ذهبيات ادبية (4 ) / سرديات

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • دينا نبيل
    أديبة وناقدة
    • 03-07-2011
    • 732

    ذهبيات ادبية (4 ) / سرديات

    الأخوة الأدباء والأخوات الأديبات

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    مرحبا بحضراتكم في مسابقة ذهبيات أدبية ( 4 )

    هنا تدرج النصوص السردية بين ( خاطرة - قصة - رسالة أدبية ) وما إلى ذلك من صنوف النثر في الأدب العربي.



    رابط المسابقة /


    http://www.almolltaqa.com/vb/showthread.php?88323-ذهبيات-أدبية-(-4-)&p=734486#post734486


    برعاية نادي اصالة للإبداع الأدبي,والأستاذة ماجي نور الدين من الصالون الصوتي..
    والأساتذة أعضاء اللجنة التي سيتم الإعلان عن أسمائهم قريبا جداً إن شاء الله.

    تحياتنا للجميع وتمنياتي للجميع بالتوفيق .


    التعديل الأخير تم بواسطة دينا نبيل; الساعة 15-10-2011, 08:28.

  • يحي الحسن الطاهر
    أديب وكاتب
    • 20-03-2011
    • 111

    #2
    عشقنامة ..أو كتاب العشق
    قصة قصيرة
    يحى الحسن الطاهر
    مزيج من صباح ناعس تشقشق عصافيره البهيجة على فنن القلب ، غناء لذتها في فوضاها الحميمة مع قهوة داكنة الرعشة ، تتسلل الى أطرافك خدرا لذيذا يسخر من خمريات أبي نواس ، فتشهد ان لا عشق إلا لها ..ولا فناء إلا فيها وبها ،وتصلي حامدا ان جعلك العشق حواريا مذهول اللب مسكونا بأريج فتنتها التي تتقاطر من شرفة عينيها المطلتين على كون أحزانك المترامي الأطراف في أقصى أزقة روحك وحواريها البعيدة .. ، هكذا وصفتها إحدى موجات هلوساتي المجنونة ، ولكن مهلا ، للقلب أن يفترش النجوم مسهدا عل ألق نجمة بعيدة تباكر شاطئيه بأنثاه التي تتمشى حافية القدمين على مرمر الروح ..عارية إلا من النشوة التي تسكن سيمفونية الجسد لحنا يسكب قوارير عذوبته كغمامة حانية تحكي عشق الماء الى يابسة بعيدة مسكونة بجنيات الرمل في موطنها ( الأبيض ) بغرب السودان ، حيث شهد إحدى صباحات مارس المباركة كيف تسرب فتنة الأنوثة مرمر نعاسها وتستوطن أجساد البشر .
    بعضهم ذهل من هذا السر الكوني البديع، بعضهم أخذته عزة الحزن بإثم عدم التصديق، إذ كيف لهذه المدينة المنسية أن تزدهي بأجمل برهة فضت فيها ( الأنوثة ) مغاليق أسرار فتنتها الأخيرة هكذا بكل بشاشة وسحر؟
    كانت صرختها الأولى ، وهي للتو مولودة تلثغ بهاء أبجدية حضورها عبر شقوق الزمان ، كما أقسم من شهدوها، كانت خليطا رائعا من قهقهة حارقة كيدا وتشفيا على فناء زمان القبح الذي عمر ( أرض الفنانين) طويلا ملقيا عصا تسياره على رمال المدينة، وإيذانا بتاريخ سيادة الجنون العاشق والعشق المجنون.
    لم أك برهتئذ ، ألتحف حزني العريق ، كما هو حالي دوما ، بل –كنت – للغرابة ، أراهن على كيد زمانيتي العتيدة.. التي تسميني نبيا أضاع خاتم سليمان بهجته،واستعاضه لا مبالاة ممعنة في لا مبالاتها بأن تبالي بشيء أو بحي ، كنت أراهن على شدة بأس الزمان في تضييع ألق وسحر برهات العذوبة في نهر تعاسته الهادر كنت حينها أكتب الشعر استمناءا لعالم تستوطنه أنثاي..تلك التي تساقط ثمر أنوثتها جنيا من نخيل أحزاني الفارع الطول كقافية جاهلية .. المدبب الحواف كصراخ طفل جائع ، حين أتت هي .. غاب الشعر ( قلت لأحد أصدقائي مباهيا: هي قصيدتي التي حلمت بها كل قصائدي..وهاهي ذي تسطرها نبضات قلبي..فكيف أكتب شعرا؟ وقصيدتي تساكنني جسدي وعقلي؟ كيف..- بينما أتنفسها –ألفظها زفيرا من حبر ؟)..
    كانت ( الأبيض ) في ذاك الصباح المارسي تحشد كل فتنتها كي ترسم بذراري رمالها كرنفال احتفاءها ( قال بعضهم : ان النوارس التي تحلق في سماء ذاك اليوم لم يروا لها مثيلا في كثرتها وغرابة أصواتها التي لا يسمع منها بوضوح غير : نشهد ان لا عشق إلا أنت ،ان العشق والفناء فيك أنت ..لا جنون إلا بك ) حشدت الطبيعة كل مزاميرها..أتت أشجار السرو وهي تمايل أغصانها في دلال –تحاول جاهدة أن تضاهي تمايل جسد أنثاي ، كانت صغار الملائكة التي تتخفى في كنف الأغصان تغني في حبور ، فر أحدهم بشقاوة ومكر طفولي واستقر على صدري هامسا( نعم ..ما تظنه صحيح ..إنها هي..ليس ما بك هذيانا ..ولا هي ضلالات الشعر وتخاريف الشعراء..لا.. هي فعلا ولدت ..إلا تسمع صراخها ؟ إلا ترانا قد حشدنا نغنى بهاء الميلاد؟؟..).. احتشدت كل عناصر الجمال في مباهلة : أيها يكون برزخا مباركا يلملم ما تفرق منهم في جسدها وروحها.. كي يعيده إليهم بدلا عن ما استبدلوه من أطياف ترنو الى أصولها ، فالنسيم ، حاول برقته المعهودة أن يستضيف حلاوة الشهد ويعبق برحيق الورود خاصرته وهي تتمطى في فناء الريح ، خرير ينبوع يخالس النظر من مكمنه ، زعم ان يحاكي عذوبة صوتها وسلسبيل ضحكتها ، فاته ان الآف العصافير الضوئية الرقيقة، تركت حناجرها الفضية تسقط سهوا في حلق فتاتي، وسكنته فضاءا حفي الإقامة ، أما القمر ..فقد أقبل على استحياء من صحرائه البعيدة ، ليرى من يمكنه من الفوز باختلاس بعضا من لألاء وجهها وضياء وجنتيها، ضجت الكائنات بقلق من هوياتها العتيقة ..حاولت التسكع في هويات أخرى ..كي تصير مثل أنثاي ..القمر أشتهى لأشعته حرية الريح ..الماء هش وبش لعبير الأزهار وغناء الأطيار ..في فوضى الهوية تلك ..كانت ..هي وحدها..تبتسم في رأفة فقد علمت استحالة أن تنتجها عبقرية تحول ما..فحتى لو اجتمعن جميعا لن يستطعن لملمة ما تفرق فيها من مطلق الجمال في كيان واحد..فللقمر أن يختلس من الزهر غضارته وللنسيم أن يتزيأ بخرير المياه جسدا ورشاقة السرو ، لكنهم باخعين أنفسهم على آثار فتنتها قصصا ..فهي..خرافية العذوبة...أسطورية الألق... وبعشق الثعابين المقدس للتملص من جلودها العتيقة ...انزلقت الهويات فوق بعضها : فهاهو النسيم يئن من ثقل القمر ، وهاهي الوردة تتشكى من عنفوان الماء ، وهناك في البعيد سرادق عزاء نصبته الآف الطيور حزنا على فرار أعذب نوتاتها في سرنمة سرية الى همهمات فتاتي وهمسها .
    تعجبت إذ رأيت أبويها ( بشرا من طين ) يأكلون الطعام ويمشون في أسواق أبي جهل ...وأمدرمان ودهشت كيف ينجبان قصيدة ؟ وذهلت منها أكثر: كيف تفر من عاليات غيوم الشعر وتسكن أجساد البشر!!!
    نظرت الى مغيب ذاك اليوم..كانت الشمس للتو قد فرغت من تدبير أمر اختفاءها في جوف النهر الذي كان بدوره يرتب للقمر انعكاسه الفضي كدنانير بيضاء واهبة بهاءها السماوي ..كان يوما بديعا ..تزيت فيه الطبيعة بأبهى حللها وخرجت على الناس في زينة لم يألفوها من قبل .. الشمس قبل مغيبها كانت حيية خجول كعذراء في خدرها ..لم تكن كالمعتاد صارخة الحضور.. ..كأنها تقدم برهانا ساطعا على إلوهيتها الخفية وسطوتها على كل مافي الكون، التي تنمنمها منحوتات عبدة آمون ...لا ..أقسم جدي بلحية أبيه.. وبخط الشيب برأس أمه ..إنها كانت شفيفة كثلج يقبل على الذوبان ..الأزهار في أغصانها كانت تتمايل طربا على سيمفونيات لذة وثنية خفية، تتصاعد كبخار شاي من مسام أرض فرحة ..بوعد المطر ومجيء الزنابق ..وتفتح قرنفل الوقت على بشريات الميلاد ..حدثني جدي .. وفقاقيعا ملونة من فرح خفي تتراقص على وجنتيه ..التي سرح الزمان جداوله المتعرجة فيها ندوبا وتعاريج، تحاكي جروف نهر منسي يتشقق طينه نعناعا وبيادر قمح ..وكنت حينها دون الخامسة بقليل :
    ( حين ولدت أمك : كان القمر يلعب مع السحاب ( الاستغماية ) يطل من حيث لا تتوقعه الأنظار ..وكان السحاب خرافا ترعى في أعشاب السماء ما تستنبته كف الرحمن ، كنت أصلي المغرب حينها ..بينما يشرق في قلبي وعقلي فيض رحمات علوية ..سمعت تصايح النساء ..قدمت إحداهن ..بجسارة ..متحدية كل قوانين الذكورة الفجة في مجتمع القرية ..الى مجلسنا نحن الرجال .الى الديوان-ذلك الكنف الآمن لسطوتنا على النساء - كما كنا نسميه .قالت : صهيب ..صهيب ..صهيب : اليوم ولد ت زوجتك بنية ..أخشى عليها من كيد ( إخوة يوسف) حين ولدت لم تصرخ مثل جميع الأطفال ..اكتفت بابتسامة صغيرة أضاءت جنبات الغرفة ..حتى بهت الضياء الشاحب لمصباح ( الكيروسين ) خجلا من شدة سطوع ضياء عينيها قال جدي..يا ولدي ..لا تسلني كيف تراقص قلبي طربا حتى خشيت أن يقفز خارجا من حرزه الحريز في قفصي الصدري ....تناسيت بدوري كل قوانين خوفنا من الأنثى التي نسيج بها ذكورتنا كصدفة سميكة من غائلة فتنتهن..لا تتكسر قشورها إلا حين تستخفنا النشوة في الفراش ليلا فنبوح وقتها بما ننكره جهارا في الصباح ..جريت لاهثا حيث جدتك ترقد محتضنة برعما سماويا لزهرة من لحم ودم ..أسميتها ( آمنة ) لتأمن من عين جنيات القدر من جن وبشر ..كنت أستمع الى جدي وأنا مذهول اللب ..كيف يحكي ما سيأتي بعد أكثر من ثمانين عاما أو يزيدون؟ ..عجبت كيف يستدير الزمان كقرص عجين في يد ( دمشقي يجيد صنع الفطائر ) فهاهي ( الأبيض ) تشهد ما شهده جدي في مدينته القاطنة في الشمال قبل ما يزيد عن نصف قرن ....عجبت من ( ثعبانية الزمن : كيف يستدير رأسه كي يلثم ذيله ؟ في رقصة وثنية فيها كل طقوس السحر والغرابة.. وفتنة غموض نعومة الثعابين ) تلك كانت أمي..أما هذه فحبيبتي .وللعجب...فهي ابنتي..نعم ..ابنتي:لماذا تندهشون أيها السادة؟ من قال بأن الرجل لا يحبل؟ ألم أحملها في أحشائي حلما ..ألم تتكور في رحم تعاستي بشرى بالخلاص من إسار حزني العريق ووحدتي المجوفة كقاع بئر عميق ؟ هي ابنتي ..التي ولدتها من حنيني الى أروع رفيقة في الوجود لروحي شقيقة الأصيل ..ابنتي وزوجتي ..وأم أطفالي ..وأمي ..هي – ببساطة- عالمي الذي إليه أنتمي ..وبظله أحتمي ..هي كوثري ..وفراري مني ..إلي .. كانت تتكور بداخلي وعدا ..وكما تحبل النساء ويلدن أجنة مشوهة ..وحبلا زائفا في بعض الأحيان ..كانت كل من أنجبت غيرها من النساء كذلك ..ولدت الكثيرات قبلها ...كنت أحسبهن ( هي) جنيني المدهش الذي يكركر في داخلي نشيد ميلاده البهيج..حتى ولدت أخيرا ..بالطبع ..أعرفها كجوعي لها ..كعطشي لزلال قبلاتها ..وكرائحة كوثر عناقها ..كيف لا أعرف من استجن في أحشائي كل تلك السنوات ؟ منذ ميلادي كانت حياتي كلها ..بكل تعاساتها ..تمرينا لي ...تهيئة كي يحتمل قلبي المثقل بالحزن بهجة حضورها.
    لم تكد شمس اليوم التالي لميلادها تشرق على كون سعيد بهذا الحدث البهيج ، حتى بدأ كل شيء وكل حي يعرض أثواب فتنته في كرنفال غريب :فالطيور المحلقة في فضاء ذلك اليوم كانت ترقب في غبطة نادرة كيف تنخر زنابق العشق منسأة حزني العريق وتجعل- بما مكنتها العناية- من رمادها بيني وبين التعاسة ردما ..غاب نباح الكلاب ..سكنت الريح إلا من ترتيل خفي من مزمور سعيد يتمشي كسلا بين أغصان السرو وحشائش شواطئ القلب..القمر ..كان هادئ الزرقة..كان الجميع يحسبها ليلة القدر ..حتى نبههم جدها العارف ( سيف الدين ) صائحا :
    نحن لسنا بعد في شهر الصوم أيها الغفلة.. كما نحن لسنا في الليل بعد..إذ لا ليل لهذا اليوم..بل لا صباح ...ثم غمغم في سكون: مالي مضطرب هكذا على غير العادة؟ ماذا جرى لي؟ ..بعد تأمل واطراق مليي عرف ان لأمر حيرته صلة بميلادها ..كبر ثلاثا..وغاب في غفوة سعيدة رأى فيها.. كما يرى النائم:
    ( كنت ..كأني في أرض غريبة ..لم أر مثلها في البلاد ..كانت أشجارها تنبت ثمارا بديعة: فشجرة الليمون تلك ..بها ثمار تفاح ومانجو وكمثرى وجوافة وموز وبعض ثمرات يانعة من الأناناس ..عجبا ..كيف لشجرة واحدة أن تحمل كل تلك الفواكه في آن واحد ؟ كنت مستغرقا في حيرتي ..حتى صاح بي صائح من بعيد : إذا صفا القلب ..رأى ما لا يرى..كان الصوت يهدر داخلي كينبوع خفي لم أدر له مصدرا..حتى ولدت هذه الطفلة ...فحين اقتربت من أذنيها كي أتلو عليها الآذان مثلما اعتدنا ...سمعت ذات الصوت.. ولكنه كان في هذه المرة آتيا من فم الطفلة: أنا تلك الشجرة يا جدي .. تحوقلت ثلاثا...وأعذتها وذريتها من الشيطان الرجيم ).
    كان جميع من بمجلس (العارف سيف الدين) مطرقين من جلال وجمال ما يحكيه وقد ألجمت دهشة عظيمة ألسنتهم ..وحبستها في الحناجر.. كاظمين بهجة عميمة بحظوة أن يكونوا شاهدين على هذا البهاء البديع.
    سمع الجميع لغطا عظيما في الفناء الخلفي للمنزل ..كانت الأبقار والماعز والخراف تتصارع في أيها تناله حظوة أن يذبح قربانا يزف بين يدي اسمها ..سمعوا بصفاء كل غمغمة من خوار وثغاء ..كما اندهشوا كيف تجيء الآف الطيور من مهاجر بعيدة يحدوها فأل أن تكون أول من يذبح ابتهاجا:
    لم نعرف من قبل فداءا تذبح فيه الطير ...ولكن ما رأوه من أحداث جليلة جعل عقولهم مهيأة لكل استثناء مهما بلغت غرائبيته ..فمن كان يظن ...لوهلة..أن تستحم الآف البطاريق على شاطئ( الأبيض) الرملي الذي – كما يقول أسلافهم – كان يستحم بنهر كبير.. أطول من نهر النيل نفسه بالآف المرات ..ولكنه اختفى لأسباب لا يعلمها إلا العارفون.. الذين لا يبوحون بذلك السر، إلا لخلاصة خاصة الخاصة ورحيق ختام الأصفياء..كانت حيوانات الفقمة المرحة والدلافين تتقافز في بهجة غريبة وإغاظة لأسماك القرش التي كانت بالكاد تلجم غيظها لكونها التزمت – كما الجميع- الصوم في ذلك اليوم المبارك..( علمت فيما بعد.. لماذا تحب حبيبتي هذه الحيوانات أكثر من غيرها...فقد شهدت ميلادها ...بل وشاركت في الاحتفاء به بحبور لحظه الجميع....رغم أنف جغرافيا الفانين وغفلتهم ) وكما أتى ( الجن) بعرش بلقيس ..قبل أن يأتوه مسلمين أتى ( الحب) بكل كائنات الكون كي تشهد عرس الميلاد طائعين ..وان علت حواجبهم دهشة وذهول بديعين : كيف أنستهم أشواقهم عناء الرحلة الطويلة الى ( الأبيض ) حيث خيام الفرح قد نصبت من مرمر أحزان الفقراء.. وأشواق اليتامى ، وحشدت فسيفساء رمال المدينة بمزيج بهيج من حسرات هزائم العشاق وآمالهم ، وجدلت ضفائر مياه الينابيع من دموع الملتاعين ، عجبت الكائنات كذلك ..من هذا المكان الغريب ..الذي استضاف مرة واحدة والى الأبد.. الحملان وهي تتقافز على وقع ضحكات الذئاب المرحة .. ورأوا كيف تربت الأسود بحنان غامر على أعناق الغزلان ..أما النمور فقد كان أمرها عجبا: اختارت أن تلعب بهناءة لعبة التخفي والظهور مع الشياه والأغنام.. وكانت الأخيرة تسلك سبلها ذللا.. سادرة في غي لعبها الجميل مطمئنة القلب للحنان المباغت الذي أبدته النمور ..
    قال ابني الصغير (محمود) من مكمنه البديع في شفق أحلام حبيبتي وهي للتو طفلة:
    أبي ..لأمي ميزة ..وسكت ..حاولت أن أعرف ماهي ميزتها ..لكنه بإغاظة طفولية لم يخبرني ..كانت طفلتي الجميلة تشع من عينيها ضياءا بديعا يريني أطفالي الحلوين( ريم، إيمان والشقي اللاعب محمود) .. وهم يتكورون وعدا وبشرى في أحشائها الصغيرة..ضحكت حين رأيتهم ..وعرفت ان لا شقاء بعدها..عرفت بأنني مبارك وبأني أستطيع أن أبارك الآخرين.. لم تكن( ريم) الضاحكة دوما تبالي كثيرا بما اختلسته –سرا- من هوس أمها الخرافي بالمرح ..كانت فقط تضحك ..الى حد ان القابلة التي أشرفت على ولادة زوجتي كانت محتارة من هذه الفقاقيع الملونة من الضحك الصادرة من جوف الطفلة النائمة ...ضحكات من شفق الغيب ..فأمها للتو قد ولدت ..(إيمان)هي الأخرى كانت ممسكة بيدها الصغيرة بألوانها وفرشاتها ...ترسم في وجنتي أمها شوارعا للفرح ومدائنا تسكر وتفيق على هلوسات عشقي المجنون ..كانت القابلة تسكن قشعريرة خوفها الكلي السيطرة من هذا الحشد الكثيف لمخايل جمال الطفولة وطفولة الجمال التي تتمشى خالية الروح من إسار الطين في جسد الطفلة المدهشة ..هالتها كل تلك الصور الأثيرية لأطياف أطفالي الرائعين وهم يشهدون ولادة أمهم ..لم تدر ماذا تصنع ..أتكلم من كان في المهد طفلا؟ أم لعل عقلها خالطه جنون ما ..وما هذي الصور والأصوات التي تسمعها جيدا وتراها إلا محض هواجس وتخيلات وأوهام ؟ ذهبت القابلة الى أمي تحادثها ..وقبل أن تشرع في فك طلاسم ما يبدو عليها من حيرة عميقة..فاجأتها أمي ضاحكة:
    هل رأيت كم هم رائعون أطفال هذه المولودة الخرافية السحر ..أحفادي مدهشين أليس كذلك ؟
    عرفت القابلة حينها ان في الأمر سرا يتجاوز أفق إدراكها المحدود ، وان لهذه الطفلة شأنا فيما سيلي من الوقت ...وأقسمت ثلاثا ان لو شهدت ولادتهم لتخدمنهم مدى ما بقي في عروقها من دماء وفي قلبها من نبض واجف.
    كانت المولودة حينها تحرك يديها الصغيرتين، عبر الثقوب اللا مرئية في كريستال الزمان الشفاف كأحزان عذراء في ليلة زفافها لشخص بغيض ،كي تلاعب أطفالها الآتون على صهوات غمام عشقي المجنون ،مرة ، وكي تزجرهم مرات ، عن هذا الاندفاع المحموم للعبث الطفولي ..( محمود ) كان يتصنع – بعبثية وشقاوة – الهدوء طوال الوقت، بينما ينشغل سرا بمحاولة إضحاك أمه عبر غمزها بأصابعه الصغيرة على جنبيها ..لم تكف أمه عن الضحك ..الذي أدهش كل من كان بالغرفة لكونه يخالف مألوفهم ( فالأطفال ..عادة ..ما يأتون للحياة وهم يصرخون ..ويخرجون منها وهم يصرخ عليهم ) ولكن أن يضحك من ولدوا للتو ..فهذا لم يحدث إلا معها هي ..ألم أقل لكم كم هي مدهشة؟!





    sigpic

    سارة..توتا..نونا ...حوتة ..والله وبس!!!
    yahia.change@gmail.com
    http://truthsekkers.blogspot.com/201...g-post.html#!/
    https://groups.google.com/forum/#!forum/yahiahassan

    تعليق

    • محمد فهمي يوسف
      مستشار أدبي
      • 27-08-2008
      • 8100

      #3
      وهذه سردية ذاتية من سيرة حياتي المرضية في مدونتي
      كتبتها لأسجل لحظات :
      ================

      أيام عصيبة
      قلت لهم : كتفوني وخذوني إلى الطبيب!!
      لم تصدق زوجتي وابني وضحكا
      كنت ساعتها أتقطع ألما
      ......
      تعودت تحمل الآلام مهما كانت شديدة وقاسية
      آلام المرض , وآلام نكران الجميل, وآلام الحاقدين
      مرت عدة أيام وأنا أفكر بيني وبين نفسي لماذا كل ذلك؟
      لماذا هذا التحمل وفي إمكاني التخلص من الألم؟!!
      لماذا لا أكشف لهم عما أعانيه ؟ إنهم أقرب الناس إلىَّ
      هذه زوجتي حبيبتي , وهذا ابني الطبيب الصيدلي
      كنت أقول : إنها سحابة تمر كما مرَّ غيرها من الهموم
      لكن الألم كان يزداد , وبدأ يضغط عليَّ حتى قلت ما قلت
      وفعلا لبست زوجتى ثياب الخروج وأيقظت أحمد من النوم
      قم يا أحمد بابا تعبان , خذه إلى الطبيب وليعمل التحاليل
      ولم أمانع ركبت معه السيارة ، وتركت له التصرف
      ذهب بي إلى أحسن معامل التحاليل للأشعة فوق الصوتية
      وتم عمل التحليل وعدنا , وتوجهت إلى الطبيب المختص
      في نفس اليوم
      ووجدت زوجتي تنتظرني هناك بعد عودتها من عملها
      وتفحص الدكتور الأشعة , وقال : كم نصحتك أن تبكر بالعلاج من مدة
      أنت دائما تترك نفسك لفترات اختفاء الآلام وظهورها المفاجيء
      لابد من إجراء العملية حتى لاتزداد الحالة سوء ً فلا يمكن عمل شيء
      قررت الموافقة واتفقنا ,
      .وطلب مني المرور على طبيب القلب وعمل رسم قلب
      وإحضار تقرير منه بشأن الحالة , حتى يجهز طبيب التخدير (البنج) والسريربالمستشفى
      وطلب بعد أن أتيت له بتقرير دكتور القلب , الذي قال: أنت متوتر وعليك أن تأخذ
      مهدئا قبل العملية ,
      وكان ابني معي وأخبره عن اسم المهديء
      وفي مساء الأحد اتصل الطبيب الجراح للحضور صباح الاثنين الساعة الثامنة
      ومعي التحاليل والتقارير الطبية إلى المستشفى لإجراء العملية ,وأن أجهز نفسي للبقاء بالمستشفى ثلاثة أيام على أكثر تقدير ,
      وبعدها استقرار بالسرير والبيت لمدة ثلاثة أسابيع
      على الأقل كفترة نقاهة , لتمام الشفاء من جرح العملية
      لم أكن خائفا , بل اعتمدت على الله وقلت : ألمُ ساعةٍ أفضلُ من آلامِ الساعاتِ والأيام
      كان زوجتي وأحمد ابني وأخي وابنته معي بالمستشفى حتى خروجي من العملية
      وفي غرفة العمليات كان فريق الجراحة :الدكتور محمد الصاوي والدكتور أحمد كمال
      والدكتور عبد العظيم وطبيب التخدير الدكتور مجدي ,
      وأخذوا يضحكونني ويشجعونني
      وكان التخدير نصفيا ,وكانت العملية بالمنظار ,وتم استئصال( البروتستاتا ) وتركيب القسطرة
      وعلى السرير رُكبتْ المحاليل ,والجلوكوز,وحقن المسكنات والمضادات الحيوية

      ونمت ..............
      وحين استيقظت وجدت الزوار من الأهل والأقارب يحيطون بي ، وباقات الورود من أصدقائي الزوار بجواري

      كان عطرها وألوانها مع كلماتهم الطيبة بلسما على التحمل وتخفيف الألم ,وهم يقولون: الحمد لله على سلامتك ،
      أنت بعافية والعملية بسيطة
      وما أن بدأت أشعر بهذا الخرطوم الذي يخترق المثانة في القسطرة ويتدفق منه الدم في كيس
      التجميع حتى تيقنت أنها عملية صعبة , وأن المُنَجِّيَ منها هو الله سبحانه وتعالى.
      لم تفارقني زوجتي طوال الأيام الثلاثة بالمستشفى , وكان أحمد يذهب إلى الصيدلية ويعود
      إلينا بما تطلبه منه أمه , مما نحتاج إليه من أدوية وطعام وعصائر ,وكان على قدر المسئولية
      في هذه الأيام ,وكان متأثرا لما يراه بي من الألم الشديد , ويحضر المحاليل ويطلب من الممرضة
      أن تعتني بي وهي تضرب حقن العضل , أما حقن الوريد فكانت تضع بعضها في المحاليل
      والبعض الآخر , في سن الإبرة المغروس في الوريد منذ خروجي من غرفة العمليات
      وجاء اليوم الثالث وحضر الطبيب المتابع , لإخراج القسطرة بعد أن بدأ البول يتخلص
      من لون الدم قليلا , وكانت لحظات مؤلمة أقسى من لحظة إجراء العملية ذاتها لأن ذلك
      تم بدون تخدير (بنج) لإخراج خرطوم متعرج طويل إلى حد وسط المثانة بعد أن تم تفريع
      البالونة التي كانت تمنع انزلاقه من موضعه .
      وتحملت الألم الشديد , وكان الدكتور يقول :نركب القسطرة تاني ونطلعها ( بالبنج )
      وضحكت لأول مرة منذ دخولي المستشفى ,وأخيرا عدت مع زوجتي وابني إلى سريري
      بشقتنا , لقضاء أيام عصيبة في النقاهة مع متابعة الحالة مع الدكتور محمد الصاوي
      الذي أجرى العملية ,وكان أحمد قد أخذ (البروتستاتا ) المستأصلة لإجراء الفحص
      المعملي على العينة لمعرفة نوع التضخم فيها ,وإخبار الطبيب المعالج بالنتيجة
      والحمد لله جاءت النتائج طيبة فكان التضخم محمودا بسبب السن فقط
      وهكذا قضيت أسبوعين وأنا أتماثل للشفاء , ويوم الجمعة خلال الأسبوع الثالث
      نزلت لصلاة الجمعة بصعوبة , بدون إذن الطبيب,وعاودني نزول الدم من جديد
      بعدها ,وغضب الدكتور المعالج
      وقال:لماذا تعجلت النزول قبل التئام الجرح ياأخي ، ألم أقل لك : استعمل رخصة الله
      أن تصلي وأنت نائم أو بدون حركة كثيرة ؟!
      وعاودت تناول المضادات وأدوية وقف الدم والمسهلات لأنه كان ممنوعا عليَّ
      الحذق والإمساك والضغط على المثانة حتى يلتئم الجرح
      وكان مطلوبا مني أن أشرب ثلاث لترات من العصائر والمياه يوميا لغسل بقايا الدم الذي ينزل مع البول بألم شديد
      وانقضت فترة النقاهة بطيئة .,حتى تم الشفاء بفضل الله
      وكنت أستغفر الله لصلاتي وأنا جالس على الكرسي هذه المدة .
      وأشكر كل الذين سألوا عني وأنا مريض ,أو زاروني ,أو دعوا لي عن ظهر الغيب
      أحسست أنني لست وحدي , فهناك رحمة الله التي أحاطتني برعايتها ,
      وهناك حب الناس لي والتفافهم حولي للتخفيف عني ببسمتهم وتشجيعهم ، وحتى سماع صوتهم
      فما أروع أن تجد من يحبك بصدق حولك وأنت في شدتك
      ومنهم من كان يتصل على الهاتف , أو على صفحات المنتديات الأدبية
      من كل مكان من الوطن العربي من الأصدقاء الأفاضل جزاهم الله عني كل خير
      و من أصدقائي الذين عرفتهم على الشابكة العنكبية .
      الحمد لله لقد مرت أشد الأيام قسوة في حياتي الصحية خاصة وقد تجاوز عمري
      الرابعة والستين وأصبحت الآلام المتراكمة تنخر في جسدي
      فإن الصحة تاجٌ فوق رؤوس الأصحاء لايراه إلا المرضى
      حقا إنها أيام عصيبة ،،،
      .

      تعليق

      • منتظر السوادي
        تلميذ
        • 23-12-2010
        • 732

        #4
        رحلة
        [align=justify]

        بهدوء ، تسمّره على أنامل قدميه النظرةُ إِليها ، تفتحُ الصرة ، أعطته كل ما فيها سوى ورقة سقطت من يدها ، أخذ المجوهرات لكنّه ظلَّ شريد العين إلى الورقة الغريبة ، التي سمع عنها مرة همساً من أُمه وقتها كان شبه مستيقظ ، ".... ينبغي أن لا يراها !! "
        دخل إلى غرفته تُجرجرُه أَجيالٌ من الأفكار ، النوم تلاشى من لياليه ، والسكينة قطرةٌ وألقاها مجنون في صحراء معتمة ، أنفاسه تُهمهمُ ، ما فيها يا ترى !
        يستلقي على بساط الاحتمالات ، وتقلبه الظَّنون ، قصد العراء مهاجراً ، يبغي حُلمه ؛ هبة الرحمن جوهرة الزمان ، علّها تؤنسه وتطردُ غُربانَ غربته ، التي ترعى فلوات نفسه .
        نظر إلى رُوحه الغارقة في الماء المتماوج ، بفعل زورقٍ يخطُّ على وجهِهَا رسومات حزينة متحركة ، كَأَنَّ الدمع يغمرها ، يتمزق صمتُ الليل بهدير الأَملِ الناعسِ مع التجديفات المتناوبة ، بدت له صفحة مكتوب فيها : " أَيُّهَا الحزينُ لا تبكِ " ، أخذ حفنةً من الأمل وراحَ يَغسلُ عينيه ، ويسقي أفكاره من قطرات التفاؤل الندية التي تتساقطُ بصمتٍ هادئ ، راح يخلع بعض ثيابه المتيبسة التي تغطي نظرته ، نزل من قارب الحزن لِيُبحرَ إِلى عين الحياة ، تجلبب بزي التفاؤل عَلَّ الفرحَ يَهلُّ على ثغره وعلى صفحاتِ وجهه البريئة يوماً .
        تأمل صفحة الماء لم يرَ سوى حورية الياسمين ذاتَ جمالٍ خَلابٍ تَتلألأ ، أبهى من البدر فراح يستبشر الخير في الأفق ، حاورها ، غطت وجهها , حياءً برجفات المياه المتراقصة التي تلاعب جدائلَها ، وتبللَ خصلات شعرِها بالحياة ، وَكَأَنَّهَا من خيال الأحلام ، عادت أحلامه غضة كزهرةٍ في أول إطلالة لها على ضفاف النور ، فبدت له بسمة الحياة أَخيراً .
        قبل أن يبحر بجسده إليها ، قرر أن يودع العجوز عسى أن يرى ما في اللون الوردي من أخبار ، والأشواق تعانق أفكاره ، هل سأجدها !!
        يردد الصدى : أَينَ ..... ؟
        يصل إلى ( صريفة ) العجوز
        - أيَّتُها الطيبة :-
        - نعم من هذا ؟
        - أنا من أعطيته الصرة ، عفوا ما في الصرة .
        - يا " مراحب " بصوت متكسر ، ممتزج بحشرجة خفيفة
        - " يا ولدي افتح له الباب، فهذا الفتى عزيز ، وأمانة لدينا " .
        شاهد في يد الصغير شيئاً وردياً ، وهو يعكره ويضغطه ، ويجرب قوة أسنانه عَلَى أطرافه ... تَمَزقَ قلبَه .. صارَ إرباً ، أسرعَ نحوه ليوقفه ؛ " تــــــــــــــــــــــــــــوقف " ، فلت ضاحكاً إلى جدته وجلس بحضنها ، يصك أسنانه فتظهر تماويج على خديه وهو يدعك الورقة .
        ببسمة هوائية نظر إلى العجوز ، قائلاً :
        جئت أبلغك التحية ، موفياً كلمات أُمي ، فالسفر دقَّتْ نواقيسه ، لو أحببت أطلعتني على الورقة الوردية ، لأَذهبَ قرير العين .
        تمتمت بهدوء كأَنَّ على شفتيها سلاسل جبلية : " اليوم أصابني غمٌّ وألمٌ ، اذهب رافقك حظ آبَائك الكرام " .
        أخذت العجوز رجفة ، فأصابه قلق وغيض ، ... " لِمَ تؤجلُ ... !!! " .
        ينظر بقلبه إلى يد الطفل ، وقدماه تتأرجحان في مكانهما ، العجوز وهي تسمع اختلاجاته ، " ستعود ... إن شاء الله وأخبرك بما تركوه لك من حروف "
        لم يستطع التفوه ، لوح لها بيديه .... وعيناه تلوحان للورقة بــــمتى أراك ؟
        خرجت رجلاه ونبضه باقٍ في الورقة لدى العجوز ، لم ينتبه إلى أعماله وتصرفاته .
        استأجر دليلاً متضلعاً ومتبحراً في خفايا الدروب ، ملك آثار الفيافي ، يحفظ من الشعر لليالي السفر جمّاً غفيراً ، فاكهة للرحلة والمسير ، لِيوصله بلا مللٍ إلى قلادة الربيع ، المتشحة بأجملِ وأرقى فنون الإبداع ، ذات خمارٍ أبيض ، منسوج من غمام الصيف الرقراق ، سارا لياليَ ، لم يرَ أي حلم في لياليه ، رغم سوء الغذاء ، وكثرة جياد الأحلام على مسارح الخيال في ساعات الأمنيات ، يدندنُ بما يخبئ له القدر من عجائب .
        - من هذانِ !؟
        - أين متجهان !؟
        بصوت أجش ، صدى الصوت يملأُ الآفاق ، ويزلزلُ الأعماق .
        أَنهكهمها تكراره ، بين الفينة والأخرى ، والأسوار ممتدة على طول الصحراء ، تعانق السماء ، تقف شاخصة بوجه رشقات الرمل المستمرة ، وعليها غلاظٌ من الحراسِ .
        همس إلى رفيقه : " ما هذه العقبات ؟ "
        - حراسة لأميرة الخيال ، فلا يصل إليها إلا يعسوبْ .
        هكذا نَفَدَ زادُ الصبر ، لم يبقَ سوى القليل في كأس الأمل ، كاد الدليل يتيه ، فبالرغم من كثرة أسفاره في بطون الصحراء ، والعيش في الفيافي الجوفاء ، أَلا أَنَّ هذه المرة مختلفة تماما ، فما يطلبانه بعيد المنال حتى عن عالم الخيال ، وصاحبه شريد ، مفتوح العينين ، تائه الأذنين ، يصغي بقلبه إلى صوتٍ مضت عليه أَزمانٌ ، لم يستسغ شعراً ، بل يجالس الحصى في العتمة ويحكي معها حكاية الصمت والتأمل و وفاء البدر للفلاح .
        لولا أنه استنشق عطرها ، وسطع نور وجهها ، متلألئاً من فوق الأهرامات , كأنَّه الشمس تغازل الفجرَ بضيائها ، و يغوصُ في قشرة الليل منها سَهمٌ نورانيّ هادئ ، وتزف الندى إلى ثغر الزهرة المتفرعة بالعبادة لربِّ الأَرضِ و السماء ، لتاه في دروب البيداء ، ثم غمزته بطرفٍ ساحرٍ ، وخبّأت وجهها بالغمام ، لم يتحملها الدليل خرَّ مغشيا عليه .
        اتخذ من لَحنِها دليلاً ، انعكست خيوط البهاء المشعة من ثغرها على وردة تستحمُ بأريجها فراشة ، بهية الألوان تعانق اللون الوردي ، قطفها ، وضمّها إليه ، خطرت له تلك الورقة ، التي بيد الطفل .
        جاءه صوت رخيم يطرب الصخر لا العاشق المستهام ، فلم يستطع البقاء ، تراقصت فرائصه ، ارتعشت أقدامه ، أسرع إلى الأهرامات ليعتلي إلى كوكبة الحياة ، ليحصل على هبة الرحمن .
        حار كيف يصل إلى قلادة في عنق الجمال ، والجمال ، فوق الشمس يرتقي ، يعلو تراثا ملأ القلوب سحره ، وأغدق الكون علمه .
        دلف إلى الداخل ليجد كاهنا يرشده الوصول ، كاهن من بقايا عهد آمون ، ضخم ذو هيبة وقوة ، ما تريد ؟ بصوتٍ هزّ أحجار الأهرام .
        - دمعت عيناه
        - " ما لك تبكي ! "
        - " .. .. .. " فعرف ما حكته عيناه
        - ".... وهل عندك مهر يا ابن الفرات ؟ "
        تكسرت عبرته في دمعته ، كادت تودعه روحه ، ثم أهوى يده إلى صدره ، وأومأَ إلى الكاهن بأَنَّ المهر مدفوع .
        هزَّ الكاهنُ رأسه بقبول المهر ، ثم حرك حجرة كتب عليها بحروف سحرية ، الحب والتضحية توأمان ، لا بد يوماً أن يلتقيا ، ثم أمسكَ قنينة فيها شراب قانٍ ، أخذ يردد كلمات لا تفهم ، قال له : هاك ، أغسل وجهك و...
        شرب ( مجعة ) فلم يرَ الكاهن ، خرج وإذا بحمامة ذهبية ، مطوقة بالمرجان ، وخلفها غمامة ، لونها بين الثلج والورد ، امتطاها ، وقاد زمامها نحو أميرته المستوطنة في عرائش أفكاره ، هي نبض أحلامه ، ورعشة فؤاده .
        غازلها، بخجل ابتسمت ، أنشد لها مجنونيات قيس ، وشيئا من روميات أبي فراس .
        لفَّت نفسها بالغمامة وقالت : كل هذا الجهد ، والمشقة من أجلي ، كم أنت بريء ، لا أنت طفل صغير ، ثم ضمته ، واختفيا في الغمام .
        بعد مرور أيامٍ قصيرة كالثواني ، غُشيَ عليه ، نثرت على وجهه ، قطرات من الضياء ، استفاق ، عارياً كأنه يولد من جديد .
        ألقته على شاطئ اليم , وحيداً لا شجرة ، ولا رفيق ...
        عاد يجره البؤس ، واليأس ... وصل قريته ، بوجهه إلى العجوز .
        يجدها تتناول أخر جرعة من الهواء ، رمقته ، هَمَّ بالسؤال .. قالت : اللون أنت فتى عطوف ، كالوردة ، لم يفهمك أحد ، تعيش غريباً .
        - وما هذه السطور ؟
        قرأت له رحلته إلى بلاد الكنانة ، وقبل أن تغص بالحبة الأخيرة ، ارتمى بين يديها جثة يابسة متكسرة كثيرة الأوجاع ، توقفت كلُّ أنفاسه ليسمعَ وصيتها الأَخيرة ، همست في أُذنه : " الحزن قلادتك ، والدمعة أنيستك في ظلمات الهجر ، صبراً أَيُّها المنتظر الأميرة لن تتركك ، واعلم أَنَّه لا بد للحبيبين يوما من عناق " .
        منتظر السوادي 19/9/11
        [/align]
        التعديل الأخير تم بواسطة منتظر السوادي; الساعة 20-10-2011, 19:30.
        الدمع أصدق أنباء من الضحك

        تعليق

        • حنان المنذري
          أديب وكاتب
          • 06-08-2011
          • 32

          #5
          وهذه قصة قصيرة أشارككم بها


          صراخ الأسمنت
          من أجل موعد غائم سيحين بعد برهة, جلست أمام مرآة التسريحة لترسم على صفحة وجهها «مكياجًا» متقنًا سيحيلها إلى امرأة مختلفة.. امرأة أجمل وأكثر أنوثة.. وأهم من ذلك, امرأة لا تشبهها! ...
          قبلًا, كانت تكتفي بوضع بعض الرتوش البسيطة من علبة المساحيق لتبرز بها معالم جمالها المتواضع, غير أنه في هذه المرة, كان ثمة ما يدعو لأن تُزلف تفاصيلها بألوان صارخة, تطمس وشاية عينيها العسليتين بعدستين لآصقتين عميقتي الزرقة, وشفتيها البندقيتين بأحمر شفاه لامع.
          الساعة التي علت التسريحة المستندة إلى الحائط تنذرها بأن ما تبقى من وقت لديها لا يكفي لتنجز لعبة الألوان بالدقة التي تريد, وهي على تلك الحالة من البعثرة والتشظي, تزداد اضطرابًا حين تخونها انقباضات قلبها فتعجزها عن الاختيار المتقن للأدوات الموضوعة بلا ترتيب على الطاولة أمامها!.
          في قرارة عمقها المسكوبِ بالحنين, تمنّت لو أن كان بمقدورها أن تستعير وجه جارتها البعيدة, وجه زميلة يمّمت شطر الغياب, وجه امرأة قابلتها في الشارع صدفة!... أي وجهٍ جميل لا يعنيها ولا يشبه وجهها, وجه مؤقت تستطيع أن تمحوه بورقة محارم في حال عودتها خائبة إلى شُقتها, وقبل مواجهتها لمرآتها الصقيلة في حجرتها, وقبل أن تلقي بها الحظوظ العاثرة في صدفة رجل التقته فعافها أو عافته في ذلك المكتب!
          بعد أن انتهت, نظرت بتأمل إلى تفاصيلها في المرآة, ها قد أضحى لها وجه مختلفاً قدر الإمكان, سعيد قدر الإمكان, غامض قدر الإمكان... ابتسمت بلا معنى, وزعت ناظريها في جنبات الحجرة الغارقة في الصمت.. أطرقت, فكرت في الوحدة التي تناوشتها طويلًا, هزت رأسها في محاولة يائسة لطرد الأفكار المُتعبة .. مشت باتجاه الباب.. أمام الباب توقفت قليلًا .. فكرت أن تتراجع, قالت لنفسها أنها لن تحتاج سوى للإستدارة عائدةً بضع خطواتٍ إلى الخلف, ترددت, كادت أن تقفل أدراجها خوفًا من ندم قد يلوي قلبها لاحقًا, ألا أن أتصالاً هاتفياً باغتها بصوتٍ أنثوي ناعم, دفعها لأن تمضي إلى الأمام!.
          في الخارج .. شعرت بالموجودات تخزها بما فيها النسمات الباردة التي لآمست وجهها بلطف, كل شيء كان يصفعها حتى الجمادات وخادمتها التي صادفتها قبالة الباب عائدة بسلة مهملات فارغة وابتسمت لها بودٍّ تعودته.
          في السيارة .. حين جلست خلف المقود وبعدما اضاءت المصباح الصغير في سقفها, وحركت المرآة الأمامية لتعكس وجهها, تفاجأت بتفاصيل جديدة تبرز كشرخ يفضح الأسى الذي حرصت على ردمه تحت ثقلٍ من الألوان الباهضة, ها هي التجاعيد الرفيعة تتضح وتتضخم في المرآة. وها هي العدسات ذات اللون الشاهق تُخفق في إخفاء رذاذ الدمع المحتقن بمحجر عينيها!.
          بحركة مُرتبكة عَدّلت من وضع المرآة لتعكس الشارع المتأنق بأضواء النيون, نظرت إلى الساعة أمامها فوجدتها تقترب من السابعة والنصف مساءً, الموعد المحدد للقائهما... أدارت المفتاح وانطلقت.
          بدا الشارع مزدحمًا على غير عادته بالسيارات والراجلين المتنقلين بين ضفةٍ وأخرى تحت سماءٍ ملبدة بالغيم... وقتٌ أضافيٌ لم تحسب له حسابًا يضيع في زحمة الانتظار القلق.. حملقت في الوجوة العابرة بشرود, شيء من الحزن وكثيرًا من الألم تداعى على قلبها .. استحضرت معنى الشارع في ذاتها .. وكل تلك اللعنات التي صبتها عليه في أوقاتٍ كثيرةٍ سلفت .. حين ظل بخواءه المعهود يعكس بفجاجة خواء مدينتها المترفة, خواءها هي.. خواء العالم الذي أختنق حولها بالبرد والبرود.
          في لحظة وصولها, غام كل شئٍ بداخلها وهوى في قعرٍ سحيق, لعنت نفسها وعاتبتها على ذل الحُلُم! ترددت .. كادت أن تتراجع حين رنت إلى العمارة شاهقة الارتفاع, غير أن دفقاً من بقايا لأمنية قصية, دفعها لأن تمد قدمها إلى الخارج, لتخطو أولى خطواتها باتجاه المبنى, بعدما خبأت عينيها وراء نظارة سوداء كبيرة وأسدلت فوق رأسها شالاً أسوداً خفيفاً.
          دلفت إلى الداخل وانعطفت باتجاه المصعد, وقبل أن تضغط بإصبعها على زره تعالى رنين هاتفها بأغنية شجية طرقت قلبها بعنف.
          على الجانب الآخر من السماعة يأتي الصوت مترقباً:
          - أين أنت ؟, لم تأخرتِ, الرجل لديه ارتباطات كثيرة وهو مستعجل؟
          ردت بتلعثم:
          - أنا هنا في العمارة, بالضبط أمام باب المصعد.. ثوان وأحضر.
          رد الصوت:
          - حسناً عزيزتي..في انتظارك!‍‍
          أعادت هاتفها إلى حقيبتها, انفتح باب المصعد أمامها فانسلت قطرة عرق من أعلى جبينها خادشةً تناسق البودرة الموزعة بعناية على قسمات الوجه.
          دلفت إلى الداخل لتجابهها مرآة تعكس جسدها النحيل بضآلته الكاملة, عدلت سريعًا من ترتيب هندامها وأعادت للبودرة تناسقها بمسحة سريعة من يدها, ريثما يتوقف بها المصعد في الطابق الرابع.
          مشت بحذر نحو الباب الذي ألصقت عليه لائحة تعريفية معنونة ب «المكتب الحديث للاستشارات الأسرية», قبل أن تضع يدها على مقبض الباب تلفتت يمنة ويسرة لتتأكد من أنه ما من أحد قد لمحها وهي تخرج من المصعد وتتجه إلى المكتب.
          وضعت يدها المعروقة حول مقبض الباب بعد أن خلعت نظارتها وأعادتها إلى الحقيبة, دلفت بوجل إلى الداخل, رفعت رأسها في حذر حين تناها إلى سمعها صوت المديرة مرحبًا وهي تشير إليها بالتقدم أكثر إلى حيث وقف رجل لا تعرفه يحدجها بفضول ويقرأ تفاصيلها بتمعن!.
          حين جلست قبالته في مقعد جلدي وثير أختلست نظرة سريعة إليه, هالها أختلاف ملامحه عن الصورة التي أطلعتها عليها مديرة المكتب في وقتٍ سابق, بدا أسمر ذا تقاطيع جامدة وعينين نافذتين بجسد بدين ومترهل, بادرت المديرة بفتح باب الحوار الذي تقرر سلفاً بينهما مخففةً بذلك من وطئة الموقف على نفسها:
          - مرحبًا بكما.. حسنًا, لندخل إلى الموضوع مباشرة.. كما أخبرتكما سلفاَ, إن خبراءنا قد اجمعوا بعد بحثهم المطول عبر موقعنا على شبكة الإنترنت على أنكما الثنائي الأنسب لتكوين أسرة متماسكة الدعائم؛ فبينكما قواسم مشتركة, كتوحد الطباع وتماثل الخلق وتقارب الميول والهوايات ..... صمتت قليلًا لتتأمل وقع حديثها عليهما ثم أردفت:
          - ولعلكما حين تبدءان بتجاذب أطراف الحديث ستتآلفان بناءً على هذا التوافق فتقرران الارتباط, وقد يحدث العكس لا سمح الله فتلغيان الفكرة!!
          نظرت إلى ساعة معصمها سريعاً وأكملت مبتسمة:
          - على أية حال, ها أنتما قد التقيتما بحمد الله أرجو أن تتحدثا في الأمور العامة في الوقت الحالي, ولا تنسيا الاتفاق المسبق فيما بيننا, لا أسماء , لا عناوين, لا أرقام هواتف!.
          صمتت المديرة وتشاغلت بتقليب أوراق ملف موضوع على الطاولة أمامها, في حين ازداد تبعثرها وتسارعت دقات قلبها الوجل, استشعر مدى قلقها فبادرها بالقول وهو يمعن النظر في عينيها:
          - عمرك تسعةُ وثلاثون, أليس كذلك؟
          عقدت حاجبيها بدهشة, نظرت إلى المديرة في استعطاف, اسعفتها المديرة بالرد:
          - أطلعتك من قبل على بياناتها الشخصية!
          رفع سبابته نحوها وتابع مردفًا:
          - أحقاً لم يسبق لك الزواج نهائيًا من قبل؟!
          - ردت المديرة بانفعال:
          - ذلك أيضاً مدون ضمن ورقة بياناتها الشخصية!
          أكمل بإصرار:
          - عفوًا.. حدثيني عن نفسك, طبيعة عملك, انتماءك القبلي, وضعك المادي و .. كل شيء!!.
          شعرت بلسع أسئلته المباشرة والفجة, نظرت إلى عينيه الوالغتين في التهامها بقسوة, وزعت ناظريها في أرجاء المكان كأنما تكتشفه للمرة الأولى, برزت لها أخيلة لوجوه كثيرة رمقتها شزراً من وراء زجاج النافذةِ والستارةِ الحريرية وثقب الباب!, همهمت أصوات مبهمة ثم ضحكت عالياً في سخرية, برزت أصابع أفعوانية كمناقير لتنتزع لحم وجهها المتعرق, وهبّت جمادات المكان تُقرّعها:
          - أنظري إلى أي مستوى قد أنحدرت؟!! الهذه الدرجة بلغت بك الحاجة لرجل؟!!
          ارتجفت أوصالها, شعرت بأنها لم تعد تعي حقيقة حاجتها ولم أختارت أن تقصد هذا المكان!!, وجدت نفسها تنتفض كملدوغه من على كرسيّها لترمق المديرة والرجل في حدة مباغته جمدت عينيه الشرهتين على مرأى من غضبها, شهقت كمن صبت على رأسه مياه باردة, لم تفهم الأحاسيس التي باغتتها, لكن ثمة نظرة مختلفة وجارحة لذاك الرجل صعقت كرامتها بحدة, هرولت سريعاً خارج المكتب غير ملتفته لرجاءات المديرة التي تصاعدت مع اعتذارات الرجل, أسرعت تطوي الدرج وتقطعها بأنفاس لاهثة وعيون محتقنة بالدمع, كل شيء عاد ليخزها ويصفعها بقسوة, الجدران, وأشجار الزينة الموضوعة في الممرات المنقوشة والسُلّم و وجهها المخضب بالخزي والألم, تعثرت بذيل ثوبها الطويل, رفعت طرف الثوب بيد ومسحت بالأخرى الدمع الذي انزلق ليتخذ مسارات متفرقة على خدها, سال الكحل مع الدمع فغامت العدسات وبهت لونها, طوت عتبات الدرج كلص جرت الشرطة والناس في أعقابه, أخيرًا وصلت إلى الطابق الأرضي بأنفاس لآهثه لتفاجئ بالمصعد يفتح أمامها ويبرز منه الرجل نفسه, سقطت عيناها أولاً على كرشه وجمدت عند صدره, تسمرت قدماها, أقترب منها مبتسماً وبادرها بصوت فرح:
          - حمداً لله الذي مكنني من اللحاق بك! أرجو المعذرة فلربما جرحتك قليلًا!!, لكنه التعارف الأول وليس بوسعي سوى النظر إليك في شك! فأنت كما أرى جميلة, وبرغم هذا فقد بقيت بلا زواج حتى بلغت هذا العمر‍!
          نظر إليها بتمعن وأكمل:
          - أصارحك بأن ذلك قد أثار في نفسي الدهشة ليس إلا, غير أني أعترف بأنك قد رقتِ لي من النظرة الأولى.
          مسح على رأسه وأردف بود:
          - سامحيني فقد كنت أنا الآخر مربكاً, أنا أيضاً كبرت في العمر ولم أتزوج بسبب مشاغلي الكثيرة وبودي الآن أن أستقر مع امرأة مناسبة.. ولهذا السبب فقد قصدت المكتب الذي تأكدت من جودة خدماته حين عرفني إليك!
          أنفرجت شفتاه عن ضحكة مرحة كشفت تآكل نخر أسنانه, أشار إلى المصعد:
          - هيا بنا نعد لنتعرف إلى بعضنا أكثر فالمديرة جد مستاءه!.
          ازداد حنقها, نظرت إليه في حده, تمنت لو أن تبصق في وجهه ووجه المديرة... أمام رجولته, عادت إلى ذاتها, حاولت أن تتماسك, زمت شفتيها فخرجت الكلمات من حلقها مبحوحة:
          - عذراً, أنا جئت إلى المكتب لأمر آخر, لا شك أن المديرة قد خلطت بين اسمي واسم امرأة أخرى جاءت تطلب خدمة الزواج تلك..
          نظرت إلى عينيه لترى إن كان قد صدقها, وجدته يهز رأسه ويبتسم, خفضت رأسها وأخرجت من حقيبتها نظارتها السوداء ولبستها في حنق, مشت بخطوات مثقلة إلى الخارج حيث الغيم قد آذن بانهمار المطر, ناداها من خلفها فلم تجب, أدخلت يدها في الحقيبة المبللة متلمسةً مفتاح السيارة من بين علبة مساحيق التجميل ومحفظة البطاقات وأقلام الحبر وهاتفها النقال, فتحت الباب بهدوء مصطنع, جلست خلف المقود, رفعت نظرها قليلاً نحو العمارة, أدارت المفتاح في حين تعلقت عيناها بالرجل الذي مضى يتلمس في المواقف سيارته, استعادت في ذهنها البريق الكاسر في عينيه, إنزلقت دمعة سخينة من عينها, لفت المقود عائدةً أدراجها, في حين كان المطر يجلد الشارع المسفلت حولها بقسوة!

          تعليق

          • سالم وريوش الحميد
            مستشار أدبي
            • 01-07-2011
            • 1173

            #6

            أمنيات موءودة في مدافن الغربة
            قصة قصيرة
            بعد سنين الغربة عاد لينفث تنين فسقه ، عاد محملا بأكياس من نفايات الغرب ،وركام الحضارات ، شد العزم أن يشيع كل ما أعجب به ، من عري فاضح ، وما أنبهر به من أشكال للغانيات ، بضائع للرجال في أسواق النخاسة ،فلم ير غير جمال من غابات السيقان الملفوفة ، وصدور ناهدة ، وأعجاز . قبل أن يرحل كون فكرة في داخله وآمن بها إيمانا أعمى بل عشقها ، جاهر بها أصدقاءه ، حسدوه على حلم ما كان يحلم به لولا رغبة أبيه (هو ذا الغرب بكل مفاتنه رغد في العيش، وحرية تقطع الأنفاس) ( العن جوع السنين ، وحرمان الأيام ، والعن الشرق وعتمة لياليه)،هكذا قالوا له ، فانطلق يسبح في يم غير محكوم ،
            حدث شقيقته عن بحور الخمر وليال تزينها أقمار من النساء ، عن الحب المجاني المباح ، عن شواطئ العراة ،عن كل شيء، إلا شهادة ؛ كانت حلما لوالده قبل أن يموت ، فقد طواها في درج آمال كانت ولن تكون ، تأمل في البوم الصور ، نظرت أخته إلى قدود مياسة تعبق منهن رائحة الفجور ، راح يسترجع ذكريات كل صورة ، وحكاياته مع النساء ، طافت الفتاة في بحر خيالها ، ما عادت تنظر إلى تلك الصور تخيلتهن جبلا من الجليد يمتطيه الرجال ، نظرت إلى أخيها ، تقيأت كل أفكارها وما كان بخلدها يدور، رمت بألبوم الصور .
            راحت تلقي بحبوب الدخن إلى طيور الحب ، أصواتها تشيع الحياة في أروقة هذا البيت الكئيب ، استهجنت منظر أخيها ممتدا على الفراش بلا ساتر يحجب قبحه المقيت ، نظرت إلى رسم أبيها الموشح بالسواد، جلست كعادتها على كرسي أمام تلك الصورة ، ترجع برأسها للوراء عاد ت بها السنون ،إلى أيام حملت عبق الآمال ،وأحلاما كانت نذر نجاح ، أمها ترمي بدلو ماء وراءه، تعويذة للرجوع ، مست على شعرها ولمحت منه ابتسام ( التمس منها الدعاء ) آخر كلمات قالها وطار ، (النت) ينقل إليهم أخباره ،كإعلام مخادع ينقل النصر المزعوم ، ويخفي كل اندحار ، الآمال تكبر ، والأماني كل يوم في إزدياد ، تخيلوه طه قاهر الظلام ، أو مجدي يعقوب ، أو زها حديد أسطورة الزمان الجديد ، رنت إلى الحزن في عيون أبيها وكأنه ينظر خيبة أخيها العائد من بحر المجون ، إلى أحلامه التي وأدت وإياه ، إلى صبر السنين الذي تمازج وآلامه وذلك المرض العضال ، كان لا يحلم ببصيص أمل بالشفاء، بل بعودة أبنه يحمل شهادة الطب ، لكنه مات قبل أن يصدم ، مسحت الدموع من عينيها.ارتشفت قدحا من الشاي، رائحة عطر الشاي تنفذ إلى داخلها فتنعشها .. اقتربت من أخيها وبصوت معاتب رقيق ،
            قالت
            :أين الشهادة ، أين حلم أبي ....؟!
            ولكنها فجأة وكأن شيئا تحرك في أعماقها ، أوقد فيها نارا بدت تتلظى، طاقات كامنة جعلتها تثور كإعصار ،جاء كلامها كفرقعة بالون (أنت قاتل أبي ..فقد باع حياته للمرض مقابل أن تحصل على شهادة ) ضحك بصوت عالي وقال :- هذا ثمن غبائه ...!
            نظرت إليه بحنق ، تمنت أن تصفعه على وجهه ، أن تبصق عليه ، هالها أن يتفوه بمثل هذا الكلام عن أبيها ، خرجت إلى فناء الدار راحت ترنو إلى كلب صغير يلعب في الحديقة ، اقترب منها يهز ذيله ، تمرغ في الأرض ، وبدا يثب نحوها ، الليل يحمل نسائم باردة ، يثير الفراغ وعتمة الليل ، رعب المكان والزمان ، تسبح في بحر خيالاتها ، عن عودة حبيبها الذي يدرس تخصصا دقيقا في علم تشريح الأعصاب ، بعد نيله لشهادة (الدكتوراه )،هو تزوج أبحاثه ودراساته ، التي أنسته كل شيء حتى حبيبة طفولته ، خطيبته التي تركها في وطنه، كشجرة قميئة ، حيث يقيم في هولندا هناك ،ويعمل، ويدرس ، في لجة الأحداث ، نسي أنّ قلبا خافقا لازال في انتظاره ، تقدم العمر بها ، وكادت أن تسلم نفسها لليأس ، حرمت من شغب الأطفال من ضحكات تملأعليها البيت، واستسلمت لقدرها ، بين فينة وأخرى يعطيها جرعة لأمل موهوم ، يرسل إليها بخطاب يزرع الأمل في حنايا ضلوعها فتنتظر ذلك اليوم الموعود ، فتلك الغيوم التي تلبدت بها السماء ستولد مزنا بعد مخاض العسير .. قد تورق الأشجار بعد الخريف ، الحب لن يغلفه النسيان ، ( هكذا تقول )ورغم شوقها والتياعها إلا أنها ، لا تستعجله القدوم ، بل تتمنى له النجاح رغم ما فعل بها النوى من مكابدا ت ، وحسرات ، وآلام ، صار القلب مكمنا لها ، ومستودعا لعشق أمين ، خزن ملايين الذكريات والأماني ، لحبيب أخذته الغربة وعاشت على صدى من ذكراه .
            لم تأبه لبرودة الجو .سارت متأرجحة الأفكار بين أخيها الذي ضيعته الغربة ، وبين حبيبها الذي أوجدت الغربة منه عالما وباحثا يشار له بالبنان ، كان الشارع فارغا إلا من سيارات تخطف أضوائها الأبصار .تمر كلمح البرق ثم تختفي ...
            ترنيمات موسيقية أشبه بالهلوسة السمعية، كانت تطوف برأسها تخيلت نفسها (مايسترو) تقود (أوركسترا ) موسيقية تخيلت نفسها راقصة باليه في رائعة (جايكوفسكي)كسارة البندق ،كم حلمت أن يكون لها شأن في عالمها هذا المزدحم بالتناقضات ،
            ، أ لا تعيش( بوهيمية) أخيها ، حياة بلا منهجية لا يقيم وزنا لعرف ولا لدين ..
            حطت آمالها ، وأحلامها من برجها العاجي
            على
            ارض الواقع، وركنت إلى حزن عميق حين قال لها مصرا .....
            :- سأبيع البيت ...!
            أظلمت الدنيا ، في عينيها ، كاد أن يغشى عليها ، ودت أن تتقيأ كل ما في جوفها ، في هذه اللحظة بالذات ، أحست أنها بحاجة لحبيبها مثنى أن تشكوه ظلم الأيام ،وجور الزمان، تمنت أن أبيها لم يمت ، تمنت أن أخيها لم يعد.تمنت أن تشق الأرض وتبتلعها ....
            :- لا لن يباع البيت، فهو داري وقراري ، هنا ضحكي وبكائي، هنا آمالي وأحلامي ....
            فرت من عينها دمعة أحست بها ساخنة على وجنتيها وشعرت بها مرة تلذع لسانها ... رنا أليها بتحد ، وقال مؤكدا
            :- سأبيع البيت وسأسافر فقد مللت ، قبور الأحياء هذه .. لا طعم للحياة هنا. ....!
            أخذ حجة البيت وهم بالخروج ، كان في داخلها إصرار غريب لم يثني عزمها برده عن ما يبتغي ، قاومته بكل ما أوتيت من قوة ، كادت أن تتمزق حجة البيت بين أيديهما دفعها بكل قسوة ارتطم رأسها بالنافذة، كاد أن يغمى عليها ، الحجة لازالت بيدها أحست بوهن في جسدها ، تراخت قليلا ،و بلا شعور، ودون تفكير أعطت الحجة إليه أخذها بيده، فعلت وجهه بشائر الانتصار ، استدار نحو الباب ومسك قبضته للخروج..ودون وعي، هوت على أم رأسه بتمثال برونزي ، فسقط على الأرض.. لم يع شيئا حوله ..تدفق الدم من رأسه، كون له بركة صغيرة ...
            نقلوه إلى المستشفى ، غارق بدمائه،جلست تغني بوجع، راحت تمسح الغبار الذي علا صورة أبيها ، وأشعلت شمعة استذكار، وعود بخور ، اليوم مات أبيها وانقطع الرجاء ، اليوم أوصدت كل الأبواب .
            انطلقت سيارة الشرطة تبدد السكون بنذير منبهاتها ، نظرت إلى البيت الذي هجرته الأنفاس وثمة أمل بأن تعيد إليه الحياة ......... ستكون طيور الحب بانتظارها ، وسيبقى بيت أبيها هذا أيكها الذي لابد وإليه تعود.. سمعت زقزقة العصافير نغمة يتردد صداها بإلحاح في مخيلتها .. أدركت ألا أحد لها بعد هذا اليوم ، أخيها بين الحياة والموت ، وهي لا تعرف كم ستبقى في طوامير السجون .. طلبت من الضابط أن يعود .. توسلت إليه أن يعود بها إلى بيتها .. عاد مشفقا بعد أن أكثرت الرجاء ..ركضت مسرعة نحو القفص أطلقت كل ما فيه من طيور ،ففرت على غير هدى ، راحت تدور مضطربة ، لم تألف الحرية منذ أن ولدت ، وشيئا فشيئا راحت تختفي عن الأنظار أحست براحة ، أغمضت عينيها وهي تأخذ نفسا عميقا، أنعشتها رائحة الأرض المخضبة برشات من المطر الربيعي ، والتي غسلت كل الأشجار فبدت نضرة تعكس أشعة المصابيح بضوء تشتت خيوطه .
            رأته يقف عند مستطيل الباب؛ مثنى في طوله الفارع وبملامحه التي لم تغيرها السنون ، وتلك الابتسامة التي لا يعرف كنهها ، فاجأها بطلته البهية ، عقدت الدهشة لسانها ، ركضت نحوه ألقت بجسدها إليه ، أحست بدفء أنفاسه ، شعرت بحرارة تشع من جسده ، بكت بكاء مرا ، وبصوت متهدج اختلط بنشيجها الحزين قالت ( أبعد هذا الكم من السنون أتيت .....؟ آه.. كم اشتقت إليك ..!، كم سهرت وأنا أناجي خيالك ، كم أتعبني طول الانتظار ، كنت لا أنصت إلا للحن عزفك الأزلي فأوصدت قلبي بالوفاء لذكراك، عاش هذا القلب لك ولن يكون إلا إليك )
            شعر بدموعها تمتزج وذلك العرق المتصبب منه ، أحس بارتعاش في جسده ، تمنى أن يشاركها البكاء تمنى إن يطول اللقاء .. قال بصوت خافت بدا وكأنه احتضار مريض
            :- لقد حصلت على ما كنت أطمح إليه ، من أجلك ، كنت أشعر بعذاباتك ، أشعر بحزنك الدائم .. عدت لأرمم كل ما ثلم الدهر ، لنتزوج... لأبدد الانتظار بعد طول الصبر، جئت لأرضك البور لأعيد لها الحياة ،
            مسكها الضابط من يدها سحبها عنوة ،ظلت ممسكة بيد مثنى ، تمنت إن يطول احتضانه لها ....تمنت أن تغفو بين ذراعيه ..لكن الضابط جرها بقوة فتخلصت من يد مثنى ، عيناها شاخصة نحوه ، ركض خلفهم ، دون شعور ، صرخ بأعلى صوته
            :- سعا...................د
            أركبوها سيارة الشرطة
            وتواروا عن الأنظار
            التعديل الأخير تم بواسطة سالم وريوش الحميد; الساعة 23-10-2011, 10:38.
            على الإنسانية أن تضع حدا للحرب وإلا فسوف تضع الحرب حدا للإنسانية.
            جون كنيدي

            الرئيس الخامس والثلاثون للولايات المتحدة الأمريكية

            تعليق

            • ختام محمد
              • 25-12-2010
              • 4

              #7
              وها انا اتيكم بعد غياب بنص نثري

              بعنوان
              كازانوفا

              مـــــــــــــــدخل


              أتخذتـــــــــــــــُكَ طريقاً وجعلتُ منكَ أسطورة،
              شيدتكُ في أبراج الشمسِ شعاعاً ،
              فماذا جنيتُ منكَ سوى قصيدةٌ مبتورة ساقها،
              وحرفها مخدرٌ يتسكع بين زوايا الروح المحتضرة
              ،كنتَ أنتَ أشدَّ حذرا حين أطلقتَ مدافعُ
              حديثكَ المبهرجُ أمام بيتٍ ألجمه الصمتُ
              ،حتى أصبحتٌ أناجي همسَ القوافي،
              لقد سلكتَ كل الطرق حتى أحتضنك في ذاكرتي،
              لم اكن ادري أن لكانون شتاءٌ يجمد حماقاتي
              لم يبقى لي منكَ سوى عظام صمتكَ المحطمة داخلي



              حيث الوجع يعتقل صدى آه
              في حانة من خمر جرحٍ مكبلاً بأوردةٍ عشقٍ يصارع فكرٍ مشلول
              بهمسٍ من برتقالةٍ تُقتلُ في عمقٍ بحرِ
              هناكَ أنفاسُُ متخثرةٍ فوقَ جليدِ ملذاتِكْ
              الم متكسرٌ يهذي بتمتماتٍ
              وبتعاويذ سحر تُلقَى على شَوقٍ مهزومٍ
              من براثنَ حلمٍ متشقق
              فهل يرتطِم النبضُ بقلبٍ
              صلدٍ ملئٍ بنتوءات القمرْ
              تصلبُ شرايين حكايةٍ لم تتقنُ بعد النهاية
              وتفكك لقِطعَ السكر القادمةُ
              من جبل شفتاكَ متناثرةُ فوقَ
              بحر من الحنظل
              أه ثمَّ اه
              على صحراء يداكَ متقشفةٍ
              تصارع في عَطشِها لذة الماء
              لم يشفع ذلكَ الرضاب المتجمد
              الممزوج بملوحة الحب الاحمق
              تتقاطر الامنيات على ساحل جبينٍ سماءٍ
              يرفض الانجاب
              أتتسم صدى كلماتكَ بالبرجوازية
              فأناى على صدى كلماتي
              حين تحرق جسدَ لغتكَ الممتلئ
              بأصابع النساء الثكلي
              المرتمياتِ في أحضانِ حرفٍ متكاسلِ
              يجعلهم يسكبون قلوبهم في كأسِ حبٍ فارغْ
              لا شكَ بأنكَ ستهديهمْ مَطَراَ أسودٌ مطليِ بكذبٍ أبيض
              فلا تشبعكَ أضواءهن المكهلة
              ولا يشبعكَ شهقَ أنفاسهنَ التي تذوب وتذوب
              مع كل اطلالة شمس جديدة على مساحاتهن الواسعة
              ممتلئ انتَ بنشوةٍ لتُقَبِلْ الحامض والمالح
              فلا تعدهنَّ بالحنينِ
              ونوايا الغيم
              ولكن أعدهم أنكَ ستعيد اليهن قلوبهن العذارى
              فلم يعد لتلك القلوب غير نقطة
              دماء لم يحلل اهدارها بعد


              مخْـــــــــــــــــرَجْ
              تزلزلَّ داخلي صدى همسكَ حتى تشقق
              فلا أمل لي منكَ
              سوى بعثرة ذاتي فوق شهواتك
              جعلتُ من برواز غيابكَ جداراً يَغْلِق فوهةِ الفِكرْ
              وحطمتُ قلـاداتِ الصبرٍ
              التي زينتُ بها عنقِ المستحيل
              فما زالت أشجار اللامبالاة تعلو كل حين
              سأترككَ بين الشكَ واليقين

              [SIZE=5][COLOR=Blue]وما هي حروفي الا قلادات
              من الحب يرتديها عنق قلبي[/COLOR][/SIZE]

              تعليق

              • سلام الكردي
                رئيس ملتقى نادي الأصالة
                • 30-09-2010
                • 1471

                #8
                خاطرة

                (رســالة مــرة)


                [align=justify] اعذروني هنا فجبهتي تؤلمني من كثرة ارتطام الجدار بها،
                هذه مساحة للنيل من كل الأوغاد ، مساحة أتركها لوطن فقد عيونه ، و تمترس بوضوءٍ كافر.
                سألعن نفسي ألفا , و لا تدعوا لي بالمغفرة و الهداية ، فأنا قررت الانتحار عارا أمام حانات عواصم القرار العربي .
                لي في الموت جحيم أتمناه .
                إرفعوا نخب دمشق عاليا ، لتصطك الكؤوس و يندلق الخمر على طاولات نبيل العربي و اليتم .
                فالرصيد بعد كل الشهداء سيكون تحت الصفر, إضافة إلى هامش غواية شمطاء .
                و ألف شريف سيبكي حسرة ما يجري.
                حسيرا سيمضي النورس .
                و تعيسا سوف يسدل الستار.
                وقح أنا سوف أكون, نذلٌ جدا ، أتمرغ في وحل الرذيلة امامكم يا سادة القرار.
                فأرسلوا ملائكتكم لتلعنني جهراً و أنـا في طريقي إلى حمص .
                أحمل نعشي على كتفي ,و أنتشي بجراحاتي .
                العنوني إن أتيتم إلى هنا .
                صوبوا رماحكم إلى صدري ,و ظهري .. لكني سأصل إلى البرتقال في اللاذقية, وطرطوس.ورفح, قبل أن يسقط .
                وألتقم حبات اللوز في رنكوس,وصيدنايا وتلفيتا,قبل أن تجف.
                و سأموت حينما أنهي تراتيل سور سخطي الطويلة .
                أتحرك كالموتى و فاقدي الإدراك. أحاول أن أتشبث بخيوط تتدلى من السماء ، و من نوافذ القمر ،
                من بركة الدماء تلك التي أرى وجهي ينعكس عليها ، وطنا فقد رئته و ازدان بالبكاء .
                أتلقف عمى روحي وسط ظلام المحاق ، أغرس ضلعي الأيمن زيزفونا أصفر، و أناضل على الطريق بقدميَ هاتين اللتين فقدتهما على رصيف مدجج بالشوك ، ووجه أبي الراحـل .
                أطرق حانة المدينة المهمشة، تزكمني رائحة الوجع المنتشية على أغصان الأمل ، أقبل جبهة السقوط طويلا ، و أطلب لي قدحا من نبيذ مسكر، فيه قطع ثلج سوداء ، أغطي بها الكثير من ضياع أمتي .
                هنا . أحتاج لأن أهرب مني ، من جلدي ، أسلخه عن عظمي ، و ألوذ من أفكاري و أشيائي الصغيرة ، من أرجوحة الأطفال ، و غيرة النساء ، و انسيابية الموت على كف ضئيلة معلقة في الهواء تلوح للشهداء , للجرحى.
                سأنتحر و أطلب شنقي على جذع زيتونة، و أعلق تهمتي على جبهتي .
                أسلم مفاتيح القلب لأبطال حماه ، و أدعو اللاهثين لقطرة لعاب الظمأ, أن يبتلعوني .
                سأثمل الليلة و غدا , لن أنفك أبرح ضجيج اللحد و الخيبة العتيدة بداخلي .
                سأستقيم كمسطرة طالب هندسة ، أرقم الاتجاهات ، و أستأنف المضي ارتفاعا.
                أنـا سيء جدا , قريب من الشراسة ، و عمري آفل لا تسعه قبضة اتزان .
                أنا بضع من بضعة هفوات خافتة ، ترمق الشر يتأجج من عيون جاحدة , و لا أدري هل يجوز فتح فمي ؟
                و إطلاق الماء من حنجرتي ، و البكاء !!
                هل هنا من يمنحني بكاءً يليق بي فحسب,بهوية اتهموها ب " اللانتماء ؟؟ "
                يحملون موتي قطعة قماش بالية ، و شوارع بلدتنا ترزح تحت القتل ، و الندى لم يعد يسقي الزهر و لا يروي عطش البرية.
                نوافل الربيع اصفرت و نامت عيون الأطفال و هي مبتلة بحلم لم يكتمل.
                سأرفع قبعتي ، و أتسلق حجرا ضخما ، و أحفر عليه اسما عابرا ، قضم طبشوري ، و استباح عري يرقاتي ، سأقف عاريا إلا من الانتكاسات العشر ، سأوزع نيشان الصفعات على جند الطغاة ، و أنقذ الشقيق من سيف أخيه ، و ألثم يد القدر أن ترحم صرخة أم ثكلى ، سأجرنبيل العربي من تلابيبه ، و أدعوه ليؤخر قطارات المرافيء ،
                أنفخ في الريح صرختي و أشرد أفكاري على حبل الغسيل المهتريء.
                ألتهم قطع لحمي .. فإني جائع و لا أستلذ مائدتك أيها العربي يا صاحب البندقية العاتية .
                أمنحني لزبانية الجحيم عن طيب خاطر ، و أنتشي بالنار و ألكز قوارير السخط ليندلق أوار اللعنة على الجميع .
                بما فيهم أنا .
                و أخيرا بعدما سحقتني حوافر الصمت العربي ، و اصطكت بي جدران تميد على خاطري , و بعدما حلفت يمينا أنني اكرههم جميعاً ، و بعدما رفعت رأسي عاليا لأقيس ارتفاع رايات العرب و لازلت الأضخم و الأطول.
                و بعدما تورطت في سيجارة مسمومة أنفث دخانها في قلبي ، و بعدما سجلت انتسابي الساحق للصعاليك و الفقراء .
                و بعدما لم يعد يهمني شيء , لا أنثى , و لا وطن , و لا أهل.
                قررت أن آتي إلى هنـا ، لأتمم ثمالتي ، أنحر براءتي ، و أرتكب مجازر في مدن أشعاري.
                و أبصق في وجه السادة ثلاثا .
                و "طز" في وطنيتي , و في انتمائي و في هويتي .
                طز في مباديء القومية ، و شعارات الانتصار ، و في المجد المبين ، و مؤتمرات القمة و مؤتمرات السلام .
                طز من المحيط إلى الخليج .. من بيت لحم إلى الجليل.
                و عذرا للشيخ " ياسين ", عذرا لأطفال الحجارة فقد صرنا حجارة , الأجدر أن تقذف في قعر الجحيم.
                عذرا لكل الشرفاء .
                و أصحاب الهمم العالية في العالم.
                عذرا " لناجي " ، و " الماغوط " ، و الأقلام الحزينة.
                و عذرا للأنبياء .
                عذراً يا دمشق.[/align]
                [COLOR=#0000ff][SIZE=6][FONT=Andalus][COLOR=black]انا الدمشقي .. لو شرحتم جسدي... لسال منه ,عناقيد وتفاح[/COLOR]
                [COLOR=darkorange]ولو فتحتم شراييني بمديتكم...سمعتم في دمي اصوات من راحوا[/COLOR][/FONT][/SIZE][/COLOR]
                [FONT=Andalus][SIZE=6][COLOR=#0000ff][/COLOR][/SIZE][/FONT]
                [FONT=Andalus][SIZE=6][COLOR=#0000ff][/COLOR][/SIZE][/FONT]
                [FONT=Andalus][SIZE=6][COLOR=seagreen]مآذن الشام تبكي اذ تعانقني...[/COLOR][/SIZE][/FONT][FONT=Andalus][SIZE=6][COLOR=#0000ff][COLOR=seagreen]وللمآذن, كالاشجارارواح[/COLOR]
                [COLOR=purple]للياسمين, حقوق في منازلنا...وقطة البيت تغفو .. حيث ترتاح[/COLOR][/COLOR][/SIZE][/FONT]
                [COLOR=#0000ff][/COLOR]

                تعليق

                • بلقاسم إدير
                  أديب وكاتب
                  • 29-04-2008
                  • 127

                  #9
                  القصر الشّمعي ....؟؟ ( قصّة قصيرة جدّا )
                  ذاب في فرن مفاتنها ، بينما انصهرتْ هي في سيل حمم وعوده الحالمة . تحت ضوء قمر لم يكتمل بدره ، شيّدا قصرا من شمعهما المذاب ، و أحاطاهُ حدائق من أترجّ وفستق ..
                  تحت أشعّة شمس الظّهيرة ، بحثا عن أجزائهما تحت ركام القصر المنهصر ، فلم يجدا غير شظايا كلمات وابتسامات أولى اعتلاهما الصّدأ ..

                  بلقاسم إدير ( أكتوبر 2011 )
                  [frame="7 80"] حتّى لا أكون عدوّاً لأحد ٍ، قرّرت ُألاّ أتّخذ أحداً صديقاً !![/frame]
                  http://addab-cawn.blogspot.com
                  http://idiri.maktoobblog.com/

                  تعليق

                  • دينا نبيل
                    أديبة وناقدة
                    • 03-07-2011
                    • 732

                    #10
                    الأخوة والأخوات
                    رواد مسابقة ذهبيات أدبية (4)

                    يرجى من كل من يسمح للأخوة من خارج إدارة المسابقة أو إدارة نادي أصالة للإبداع الأدبي بالتعليق على نصه المدرج ضمن متصفحات المسابقة.

                    ** أن يشير إلى ذلك بمشاركة واضحة مكتوبة باسمه ( أنه يسمح للأخوة الغير أعضاء بتناول نصه بالنقد ),او ينسخ نصه إلى باقي أقسام نادي اصالة ليقوم الأخوة بالتعليق عليه كما يرغبون ودون أن يكون ملزماً لتقييمه كنص متسابق في ذهبيات أدبية(4)


                    تحياتي للجميع

                    نادي الأصالة للإبداع الأدبي
                    التعديل الأخير تم بواسطة دينا نبيل; الساعة 18-10-2011, 03:33.

                    تعليق

                    • دينا نبيل
                      أديبة وناقدة
                      • 03-07-2011
                      • 732

                      #11
                      بحيرة البجع - قصة قصيرة

                      بُحَيرة البجع




                      تصافحوا .. تعانقوا وتضاحكوا .. ووعدوه بتكرار الزيارة بعد يومين وانحنى أحدهم عليه يهمس في أذنه " ... ابحث عنها !!"

                      أطرق قليلا وفتر ثغره عن ابتسامة مستحية ووعد بالتفكير في الموضوع بجدية هذه المرة.

                      وافترق عنه الجمع في صخب كبير يلوحون بقَنان العصير تسافر وراءهم أصداؤهم يضج بها الهواء فيبترها ويبعثرها في الأرجاء ، هبت نسمات عليلة حاملة نشوة إلى صدره مع ضوعة طيوب ليلكي .. إنها ليلة مقمرة لا تأتي في الشهر إلا مرة واحدة .. لن يرى الحديقة في حليها اللماع هذا إلا مرة واحدة فليتحامل على نفسه إذن وليقاوم دبيب نعاس طفق يغشى جفنيه وليمزجه بذلك المنظر اللجيني الأفيح.

                      لكنّ العبير يتبدد خلف الأزهار بين مويجات الهواء المتلاحقة .. لم شعاع القمر النقي بانسكاب صار يهرق في كل اتجاه .. شئ ما يمر .. شئ ما يحلق!!

                      رفع رأسه إلى السماء تدور عيناه فيها تقلب قطعها السوداء ونجيماتها المتلألئة كل شئ كما هو ، لكن القمر يروح ويجئ إنها أطيار ترفرف فتحجب القمروضوءه بأجنحتها الكبيرة .. يخدعه ضوء القمر ، يستثير عطفه باقتدار فيُهَيء له أنها الغربان العملاقة قد غمرت هذا الجزء من البسيطة في ليلته الموعودة المأذون لها بالانعتاق بعد طول الغياب !


                      انتشت في نفسه رغبة الثأر لذلك القمر الذي تعكر لُجّه اللؤلؤي ، وضع أنامله على ثغره كمن لاحت له فكرة شيطانية يخشى من لسانه بها بوحا ؛ أن يذهب لإحضار قوسه وليقم ببعض الصيد فلا ضير من تلويث سهامه بالقليل من الدماء وسيعطي الطير المطعون حتما للكلاب الضالة لتأكله أو يرميه في النهر الكبير كي تتغذى عليه الأسماك !


                      اتجه نحو القصر ليجلب القوس ، لكن سيفوته سرب الأطيار قبل الوصول إلى منتصف بهوه حتى! .. أسرع نحو شرفته التي تسفلها شجرة السنديان ..أمسك بأغصانها وفروعها وراح يتسلقها متوجسا من زلة قدمه أو انفلاتة قبضته ... حتى تمكن من الوصول إلى الشرفة .." أين القوس .. القوس ؟ ... هاهي!!"


                      عاد أدراجه تارة ينظر إلى الفروع وأخرى يرمق السرب من بعيد .. أخذ يقفز تتقافز معه حبات السنديان تملأ الأرض تغطي العشب يدوسها ويعدو ويتعثر ، فيحمل قوسه ويعدو ...رأسه إلى السماء تتعلق عيناه بسرب الأطيار .." ترى أين وجهته ؟!" .. إنه يبتعد عن حدود الحديقة .. عن حدود القصر يتجه نحو مكان ضبابي تعلوه الزرقة والبياض...
                      مصوبا قوسه إلى الأمام .. تتحسس قدماه العشب داكن الخضار .. يدوسه فيداهم حسيسه أذنيه يضطرب فيرمقه بومضة ثم يرفقها بواحدة نحو ذلك المكان الغابي.


                      غابة ضبابية يسربلها إزار قمري مفضض تتوسطها صفصافة عملاقة قد نمت أغصانها وغطتها أوراقها حتى بدت كامرأة فارعة ضخمة البنية يخر شعرها من مفرق رأسها يغطي وجهها وجسمها ملامسا الأرض يحركه هبوب الريح بثقل شديد، فيتحرك بكبرياء شجي كأنما يبكي شعرها وتبكي هي من رأسها !..

                      فطرف شعرها مغيب في بحيرة شفيفة كما لو كانت من انهمال دموعها .. بحيرة داكنة قد ترقرق على صفحتها إبريق لجيني يتراقص على مويجات الماء ويتماوج دون أن يفارق بقعته ..

                      ... ترجرج وغاب الإبريق في الماء إثر ارتطام أرجل الأطيار بها ... واقفا يرتقب خلف احدى الشجيرات .." ليسوا غربان .. إنما .. بجع!"


                      تراصت أسراب البجع حول البحيرة أخذت في رفيف فضي تتثنى وتنفرد حتى استوت معتدلة .. تتفتح منها أجساد أنثوية ممشوقة تماوج بأذرعها تختال كعرائس ثلجية تلفهن سلاسل القمر حتى بدت أجسادا نورانية غضة يحيط خصورهن تنانير بيضاء براقة تتهادى طياتها كلما خطرن على أطراف أصابعهن حتى التففن حول بعضهن ووقفن حول البحيرة قد شرعن أذرعهن إلى أعلى وشبكنها وملن بجذوعهن إلى الأمام نحو البحيرة ..


                      منبهر .. مضطرب .. لا يدري ، لكن كمن مسه طيف من جان أخذ يجره من رقبته قد سحر بأصواتهن المنبهمة تعزف ترنيمة " كلارينيت " بجعي فتسحبه نحو البحيرة .. يقترب منهن وهن لا يتحركن كأنهن تماثيل الشمع اللماعة .. ولما اقترب أكثر وجدهن مجتمعات حول عروس أخرى متلملمة على نفسها منثنية تمسك قدميها بكفيها
                      أحست بدنوه منها فارتعدت فرائصها واستوت قائمة مسرعة ترتجف ذراعاها وتتموج كما لو كانت ترفرف بجناحيها .. تقف على أطراف أصابعها ترتعش ساقاها من الخوف تزيغ عيناها وتشير إلى قوسه الذي بيده .. انتبه اليها فقد كان نسيه تماما
                      -- " اعتذر منك .. سألقيها بعيدا !"

                      بتوجس دنا منها ولحظ تاجا على رأسها ، أدرك أنها أميرة هؤلاء العرائس فانحنى إليها
                      -- " من أنت ؟ ... وكيف أنتن هكذا ؟!"
                      وضعت أصابعها على ثغرها واخذت تهز رأسها ثم صاحت بصوت عالي الإرنان
                      -- " ماذا ؟! .. لا تتكلمين! .. أنتِ مسحورة ؟!"

                      فأومأت برأسها بالإيجاب ... قبض على يديها الباردتين ..أخرجها من البحيرة وأخذ يفرك يديها ليدفئها
                      -- " خسارة ! ... كم أنتِ جميلة .. ولا تتكلمين !"
                      كدمية ممسكة بيده راحت تقفز على أطراف أصابعها تلوح بذراعها وتبتسم إليه فرحة تشير إلى قلبه ثم إلى القمر

                      قطف بعض الزهور الليلكية وشبكها في تاجها وراح يتحسس الريش الأبيض النابت وسط خصلات شعرها الأحمر ثم جيدها الأبيض الناعم وفستانها المخملي ذا التنورة الهفهافة وعينيها التي أحاط بهما سواد فاحم فبدتا فيروزتين تسبحان في سرداب عميق
                      -- " من فعل بك هذا؟!"

                      تحدر قمران من مقلتيها في عبرتين تبللان خديها الاسيلين وثغرها الرقيق الرسم فتغيب في شق شفتيها فبادرهما بأنامله يجففهما " لا تبكي .. سأكون معك ولن أترككِ!"

                      زادت عبراتها وطوقت رقبته بذراعيها وراحت تبكي ضمها إلى صدره ودار بها وحملها من خصرها تتطاير تنورتها البيضاء ناشرة عبق طيبها وأريجا ليلكيا وهي تماوج بذراعيها...

                      تحركت العرائس فجأة قد أخذتهن رعشة عارمة ، تسارعن في الوثب حولهما ورحن يصحن ويُشرن إلى القمر الذي قد احتجب تماما ..!!

                      حجبه كائن نصفه انسان ونصفه طائر بجناحين ضخمين أسودين ..وسريعا انقض ذلك الكائن المريع وسط العرائس يفرقهن فيتلملمن على بعضهن في صفوف يماوجن بأذرعهن من شدة الخوف وترتعش سوقهن !

                      بينما الأمير قد حمل عروسه ليبتعد عن ذلك الطائر الكبير لكنه أخذ يتعقبهما ويسد عليهما المسالك فينشر عليهما جناحيه وينفث فيهما الريش الأسود .. لمح الأمير طلاسم وتعاويذ منقوشة على طرف جناحيه بالذهب .. " هذا هو ! .. الساحر !"

                      أخذ الأمير يبحث عن قوسه التي رماها بعيدا .. وراح يصوب نحو الطائر بلا جدوى؛ إنه يحلق عاليا نحو القمر ثم يحط فجأة ، فيغشاه بجناحيه وينفث عليه من ريشه ثم يعاود الطيران مجددا .. ألقى الأمير القوس من يده وانتهز فرصة دنو الطائر منه ثم قفز عليه وطرحه أرضا واخذ يلكمه ..ركله الطائر حتى سقط على حافة البحيرة والتقط حجرة كبيرة وقفز على الأمير ..

                      أخرج الامير خنجره بسرعة وغرسه في صدر الطائر فانفجرت من قلبه الدماء لكنه كان قوي الجسم فجمع نفسه وضرب الأمير بالحجارة على رأسه فشجها وسقطا في البحيرة ..وماهت بالدماء ...!

                      صرخت العرائس البيضاء وخرجن في صفوف من وراء الصفصافة وجثون على الأرض قد تكومن على انفسهن ..

                      بينما راحت العروس الأميرة ترتعش أوصالها ،تتهدهد تنورتها الشفيفة وراح خصرها يتثنى كما لو كان يتهاوى على التنورة فتحمله التنورة وتعيده إلى مكانه فيتهاوى عليها من جديد! .. بينما انثنى جيدها كما المقصوف يحمل رأسا مترنحة فتحاول نصبها بكفيها، حتى اقتربت من البحيرة الدامية ووقفت على رجل واحدة ومدت الثانية نحوها فاخضب حذائها البللوري باللون الأحمر ..
                      أ
                      غمضت عينيها وأخفت وجهها في كفيها وقفزت في البحيرة ..فتناثرت المياه الحمراء على الزهور الليلكية حولها وصارت تقطر دما يهمي على العشب الأسود..!!

                      ثم .....

                      .....

                      قامت واقفة معتمدة على إحدى رجليها بينما تلف الثانية وراءها وانحنت في بهاء حتى لامس جبينها ركبتها ..

                      وانهالت عليها بتلات الأزهار الوردية فغمرتها .. وخشبة المسرح
                      وارتج ( دار الأوبرا ) على زخات التصفيق الحاد وهتافات الإعجاب .. ووقف البطل إلى جانبها يحيي الجمهور تارة والراقصة تارة أخرى ويصفق لها ..

                      ..وأصفق أنا لها أيضا ووقفت على اطراف أصابعي الصغيرة أقلدها في انحناءة ( بافلوفا ) الشهيرة تلامس جبهتي تنورتي البيضاء التي لبستها وقت مشاهدتي العرض وأخذت أصيح وسط الهتافات .. " سأكون بجعة مثلك يوما ما!!"

                      ..لكنني لما كبرت لم أتجاوز كوني بجعة نحاسية في صندوق خواتمي الأسود !!
                      التعديل الأخير تم بواسطة دينا نبيل; الساعة 21-10-2011, 07:10.

                      تعليق

                      • سعيدة خربوش
                        عضو الملتقى
                        • 14-09-2011
                        • 15

                        #12
                        المقامةالادماجية : معذرة ان أخطأ قلمي خطاه

                        l

                        حدثنا محمد بن يحيى قال:


                        ... أمضينا في سلك التدريس سنين عددا، والقطاع يطلب العدد والمدد. وأبانت الإحصاءات أننا في تراجع، وكشفت الاستطلاعات ما عليه مستوانا من تواضع. فضربنا كفا بكف، وتصاعدت الحسرات من كل جوف: كيف وما سبب هذا النكوص؟ بعد كل مابذلناه من جهود وطقوس؟ كيف أصبحنا نخرج أشباه الأميين؟ ومن يعجز عن إنجاز حساب أو تمرين؟ إنها والله لغصة في الحلق، عند كل غيور يؤمن بالحق.


                        ثم هبت نسمات الإصلاح كالوجه الصبوح، وبدأت تباشير التغيير في الأفق تلوح. فاستبشرت بذلك خيرا، وقلت إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا من أنفسهم أمرا.


                        فأول ما توصلنا به من الخدمات، للأولاد والفتيات: أدوات ومحفظات، وزي موحد من البذلات. أما للأساتذة والأستاذات، فالمصوغات والمجزوءات، والتدريب في دورات. لأن الموارد البشرية هي العناصر الضرورية. بها يتم الإصلاح، ويكتب له النجاح والفلاح.


                        استدعينا على شكل أفواج، للتكوين في بيداغوجيا الإدماج. كل يوم نشد الرحال، تحذونا قوة العزائم والآمال. إلى مركز تكوين المعلمين، حيث يوجد كل مؤطر أمين، كعبد الرحمن وسيف الدين، اللذين يبذلان كل نفيس وثمين. فزودانا بالدرر والجواهر، وذللا كل صعب مستعص قاهر.وباللطائف والمستملحات، بددا حدة النقاشات. وبالحكمة البالغة، قالا إن كل تلميذ نابغة. فقط على المعلم أن يشعل الشرارة، التي توهج الإبداع والمهارة. فالمعلمون هم قادة الشعوب، بهم تبلغ كل مطلوب. قالا إن المعلم يعمل من أجل الوطن، من أجل طفل ولد وعاش في شجن، من أجل طفلة تحلم بغد أحسن، على المعلم أن يعلو فوق عتبات المحن. قالا إن المعلم إنسان، والإنسان قوي بالإرادة والإيمان، قوي ضد الطبيعة ضد المكان ضد الزمان. والمعلم هو إنسان، بما يحمل من رسالة هو إنسان.


                        عملت في واحدة من المجموعات الأربع، حيث التفاهم والسلام يرتع. فحسن يعلق الملصقات، ويقدم الشروحات والتوضيحات. وهند ذات الخط الجميل، لم نجد لتصميماتها أي بديل. وتوالت الاقتراحات الدفينة، من علي وأمينة. ولم تخف فتيحة وسمية، ما لهما على التعليم من حمية.


                        خلال خمسة أيام، أولينا بيداغوجيا الإدماج كل اهتمام. متى وكيف ولم أسئلة خالدة، بها تكتمل الفائدة. فالوضعيات، لابد لها من سياق وسند وتعليمات. أما معايير الملاءمة والسلامة والانسجام، فلنعرف هل بلغ الطفل المرام. ثم تتلوها الشبكات، للتحقق والتصحيح والتصنيفات. وبذلك يتم التقويم، للتوجيه أو التعديل السليم. ثم يكون الإشهاد، علامة على بلوغ المراد.


                        وجاء يوم الوداع حثيثا، ولازال لنا في العلوم حديثا. "والله ما سخينا" كلمة القوم، هي كل ما تسمع في ذلك اليوم.


                        فالرحمة لمعلمينا الأوائل، لمن حاربوا الجهل حرب البواسل. والشكر الجزيل وخالص الدعاء، لأستاذينا الجليلين بطول البقاء، ولمن خدم ذاك الجمع من جنود الخفاء.


                        ثم استرسل قائلا:


                        ولا أظن أني آتي بجديد، أو أني أحيطكم بخبر فريد. إذا اعترفت لكم دون التباس، أنه بدء لم يكن لدي حماس. فعادة ما تبعث هذه الاجتماعات على ملل، نتمنى معه أن تنفض على عجل. لكني لم أتوقع أن تنقلب، الأمور فجأة على عقب. فالمؤطران كانا من الذكاء، وللوهلة الأولى كسبا منا الولاء. أما أفراد المجموعة، فالروعة كانوا وأي روعة. إذ أحيوا في قلبي الأمل، أن هناك من يحمل المشعل. أن هناك قلوبا تنبض، وأن شبابا على الجمر يقبض. أسئلتهم تحمل هما وغيرة، ووجوههم تطفح حبا وحيرة. طرحوا المشاكل على الطاولة، وتساءلوا عن الحلول العاجلة. في أصواتهم حرقة ولوعة، فمن كل العراقيل أخذوا جرعة.وهم مع ذلك لهم إصرار، على إخلاص العمل بكامل الإختيار. فالمدرسة عندهم تسكن الوجدان، هي المركب إلى بر الأمان. والطفل مشروع يراهنون عليه، غدا يصبح رجلا يعتمد عليه. ليس مسؤولا هو عن الصعوبات، ولن يحملوه مسؤولية التبعات. سيبذلون كل الجهود، للوصول به إلى المستوى المنشود. ولن يفقدوا الأمل، في تحسن ظروف العمل.


                        من أجل ذلك عبرت عن حالهم برسالة، أرجو ألا تكون فيها إطالة. لأشرك معنا كل أسرة التعليم، فكل فرد فيها له دور عظيم. أوصيهم بتكثيف التواصل واللقاءات، وتبادل التجارب والخبرات. فبذلك يغيرون "الروتين"، ويجددون النشاط والعزم واليقين. فكانت الرسالة كما سيأتي، وهي تعبير عن حسن نيتي. فإن وفقت فيها فمن الله، وإلا فمعذرة إن أخطأ قلمي خطاه:





                        يا إخوة الإيثار ونكران الذات


                        يا شركاء في مهنة التضحيات


                        أبـعـث لـكـم بـهـذه الـكـلـمـات


                        ... بـأشـعـة الأمـل الـدافـقـات


                        مـيـثـاقـا بـيـنـي وبـيـنـكـم ...


                        ...بين المخلصين والمخلصات


                        أصحاب المواقف والمبادئ...


                        أصحاب المعانـي الخالـدات


                        الصامدين صمود الجبال الراسيات


                        من رفعوا في العلياء الهامات الشامخات


                        وثبتوا في الأرض الأقدام الراسخات


                        لنقول لكل الشامتين والشامتات


                        مخطئ من قال إن التعليم مات


                        مخطئ من قال ولى مجدنا وفات


                        مع المجموعة43 عادت الحياة


                        عاد الأنس،عاد الأمل


                        عاد الجد والنشاط


                        فارحل يا زمن الغربة


                        ... يا زمن الوحشة


                        ... يا زمن الحسرات


                        فنحن ما زلنا بخير وسترون


                        وستعلمون أنه كذب الذي قال:


                        إن التعليم مات


                        وكذب من قال ولى مجدنا وفات


                        فلا زال في جعبتنا الكثير... كان كامنا


                        والآن، آن أوان الانبعاث


                        فذاك مجدنا ونحن أبناءه


                        وعلى عاتقنا نصب لواءه


                        نحن من يهب حين يعلو نداءه


                        إنه مجدنا ونحن رجاله ونساءه


                        بنا نحن يكون سناءه
                        وبأطفالنا سيستمر سناءه


                        لأجل ذلك نحن أوفياءه


                        لا يهمكم ذلك المعلم الذي...


                        يمشي مشية الخيلاء


                        ويرمق صبيانه بنظرة ازدراء


                        يتسلل إلى المقاهي ليجالس الوجهاء


                        ذاك ما خرق الأرض... ولا بلغ السماء


                        ذاك تشفعون له ... أنتم الشرفاء


                        يا من تعرقون لأجل ريم...


                        لأجل محمد وهناء


                        أنتم الرابحون أخيرا ...أنتم النبلاء


                        بالمحبة البريئة وأصدق الدعاء


                        ... أنتم الأغنياء


                        لا يهمكم ذلك المفتش الذي


                        يحصي عليكم الأخطاء


                        ويضع دونكم نظارة سوداء


                        وينثر جهودكم هباء


                        أو ذاك الذي يسأل عن الزوج...


                        عن الإخوة...عن الآباء


                        ولسان حاله يوحي بالأنباء


                        أن: درسوا أو لا تدرسوا


                        فالأمر عندي سواء


                        إنما أشهر الامتياز


                        لمن جيبه أحسن الأداء.


                        ذانك يشفع لهما


                        هؤلاء المفتشون الشرفاء


                        الذين يجعلون من الزيارة لقاء
                        لشحذ الهمم، للتآزر للإخاء



                        للتعاقد على الجودة وتجاوز الأخطاء


                        طوبى لهم طوبى
                        فأولئك السعداء

                        لا يهمكم ذلك المدير الذي


                        يرى المؤسسة ملكا


                        يعمل فيه ما يشاء


                        يستهين بالأطفال الأبرياء


                        ويصنفكم صنفين: ضعفاء وأقوياء


                        فيعلن للأولين.. أنه أشد المدراء


                        ويداهن الآخرين مداهنة عمياء


                        يتشدق أنه أدهى الأدهياء


                        ذاك ضميره مات...


                        ومخلفاته أرض جرداء


                        لا تأسوا..فإنما يشفع له


                        هؤلاء المدراء


                        هم يسيرون المؤسسات


                        بحكمة الحكماء


                        مربون هم..أحن من الآباء


                        قساة لينون معا، أشداء ورحماء


                        طوبى لهم طوبى


                        فأولئك العظماء


                        لايهمكم ذلك الأب الذي


                        يفهم أكثر من كل الفهماء


                        ويقدم لكم دروسا في التربية


                        .. في تقويم الأسوياء


                        وابنه المنحط قد حاولتم به الإرتقاء


                        ذاك يشفع له هؤلاء الآباء


                        من يشدون على أيديكم صباح مساء


                        يسترشدونكم.. يحملون هم الأبناء


                        ينادونكم بأجل الأسماء


                        طوبى لهم طوبى


                        فأولئك العقلاء


                        لايهمكم ذلك التلميذ الذي


                        ينظر في عيونكم نظرة شزراء


                        يتمرد.. يتعنث كألد الأعداء


                        ينكر عليكم حق النقد أو الثناء


                        ذاك مذلل اعتاد أن يفعل ما يشاء


                        وإنما يشفع له تلاميذكم الأوفياء


                        يجلونكم.. يبجلونكم كآلهة القدماء


                        أنتم خالدون في قلوبهم


                        ليس لكم شركاء


                        هم "الولد الصالح"


                        هم الدعاء بعد الفناء


                        طوبى لكم طوبى


                        بهم ستكتبون مع السعداء


                        لا تهمكم وعورة المسالك والطرقات


                        لا تهمكم غربة الحياة


                        في المداشر.. في الجبال


                        .. في الصحاري القاحلات


                        كل ذلك يشفع له


                        أن تلاميذكم معكم... في مركب المعاناة


                        قاسوا قبلكم وسيقاسون.. أمد الحياة


                        أنتم حبلهم للنجاة


                        لا تفكروا دونهم في الإفلات


                        مدوا لهم الأيادي الحانيات


                        وحسسوهم بالأوضاع القاسيات


                        فقد يتقلدون بعد حين


                        مناصب التسيير لحل المشكلات


                        لا تـــيـــأســـوا إن بـــرمـــجــت


                        قـضايـاكـم فـي سـلـة المهـمـلات


                        إن أصبحت مطالبكم من المنكرات


                        إن حرمتم من الوسائل الضروريات


                        فـلا بـد فـي آخـر الـنـفـق


                        من أضواء ساطعات...


                        فلنخلص في العمل النيات


                        كما أخلص معلمونا قبل سنوات


                        ما ركنوا لراحة ولا خانوا الأمانات


                        ولا ضاقت صدورهم بأحوالنا البائسات


                        فلنرد دينهم للأجيال القادمات


                        إذ تمنوا أن نبلغ أعلى المنزلات







                        التعديل الأخير تم بواسطة سعيدة خربوش; الساعة 18-10-2011, 00:46.

                        تعليق

                        • مهند التكريتي
                          أديب وكاتب
                          • 06-03-2010
                          • 115

                          #13
                          من حكايات الليلة الثانية بعد الألف



                          الظهور الأخير لأبي نؤاس البغدادي ( 1 )












                          صمت ثقيل جاثم على جنبات الرصيف ، والطريق الأسفلتي المتهدل وسط بقايا تمثال تهشمت ملامحه ، جسده يتفصد عرقا ً .. سأجف حتما ً قبل وصولي .. اعتصر واجهة عمامته ليمسح عرقا ً ضايق رؤيته وعاد ليتطلع إلى الملامح المبعثرة عند نهاية الرصيف المهروس .
                          - ما أبشع أن يتغير كل شئ هكذا .. !
                          قبل لحظات كنت متواريا ً في دثاري ، أنعم بنوم هانئ متوسدا ً ذراع جاريتي الجديدة التي أهداها اليّ نديمي الرشيد بعد غزوته الأخيرة في بلاد الفرنجة ، إلا أن كابوسا ً مرعبا ً أقض مضجعي ، وجعلني أغادر ايقاعات أنفاسها الدافئة على حين غرة .. اللعنة على الأحلام ، وما تجره على أصحابها من ويلات
                          رفع رأسه الى السماء مبهوتا ً ، غاضبا ً .. كانت سحابات سود تتوالد وترعى بهدوء .
                          - فـ ...ـآآآ ..سـ .. !
                          انتفض بشدة .. العقارب تتنزه في الليالي المتربة .. هكذا قالت جدته وهو صغير .. ذكريات بريئة تتواثب لتنقض على ما بقي في جسده المتعب.. كان يبكي عندما كانت تحكي له قصة لسعتها من قبل عقرب غادر .. لكنه كبر ولا يدري كيف انتقل سم الخوف من مرحلة الطفولة حتى مرحلة النضج.
                          انتفض لحركة لايعلم مصدرها إلا أنه أحس بدنو عقرب موت يتجه نحوه .
                          قبل قليل كان برفقة وزير الديوان ، وأخبره أن نديمه الرشيد سعيد بصحبته ، وأنه سيسر إليه بشئ لن ينساه طيلة حياته المقبلة ، لقد تحفز للقدوم مبكرا ً ليغرس مجساته في ناصية الوجع ويعود ليكمل تفاصيل بشارته مع صديقه المخمور.
                          - اللعنة على الأحلام ، وماتجره علينا من ويلات .. ألم تجد غيري كي تصطاد فرحته بسنارتها المزعجة ، وتحيل موائد الفرح المؤجل فيها الى مأدبة للعزاء
                          .. يالحظك العاثر ياأبا علي، لم تفترش يوما ً وسادة الفرح إلا وداهتمها دموع الكوابيس ، فما شأنك و تلك العربة المذهبة وبما تصطبغ به من ألوان قاحلة ، ترسم صورة موت مجعد مخفي بين عنق الحكاية ، وعنكبوت الزمن الجاثم فوق أوردة حلمك.
                          - الـ... فـ..ـآآآ..س..!
                          لم يستطع أن يرفع رأسه صوب السماء مرة أخرى ، وبخه شيخه في الكُتّاب على تبذيره حبر دواته وهو يحاول أن يتأمل نافذة كُتّابِهِ ِ المتهرئة ليخط من بين شعاع أجنحة حمامها الواقف عليها جملته الأولى
                          - ..ـلـ..ـب الـ..فآآآآآ .. س .. !
                          أكنت تظن وأنت تتفاجأ برؤية اسمك محفورا ً على حافة التمثال المقصوف ، أنك ستكون شخصاً مرموقا ً في المستقبل ، حتى تنتعل واقفا ً ما تبقى من حذاء الحكاية ، وتقف مكانه منتهزاً لحظة الفوضى التي عصفت بالموجودين حتى جعلتهم يتسابقون في صراع محموم لتهشيم أروقة بناياتهم الضخمة ، ونهب ما فيها من متاع وأثاث أتعبته يد من استهلكته مثلما هو واضح من آثار ماتقادم عليها من شروخ وخطوط ناعمة ، ثم ماهذا الذي كان يختبأ بين جنبات قدمه اليسرى .. هل كان صندوقا ً مذهبا ً موشوما ً بنقوش فضية .. لا أعلم .. فصرخات أحد الغرباء المتوسدين قطعهم اللاهبة فاجأتني حتى جعلتني أنفض مذعورا ً لأضيع وسط الجمع المتجمهر في وسط الطريق المحتقن
                          - ..جـ..ـلب .. الفآآآ .. س .. !
                          بعض بقايا ماتلفظ به هذا الغريب كان عصيا ً على الفهم ، حتى وأنا اتذكر بعض من مفرداتي الأعجمية التي كانت تتلفظ بها جدتي منذ صغري ، ولعل لفظة ( آي فاوند إت ) ذكرتني بأغنية فارسية الا أن لفظة( بوكس ) و (جاك ) الغريبتين ضيعت ما أردت أن أتذكره منها .. يا ترى ماذا كان يقصد ، وماذا كان يوجد في تلك العلبة المذهبة ...؟!
                          - إ..جـ..ـلـب الفأس ..!
                          وجه والده القابض على فأسه بكل قوة في حقل مولاه البصري كان يرمقه بوجع مسترسل ، مدفون بلهاث قافية موؤدة ... مات وهو يضع أنفاسه في الضربة الأخيرة
                          - اجلب الفأس .. !
                          الذبابة التي تجري في عروقه جعلته يدرك أنه سيسحق تماما ً تحت فأس القدر ، إذا هو لم يتحرك !
                          مخالفته لأمر والدته وهي تنهره ، وتأمره بالابتعاد عن والبة بن الحباب والجري وراء ملذاته الفانية .. شنيعة جدا ً
                          تحركت خطواته المعقوفة باتجاه إحدى الأشجار المعدنية ، المنتصبة على يسار الرصيف المهشم .. توقفت الحياة في داخله فجأة .. لايدري كم من الوقت مر ّ قبل أن تتدفق الدماء في عروقه كسيل هادر لتهدم سد الخوار من داخله
                          تراجع قليلا ً إلى الوراء .. اتكأ على بقايا الشجرة المعدنية التي لم يجد لها اسما ً ، نظر باتجاه قطعة الحجر التي أعثرته وأدمت كاحله الأيسر حتى جعلته يهدئ من خطوه مستسلما ً لعجلات صمته اللاهث .
                          قطب حاجبيه ... غير معقول .. وجه لأحد شخوص بني العباس
                          أحس بشئ يوهنه عن الوقوف ، إلا أن إرادة المفاجأة أذهلته وأمرته أن ينهض بالرغم من وطأة مايحس به من الآم ومشاعر متضاربة .. يتقدم صوب الرأس .. يتأرجح ماشيا ً ، حتى يتمكن من القبض على قطعة من فصّ عينه اليمنى ، تأملها بحذر ، ثم أخذ قطعة أخرى من عمامة الرأس ، المطعمة بنقوش طالما ألفها وتعودت عيناه أن تغازلها في كل سهرة ، حاول أن يتلمس بعضا ً مما أحاطها من تجاعيد وطيات متعجبا ً من دقة من قام بنحتها ، وكأنما صاحبها قد تم تحنيطه وتركه ليتحول مع ماتبقى من ملابسه وحليه إلى قطعة من الحجر .. دقة ماحملته من تفاصيل جعلته يغوص مع ذكريات أمسه ( القريب – البعيد ) متذكرا ً ألوانها وبريق الجوهرة المتربعة على أسفل الجبهة الموالية لغرة حاملها و......
                          - ماهذا ، هل هذه كلمات منقوشة على حواف الجوهرة .. أم أنها مجرد نقوش أخرى .. انها كلمات فعلا ً منقوشة بطريقة لايفهمها الا أهل ذلك الزمن .. ولكن ماذا جاء فيها : فأس ، كلكامش ، وحش .. ماهذا الكلام ..
                          مسح على ناصيته وأغمض عينيه قليلا ً ، ثم فتحهما بهدوء ، حاول أن يسترجع بعضا ً من أبجديات علومه التي برع فيها ، ليحاول أن يفكك جزءا ً من خيوط هذه الأحجية الغريبة ، وماهي الا لحظات حتى فغر فاه ، فالكلمات هنا –بالرغم من بعثرتها – واضحة ً جلية ، إنها تقول :- (( إذا كنت قد وجدت تمثال رأسي مهشما ً ، فأبحث عن الفأس التي غرسها كلكامش في عنق خمبابا وحش غابة الأرز ، قبل أن يُفتَح َ باب ٌ من أبواب الجحيم ويُنزل على هذه الأرض وحشا ً أعتى منه ، أو من ثور عشتار المجنح ، أو من كلب مردوخ الأعور ذي الرؤوس الثلاثة ، حارس بوابات الجحيم .. لا تتوجل ، فقد كُتِب َ كُل ذلك على ورق الغيب ، وطالعتنا إياه نجوم السماء من قبل أن ندق إسفين الحجر الأول لهذه المدينة ، وقد قمنا بتخبئتها هنا إلى أن يتمكن الشخص المسافر إلى أثواب الغيب من العثور عليه ، فإن كنت ذلك الشخص ، فلا تتردد في دك رأس هذه الشجرة التي ستنهض من أوردة البذور المخبأة تحت أقدام تمثالك ..أسرع ، قبل أن ينزل الغول الذي يظنه البشر ، أنه طعم الله الموشوم بحريته الموعودة على أيدي الأغراب القادمين من وراء البحر .. أسرع ولتحفظك كل قوافي الشعر ، وليالي السمر التي تنعم بالنوم في أعتاب ذاكرتك الصدئة ))
                          اندهش قليلا ً من عمق ما تفصح به هذه الكلمات الغريبة ، حتى اهتزت يده وأسقطت ما تحمله على بقايا فم التمثال القاحلة
                          فتح فمه قليلا ً ليتقيأ جزءاً من بخار الكلمات الصادحة بلعاب ما صادفه من متناقضات ، من لحظة نهوضه من أكتاف كابوسه وحتى سقوطه بين ثنايا فكوك خط استوائه .
                          حاول أن يتراجع لولا أن أصواتا ً أطلقتها حجارته الملقاة بين قدميه داهمت مسامعه .. لم يكن صوت ارتطامها بالأرض بل كان صوت آخر ، هل يعقل أن تكون معاقرته للخمر قد سلخت عنه الحكمة حتى تحول إلى إنسان لا يفرق بين صوت الارتطام والتأوه ، دس يده بين طيات عمامته عله ينزع من أذنيه بقايا ذلك الصوت ، حاول أن يهز رأسه ليطفئ طنينه من قطرات الودق المتساقط على هضبته المنبعجة .. لم يفلح
                          -آه يا الهي ماهذا الصوت الوافد على عذرية مسامعي .. من أين يصدر .. كفى أتركني ، أرجوك .. لم أعد أحتمل
                          حركاته الهيستيرية لم تمنع الصوت من مداهمة أذنيه بصفيره المدوي ، تتلاقح الأفكار في ذهنه وتتوالد هديرا ً ينتشر بسرعة عاتية ، ومحلقا ً فوق سماوات تشظياته ، تحتويه غمامة من الأفكار الهستيرية تلقيه عند بقايا الفم المثلومة شفته ، بسقوط لثامه
                          - ما .. ماهذا .. هل هذا هو مصدر الصوت ؟!.. يا الهي أنه يؤلم
                          ملازمته لمسك صيوانا اذنيه لم يمنع الصوت من اختراقه
                          - يا ألهي .. هل أنا أحلم مجددا ً أم أنني لا أزال ملقى خارج بوصلة حلمي الأول ؟ ، أنقذني يا الله ..
                          يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة
                          فلقد علمت بأن عفوك أعظم
                          أدعوك رب ِّ كما أمرت تضرعاً
                          فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم
                          إن كان لا يرجوك إلا محسن
                          فبمن يلوذ ويستجير المجرم
                          مالي إليك وسيلة إلا الرجا
                          وجميل عفوك ثم أني مسلم
                          - ههههه من ماذا تستجير يا فتى ، فأنا الذي تألم من آثار إلقاء جوهرة عمامته على شفته ؟ !
                          - من .. من أنت ؟؟!
                          - أنا بقايا التمثال الجاثمة تحتك ألم تعرفني .. ؟!
                          - ما .. ماذا ، تمثال يتكلم ؟ .. يبدو أنني قد جننت فعلا ً ، أو أكاد أجن ههههههه .. لقد جننت ، لقد جن أبو نؤاس ، يا شماتة كل قوافي الشعر التي قلتها ، وكل كؤوس الخمر التي قبلتها ، يا فرحة شعراء الأمين بهذه اللحظة .
                          - توقف عن هذيانك يا فتى وأسمع لما أقول فلم يتبق لك الكثير من الوقت .
                          - ماذا اسمع ، وهل بقي من أذني شئ يستطيع أن يميز شيئا ً بعد الصوت الهائل الذي نفثته فيه .. ثم من أنت ، شكلك مألوف عندي إلا أنني لم أتشرف يوما ً بالتعرف عليك ؟
                          - الآن لاتعرفني ، أيها المولى الهجين ، لقد كنت تستمتع بمجالس السمر عند وريثي الرشيد ، وتتنعم ببذخ قصوره ، وتسألني الآن من أنا ؟
                          - الرشيد .. وأين أنا من هارون ، ومن قصره الذي أحيط بأسوار من أبنية وعمارة لم أألفها ، حتى ضيعت ملامح الطريق الذي كنت أحفظه عن ظهر قلب ، من أنت .. هل كنت من رواد مجالس مولاي أمير المؤمنين ؟
                          - أنا أبو جعفر ..عم والده و جد زوجته ( زبيدة ) ، وباني هذه المدينة العريقة ، وقد هشم المغول الجدد رأسي كما ترى ، وهم يحاولون أن ينفثوا سمومهم بما تبقى من رئتي على هذه الأرض .
                          - أها ..
                          - ما بك هذه الأرض التي تقف عليها جزء مني ، وكل ذرة من ترابها تُشكّل خلية من خلايا خارطة جسدي المتعب .
                          - وماذا تريد مني يامولاي ؟؟ ! .. أنا الآن ضائع وشريد ، خارج حدود زمني الذي أعرفه .. ولا أعلم ان كانت عيناي ستطالعني بشئ من مباهجه ، أم أنها ستقصيني كما أقصت رأسك الى موانئ الوجع الجريح
                          - أريد منك أن تتشجع ، وتسرع في انجاز الدور الذي وكلت به منذ الأزل
                          - دور أي دور .. عن ماذا تتحدث يا سيدي ؟
                          - لا تخف .. هدئ من روعك ، لقد أنتخبتك هذه الأرض لهذه المهمة من قبل أن تولد ، فأحطناك برعايتنا وكلائتنا إلى أن جاء الوقت الذي ترد فيه الجميل ، وتقوم بدورك الذي رسمته لك يد القدر
                          - يد القدر .. انتخاب .. مهمة عن ماذا تتحدث ، يبدو أن دوي الانفجار الذي بعثر رأسك قد طير ما تبقى من أبراج عقلك المنتهك
                          - تأدب يا فتى ، واستمع لما أقوله لك ، فلم يبق أمامك متسع من الوقت
                          - إلى ماذا أسمع إلى هذا الهراء .. آدمي يحدث حجرا ً ؟؟؟ هههههه
                          يهزه صوت الدوي مرة أخرى حتى يعود ليسقطه ذليلا بين ثنايا الفم المتهدل
                          - اسمع ... لقد وجدنا مخطوطة قديمة بين بقايا طوق كسرى ، الذي بنينا من حجارته هذه المدينة تخبرنا عن فأس مخبأة بين قصب الأهوار ، واعلمتنا عن ميزتها وعن من سيستخدمها ومتى فأخذناها وخبأناها حتى حانت اللحظة التي سيتم ايصالها الى حاملها ، فنفثنا في نفوس الحاقدين شيئا ً حتى يتجرَؤا ويحطموا هذا التمثال لنمكنه من الاستدلال عليها وتنفيذ ما رسم منه منذ الأزل
                          - لا تقل لي أنني هو الشخص المختار .. يالشماتة كل ماعلق في ذهني من علوم وفقه
                          - اسمع .. عليك أن تسرع ، فالشجرة التي سينبتها حفيد جاك من البذور المخبأة تحت قدمي تمثالك على وشك أن تنهض ... هل كنت تظن بأن هذا التمثال قد وضعناه عبثا ً هنا ، أم أنك كنت شيئا ً ذا قيمة في وقت لم يمجد شعرك إلا ماجنيك .. يا لك من شخص مضحك فعلا ً ههههه .
                          - ها .. لقد تعجبت فعلا ً ، حتى قلت في نفسي ، من هذا الذي يجرؤ على اذلال اسمي بوسم هذه المدينة الطاهرة بواجهة رسمي .. ولكن ، عن أي بذور ، وأية شجرة تتحدث .. لم أفهم هذا الجزء من كلامك ياسيدي .
                          - عن بذور الشعوبية التي وصمت بها بعد موتك ، وبذور الاباحية والزندقة .. لقد جاء العابرون من وراء الشفق ليعيدوا احياءها ويغذونها بكل ما اعتمل في جوارحهم ، من كراهية وحقد ، حتى يَسِموا أولاد هذه الأرض بأختام النخاسة على جباههم بحجة أنها (( حرية لديمقراطية موعودة ))
                          - (( ديمقراطية )) لا اعرف عن ماذا تتحدث ياسيدي ، هل نسيت أني من زمن آخر .!
                          - لا عليك ، فلايهم ان كنت تفهم جزءا ً مما أقوله أم لا ، المهم أن تبحث عن الأداة التي خبأناها تحت مفاصل عنقي كي تهشم بها ما يحاولون غرسه .. أسرع قبل أن يحصل المحذور وحينها لن نستطيع أن نفعل شيئا ً .
                          - أداة .. أي أداة ؟
                          - ما بك .. الفأس المذهبة التي قرأت عنها في الكتابة المنقوشة كطلسم حول جوهرتي .. أخرجها ولاتضع الوقت بسؤالاتك الفارغة ..ولكن احذر من أن تظهرها أمام أي شخص إلى أن تصل ، فهي شئ ثمين ، وقد يقتلك الواقفون حولك طمعا ً في قيمتها .
                          - أمرك ياسيدي
                          - أخرجها .. وأعلم أنك ستدخل حلبة التاريخ وتنال عظمة لم تنلها طيلة حياتك المزعومة في قصور أولادي
                          حاول أن يوقظ عيون أصابعه وهو يشرع بتقليب الأحجار المتكتلة على ضريح الرأس المهدم
                          أصداء صوت والدته وهي تحثه على الخروج من القبو المنعزل ، يخالط شبقه للعثور على عنق الفأس المدفونة
                          تطالعه غمامة سوداء تتشكل في منتصف المسافة بين تمثاله وقصر الخلد
                          يأمره الرأس بالإسراع .
                          تقع عيناه على عجلات مجنزرة مفتوحة ( الفوانيس ) في وضح النهار ، وعلى أشخاص مدججين بمعادنهم اللاهبة وهم يغرسون شيئا ً في رحم الأرض ويسقونها من جثث جماجم َ مشطورة من النصف ويرددون عبارات غريبة مصحوبة برقصات تشبه حلبات القرود
                          ((- ما بالك ياأبا نؤاس لاتضحك .. الا ترى هذا الأعجمي وهو يرقص ويراقص قرده الأحمر
                          - أعذرني يامولاي ، لقد أهمني أمر جاريتي الحبلى ، وأنا أخاف أن تدهمها لحظة الطلق ولاتجد من يأخذ بيدها أو يسقيها شربة ماء
                          - لا تخف يا أبا نؤاس .. وأضحك فاليوم (( سمر )) .. وغدا ً (( أمر ))
                          - نعم يا خليلي اليوم سمر وغدا .....)) بدأت الأرض تهتز وصراخ الرأس له بالأسراع
                          ظهرت سيقان خضر سرعان مأصفرت حتى اسودت وبدأت تتسارع في الصعود كأذرع أخطبوط عملاق وهي تنث من بين مساماتها دخانا ً أسود ، انقطع الجمع عن الانسياق في هذياناتهم وبدأت العربات المصفحة بمغادرة المكان وهي تردد بأبواق تشبه الحلازين
                          Came to your Destiny
                          Came to your Freedom
                          Ha ha ha ha
                          وبين هذا وذاك تتسارع الأذرع الخشبية بالتصاعد نحو الأعلى وسط صرخات الرأس ، داعيا ً أبا نؤاس للأسراع في البحث عن الفأس الذهبية ليوقف نهم الغول في الهبوط ، ويفلح في إسقاط هوية الهبة الغريبة ، التي يحاول أن ينزلها الغرباء من أعالي قفصها السماوي المغلق.

                          ************************************************** *******************
                          هامش :-



                          ( 1 ) جاء في مخطوطة ضائعة من كتاب ألف ليلة وليلة تم العثور عليها مدفونة في سرداب غرائبي عند باب الطلسم في بغداد مايلي:
                          { فلما انقضت الليالي الألف جلس شهريار متضجرا ً كعادته التي دأب عليها منذ مايقارب الثلاث سنوات من ألعوبة جاريته شهرزاد ، ونادى على سيافه مسرور لينهي الأمر ويعود ليعدّ العدّة لزواج جديد ، الا أن فطنة شهرزاد الحكيمة باغتته بفكرة جديدة تحسم الأمر وتعيده إلى نصابها حيث راهنته على حكاية جديدة وغير مطروقة وعلى نوع لم يتعوده خلال الليالي المنصرمة واشترطت فيها ان كانت لا تتسق ومستوى الطروحات المعهودة في بقية الليالي فسيكون لها الحق في تولي عرش قلبه إلى الأبد ، وأن يطلّق فكرة زواجه وبطشه ببنات جنسها ويسرّح جلاده مسرور من خدمته وينقله إلى دار من دور رعاية العجزة في مملكته المترامية ، وافق شهريار بكل سرور مستمتعا ً بتوغله في هذه اللعبة التي لم يبدو أنها ستصل الى نهاية النفق من يوم بدأتها جاريته الحكيمة قبل ثلاث سنوات .
                          تربعت شهرزاد على ناصية كرسيها المدور الذي يتوسط غرفة نومها وجلس شهريار بجانبها ، وشرعت تردد لازمتها المشهورة التي عودتنا عليها مدى لياليها الألف وليلة واحدة
                          قائلة ً :
                          - { بلغني أيها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد } أن أبا نؤاس الشاعر رأى في منامه أنه واقف بجانب عربة مكتوب عليها لافتة (( كليري )) القدر، وأطلع على لوحة في الغيب لبغداد ..درة المنصور وجوهرة الرشيد مكتوب عليها غورنيكا بغدادية ولاحظ مافيها من تفاصيل مؤلمة وألوان غامقة فقام مفزوعا ً وشرع يلبس ثيابه ، وفتح بابه الذي أصابه الصدأ وأحاطت به حفنة من عناكب ذاوية ليذهب الى قصر نديمه الرشيد ، ويقص عليه رؤياه الغريبة في ليله العجائبي الا أنه تفاجأ بالزمن الذي انتقل اليه من زاوية مغلقة في سماء حلمه الدامي ، وبما رآه قد تجسد أمامه من قتل ودمار وسلب وخراب فأنبرى ليبحث عن قصر سيده في وسط الدخان والسنة اللهب المتصاعد من كل مكان ، وها هو يصول ويجول بحثا ً وتمحيصا ً حتى وصل الى شارع أبي نؤاس ووجد تمثالا ً مقصوفا ً يحمل إسمه فتعجب لوهلة من الزمن فهو لم يسمع بأن احدا ً مجد شعره قبل ماجنيه ليَسِّم احد شوارع مدينته بأسمه او نصب عربدته وسكره وماهي الا لحظات حتى وثب على ما تبقى من النصب واعتلى ناصيته وملأ كأسه بما تبقى في جعبته من خمر ذكرياته الجميلة وشرع ينشد ترنيمته الأخيرة :-
                          ياغارقا ًفي دُجى الفـَوضى بمنْ تثق ُ؟
                          والكـون ُحَولك بالأحقاد ِيَحتـرق
                          والظلم ُمنفلت ٌوالناس ُمُســــــرفة
                          إنْ لمْ تجد سببا ًللظلم ِتختلــــــق
                          وأُقصي الحَّقُ من دُنياك َفأحترقت
                          حتى استبدَ على شطآنــــها القلق
                          تقاذفتك خـُطـــــــى البلوى مُعربدة
                          وأمعنت ْفي بقايا الصَبر ِتخترق
                          حَملت َبينَ جفون ِالأمنيات ِقذى
                          فكيف َتهنأ ُأحلام ٌوتنعتــِـــــــق
                          تبيت ُتسْكِب ُفي سَمع ِالدُجى ألما
                          فيُولدُِ البُؤس ُلحنا ًهَدَه ُالطـَــلقُ
                          تسير ُفي طرقات ِالشك ِمنكفئا
                          يَلوكـُكَ الهَّم ُبالأحْشاء ِِيلتصـــق
                          كم ْمُجرم ٍبات َلا تخفيه ِأقنعة
                          ودَب َّبالموت كالإعصار ِيَنطلق
                          يريد ُأن ننحني قهرا ًلطاغــية
                          وأن يمزقنا عِلــْــــج ٌفنفترق
                          أنت َالقتيل ُوذِكرى الموت ِباقية
                          يا موطني طوحتنا بالأســى فِرَق
                          نغوص ُفي زمن ٍيلهو فيصرعنا
                          وفي سطــور ِالأماني يُثلِجُ الأرق
                          كلُ الترانيم ِبالأوجاع ِمثقــــــلة
                          يَحِفـُها الشؤم ُوالأشباح ُوالنزق
                          عَناكِب ُالشك ِما زالت ْمُعشعشة
                          وما تزال ُبها الأحلام ِتـُــسترق
                          ماتت ْعلى الرمل ِأصداءٌ تنادمنا
                          فكِدْت ُمن حَنق ِالأحداث ِأختنق
                          وحُطِمَتْ في زوايا الصبر ِمركبتي
                          ودَمدَمت ْأغنيات ٌجُلــُّـها الغرق
                          على شواطئ ِذكرانا قد ْإنقرضت
                          أحلامُنا وأستفاقَ الحزن ُوالقلق
                          تلبدت ْفي سَماء ِالعُمر ِقافيتــــي
                          فأعولي في دُروب الحُزن ِياطرُق

                          قاطعها شهريار قائلا ً:
                          - ها وماذا حدث بعد ذلك
                          فأجابته قائلة :-
                          ارتشف شيئا ً من نخبه المرير على أنخاب الألم المعتصر ، وقبل أن يفكر بوضعه جانبا ً
                          لاحظ وجود شئ يلمع تحت حافة القدم اليسرى للتمثال المهشم ، حاول أن يمد اليه يده لولا صراخ أحد الغرباء المتوسد لقطعة معدن لاهبة ، سَمِعَه ُ يصرخ (( وجدناه .. وجدناه .. هلمو الي هنا .. لقد وجدناه .. اين أنت ياجاك كي تحمل هذا الصندوق ، وتخرج حبات الشجرة المقدسة ، كي نعيد بعثها من بعد حين ))
                          فما كان منه الا أن هب قافزا ً وأنطلق يركض ويهرول بين الشوارع المكنوسة بنكهة الوجع وشبابها كما هم في هرج ومرج بين تهشيم واجهات لبنايات ضخمة وبين الاقتتال على حمل أكبر كمية ممكنة من الأشياء المتناثرة على واجهات الأرصفة والشوارع ، وبينما هو يركض تعثر بمقدمة وجه ِ تمثال مألوفة ملامحه شيئا ً ما ، ظل ينظر اليه ، فملامحه شبيهة بملامح أسياده من بني العباس .. أيعقل أن يكون أحدا ً منهم قالها في نفسه
                          ثم تقدم صوب الرأس بحذر وأخذ يقلب أحجاره المتناثرة هنا وهناك، حتى عثر على كتابة تعرف عليها حالما رآها ، مكتوب فيها (( اذا كنت قد وجدت تمثال رأسي مهشما ً فأبحث عن الفأس التي أودعها كلكامش في رقبة ثور عشتار السماوي قبل أن ينفتح َ باب ًٌ من أبواب الجحيم وينزل على هذه الأرض وحش ٌ أشد ضراوة من خمبابا ، وحش غابة الأرز وثور عشتار ، وتنين مردوخ الأعور ، لا تتوجل فقد كتب كل ذلك على ورق الغيب وطالعتنا به نجوم السماء من قبل أن ندق أساس الحجر الأول لهذه المدينة ، وقد قمنا باخفائها هنا الى أن يتمكن الشخص المسافر الى تخوم الغيب من العثور عليها ، فأن كنت ذلك الشخص فلاتتردد في دك رأس هذه الشجرة التي ستنهض من البذور المخبأة تحت أقدام تمثالك .. أسرع قبل أن ينزل الغول الذي يظنه البشر أنه طعم الله الموشوم بحريته الموعودة على أيدي الأغراب القادمين من وراء البحر .. أسرع ولتحفظك كل قوافي الشعر وليالي السمر التي تنعم بالنوم في أعتاب قصور ذاكرتك الصدئة ))
                          اندهش أبو نؤاس من هذه العبارة المكتوبة فحاول أن يقلب شطر الوجه المهشم تحت قدميه ، واذا بفم التمثال ينطق ويقول ، أسرع يا أبا نؤاس قبل أن يهشموا مدينتي وعاصمة ملكي مثلما هشموا تمثالي .. أما زلت هنا .. أسرع قبل فوات الأوان .
                          قفز أبو نؤاس من غشوته وانطلق يبحث عن الفأس المخبأة في عنق التمثال وبعد وقت ليس بالطويل ، عثر عليها فحملها بسرعة وأنطلق مسرعا ً باتجاه غمامة بدأت تتشكل في منتصف الطريق ، لاحظ أن أحد المدججين بالسلاح يسقيها من جمجمة مشطورة من النصف وهو يلوك عبارات غريبة ، بدأت الأرض تهتز فظهرت سيقان خضر سرعان ما أصفرت حتى اسودت وبدأت تتسارع في الصعود كأذرع أخطبوط عملاق وتنث من بين مساماتها دخانا ً أسود َ ، انقطع الجمع الواقف عن الانسياق وراء هذياناتهم وبدأت العربات المصفحة بالرحيل وهي تردد هلموا أيها المظلومين الى حريتكم المنتظرة ، وبين هذا وذاك تستمر الأذرع الخشبية بالتصاعد نحو الأعلى ، فأنبرى أبو نؤاس بالركض هنا وهناك وهو يحمل فأسه المذهبة ، فرآه الجمع الواقف وتسارعوا بالركض خلفه علهم يظفرون بالفأس منه بدلا ً من الجرار المهشمة وأثاث البنايات المنتهية
                          انطلق أبو نؤاس غير مبال ٍ بالجمع الزاحف نحوه ، وهرع يضرب هنا وهناك على اللحاءات المكسوة بلعاب بارودي أسود ، والجمع يتقدم نحوه
                          وبينما هم في غفلتهم ، اهتزت الشجرة ولمع برق نازف من مجاهيل الغيب
                          فأرتبك الجمع وانفض ُ وأبو نؤأس يضرب هنا وهناك حتى سقط عليه الجذع المنتصب دون أن يسمح بهبوط الهبة الغريبة التي حاول أن ينزلها الغرباء من أعلى قفصها السماوي المغلق

                          التعديل الأخير تم بواسطة مهند التكريتي; الساعة 18-10-2011, 15:23.

                          تعليق

                          • دينا نبيل
                            أديبة وناقدة
                            • 03-07-2011
                            • 732

                            #14
                            الإخوة الأدباء .. الأخوات الأديبات

                            الآن يغلق باب إدراج النصوص السردية .. ولن تدخل أي نصوص تدرج بعد ذلك ضمن هذه الفعاليات ..

                            وسيتم عرض النصوص على الأساتذة النقاد وأعضاء نادي الأصالة الأدبي لإبداء آرائهم ووضع قراءاتهم حول النصوص المشاركة

                            أتمنى التوفيق للجميع


                            نادي الأصالة لإبداع الأدبي



                            تعليق

                            • مخلوفي ابوبكر
                              أديب وكاتب
                              • 07-03-2008
                              • 99

                              #15
                              الملاءة و العجار

                              الملاءة و العجار
                              كان الشيخ ابراهيم يحرك حبات السبحة بأصابعه يده اليمنى البيضاء الطرية ، و يمشط لحيته بيده اليسرى ،و هو متكئ على وسادة وضعت على السرير الفاخر في قاعة الجلوس ، و أمامه طاولة رخامية عليها صينية محملة بإبريق نحاسي و صحن حلوى ، امتدت يده الى فنجان القهوة المزين بصورة نابليون و هو يضغط على يد عشيقته ،و من غرفة النوم إرتفع صوت عيشوش يردد لحنا فرنسيا من الستينيات و هي جالسة على سريرها الوثير تسرح شعرها الاصفر المصبوغ نتناولت زجاجة العطر ، الهدية التي احضرها لها صديق العائلة من فرنسا و تزامن ذلك مع رنين الهاتف ، قفزت مذعورة ،و سقطت الزجاجة من يدها للتتناثر قطعها على الارض و يرتفع معها عطر مسكر ، صرخت
                              - اللعنة أربع مائة دينار دفعتها البارحة فقط ..ابراهيم ماهذا النحس زجاجة العطر تكسرت
                              دخل الشيخ غرفة النوم و وجهه مصفر ، و تمتم - روز
                              - ما بها ؟
                              - في المستشفى
                              - ماذاقلت ..في المستشفى ؟ مابها ..ماذا حدث ؟
                              كانت تتكلم بينما راح يرتدي ملابسه بسرعة في صمت ، خرج فتبعته ، و ركبا السيارة ، إنطلقا بسرعة جنونية و يده على صفارة الانذار ، يوزع الشتائم و السب على كل من يعيق مروره ،(ياكلب شكون عطاك رخصة السياقة ..ياخي حمار ..تاخير الزمان الشرطة هي التي تعطل حركة المرور ..ايه و راك يا فافا
                              تمتمت عيشوش -إهدأ يارجل ما يكون غير الخير انشاء الله
                              أخيرا توقفت بهما السيارة في موقف المستشفى ،قفزا معا و هرولا تجاه مصلحة الاستعجالات ، و ما كاذا يتوسطان قاعة الاستقبال حتى علا صراخ عيشوش - اين ابنتي ؟
                              خرج طبيب شاب من من قاعة الفحص قفزت نحوه وأمطرته بوابل من الاسئلة - اين إبنتي ..ما بها ؟
                              إبنتي روز ماذا فعلتم بها ؟
                              رد الطبيب مهدئا -إنها بخير لا تخافي
                              - حقا ياولدي ؟
                              -نعم و لكن ...
                              - و لكن ماذا .. ؟؟ تكلم قاها معا
                              - لا شئ .إنما الجنين
                              - الجنين ؟؟!! و هويا على مقعد كان خلفهما
                              -- ماذا جرى لكما ؟..لا خطر..إنها صدمة خفيفة .بإمكانكما رؤيتها ، إنها في الحجرة المقابلة الى اللقاء
                              كان يتكلم و هما شاردان لا يسمعان ..كان وجه عيشوش كحبة ليمون معصورة ، مدفون بين كفيها ،و ابراهيم مطأطأ الراس ، مكفهر الوجه ،إتكأ على الكرسي و هو يتمتم - إبنتي حامل ، باللعار
                              نظر حوله ،كمن يريد الاختباء و قفزمن مكانه ليقطع أزيز الكرسي و هو يسقط الصمت الرهيب ، خرج و
                              و ركب السيارة ، إنطلق بسرعة جنونية ،و كاد أن يصدم أحد الواقفين بجانب المدخل ، لكنه لم ينتبه رغم صراخ الواقفين بمحاذاة الباب ، وصل الى البيت ، إرتمى على المقعد الوثير ..دفن وجهه بين كفيه ،بينما جلست عيشوش في المقعد المقابل ، لم يشعر بها و هي تركض خلفه ، و لا حتى عندما فتحت باب السيارة و ركبت معه ، تأملت لحيته الكثيفة ، أغمضت عينيها و في لحظة إستعادت صباها ..
                              كانت واقفة بين والدها الامام علي و الباشاغا مختار ، وراء القائد العام الفرنسي مارشال الذي كان يخطب في جمع كبير من سكان المدينة الصغيرة ، تحيط بهم صفوف الجنود ببنادقهم ،كان عمرها لا يتجاوز 16 سنة ، رن صدى صوته في أذنها
                              - نحن أمة حرة ،جئنا نحرركم من قيود الجهل و التخلف ، ننشر بينكم الحضارة و العلم ..نحن شعب يؤمن بالمساواة بين الرجل و المرأة و لنبرهن لكم عن ذلك في هذا اليوم الذي يسجله التاريخ بحروف من ذهب هذا اليوم الذي تتحرر فيه عيشوش من قيود الاستعباد و تخرج من ظلام قبر الى نور فجر جديد في هذا الجزء من الوطن الآم ثم وجه لها الكلام
                              عيشوش تقدمي لا تخافي
                              نظرت الى والدها البشاغا ، إمتلكتها نشوة ممزوجة بالرعب ، أمسكت بيدها المرتجفة ذراع إبراهيم ،نظر إليها مبتسما
                              - هيا تكلمي قال والدها
                              تمتمت بصوت مرتجف - أيتها الاخوات لا بد أن نتطور
                              قاطعتها موجة من التصفيق قادها المارشال و بعض جنوده و شارك فيها إبراهيم ، و في لحظة أسطورية إمتدت يدها نحو الملاءة فنزعتها ليتلقفها المارشال و يرميها أرضا و هو يتمتم عبارة لم تفهمها ، رما ه أرضا ، واستدار نحو إبراهيم مشيرا اليه بأخذ يدها ، تقدم نحوها ، إمتدت يده الى عقدة العجار ،حلها ،بينما إمتدت يدها نحو القائد الفرنسي الذي أخرج علبة السجائر من جيبه، تلملم الجمع ، إرتفعت فوهات البنادق ، تسارعت الانفاس ،إمتقع وجه عيشوش و هي تسمع أحدهم يصرخ
                              -لا
                              نظر إليها القائد و على شفتيه إبتسامة خبيثة ، مد إليها علبة الكبريت ، تقدم مع ابراهيم و جمعا الملاءة و العجار ،بينما أخذت عود الثقاب و أشعلت فيهما النار ، راح القائد و جنده و معهم البشاغافي تصفيق حار ، و رفعت نظرات الشررالمتطاير من عيون الجند بعض أيدي الحاضرين ، تقدم إبراهيم ، أخذ بيدها و تراجعا الى الخلف ليتركا المنبر للبشاغا و الامام اللذين أعلنا خطبتهما ، ليقدم لهما القائد الفرنسي تهانيه و هدية ، طقم قهوة ، زينت فناجينه بصورة نابليون و عشيقته ،
                              قطع عليها صراخ إبراهيم شريط ذكرياتها - سأقتلها ..دنست عرضي ..أنا الحاج إبراهيم
                              نظرت اليه قائلة - أنت ..من أنت ؟
                              رفع عصاه صارخا - و تجرئين أسكتي و الا ..
                              قاطعته - و إلا ماذا هيا جرب و سنرى
                              سقطت يده و هو يسمع هذا التحدي الذي طالما سمعه لأكثر من أربعين عاما ،
                              بينما أكملت ذاكرته ذلك الخجل المارشالي في الساحة العامة
                              تمتمت قائلة - طبعا لم تنساه.

                              ملاحظة
                              - فافا إسم يطلق على فرنسا من طرف بعض عملائها المسكونين بحنين الماضي
                              - الملاءة نوع من الحجاب ترتديه المرأة الجزائرية بلونين الابيض في الوسط و الاسود في الشرق و العجار قطعة قماش مثلثة الشكل توضع على الوجه أسفل العينين و هو الان في طريق الزوال تقريبا
                              القصة كتبت منذ حوالي 20 سنة

                              تعليق

                              يعمل...
                              X