراسة. منعت المترشحين من تبادل الأوراق، وخاطبتهم دون مواربة أو نفاق: راتبكم هو رزق أبنائكم الكرام، فلا ترزقوا صغاركم من حرام! وإذا بأصوات تعالـت، تحاول الرد على ما قالـت: سيدتي رأيك على الرأس والعين، لكن هل اطلعـت على ذات البين؟ هل عرفت أنـه منـذ مـدة لنـا الحق في هذا السلم؟ ولو أنصفونا لما كنا هنا معك نتكلم. هل عرفت أن شيبا مقبلين على التقاعد، لم يتزحزحوا عن سلمهم مذ كان لهم في الوظيفة تواجد؟ هل عرفت أن باحثين لهم أروع المؤلفات؟ لم ينجحوا وقد تباروا مرات ومرات، وأن زملاء لناـ نعرفهم- لا تسعفهم القريحة بفكرة واحـدة، قـد أصابوا الهدف برمية واحدة. ولذلك فنحن هنا ليس طمعا في النجاح -لا سمح الله الجبار- ولكنها عادة أدمنا عليها من كثرة التكرار. وهكذا ننقل من المراجع ونجتهد ونكتب، ونأخذ عن بعضنـا البعض في منتهى الود والحب. ثم نجتمع في المقاهي على وجبة الغذاء، نتقاسم ثمنها عند الأداء. وفي العودة ـ كما في المجيءـ نتكدس في سيـارة أحد الزملاء، ونتقاسم واجب البنزيـن بيـننـا على السواء. لذا اطمئني وقري العيون والمقل، فليس كل "من نقل انتقل".
    فقالت الأستاذة وقد، استسلمت لما سمعت من أخذ ورد: كلمتي الأخيرة أن هناك حد أقصى وخطوط حمراء، وأنتم أهل النباهة والذكاء. نحن هنا للحراسة فلا تخرجونا عن هذا السياق! ولا تتبادلوا بينكم الأوراق!
    حاولت أن أصد ما سمعت بكل ما أوتيت من تجاهل، وأكملت الإمتحـان وأنا أرغم نفسي على التفاؤل. وانتظرت النتائج شهورا بفارغ الصبر، ونفسي تلتهب على أحر من الجمر.ولما أُعْلِنَـتْ أحسست بدمائي تجمدت، كنار صب عليها الماء فخمدت. ومع ذلك أصررت على الترشح في كل المباريات، وشخصت أسباب الرسوب بكل الفرضيات. فمرة أسلم ورقتي أولا أو أتأخر، ومرة أطنب أو يكون جوابي مختصر. مرة أنظر في قصاصة وألتقط كلمة عابرة، أو أستلُ أفكارا غبرت في الذاكرة. مرة أتبادل الآراء، أو أنكفئ على ورقتي كصماء بكماء. وحتى نقطة الرئيس افترضت أن تكون رأس التنين، فتوسلت إلى المدير ألا يبخل علي بالعشرين.
    وكانت آخر تجربة لي في منتهى الصعوبة، والأسئلة لا طعم لها ولا عذوبة، تمحورت حول المستجدات، وطرق التدريس بالكِفايات. والجديد تتضارب حوله الأنباء، من يعلم عنه شيئا تغيب عنه أشياء. حتى أني أجبت أول من سألني، عن سيرورة الإمتحان المهني: استطعت الإجابة بالكاد، وإن نجحت فاعلم أنهم أوغاد. ورميت أعصابي في ثلاجة، ولم تكن لي في النتائج حاجة. ولما جاءتني البشرى بالخبر، بنجاحي غير المنتظر. لم أصدق وهتفت: محال، مقالي في هذا الإمتحان أسوأ مقال. ولما تسلمت راتبي قلت:عجبا لست أدري، كيف أرسب وكيف أنجح من غير أن أدري.
  • محمد الصاوى السيد حسين
    أديب وكاتب
    • 25-09-2008
    • 2803

    #2
    يمكن القول أننا أمام محاولة أدبية طريفة لإعادة إنتاج ذلك الجنس الأدبى القديم فن المقامة الذى نشأ فنا لغويا بلاغيا للخاصة فى الأساس فى القرن الرابع الهجرى ، والمقامة بالفتح المجلس والجماعة من الناس ، والمقامة أصطلاحا شكل سردى بطلاه اللغة والطرافة ، وهو الفن الذى احترفه فى العصر العباسى غلابى الأدباء الذين يعرضون بضاعتهم الأدبية على الكبراء والأمراء بل وربما العامة والدهماء ، لتكون مقاماتهم المروية فاكهة أدبية تبدع مواسمها وتتغاير نكهاتها وتتبدل تبعا لتغاير طقس الحضور .

    -يمكن القول أن المقامة القديمة كانت تتجنب الخوض فى السياسى والدينى وإنما دوما تركز على حالة عامة من شكوى الزمان الذى لا يصون أهل الأدب ولا أهل العلم وربما يجبرهم على التحايل والخداع الذى يثقل ضمائرهم لكنه يظل مبررا بدرجة ما نظرا لحالة السخط التى تكتنف الأديب تجاه حالة الأزدراء والتجاهل الذى يعانيها الأدباء فى ذلك الوقت خاصة مع تعدد طوائف الأدباء واختلاف مشاربهم ووصول المجتمع العباسى لحالة من التخمة الأدبية والثقافية كانت ربما بحاجة إلى هذى الفاكهة الجديدة المقامة .

    - وسنلاحظ هنا فى بنية النص أننا أمام ذات الأدوات القديمة للمقامة خاصة من حيث البنية الموسيقية للنص والذى يقوم على السجع والذى كان مجالا للأديب العباسى للتبارى والصنعة واستعراض ما يكنزه من حصيلة لفظية ومعجمية ، كما أننا أمام بنية سرد بسيطة أولية عبر اضطرار بطلة المقامة للامتحان ثم تفاصيل بسيطة تتعقد فيها الأحداث إلى أن نصل للخاتمة السعيدة التى دوما ما تتوج المقامة والتى ينتصر فيها البطل على مجتمعه ربما كنوع من التعويض النفسى عما يكابده فى الواقع

    - لكن هل للأديب فى القرن الواحد والعشرين أن يستعير جنسا أدبيا مهجورا ، صحيح ان هناك كانت محاولات سابقة كمحاولات المويلحى وغيره لاستعارة هذا الجنس الأدبى القديم ومحاولة نقد المجتمع عب عباءته الفنية الفضفاضة والتى لا تحتاج لبنية سردية معقدة كما أنها تقوم عبر السجع على الاستدعاء اللفظى بما يجعل من معمارها معمارا لغويا سهلا ، هل للأديب أن يستعير هذا الشكل العباسى ليعبر به عن ذاته ومجتمعه فى القرن الحادى والعشرين ؟ والإجابة عندى هى نعم ما دام يقدم شكلا أدبيا له جذره التراثى الأصيل والذى كان جنسا أدبيا ذا تأثير بشكل ما على الأدب الأوربى كما يرى بعض الباحثين حيث يرجعون جانبا من التطور القصصى فى العصور الوسطى إلا ما ترجمه الغرب من نصوص عربية منها المقامة ونماذجها الفنية المتعددة ، فلم لا نستفيد من هذا الجنس الأدبى الطريف خاصة مع قدرته على التفاعل مع شرائح عدة من المتلقين بلا تقعر ولا تفلسف وإنما عب حالة من اللغة الطريفة الناقدة للمجتمع والحياة

    لكن فى رأيى يظل على الأديب الذى يستعير المقامة أن يشتغل أكثر على تطوير أدواتها ومحاولة بث روح العصر فيها ، وهى محاولة مفتوحة الدروب أمام التجريب والإبداع ربما لتنتج لنا وتضىء زوايا جديدة فى ذلك الفن السردى اللغوى الأصيل

    تعليق

    يعمل...
    X