غابــة في بــــاب الحديقــة
بقلم: د. مازن3-4-2008
قررت ذات مساء ان اغلق التلفاز وان اعتزل كل الصوتيات والمرئيات وان اعيش داخل حديقة ورود وانا اعلم تمام العلم ان باب الحديقة يطل على بابها الخشبي غابة من كل الاشياء وبلا استثناء ..
لانني قررت ذلك ... فكان المطلوب مني .. ان خرج للغابة واجمع كل الزهور البرية والغير برية .. لاعود وازرعها لتلون حديقتي ... باللون الاحمر والأصفر و الأخضر ... وقررت ان ازرع التيوليب الاسود .. كي يكتمل لون العلم الواحد ...
بعد سبعة شهور فقط .. كان صديقي يطالبني با ن ارسل ورودا اضافية لمرضى المستشفيات المجاورة .. واضاف ان ذلك مشاركة شعبية .. إذن بحجة المشاركة الاجتماعية ... تبرعوا بارسال صبارا من كافة الانواع .. لازرعة في حديقتي ... ( حكلي تحكلك ) .. هكذا قرروا ان يعاملوني ...
ربما كان الأمر هكذا، مجرد مبادلة بين الورود للمرضى .. والصبار لي ... نعم انا زهدت في حديقتي صبرا على حالي .. ولكني زرعت الورد تلطيفا لاحوالي .. فماذا يفيدني الصبار ...
ما نراه اليوم هو بداية النهاية للطمأنينة والأمان والهدوء، ماذا حدث لهذا الزهر الجميل ولهذه الورود الملونة شيء مستحيل ( لكنه الضريبة الاجتماعية ) ... ان تشارك وتتشارك ...ان تزرع وتحصد .. وربما تُحصد بلا زراعه ..
أين الطائر الجميل الذي كان يغني علي أسلاك الحديقة؟ أين ذاك الحسون المسافر من شجر الزيتون الي نخيل القدس؟ .. هل في القدس نخيل .... هذا ما كنت اسمعه يوميا من زملائي الطلاب في جامعة خارج حدود الوطن ( وطن مجاور لنا ) ... يظنون انني اعرف القدس بالسنتيميتر .... ولم يعرفوا انني مثلهم غريب في وطني بعيدا عن القدس ... من يفيدنا ( هل في القدس نخيل ؟؟ )
عندي من عدم الرضا عن نفسي أضعاف ما يمكن أن يقال في غيابي، لماذا اجهل تضاريس القدس .. ربما هم من ارادوا لنا ان نكون جهلة ...
هذه هي لعبة السياسيات المبرمجة .... رموني الي الجهل وعشق الكتابة.. مرة اخرى .... اضطر ان اعود للشاشة المرئية .. ابحث عن ما يذهب وحدتي بعد ان قطفت اخر الازهار البيضاء ...
أذهلني جدا هذا السياسي الذي يزرع فينا افكاره الخاصة فهو يكرر كل نصف دقيقة امام المذيعة الانيقة ... كدت ان اسرقها وازرعها ف حديقتي .. هل يشفى المرضى حين يشمون رائحة ساقيها .... ( لا اعرف فهي تشبة الوردة البنفسجية )
قال هذا السياسي البارع : " أنا أعترف أن المال هو المنافس الوحيد للشريف والإنسانية "
كيف يمكن ان يعترف مرة اخرى اننا مجموعة من القطط المرعوبة، ولكن، علي هيئة أسد مفترس.
أتذكر رجلاً نزلت علي رأسه مئات الهراوات، سحقته تماماً، لكنه حين التصوير يرفع أصابعه علامة النصر ويقول: يا محلي النصر بعون الله!
ليس بالضرورة ان نقرا كافة افكار المهرولين والمهرجين والممثلين والملوثين ... ليس بالضرورة أن نبقي طويلاً علي قيد الحياة، أنا شخصياً لا أحب البقاء حتي سن السبعين ... اذن كم تبقى من الانهزام حتي ابلغ السبعين ...
البشرية كلها تملك عشرة أصابع في اليدين... قالها السياسي بخبث شديد .. وابتسمت المذيعة مؤكدة حديثه ... كدت ان امسك بتلفوني الصغير لاتصل بمخرج البرنامج ( الترفيهي ) .. واقول له .. اعلم صديقا كان ينجب له في كل ولد اثنا عشر اصبعا ... وكان يضطر مجاملة الاطباء ليقوموا ببتر الزيادة كي لا تكون الزيادة تشويها مخالفا عن البشرية جمعاء .... هل حقا في كل زيادة تشويها ... اذن لماذا يعيد هذا السياسي على مسامعنا ويزيد ( الصمود تاج عزتنا ) ..... هل يحتاج بعض الصمود للبتر لتتساوى امورنا مثل البشرية جمعاء ..
لكنني عدت مرتبكاً .. كيف اجرؤ على قول الممنوعات مباشرة فلان لا تحتمل الحقيقة ولا يمكنها هذه المذيعة أن تمنحك الحرية للتعبير؟ ستقول لك : كيف كتبت قصة لا تناسب المكان ولا الزمان الذي كنت فيه؟ لماذا رميت بنفسك الي التهلكة؟
وعندما يتسلم السياسي المهندم الرد على مداخلتي ( الغبية ) سيقول وهو يهز كرسيه ويفرك في اصابعه ويشم شيئاً حوله ( علها رائحة عطر المذيعة )
سيقول : الوطن عزيز علي ذاكرتي وقلبي، أتمني الحرية له ومزيدا من الصمود والتحدي ... النصر قاب قوسين او ادنى ...
وكم أضحكني هذا الخبر الطريف، الذي قرأته في اسفل الشريط الاخباري ( زوجة معتقل تضطر لعرض ابنتها للبيع لتتمكن باقي الاسرة من مواصلة الحياة احياء ) ...
مجرد احساس انتابني فجاة وذاك السياسي يشرب من كوب كبير امامه ( ربما كان كباتشينو دينماركي )
يا لهذا الزمن العجيب الذي جئنا اليه، أنا والله لا أتمكن من رؤية دجاجة واحدة تذبح، لهذا أذبل كل يوم أمام التلفزيون وأنا أري بغداد كلها ( تنحر ) تحت سكاكين محرري العالم الحديث
في الماضي كنت أكتب أسماء الصبايا اللائي أحببت، واليوم أكتب في دفاتري أسماء النكبات والكوارث والأخطاء، سنة بعد سنة وشهراً في إثر شهر، تختفي الحلاوات عن حياتنا ولم يعد غير التين الشوكي و(الخباز) طعاماً للفقراء. ولم يعد في حديقتي وردة واحدة .. واصبحت في الغابة مرة اخرى .. فبعد نفاذ الغاز من البيوت المجاورة .. اضطر جاري بان يستدين باب الحديقة الخشبي ليحوله الى وقوداً ( انا اعلم انه سوف يرده لي حين ميسره )
لقد اعجبتني مداخلة اخت لبنانية تقول :
علي شاشة التلفزيون يكرر بعضهم كل ما قاله في اليوم السابق حتي صرنا نعرف ماذا سيقول غداً، ويبدو أن الفضائيات سعيدة بهذا الكلام المكرر الذي يثبت أن العرب ظاهرة صوتية خسرت أهم أسباب تطورها، حتى التلفونات الخلوية (انظروا) يستخدمها البعض وكأنه هو الذي اخترعها
أصبح الجميع ( دون استثناء ) بارعا وباهرا ومؤثرا في الخطابات والمظاهرات والرقصات والأغاني، حتى اصبح الشخص نفسه يتلون مع كل نهاية نشرة الاخبار ... لم يعد أي جار لي يعرف ماذا يريد ( فلقد استولى الساسة على عقله الكبير ) ... كما استولى الصهاينة في ساعات محدودة على الوطن الكبير .. ويومها لم يعد احد يفكر الا في الشتات او في الموت ضجرا من ساسة التنظير ...
اقرأ الصحف واسمع الراديو وأري ما يبثه التلفزيون العربي من (بلاوي) وأسأل عن مصير أولادنا وأحفادنا وهم يكبرون تحت سقف السياسية،والسياسين ، أي مستقبل ينتظرون وقد تناثرت الخارطة العربية وصارت محض أشلاء لا يجمعها غير مؤتمر للقمة يقولون فيه: إن النصر آتٍ لا ريب فيه، ثم ينتصرون ــ حقاً ــ علي بعضهم ونسمع (كومة) جديدة من التصريحات وتأليف الأغاني التي تهزّ مضاجع العدو (الغاشم)!
كتبت ما يكفي من الإزعاجات .... ليس هذا بذنبي .. ذنب المرضى الذين ذهبت اليهم ازهار حديقتي ... وذنب الغاز الذي نفذ من مطبخ جاري ... فاصبحت ف غابة كثيرا ما هربت منها ..
متى ستنتهي المأساة .. متى سيصبح لنا وطن مثل البشرية جمعاء ؟؟؟
وفي كل مرة أمنع نفسي من الجواب علي سؤال كهذا، لأنني بصراحة لا أعرف أن أتمني، بل أحاول أن أعيش في أمنياتي، وبعد هبوط الغرائب والعجائب علي حياتنا .. اصبحت متأكداً .. ان هذا هو السؤال الوحيد الذي لم يتمكن مخترعوا التكنولوجيا من فك الغازه او صناعة جوابه كلما كثرت الاختراعات وماتت الامنيات[
تعليق