شيطان الشعر..حقيقة أم وهم ؟؟ ............
ربما لاأحد منا في زمننا الحاضر الذي واكب تطورا تيكنولوجيا مريعا ،يتأبط دماغه فكرة أن للشعر شيطان يفرض سطوته على الشاعر، ويجبر قلمه عنوة على سكب الحروف ، وإلا لتولدت عن هذا المفهوم أسئلة وعلامات تعجب، يقذف بنا منجنيقها على جسر الحيرة فلا تستكين خطانا الفكرية على بلاط. إذ كيف للعدو أي الشيطان أن ينير العقول، ويمتَع الأرواح بعذب الكلام، ويصير قلب البشري الشاعر محض وعاء ؟،فهذا معتقد ترجع أصول انبعاثه إلى التقليل من شأن الآدمي، وتعظيم الجان الذين رويت عنهم أساطير وخرافات بوادي عبقر( بنجد أو بمكة)،الذي اعتبروه منبعا لإبداع فحول الشعراء ،العباقرة ،في أزمنة مضت، من لدن أجيال عربية، خيَم على حياتهم طابع البداوة وانتعشت في بساتين أوردتهم زهرات الشعر، فكان سابقا لما عداه من الفنون الأدبية كالرواية والقصة ، وبلوغه مرتبة التبجيل. إذن مالذي يبعثر حال الشاعر، ويلقي به في كوكب العزلة والإرتماء في أحضان مرحلة من التوتر ينكب فيها على مادونه من ورق،فيكتب السطر تلوى الآخر كأنما هو الشلال المنهمر، فلاينقطع استرسال تياراته المتوهجة حتى يخلص صاحبنا إلى قصيدة سامقة ،تشغَل بدواخله أسطوانة الدهشة، وتعبَ شعب رئتيه بأكسيجين الراحة والهدوء؟؟ إنه الإلهام .... ذاك المتوغل الآسر لخلجات النفس، والمحلق بها في مجرَات زمردية شاسعة ،على بساط الموهبة السحري بعيدا عن تشكيلة الواقع وملامحه التي يتغشاها الجمود ، وسرعان ماتعود الروح إلى الجسد محملة بما يسر الخاطر من عرائس فكر عذراء يزهو بمصافحتها العقل ويطرب الوجدان . فما سر التباين بين ماتنجب قريحة شاعر وآخر ،إذا توضح لنا جليا أن الإلهام قدر محتوم، ،لكل صاحب موهبة ؟
إذا كان الإبداع مولودا يرى بارقة النور على إثر وخزات الإلهام الفجائية على غفلة من العقل الواعي، والولوج في غيبوبة لاشعورية خلف ربوع اللحظات ،فإن لما تكتنزه تجاويف المخ من مكاسب معرفية ، والتي تتمكن من محطات الشاعر النفسية لماَتتسرب إلى عقله الباطن ،الدور الرئيس في عملية التدفق الإبداعي .فالإبداع إذن موهبة فطرية ،إكتساب ثم إلهام، و هذا الأخيرعبارة عن ثوب مطاطي آيل للتشكل بناء على غزارة أوضآلة محاصيل المبدع الفكرية، وتجاربه في الحياة . وليس معنى هذا أن ماتحتويه مخازن العقل من شحنات ثقافية ،تجريبية ،كافيا لدوامه، مالم تنبع جداول الرغبة في صدر المبدع والتي تتماشى والتركيز في ظاهرة ما من ظواهر المجتمع أوالذات ، يليها مرحلة التخمر، ثم النضوج على جمر التوتر تحت تأثير حمى الإلهام ، فالذي يحظى بتشجيع المحيطين به ليس كذاك الذي هو عرضة للإنتكاسات على الدوام ،.وعليه فإنه بإمكاننا استنتاج أن الإلهام قد تضعف قوة إشعاعه أويموت مالم تستحضره الروح الموهوبة، وتسعى جاهدة لوصاله ، . وإذا الشاعر الذي ارتقى إلى ناطحات المجد بفضل ماقدمه للجمهور من حلاوة إبداع في صحن الواقع، فأمتع بعدما أبدع ،قد جذب إليه قسرا أنظارنا ،فلا يجب علينا أن نغض الطرف عمَن تعثر قلمه بعراقيل ظرفية تؤول حتما بالإرادة والمثابرة ،إلى الزوال ..............
تعليق