أعرض نص الشقلباظ للنقد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • فوزي سليم بيترو
    مستشار أدبي
    • 03-06-2009
    • 10949

    أعرض نص الشقلباظ للنقد

    الشقلباظ دائما يعود ..........

    كان في الحيّ , شقلباظ .
    شقلباظ هذا, رجلٌ على باب الله . نبَتَ بحَيِّنا كزهرةٍ برّية .
    هذاالشقلباظ كالزيبق بتحركاته , لوهلة تراهُ بأحد أركان الحارة
    وإن سَهَوْتَ عنهُ فَسَتجدهُ برُكنِها البعيد,يظهر ويختفي كيفما يشاء
    ومتى شاء.
    فافتتن به الصغار وتحَيَّرَ بأمره الكبار.
    وعيتُ على الدُنيا , وكان بها شقلباظ . من أين أتى وكيف أتى ؟
    عِلمُها عند الله .
    مللنا السؤال . تعودنا على وجوده بيننا وبين أزقة حينا . وطالما
    أنه لا يؤذي وأحبهُ أطفالنا وهو أحَبَّهُمْ بالرغم من قسوتهم علية
    أغلب الأحيان , فإن وجوده في الحي أصبح أمراً مقبولاً , لا بل ,
    مطلوبا .
    بالرغم من حِدَّة طِباعِه ومنظره المُزري بثيابه الرثة وشعره
    الأشعث , فإن أهل الحارة يتعاملون معه بشيء من الرهبة , وحفنة
    من الاحترام , وكثيرٍ من الحُبّ , ربما لما نُسِجَ حوله من حكايات .
    يُروى فيما يُروى , أنه جَالِبْ الحظ لهذا الحي , كما يُروى فيما
    يُروى عنه أيضاً , أن أول مَنْ يَتَصَبَّحْ به تتيسَّرْ لهُ أمور يومه
    وتتحقق أمانيه .
    لذلك تجد أهل الحارة رجالاً ونساء يتسابقون للنهوض مُبَكّرين علَّ
    أحدهم يفوز بإلقاء تحية الصباح عليه قبل الآخرين .
    كنتُ واحداً من هؤلاء اللاهثين , فحاولت وحاولت وكان هناك
    دائماً مَنْ يتفَوَّقْ علىّ .
    فقرَّرْتُ أن اتبَعْ خُطاه وأسيرخلفه إلى حيث يَبيتْ , ومع صِيَاح
    الدِيَكة أفاجئه بتحية الصباح , فأكون أول مَنّ يَتَصَبَّحْ بهِ .
    علَّ وعَسى ...!!!
    تخمَّرت الفكرة في رأسي , وبدأتُ بالبحث عن شقلباظ .
    حرثتُ الحارة شارعاً شارع , وزقة زقة ولم أعثر له على أثر .
    فتوجَّهتُ إلى الحارات المجاورة , بلا فائدة .
    هِمْتُ على وجهي في الأراضي الفضاء وفوق التلال وداخل
    المغاوِر .
    كان الوقت يَمُرّ بلا رقيب وبلا حساب .
    ربما أكون قد صَرَفتُ أياماً أو أسابيع أو رُبّما أشهر وأنا أبحث
    إلى أن يَئسْتُ , فقرَّرتُ العودة لحارتنا .
    هَرْوَلتُ ناحية الحارة , وصلتُ أطرافها مع مغيبِ الشمس وكان
    هناك أطفال يلعبون , عندما رأوني , هللوا بصوت واحد :
    ـ الشقلباظ رجع يا اولاد , الشقلباظ رجع يا اولاد .

  • مختار عوض
    شاعر وقاص
    • 12-05-2010
    • 2175

    #2
    أهلا بك وبشقلباظك أخي وصديقي د. فوزي
    لقد ذكّرني شقلباظك بأبي صفيحة الذي كتبت قصته يوما..
    كلهم هكذا ينبتون كزهرات برية..
    وكلهم يغرون الأطفال بمضايقتهم..
    وكلهم يمثلون ألغازا تستعصي على الحل..
    وهنا وجدتك تقدم بناء فلسفيا محكما لنصك حاولت من خلاله أن تقدم رؤية خاصة ومدهشة مؤداها أننا دائما من نحتاج لوجود هذه الشخصية، بدليل ما نسبغه عليها من هالات التقديس والبركة، بل والأهم أننا نحاول أن نخترعها إذا أجدبت منها حياتنا بدليل ما انتهت إليه قصتك بتهليل الأولاد عندما رأوا الراوي :"الشقلباظ رجع يا اولاد"..
    قصة شيقة هيكلها البنائي شديد الإحكام، ومع ذلك فقد تمنيت لو أنك تركت لنفسك العنان للاهتمام برسم ملامح الشخصية النفسية والخارجية أكثر.

    لغويات:

    الزيبق/الزئبق
    زقة/زقاق
    اتبع/أتبع (حيث همزة الفعل المضارع تكون قطعا دائما)

    وأخيرا تقبل صديقي التحية على نص أراه من أفضل ما قرأت لك.

    تعليق

    • الهويمل أبو فهد
      مستشار أدبي
      • 22-07-2011
      • 1475

      #3
      الشقلباظ دائما يعود ..........

      الاستاذ المبدع بيترو

      نص رائع، وجميل. وأتمنى أن أرى من يستطيع تقديم قراءة واعية له. احتجاجي الوحيد ينصب على العنوان؛ خاصة حكاية "دائما يعود." الشقلباظ لن يعود أبدا حتى لو عاد بطل القصة، تحت وهم أن الشقلباظ غيره. ومع إدراكه لحقيقته الشقلباظية فإنه حتما سيغادر ولن يبحث عنه أحد. فمع مولد العيادة وتاريخ الجنون (للفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو) اختفى الشقلباظ من الحي والمجتمع واتخذ مكانه في مستشفى أو عيادة يعالجه طبيب أو عالم نفس، بل ويحجر عليه رغم أنه عاش دهورا بوصفه جزءا لا يتجزأ من البنية الاجتماعية. فوكو يرى أن الشقلباظ يهدد طهارة ونقاء وعقلانية المجتمع ولذلك يجب الحجر عليه وابعادة عن الكبار وعن الصغار (عن من يدعون العقل والعقلانية) بينما كان في السابق لا تخلو منه الأحياء المأهولة.

      في قصتك عن هذا الشقلباظ نجد أن الحياة لا زالت في مرحلة ما قبل التأريخ للجنون وقبل مولد العيادة. فالشقلباظ بحث عن نفسه في الأزقة والوهاد والتلال والحارات المألوفة قبل عصر التطور والبنيان والرمز البريدي، فقد
      عاش هذا الشقلباظ في زمن الناس فيه لا زالوا يتفاءلون برؤيته صباحا ويؤمنون بما ينسجونه حوله من أساطير. وكان الشقلباظ اسطورة من الاساطير، أما عودته فقد أزالت عنه مسحة القدسية الاسطورية، ولئن لم يتعقل فسيجد نفسه في مصحة معقمة معزولا عمن يحبهم ويحبونه. هكذا كان مولد العيادة وهكذا كان تاريخ الجنون.

      (لا أعتقد أن هذا الجيل قد رأى أو عايش شقلباظا، فالبيوت مغلقة والشوارع نظيفة، والحارات اختفت تحت وطأة التقدم والعصرنة وانتشار العيادات. مؤسف جدا أن يختفي الشقلباظ).

      تحياتي وتقديري
      التعديل الأخير تم بواسطة الهويمل أبو فهد; الساعة 03-10-2011, 14:52.

      تعليق

      • محمد الصاوى السيد حسين
        أديب وكاتب
        • 25-09-2008
        • 2803

        #4
        الشقلباظ وبنية السرد

        - يمكن القول إن خاتمة السرد هنا هى التى عصب الجمال فى هذا النص ، ومفتاح تلقيه ومنبع روعته حيث تعى الخاتمة السرد كيف تصنع المفأجاة وكيف تكون تنويرا حقيقيا وهى التى تجعلنا نعيد من جديد قراءة النص ولكن ببصيرة جديدة وعبر خبرة تلقى مختلفة

        - حيث يبدأ إيقاع السرد ربما ليستدعى خبرات عدة من التلقى السابق لفكرة عبيط القرية أو الدرويش الهائم فى ملكوته الخاص عبر أزقة قديمة وحوارى عتيقة وهى فكرة ربما يكون المتلقى قد تشبع بها حيث سبق أن تلقاها فى خبرات روائية عدة ربما هنا أتذكر عرس الزين والتى تشتغل بروعة على ذلك الطيب التى يرى فيه الضمير الجمعى أيقونة البركة والطهر والنقاء

        - لكن إيقاع السرد رغم تشابه الفكرة التى يتكىء عليها ويبتدىء منها السرد مع خبرات سابقة للمتلقى عن شخصية شقلباظ فإنه بحرفية وذكاء يدعم حركة السرد برافد يحفز التلقى ويتمثل فى سياق

        " فقرَّرْتُ أن اتبَعْ خُطاه وأسيرخلفه إلى حيث يَبيتْ , ومع صِيَاح
        الدِيَكة أفاجئه بتحية الصباح , فأكون أول مَنّ يَتَصَبَّحْ بهِ .
        علَّ وعَسى ...!!! "

        - فى السياق السابق نحن أمام مهارة تحفيز المتلقى بتفصيلة دلالية فارقة تجعلنا أمام تأهب للسرد وتحفز لما يكنزه لنا من دهشة ومغامرة خاصة مع شخصية كشخصية شقلباظ التى رغم وداعتها لا يمكن التنبوء تماما بردود أفعالها

        - كما أن السياق يستحيل تعبيرا كنائيا عما يفتقده بطل النص ويسكت السرد عنه فهو لا يقول لنا لماذا يفتقد البطل البركة والبهجة ، حتى يضطر إلى أن يتبع شقلباظ ، البطل يبدو واعيا مثقفا لكنه هنا يختار ما يختاره الضمير الجمعى فى سباحة مع التيار هى الأخرى تستحيل تعبيرا كنائيا يكثف من حالة التحفز والمغامرة لما يتكون عليه التجربة كما تحفز السؤال لماذا يندغم كيان بطل النص بهذى السلاسة فى كيان الضمير الجميعى وتوجهاته وهذا كله مما يكثف جمالية السرد وإيقاعه

        - وهنا ينتقل السرد بعد أن هيىء التلقى لهذى المغامرة ونشر ظل إيحائها على السياق ينتقل بنا إلى تعقيد الصراع فشقلباظ حين اختار البطل أن يستجيب لحضوره اختفى حيث نتلقى هذا السياق " وبدأتُ بالبحث عن شقلباظ .
        حرثتُ الحارة شارعاً شارع , وزقة زقة ولم أعثر له على أثر . فتوجَّهتُ إلى الحارات المجاورة , بلا فائدة .هِمْتُ على وجهي في الأراضي الفضاء وفوق التلال وداخل المغاوِر .كان الوقت يَمُرّ بلا رقيب وبلا حساب .ربما أكون قد صَرَفتُ أياماً أو أسابيع أو رُبّما أشهر وأنا أبحث إلى أن يَئسْتُ , فقرَّرتُ العودة لحارتنا "

        - سنلاحظ هنا أن شعور البطل بغياب شقلباظ لا يثنيه عن البحث عنه بل يستحيل حافزا ودافعا إلى البحث بدأب يصل لحد الهيام حيث نتلقى سياق " همت على وجهى فى الأراضى الفضاء " وهو السياق الذى حين نلضمه مع سياق " حرثت الحارة " فنحن هنا لسنا أمام بحث عادى عن مجذوب متغيب بل نحن امام تعبير كنائى عما يشبه المكابدة والمجاهدة التى يندرج فيها الصوفى ويترقى فى مساربها الوعرة ، كما يستحيل السياق تعبيرا كنائيا عن حالة أسبه بحالة العاشق المطارد لهواه أو الباحث عن مهر لحبيبة محجوبة نائية

        - نحن فى السياق السابق أمام إيقاع للسرد يمنح دلالة جديدة للشقلباظ ويحيله إلى رمزية أخرى تمهد بذكاء لما سنتلقاه من خاتمة باهرة

        - حيث نتلقى ما يشبه حالة التوحد التى يذوب فيها الصوفى فى الكون وينسرب فى بهائه ليستحيل " هو هو " كما يقول الصوفية ، لكننا هنا فى هذا المشهد فى سياق السرد أمام ذوبان آخر ، هنا يذوب المثقف الذى يمثل الضمير الواعى فى الضمير الجمعى، وثقافته ربما فى محاولة للتواصل مع هذا الضمير الجمعى ، ومحاولة أن يكون المثقف بحضوره الخاص بديلا عن قيم سائدة وبنية ثقافية لا تنهدم ولا تتطور إلا من الداخل عبر الحلول فيها ولو كان حلولا فى هيئة الشقلباظ

        - كذلك لابد أن نعى دلالة حضور الأطفال فى السياق ، فهم الذين بشروا بعودة الشقلباظ ، هم بنقائهم من يستشعر حالة الفقد ، وهم من حاول أن يخترع بديلا للشقلباظ ، وهم من يعنيهم أن يكون لهم - بما يمثلون من حضور للآتى- أن يكون لهم شقلباظهم الخاص وثقافتهم الخاصة وهيئتها التى يختارونها وينحون تجاهها بفرح وثقة

        تعليق

        • فوزي سليم بيترو
          مستشار أدبي
          • 03-06-2009
          • 10949

          #5
          كل الشكر لك أخي الكريم مختار عوض
          تحليلكم للنص زاده جمالا ، وسوف آخذ ملاحظاتك
          اللغوية بالإعتبار وأقوم بالتصويب .
          إشارتكم إلى رسم ملامح الشخصية النفسية والخارجية . الحقيقة أنها كانت على بالي
          لكنني كنت أعبر بهذه القصة إلى بوابة القص القصير جدا ، ولم يكن
          في نيَّتي أن أضعها في جنس القصة القصيرة .

          كل المودة والإحترام
          فوزي بيترو

          تعليق

          • فوزي سليم بيترو
            مستشار أدبي
            • 03-06-2009
            • 10949

            #6
            الحق أقوله لك أخي العزيز الهويمل أبو فهد
            أنني لم أختر العنوان إلا بعد الإنتهاء من كتابة النص
            وقد جائت فرحة الأولاد بعودة الشقلباظ مؤشرا للعنوان
            وكأن هذا الشقلباظ ، كثير الغياب عن الحارة . يذهب ثم يعود ...

            أسطرة الشقلباظ لم تكن في نية ولا قصد الكاتب . مَن قام بخلق هذه الأسطورة
            هم الناس البسطاء في محيطه . وقد خيَّب ظنهم حين عاد . وأكَّد لهم أن كل
            شخص فيهم ممكن أن يكون هو الشقلباظ .

            كل الشكر لك لمرورك ولتفاعلك الرائع أخي الهويمل
            فوزي بيترو

            تعليق

            • فوزي سليم بيترو
              مستشار أدبي
              • 03-06-2009
              • 10949

              #7
              أستاذنا الفاضل محمد الصاوي السيد حسين
              أن هذه أول مرة يُعرض فيها نص من نصوصي للنقد
              وقد أجدت أخي وأخواي مختار عوض والهويمل أبو عوض .
              المفاجئة كما وردت في خاتمة النص ، لم تفاجئ المتلقي وحده
              لقد باغتت كاتب النص أيضا .
              أتفق معك أخي أن الفكرة عتيقة ، وتم الخوض بها بجدارة ومهارة
              لكنني هنا ما أردت للشقلباظ أن يموت أو يختفي وتقفل سيرته ويطويها النسيان
              أردت له الخلود . فإن مات أو رحل ، هناك من يحل محلّه .
              ولا أدري إن وفقت في هذا الأمر أم لا .

              لقد كان شرحكم والنقد لهذه القصة رائعا ، مما أعطى الشقلباظ حقه .
              كل الشكر والعرفان لكم أخي ودمتم
              فوزي بيترو

              تعليق

              يعمل...
              X