بحيرة البجع / دينا نبيل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • دينا نبيل
    أديبة وناقدة
    • 03-07-2011
    • 732

    بحيرة البجع / دينا نبيل

    بُحَيرة البجع

    تصافحوا .. تعانقوا وتضاحكوا .. ووعدوه بتكرار الزيارة بعد يومين وانحنى أحدهم عليه يهمس في أذنه " ... ابحث عنها !!"

    أطرق قليلا وفتر ثغره عن ابتسامة مستحية ووعد بالتفكير في الموضوع بجدية هذه المرة.
    وافترق عنه الجمع في صخب كبير يلوحون بقَنان العصير تسافر وراءهم أصداؤهم يضج بها الهواء فيبترها ويبعثرها في الأرجاء ، هبت نسمات عليلة حاملة نشوة إلى صدره مع ضوعة طيوب ليلكي .. إنها ليلة مقمرة لا تأتي في الشهر إلا مرة واحدة .. لن يرى الحديقة في حليها اللماع هذا إلا مرة واحدة فليتحامل على نفسه إذن وليقاوم دبيب نعاس طفق يغشى جفنيه وليمزجه بذلك المنظر اللجيني الأفيح.

    لكنّ العبير يتبدد خلف الأزهار بين مويجات الهواء المتلاحقة .. لم شعاع القمر النقي بانسكاب صار يهرق في كل اتجاه .. شئ ما يمر .. شئ ما يحلق!!


    رفع رأسه إلى السماء تدور عيناه فيها تقلب قطعها السوداء ونجيماتها المتلألئة كل شئ كما هو ، لكن القمر يروح ويجئ إنها أطيار ترفرف فتحجب القمروضوءه بأجنحتها الكبيرة .. يخدعه ضوء القمر ، يستثير عطفه باقتدار فيهيأ له أنها الغربان العملاقة قد غمرت هذا الجزء من البسيطة في ليلته الموعودة المأذون لها بالانعتاق بعد طول الغياب !


    انتشت في نفسه رغبة الثأر لذلك القمر الذي تعكر لُجّه اللؤلؤي ، وضع أنامله على ثغره كمن لاحت له فكرة شيطانية يخشى من لسانه بها بوحا ؛ أن يذهب لإحضار قوسه وليقم ببعض الصيد فلا ضير من تلويث سهامه بالقليل من الدماء وسيعطي الطير المطعون حتما للكلاب الضالة لتأكله أو يرميه في النهر الكبير كي تتغذى عليه الأسماك !


    اتجه نحو القصر ليجلب القوس ، لكن سيفوته سرب الأطيار قبل الوصول إلى منتصف بهوه حتى! .. أسرع نحو شرفته التي تسفلها شجرة السنديان ..أمسك بأغصانها وفروعها وراح يتسلقها متوجسا من زلة قدمه أو انفلاتة قبضته ... حتى تمكن من الوصول إلى الشرفة .." أين القوس .. القوس ؟ ... هاهو!!"

    عاد أدراجه تارة ينظر إلى الفروع وأخرى يرمق السرب من بعيد .. أخذ يقفز تتقافز معه حبات السنديان تملأ الأرض تغطي العشب يدوسها ويعدو ويتعثر ، فيحمل قوسه ويعدو ...رأسه إلى السماء تتعلق عيناه بسرب الأطيار .." ترى أين وجهته ؟!" .. إنه يبتعد عن حدود الحديقة .. عن حدود القصر يتجه نحو مكان ضبابي تعلوه الزرقة والبياض...
    مصوبا قوسه إلى الأمام .. تتحسس قدماه العشب داكن الخضار .. يدوسه فيداهم حسيسه أذنيه يضطرب فيرمقه بومضة ثم يرفقها بواحدة نحو ذلك المكان الغابي.

    غابة ضبابية يسربلها إزار قمري مفضض تتوسطها صفصافة عملاقة قد نمت أغصانها وغطتها أوراقها حتى بدت كامرأة فارعة ضخمة البنية يخر شعرها من مفرق رأسها يغطي وجهها وجسمها ملامسا الأرض يحركه هبوب الريح بثقل شديد، فيتحرك بكبرياء شجي كأنما يبكي شعرها وتبكي هي من رأسها !..

    فطرف شعرها مغيب في بحيرة شفيفة كما لو كانت من انهمال دموعها .. بحيرة داكنة قد ترقرق على صفحتها إبريق لجيني يتراقص على مويجات الماء ويتماوج دون أن يفارق بقعته ..
    ... ترجرج وغاب الإبريق في الماء إثر ارتطام أرجل الأطيار بها ... واقفا يرتقب خلف احدى الشجيرات .." ليسوا غربان .. إنما .. بجع!"


    تراصت أسراب البجع حول البحيرة أخذت في رفيف فضي تتثنى وتنفرد حتى استوت معتدلة .. تتفتح منها أجساد أنثوية ممشوقة تماوج بأذرعها تختال كعرائس ثلجية تلفهن سلاسل القمر حتى بدت أجسادا نورانية غضة يحيط خصورهن تنانير بيضاء براقة تتهادى طياتها كلما خطرن على أطراف أصابعهن حتى التففن حول بعضهن ووقفن حول البحيرة قد شرعن أذرعهن إلى أعلى وشبكنها وملن بجذوعهن إلى الأمام نحو البحيرة ..

    منبهر .. مضطرب .. لا يدري ، لكن كمن مسه طيف من جان أخذ يجره من رقبته قد سحر بأصواتهن المنبهمة تعزف ترنيمة " كلارينيت " بجعي فتسحبه نحو البحيرة .. يقترب منهن وهن لا يتحركن كأنهن تماثيل الشمع اللماعة .. ولما اقترب أكثر وجدهن مجتمعات حول عروس أخرى متلملمة على نفسها منثنية تمسك قدميها بكفيها

    أحست بدنوه منها فارتعدت فرائصها واستوت قائمة مسرعة ترتجف ذراعاها وتتموج كما لو كانت ترفرف بجناحيها .. تقف على أطراف أصابعها ترتعش ساقاها من الخوف تزيغ عيناها وتشير إلى قوسه الذي بيده .. إنتبه اليه فقد كان نسيه تماما

    -- " اعتذر منك .. سألقيه بعيدا !"

    بتوجس دنا منها ولحظ تاجا على رأسها ، أدرك أنها أميرة هؤلاء العرائس فانحنى إليها

    -- " من أنت ؟ ... وكيف أنتن هكذا ؟!"

    وضعت أصابعها على ثغرها واخذت تهز رأسها ثم صاحت بصوت عالي الإرنان

    -- " ماذا ؟! .. لا تتكلمين! .. أنتِ مسحورة ؟!"

    فأومأت برأسها بالإيجاب ... قبض على يديها الباردتين ..أخرجها من البحيرة وأخذ يفرك يديها ليدفئها

    -- " خسارة ! ... كم أنتِ جميلة .. ولا تتكلمين !"

    كدمية ممسكة بيده راحت تقفز على أطراف أصابعها تلوح بذراعها وتبتسم إليه فرحة تشير إلى قلبه ثم إلى القمر

    قطف بعض الزهور الليلكية وشبكها في تاجها وراح يتحسس الريش الأبيض النابت وسط خصلات شعرها الأحمر ثم جيدها الأبيض الناعم وفستانها المخملي ذا التنورة الهفهافة وعينيها التي أحاط بهما سواد فاحم فبدتا فيروزتين تسبحان في سرداب عميق

    -- " من فعل بك هذا؟!"

    تحدر قمران من مقلتيها في عبرتين تبللان خديها الاسيلين وثغرها الرقيق الرسم فتغيب في شق شفتيها فبادرهما بأنامله يجففهما " لا تبكي .. سأكون معك ولن أترككِ!"

    زادت عبراتها وطوقت رقبته بذراعيها وراحت تبكي ضمها إلى صدره ودار بها وحملها من خصرها تتطاير تنورتها البيضاء ناشرة عبق طيبها وأريجا ليلكيا وهي تماوج بذراعيها...

    تحركت العرائس فجأة قد أخذتهن رعشة عارمة ، تسارعن في الوثب حولهما ورحن يصحن ويُشرن إلى القمر الذي قد احتجب تماما ..!!

    حجبه كائن نصفه انسان ونصفه طائر بجناحين ضخمين أسودين ..وسريعا انقض ذلك الكائن المريع وسط العرائس يفرقهن فيتلملمن على بعضهن في صفوف يماوجن بأذرعهن من شدة الخوف وترتعش سوقهن !

    بينما الأمير قد حمل عروسه ليبتعد عن ذلك الطائر الكبير لكنه أخذ يتعقبهما ويسد عليهما المسالك فينشر عليهما جناحيه وينفث فيهما الريش الأسود .. لمح الأمير طلاسم وتعاويذ منقوشة على طرف جناحيه بالذهب .. " هذا هو ! .. الساحر !"

    أخذ الأمير يبحث عن قوسه الذي رماه بعيدا .. وراح يصوب نحو الطائر بلا جدوى؛ إنه يحلق عاليا نحو القمر ثم يحط فجأة ، فيغشاه بجناحيه وينفث عليه من ريشه ثم يعاود الطيران مجددا .. ألقى الأمير القوس من يده وانتهز فرصة دنو الطائر منه ثم قفز عليه وطرحه أرضا واخذ يلكمه ..ركله الطائر حتى سقط على حافة البحيرة والتقط حجرة كبيرة وقفز على الأمير ..

    أخرج الامير خنجره بسرعة وغرسه في صدر الطائر فانفجرت من قلبه الدماء لكنه كان قوي الجسم فجمع نفسه وضرب الأمير بالحجارة على رأسه فشجها وسقطا في البحيرة ..وماهت بالدماء ...!

    صرخت العرائس البيضاء وخرجن في صفوف من وراء الصفصافة وجثون على الأرض قد تكومن على انفسهن ..

    بينما راحت العروس الأميرة ترتعش أوصالها ،تتهدهد تنورتها الشفيفة وراح خصرها يتثنى كما لو كان يتهاوى على التنورة فتحمله التنورة وتعيده إلى مكانه فيتهاوى عليها من جديد! .. بينما انثنى جيدها كما المقصوف يحمل رأسا مترنحة فتحاول نصبها بكفيها، حتى اقتربت من البحيرة الدامية ووقفت على رجل واحدة ومدت الثانية نحوها فاخضب حذائها البللوري باللون الأحمر ..

    أغمضت عينيها وأخفت وجهها في كفيها وقفزت في البحيرة ..فتناثرت المياه الحمراء على الزهور الليلكية حولها وصارت تقطر دما يهمي على العشب الأسود..!!

    ثم .....

    .....

    قامت واقفة معتمدة على إحدى رجليها بينما تلف الثانية وراءها وانحنت في بهاء حتى لامس جبينها ركبتها ..

    وانهالت عليها بتلات الأزهار الوردية فغمرتها .. وخشبة المسرح
    وارتج ( دار الأوبرا ) على زخات التصفيق الحاد وهتافات الإعجاب .. ووقف البطل إلى جانبها يحيي الجمهور تارة والراقصة تارة أخرى ويصفق لها ..

    ..وأصفق لها أنا أيضا ووقفت على أطراف أصابعي الصغيرة أقلدها في انحناءة ( بافلوفا ) الشهيرة تلامس جبهتي تنورتي البيضاء التي لبستها وقت مشاهدتي العرض وأخذت أصيح وسط الهتافات .. " سأكون بجعة مثلك يوما ما!!" ..

    لكنني لما كبرت لم أتجاوز كوني بجعة نحاسية في صندوق خواتمي الأسود !!


  • محمد الصاوى السيد حسين
    أديب وكاتب
    • 25-09-2008
    • 2803

    #2
    حقيقة يمتاز نص بحيرة البجع ببنية سرد متميزة تدل على تمرس وخبرة فى فهم وتجريب أشكال السرد وتقنيات كتابته المختلفة والمتنوعة

    - ربما من حيث العنوان كان يمكن أن يكون " البجعة " فحسب بدلا من استعارة عنوان آخر هو بحيرة البجع بينما عنوان " البجعة " كلفظة واحدة فى رأيى أكثر تحفيزا وإثارة للتلقى

    - نحن هنا أمام مشهدين أحدهما داخل الآخر ، المشهد الأول هو الذى سنعيد قراءته من جديد مع خبرة تلقى المشهد الثانى حيث نكتشف أن البطلة إنما تستدعى من ذكريات طفولتها مشهد الأوبرا الذى تحفظة كدرة غالية فى مسرح خاطرها وذلك فى مفاجأة فنية تعيد تشكيل خبرة التلقى لدى القارىء وتجعله فى حاجة فنية لقراءة المشهد الأول لكن بعين جديدة مختلفة

    - يمكن القول أن المشهد الأول يستدعى بحرفية ومهارة القصة التراثية ويعيد حكيها فى سلاسة وعبر لغة شاعرية عذبة حافلة بالتخييل والجمال فيقدم لنا مشهد البجعات المسحورات واميرهن الشجاع ، وهى قصة من الأدب العالمى يحفظها الكبار والصغار، لكنها هنا تميزت عبر مشهد استدعائها بكونها تستحيل تعبيرا كنائيا عن الجو النفسى الذى يكتنف وجدان بطلة النص

    - حيث تستدعى المقاطع البيضاء وحدها من طفولتها دون أن يخبرنا السياق الذى تعجل بذكاء فنى فلم يجلو لنا لماذا لم تستطع أن تكون بجعة بديعة كاللواتى تكنز حضورهن فى وجدانها ، أو كتلك الأميرة المسحورة التى تكنز مرآها وتستحضره فى شغف

    - وهذا ما يسكت عنه السياق بذكاء ليترك المتلقى إكمال هذا الغموض الفنى الذى يجعل من القارىء شريكا فى انتاج النص حيث يتجه عبر خبراته الشخصية لإنتاج دلالة إخفاق البطلة وعلة استدعائها لذلك المشهد بالذات من صندوق ذكرياتها التى تخبىء فيه طفولتها

    - لكن هذا التوظيف عابه فى رأيى لوحة المفتتح والتى اوحت أن ذلك الأمير هو محور النص ، حيث إنها قامت بهذى المعالجة بما يشبه تشويش المتلقى حيث قدمت لنا هذا السياق (تصافحوا .. تعانقوا وتضاحكوا .. ووعدوه بتكرار الزيارة بعد يومين وانحنى أحدهم عليه يهمس في أذنه " ... ابحث عنها ) وهو السياق الذى يبدو دخيلا على سياق القصة التراثية وكذا سياق معالجة الأوبرا لها ، حيث رأى الأمير البجعات صدفة ودون أن يكون الأمر مرتبا او أن هناك أصحابا له يدعونه للبحث عنها

    - ذلك فى رأيى يؤدى إلى صرف نظر المتلقى عن الولوج مباشرة فى توتر حالة البجعة التى هى المعادل الطفولى لحنين البطلة كما سيتراءى لنا في المشهد الثانى

    - والحقيقة أن انطفاء حضور الأمير الشجاع والعاشق المتيم فى المشهد الثانى هو الذى دعم هذا التشويش فربما كان حضوره فى المشهد الثانى كمعادل لغيبة الحبيب أو انهزامه حتى كافيا لتفعيل دلالة المفتتح واندياح حركة ذلك البطل فى السياق لكن انطافءه هكذا فى المشهد الثانى رغم المفتتح الذى يدل على الحفاوة بحضوره قد أدى إلى تشويش التلقى

    - لذا كان على السياق أن يجعل للبطل حضورا فى المشهد الثانى وذلك كما عادلت البطلة من مشهد البجعة المسحورة وأسقطته على حياتها وواقعها
    - يمكن القول أن التخييل يتميز بجماله وعذوبته ويكفى أن نتأمل هذا السياق البديع (تراصت أسراب البجع حول البحيرة أخذت في رفيف فضي تتثنى وتنفرد حتى استوت معتدلة .. تتفتح منها أجساد أنثوية ممشوقة تماوج بأذرعها تختال كعرائس ثلجية تلفهن سلاسل القمر حتى بدت أجسادا نورانية غضة يحيط خصورهن تنانير بيضاء براقة تتهادى طياتها كلما خطرن على أطراف أصابعهن حتى التففن حول بعضهن ووقفن حول البحيرة قد شرعن أذرعهن إلى أعلى وشبكنها وملن بجذوعهن إلى الأمام نحو البحيرة

    - وسنلاحظ فى السياق السابق جمالية المضارعة التى تقدم لنا التفتح رويدا رويدا ، ثم تتناغم المضارعة فى مدى السياق وهى النقطة الهامة حين نكتشف أننا كنا نشاهد مشهدا مسرحيا حيث تجلو لنا المضارعة حركة المشهد وحضورها الآنى

    - ثم ولنتأمل جمالية الاستعارة المكنية " تلفهن سلاسل القمر " وهى الاستعارة التى تمهد لنا تلقى جو التخييل والسحر الذى يكتنف السياق فالقمر يبدو مستجيبا لقوى خفية تمسخ جماله وعذوبته فتحيله سجانا كريها

    - ثم ولنتأمل عدسة التخييل التى ترسم لنا تفاصيل منمنة صغيرة لكنها باهرة تعمق من حضور المشهد حين تجلو لنا حركة التنانير البيضاء وما تثيره طياتها أثناء الحركة والرفيف

    - كما أننا من حيث التخييل نتلقى استعارة تصريحية باهرة تتمثل فى سياق (.. بحيرة داكنة قد ترقرق على صفحتها إبريق لجيني يتراقص على مويجات الماء ويتماوج دون أن يفارق بقعته ..
    ... ترجرج وغاب الإبريق في الماء إثر ارتطام أرجل الأطيار بها ) حيث تجسد لنا الاستعارة التصريحية البجعة فى هيئة الإبريق الفضى وهو التخييل الذى يتناغم مع حالة الترف والثراء التى يحياها الأمر كما يتناغم مع كون الإبريق يحبس فى جوفه الماء حتى لو كان فضة بما يوحى بالجو النفسى للبطلة التى ينحبس فى جوفها الكلام

    تعليق

    • منتظر السوادي
      تلميذ
      • 23-12-2010
      • 732

      #3
      أستاذي الحبيب محمد الصاوي
      تحية من اعماق قلبي لعينيك
      لدي سؤال ...
      في القصة لم أجد هناك رابط ومقدمات لتكون الاميرة حبيبته ، من حالة الاستغراب والخوف والارتجاف نفاجئ بانها حبيبته ، لو كانت هناك اشارت مسبقة لكانت اكثر روعةة و تشويق .
      هذه وجهة نظر واعلم اني لست بناقد مجرد تلميذ يعبث باسئلته
      انا منتظرك ايها الحبيب
      الدمع أصدق أنباء من الضحك

      تعليق

      • دينا نبيل
        أديبة وناقدة
        • 03-07-2011
        • 732

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة محمد الصاوى السيد حسين مشاهدة المشاركة
        حقيقة يمتاز نص بحيرة البجع ببنية سرد متميزة تدل على تمرس وخبرة فى فهم وتجريب أشكال السرد وتقنيات كتابته المختلفة والمتنوعة

        - ربما من حيث العنوان كان يمكن أن يكون " البجعة " فحسب بدلا من استعارة عنوان آخر هو بحيرة البجع بينما عنوان " البجعة " كلفظة واحدة فى رأيى أكثر تحفيزا وإثارة للتلقى

        - نحن هنا أمام مشهدين أحدهما داخل الآخر ، المشهد الأول هو الذى سنعيد قراءته من جديد مع خبرة تلقى المشهد الثانى حيث نكتشف أن البطلة إنما تستدعى من ذكريات طفولتها مشهد الأوبرا الذى تحفظة كدرة غالية فى مسرح خاطرها وذلك فى مفاجأة فنية تعيد تشكيل خبرة التلقى لدى القارىء وتجعله فى حاجة فنية لقراءة المشهد الأول لكن بعين جديدة مختلفة

        - يمكن القول أن المشهد الأول يستدعى بحرفية ومهارة القصة التراثية ويعيد حكيها فى سلاسة وعبر لغة شاعرية عذبة حافلة بالتخييل والجمال فيقدم لنا مشهد البجعات المسحورات واميرهن الشجاع ، وهى قصة من الأدب العالمى يحفظها الكبار والصغار، لكنها هنا تميزت عبر مشهد استدعائها بكونها تستحيل تعبيرا كنائيا عن الجو النفسى الذى يكتنف وجدان بطلة النص

        - حيث تستدعى المقاطع البيضاء وحدها من طفولتها دون أن يخبرنا السياق الذى تعجل بذكاء فنى فلم يجلو لنا لماذا لم تستطع أن تكون بجعة بديعة كاللواتى تكنز حضورهن فى وجدانها ، أو كتلك الأميرة المسحورة التى تكنز مرآها وتستحضره فى شغف

        - وهذا ما يسكت عنه السياق بذكاء ليترك المتلقى إكمال هذا الغموض الفنى الذى يجعل من القارىء شريكا فى انتاج النص حيث يتجه عبر خبراته الشخصية لإنتاج دلالة إخفاق البطلة وعلة استدعائها لذلك المشهد بالذات من صندوق ذكرياتها التى تخبىء فيه طفولتها

        - لكن هذا التوظيف عابه فى رأيى لوحة المفتتح والتى اوحت أن ذلك الأمير هو محور النص ، حيث إنها قامت بهذى المعالجة بما يشبه تشويش المتلقى حيث قدمت لنا هذا السياق (تصافحوا .. تعانقوا وتضاحكوا .. ووعدوه بتكرار الزيارة بعد يومين وانحنى أحدهم عليه يهمس في أذنه " ... ابحث عنها ) وهو السياق الذى يبدو دخيلا على سياق القصة التراثية وكذا سياق معالجة الأوبرا لها ، حيث رأى الأمير البجعات صدفة ودون أن يكون الأمر مرتبا او أن هناك أصحابا له يدعونه للبحث عنها

        - ذلك فى رأيى يؤدى إلى صرف نظر المتلقى عن الولوج مباشرة فى توتر حالة البجعة التى هى المعادل الطفولى لحنين البطلة كما سيتراءى لنا في المشهد الثانى

        - والحقيقة أن انطفاء حضور الأمير الشجاع والعاشق المتيم فى المشهد الثانى هو الذى دعم هذا التشويش فربما كان حضوره فى المشهد الثانى كمعادل لغيبة الحبيب أو انهزامه حتى كافيا لتفعيل دلالة المفتتح واندياح حركة ذلك البطل فى السياق لكن انطافءه هكذا فى المشهد الثانى رغم المفتتح الذى يدل على الحفاوة بحضوره قد أدى إلى تشويش التلقى

        - لذا كان على السياق أن يجعل للبطل حضورا فى المشهد الثانى وذلك كما عادلت البطلة من مشهد البجعة المسحورة وأسقطته على حياتها وواقعها
        - يمكن القول أن التخييل يتميز بجماله وعذوبته ويكفى أن نتأمل هذا السياق البديع (تراصت أسراب البجع حول البحيرة أخذت في رفيف فضي تتثنى وتنفرد حتى استوت معتدلة .. تتفتح منها أجساد أنثوية ممشوقة تماوج بأذرعها تختال كعرائس ثلجية تلفهن سلاسل القمر حتى بدت أجسادا نورانية غضة يحيط خصورهن تنانير بيضاء براقة تتهادى طياتها كلما خطرن على أطراف أصابعهن حتى التففن حول بعضهن ووقفن حول البحيرة قد شرعن أذرعهن إلى أعلى وشبكنها وملن بجذوعهن إلى الأمام نحو البحيرة

        - وسنلاحظ فى السياق السابق جمالية المضارعة التى تقدم لنا التفتح رويدا رويدا ، ثم تتناغم المضارعة فى مدى السياق وهى النقطة الهامة حين نكتشف أننا كنا نشاهد مشهدا مسرحيا حيث تجلو لنا المضارعة حركة المشهد وحضورها الآنى

        - ثم ولنتأمل جمالية الاستعارة المكنية " تلفهن سلاسل القمر " وهى الاستعارة التى تمهد لنا تلقى جو التخييل والسحر الذى يكتنف السياق فالقمر يبدو مستجيبا لقوى خفية تمسخ جماله وعذوبته فتحيله سجانا كريها

        - ثم ولنتأمل عدسة التخييل التى ترسم لنا تفاصيل منمنة صغيرة لكنها باهرة تعمق من حضور المشهد حين تجلو لنا حركة التنانير البيضاء وما تثيره طياتها أثناء الحركة والرفيف

        - كما أننا من حيث التخييل نتلقى استعارة تصريحية باهرة تتمثل فى سياق (.. بحيرة داكنة قد ترقرق على صفحتها إبريق لجيني يتراقص على مويجات الماء ويتماوج دون أن يفارق بقعته ..
        ... ترجرج وغاب الإبريق في الماء إثر ارتطام أرجل الأطيار بها ) حيث تجسد لنا الاستعارة التصريحية البجعة فى هيئة الإبريق الفضى وهو التخييل الذى يتناغم مع حالة الترف والثراء التى يحياها الأمر كما يتناغم مع كون الإبريق يحبس فى جوفه الماء حتى لو كان فضة بما يوحى بالجو النفسى للبطلة التى ينحبس فى جوفها الكلام

        استاذي الصاوي

        كم أنا سعيدة من هذه القراءة النيرة وهذا المجهود الضخم الذي تبذله حضرتك في المتصفح هنا .. ربي يعينك
        وصراحة أشكرك على تحليلك ونقدك الرائع الجميل لقصتي البسيطة هذه .. ولكن عندي استفسارا ..
        المقدمة التي ذكرت فيها ذكر الأصحاب وطلب احدهم من الأمير ب " ابحث عنها " سيدي كان هذا موجودا ضمن القصة التراثية وكان الأمر بالبحث هنا هو عن الزوجة كما ورد في القصة .. هل احذف هذه المقدمة لآنها تشوش على القارئ ؟

        سؤال آخر لو تسمح .. بالنسبة للغة المستخدمة .. هل تلاحظ سيدي بها بعض التصنع ؟

        انتظر اجابتك ... لو تتكرم


        دمت بخير استاذنا

        تعليق

        • محمد الصاوى السيد حسين
          أديب وكاتب
          • 25-09-2008
          • 2803

          #5
          تحياتى البيضاء

          شكرا أستاذة دينا لإبداعك الجميل ولتواصلك الذى أثمنه كثيرا ، فى الحقيقة القصة التراثية تقوم على مصادفة رؤية الأمير لمشهد البجعات وليس فيها كما قرأتها هذا المشهد الذى بدأ به المفتتح من حديث الأصحاب وترصد البجعة وأنا هنا أستند للنص الذى قرأته ، كما أنى أقصد أن النص من وجهة نظرى كان بحاجة إلى معالجة حضور هذا البطل بفنية مختلفة حيث بدأ كأنه البطل المحورى ثم انطفأ الحضور فجأة رغم ما أوحى به المفتتح ، بينما السرد فى جوهره تكثيف وتوتير للحظة السرد الخاطفة منذ أول حرف فى المفتتح

          - فيما يخص اللغة ربما تعنين صياغات " مثل ليلكى ، أفيح ، لج لؤلؤى " وفى رأيى أن اللغة تنضج بالممارسة واللغة هنا ناضجة وتدل على اشتغال عليها وعلى تطويعها لبنية السرد وهذا التطويع عملية لا تتوقف بل هى عملية مكابدة دائمة لذا أرى أنى أمام لغة ستتخلص من لفظة كالأفيح ، لكنها ستشتغل أكثر على تطوير جمالية الليلكى واللج اللؤلؤى

          - ربما لى ملاحظة يسيرة سقطت سهوا هى أن القوس مؤنثة وليست مذكرة

          تعليق

          • محمد الصاوى السيد حسين
            أديب وكاتب
            • 25-09-2008
            • 2803

            #6
            تحياتى البيضاء
            أخى العزيز أستاذ منتظر أهلا بك مبدعا وقارئا وناقدا جميلا ، وانا أثمن ملاحظتك وأشير إلى أن بنية السرد قامت على استدعاء القصة التراثية وربما اتكأ النص على الخبرة العامة لدى المتلقى الذى لابد وأن يكون قد قرأ النص الأدبى التراثى وعرف قصة افتتان البطل بمشهد البجعات اللاتى يهبطن فى بحيرة قصره ثم يرجعن فى ضوء القمر المكتمل إلى إنسيات ، لعل هذا هو ما اتكأ عليه النص من مرور سريع على تعلق عاطفة البطل الأمير والممثل على المسرح وحبيبته البجعة الأنسية والممثلة التى تؤدى الدور أمامه كما سيتجلى لنا فى المشهد الثانى

            تعليق

            • مختار عوض
              شاعر وقاص
              • 12-05-2010
              • 2175

              #7
              سلام الله عليكم؛ وبعد
              بكل المحبة والتقدير أستأذن - وقد راقني هذا الحوار الثلاثي الجميل - في أن أدلو برأيي في المقدمة التي أشارت إلى حديث الأصحاب مع الأمير ودعوته للبحث عنها (ابنة الحلال التي تسعده) أؤكد أنها وجدت في النص الأصلي (بتصرف يسير من المبدعة؛ حيث كانت أمه من تلح عليه في ذلك)، ولكنني أتفق مع الأستاذ الصاوي في أن هذه المقدمة - هنا - لم تأخذ حقها من النضج فيما يخص البناء والصياغة بما يمهد لحدث لقائه بالفتاة المسحورة بعد ذلك، مع الوضع في الاعتبار أننا في التناص لسنا مطالبين باقتفاء خطوات النص الأصلي تماما من جهة وبأننا مطالبين بأن يكون بناؤنا الفني مكتملا بذاته من جهة أخرى (ولعل هذا ما قصده الأستاذ منتظر باستفساره).

              * أتفق مع أخي الصاوي في ألا تلجأ مبدعتنا إلى بعض الألفاظ الغريبة مثل "أفيح" و"إرنان" و"حسيس" التي لاتناسب السرد (رغم صحتها اللغوية) والاكتفاء دائما باللفظة السهلة مثل "واسع" و"رنين" و"صوت خفي".
              * لاحظت بالنص خطأين لغويين:
              الأول: "ماهت الدماء" ولعل المبدعة قصدت "اختلطت".
              والثاني: "حَجَرَة" وأظنها تقصد "حجر" أو حجارة".
              كما لاحظت خطأين املائيين من نوع واحد يتعلق بكتابة الهمزة المتطرفة:
              الأول: "شئ" وصوابه "شيء"، والثاني : "يجئ" وصوابه "يجيء".
              وقد أوردت هذه الأخطاء لثقتي من اتساع صدر مبدعتنا ورغبتها الأكيدة في ألا نخفي عنها ما نراه من أخطاء حتى نكون مرايا حقيقة وصادقة لإبداعها المتميز، وهو ما أكدتْ عليه وطالبت به دائما.
              وفي النهاية لا يسعني إلا أن أتوجه بالشكر الجزيل لصاحب الأيادي البيضاء أخي الرائع محمد الصاوي الذي أتفق معه - كما دائما - في كل حرف كتبه هنا حول هذا النص الرائع.

              تعليق

              • م.سليمان
                مستشار في الترجمة
                • 18-12-2010
                • 2080

                #8
                ***
                أحببت أن أمر من هنا لأنوه عاليا وأثمن كثيرا بتفضل الأستاذين الكبيرين محمد الصاوى السيد حسين ومختار عوض بنقد محاولة الأديبة دينا نبيل التي تستأهل كل الإحترام على ثقتها بالنفس العالية التي تتميز بها.
                نقديري للجميع.
                ***

                sigpic

                تعليق

                • منيره الفهري
                  مدير عام. رئيس ملتقى الترجمة
                  • 21-12-2010
                  • 9870

                  #9
                  جميل يا سيدتي ما خطه يراعك هنا

                  شكرا لإبداع في الحرف أستاذة دينا نبيل

                  تقديري الفائق و احترامي

                  تعليق

                  يعمل...
                  X