ومضى عاشق الريح والرمل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • يحي الحسن الطاهر
    أديب وكاتب
    • 20-03-2011
    • 111

    ومضى عاشق الريح والرمل

    ومضى عاشق الريح والرمل
    يحيى الحسن الطاهر
    ولأنه تغنى بالريح وهو المتهيج حلمًا ووهمًا، اصطفته الريح في أوديتها القصية عاشقًا للرمل، وهي التي خط في ذاكرتها المثقوبة الخوؤنة مخايل طفولته البعيدة بمكة المكرمة، توفي عاشق الرمل، الشاعر محمد الثبيتي، الذي يمكن اعتباره بحق أحد مجددي الشعر السعودي المعاصر، إذ مع بواكير موجة الحداثة التي هبت على ساكن القصيد في عكاظه ومنبت فحوله في بداية ثمانينيات القرن الماضي، بدأت مفردة شعرية جسورة تشق طريقًا للحداثة مزهوة بصبا مغامر وفتنة رشيقة، لا تخلو من شقاوة وإغاظة لأسلافها من قصيد البكاء على الطلول، برز صوت الثبيتي ضاجًا بثورة جمالية في نصه، ورنين قصي للأساطير وجنيات كهوف الروح وأزقتها البعيدة، دعا الثبيتي مفردته للتنزه في دروب المعنى الكلي للحياة، جوهرها الفلسفي، لم ترتعش الحروف وترتعد من المغامرة، بل تزيت بأبهى حللها، وغادرت في معية هذا العاشق للفرادة، الفرادة في زمن دمغ القصيدة بمفاهيم قارة في الوعي الجمعي كمفهمة ثابتة وراسخة لما هو شعري وما هو غير ذلك، كانت قصيدته تقهقه جزلى بهذا الحبور وهذا البهاء:
    أليست هي يخضور الحداثة الشعرية في بيئة ما زال صهيل خيول الأقدمين في سهوبها، يرسم مسارًا لصوت الشعر، مسارًا إن حاد عنه القصيد، فقد صار طنينا مموسقًا وليس بشعر!
    أسهمت قصيدة الثبيتي في تشكيل ذائقة شعرية جديدة، إذ احتشدت في مغامرتها بالكثير من الرؤى، التي كشفت أقاليم جديدة في اللغة، تضاريس بهية تكاد تسمع في منعرجاتها مسامرات عراف الرمل إذ يرسل تنبؤاته طي غمامة عبر بوابة الريح إلى عاشقة بعيدة أرقتها طيوف زمن وردي لم يجء بعد، وإن تخالست وقع أقدامه الحافية على مرمر نعاسها، من خلال شقوق مساء هادئ.
    احتفى النص الشعري للثبيتي، بألق ساحر، بالحداثة نصًّا وغرضًا ومغامرة، وأشاح بوجهه في إباء سعيد عن صخب سدنة الشعرية السائدة وخطابهم الجمعي الذي يسور القصيدة في محابس تاريخ المخيلة المكرورة نصًّا وغرضًا ومغامرة! في دواوينه (عاشقة الزمن الوردي)، (تهيجت حلمًا.. تهيجت وهمًا)، (التضاريس)، (موقف الرمال.. موقف الجناس) نلمح أن الشاعر قد عقد حلفًا سريًّا مع مفردته: أن لا يكلفها رهقًا ويلزمها ما لا يلزم: أن يطلقها في فضاء هوسها الخاص وفوضاها الحميمة، وما شعره سوى تقص لرعشة النص بهذه الرحابة: بكونه نصًّا يستجن المستقبل?. مستقبل الشعرية ووعيها المفارق عن المكان، الزمان ومعجم صحرائها، فمفرداته تستقصي احتمالات السواد، وتتتوسل بموسيقاها الباطنة أن يشتري الباعة أساطيرها المجنحة في فضاءات الرماد.
    وبدلاً من احتفاء النقاد بهذه الفتوح المعرفية والجمالية لنص الثبيتي، حورب الشاعر من سدنة السائد الجمعي، مثلما حورب قبلاً (أدونيس) الذي كان يشعر أنه (آت من المستقبل). رأى النقاد في مفردات الثبيتي خروجًا عن السائد الشعري، وقذفًا للغة في ثقوب سوداء خارج مدار (الجمعي) المطمئن ليقينه المركزي، ولكن الشاعر يعرض صفحًا عن كل ضجيج وصخب ما تحدثه مفرداته في فوضاها الحميمة وهوسها بالغناء الطليق على بوابة الريح، فهو يشكل من زراري الرمل وحباته شكلاً جديدًا لنصه، يفاجئ المخبوء من الشعور، ويحتفي بموسيقاه الباطنة التي لا تجي? من عصاب القافية، بل من همس كائنات المخيلة وهي تتسرنم في فضاء الإمكان الشعري الجديد، تتمشي في بهو الصيرورة خارجة من انحباسها زمانا في زي القافية الضيق.
    (*) كاتب وشاعر سوداني
    الأربعاء 1432/4/25 هـ 2011/03/30 م العدد: 17507- جريدة المدينة
    رحيل سيد البيد.. محمّد الثبيتي | جريدة المدينة - ملحق الأربعاء
    التعديل الأخير تم بواسطة غسان إخلاصي; الساعة 17-10-2011, 13:03.

    sigpic

    سارة..توتا..نونا ...حوتة ..والله وبس!!!
    yahia.change@gmail.com
    http://truthsekkers.blogspot.com/201...g-post.html#!/
    https://groups.google.com/forum/#!forum/yahiahassan
  • شيماءعبدالله
    أديب وكاتب
    • 06-08-2010
    • 7583

    #2
    الأستاذ القدير يحيى الحسن
    رثاء ووفاء من ذائقتكم الراقية للشاعر القدير محمد الثبيتي رحمه الله
    رائع ما قرأت بحق
    وجميل ماسطر يراعكم المميز
    سلم الساعد بما جاد
    تحية تليق مع وافر الشكر والتقدير

    تعليق

    • يحي الحسن الطاهر
      أديب وكاتب
      • 20-03-2011
      • 111

      #3
      فلتكوني دوما شماء ..يا شيماء!!

      المشاركة الأصلية بواسطة شيماءعبدالله مشاهدة المشاركة
      الأستاذ القدير يحيى الحسن
      رثاء ووفاء من ذائقتكم الراقية للشاعر القدير محمد الثبيتي رحمه الله
      رائع ما قرأت بحق
      وجميل ماسطر يراعكم المميز
      سلم الساعد بما جاد
      تحية تليق مع وافر الشكر والتقدير
      الأستاذة ذات المداد العذب والقلم الرشيق شيماء..
      عبق ما عطرت به فضاء حرفي من قرنفل كلماتك ..فأنا شاعر مسكين أستدفئ بحرفي من زمهرير وحدتي القاسية التي يستثير شجونها رحيل نورس عشق الرحيل في قارة الحرف المترامية الأطراف من أقاليم العشق شرقا ..الى سهوب الحزن شمالا وجنوبا وغربا ..إذ ليس للشعراء المساكين سوى الحزن رفيقا ..لم أعرف الثبيتي ..ولم ألتق به أصلا ..لكني قرأته إذ قرأتني بعض حروفه الشديدة الغواية للروح بعميق المعاني وبهي الصور الباسلة..ثم أليس الشعراء جميعهم في حلف سري ضد تعاسة الوجود؟ أليس الشعر كوكب المساكين ؟ أشكرك شيماء ...ولتكوني دوما: شماء ..ولك سلامي في الخالدين ..
      ..أسمحي لي أن أهديك..كعربون صداقة ...هذه القصيدة ..بعنوان مطر أزرق ..لأمر ما ...يشابهكك.. عندي ..بأريج المطر وهي تتسلل قطرات مرتعشة على جبين الأزهار الغافية في حرير أحلامها بالتفتح ..وليكن بيننا شعر...



      مطر أزرق

      شعر : يحي الحسن الطاهر
      السوناتا الاولي:
      الليل
      الليل رحم أعمى...
      يلد النهار جنينا فصيحا..
      في سلة الليل يتكور الوجود
      جاعلا من الليل بالونة يثقبها دبوس النهار:
      فيتدفق حينها الوجود
      غابات أفاقت من نومها للتو
      علي شقشقات عصافير بهيجة
      حين تنصت اليها تضحك:
      من كونها تحتار
      كيف تنسي ما كانت تغرده قبل النوم من نوتات مرحها الحر الطليق!!

      السوناتا الثانية:
      الظل:
      الظل وشم حنين يبصمه الليل علي جلد النهار:
      شهقة غياب ووعد حضور صريح
      يزيح الظل لليل من جسد النهار ما يزيح
      الظل بثور الليل تطفح علي جلد النهار
      السوناتا الثالثة:
      الحلم:
      في المساء
      حين أفى الي غابة نومي
      وأزيح ادغالا من الضوء النهاري الفج من أمام عيناي
      فاتحا اسفل وعي عتمة غابية.. كي تمارس فيها الكائنات حرية انسلاخها من جلد هوياتها النهارية العتيقة... كثعابين مقدسة
      وتتسكع في بهو احلامها بالصيرورة
      فى تلك البرهة: أتذكرك
      مرة:
      حلم عصفور بأنه أبكم صار،
      مثل صرصار عجوز ..ثم..في دغل فسيح مات
      وحين أفاق صباحا
      ارتعش بفرح ضاحك من كونه حيا ما يزال ..
      ضحك حتى مات حقا!!
      وعرف فى موته فقط :
      أن النهار هو ما يوثق الوجود

      السوناتا الرابعة:
      المرأة
      أحلم أن أغرق ذاتي في طميك الانثوي
      عشبك الأخضر ...المبلل بندى مطر ليلي بهيج
      هسهساته مثل عصفور شقى:
      ينقر على شبابيك الروح:
      كي تأذن للقلب بالخروج في نزهة
      في اقصي أقاليم روحك،
      وحواريها وازقتها القصية،
      ..المكتوب على حيطانها:
      ان اقتربت مني ..فقد اغتربت عنك!!

      أيتها المرأة السر:
      أصحيح ان النهد أعلي قمة في العالم؟
      لذا آله القدماء القمر؟
      أمد ذراعاى في الفضاء الفسيح:
      فأقبض ريحا
      أخالها طيفك.. فتتندى أناملي بمس أثيرك العطري......
      فأشهد أني:
      رأيت فيك
      اذ رأيت في
      النجوم
      تتفتح أزاهيرا في قلبي
      يتندى رحيقها ضؤءا يكون دمي..
      فيتعطر كوني..
      وأشهد أني
      السوناتا الخامسة:
      جسدك ولغتي
      ومثلما الموسيقى
      يا حبيبتي
      اطفال اشقياء..
      يتسكعون في براري وأزقة الروح القصية،
      ..ولا ندري الي حواف اي عوالم غريبة يقودونا ولا الي أي مجاهل
      كذلك جسدك:
      حدائق قرنفل..
      جزائر ياسمين ..
      ما وطئتها من قبل أقدام القصائد
      فبأي المعاجين أنظف أسنان لغتي..
      كي لا تؤذي قرنفل شفتيك وهي تقبلك شفاه القصائد؟
      وبأي تمارين يوغ
      ا..معقدة..
      وغامضة..
      علي أن أطوع حرفي..حتى يتتبعك؟
      ازميلا
      قوسا قزحيا
      ينساب داكنا من الليل في شعرك..
      الي ظهيرة العنق الساحلي..
      ويستدير حول نهديك نهرا من عميق الحنين..
      يتكسر رزاز موجه عند خصرك..
      ويرتاح هناك قليلا
      مثلما يرتاح في المدى اعصار الأنين
      وتستدفئ المفردة الغريبة بين الفواصل؟
      أعلي أن أخجل؟
      اذا اشتهت لغتي أن تقضم قليلا من تفاح نهديك الغمام؟
      أأخجل...اذ..
      برهتئذ..
      انتصبت الحروف وقذفت سائلا أرجوانيا هو القصيدة؟
      فعلميني اذن
      كيف تشرق في روحي شمس الكلام المهذب!
      السوناتا السادسة:
      الطفل:
      ومنذ أن كنت صغيرا..
      حدثتني أمي..
      بأن قماطي كان هو النهر..
      وأرضعتني أمي..قالت..
      خرافة ما تثرثره الماء من أشجان عشقها الى اليابسة
      وأظن أمي صدقت..
      اذ أني أشتم للنهر في دمي دوما عبق
      واظنها صدقت..
      اذ تسلميني دوما الي الأرق ..
      وتبصمين روحي بميسم القلق..
      عيناك ..
      يا تمكن الذي خلق
      وضجة النسيم حين يرف بجسدي
      الأرق
      فسبحان من كوثرك في دمي
      وسبحان
      من لي خلق...


      يحي الحسن الطاهر

      أديس أبابا -مارس 1992

      sigpic

      سارة..توتا..نونا ...حوتة ..والله وبس!!!
      yahia.change@gmail.com
      http://truthsekkers.blogspot.com/201...g-post.html#!/
      https://groups.google.com/forum/#!forum/yahiahassan

      تعليق

      • شيماءعبدالله
        أديب وكاتب
        • 06-08-2010
        • 7583

        #4
        الأستاذ القدير وشاعرنا وأديبنا الأصيل
        لك من التحايا ألف ألف لقصيد الألق الذي نثرت عبيره من "مطر أزرق" كالدرر
        حرف ثري مترع بالبهاء نقف أمامه بإجلال
        لاتحرمنا حضورك ولا زهو حرفك
        نتحين مزيدا من هذا السمو
        وكل الشكر على رقي كلماتك
        تحية كبيرة تليق مع فائق التقدير

        تعليق

        • غسان إخلاصي
          أديب وكاتب
          • 01-07-2009
          • 3456

          #5
          أخي الكريم يحيى المحترم
          مساء الخير
          لقد أفضت في إظهار مواهب الشاعر ( الثبيتي ) وكيف أنه كان يغرّد في غير سربه ، وهذا بدهي .
          رحمه الله ، ورحم الله كل أموات المسلمين .
          كنت أتمنى أن تعرض علينا بعض شعره .على كل تحتاج ( السوناتا ) لمراجعة أناملك الندية لوجود بعض الهنات فيها .
          هلا بك أينما أتيت ، فكلنا قلوبنا مشرعة لك .
          كن بالقرب من مشاركات الأخوات والإخوة الأعزاء .
          سامحني على بعض الرتوش !!!!!!!!!!! .
          تحياتي وودي لك
          (مِنْ أكبرِ مآسي الحياةِ أنْ يموتَ شيءٌ داخلَ الإنسانِِ وهو حَيّ )

          تعليق

          يعمل...
          X