أرفض الحياة
أدهم ذلك الطفل النحيف ضعيف البنية ليس بسبب العامل الوراثي ولكن نتيجة بيئته الفقيرة والتي تقتصر وجبات الأسرة فيها علي القليل من الطعام والتي لا يختلف نوعية الطعام فيها اليوم عن الغد أو الأمس ولا تتعدي الابتكارت فيها عن الفول ويختلف الطعم فيه باختلاف طريقة الطهي ، يذهب والده العامل البسيط في أحد أفران العيش البلدي ،يقضي نصف اليوم ويعود لأدهم بأفضل الرغيفات الخالية من المسامير أوبقايا الحشرات التي يأكلها بقية الزباين من فقراء البلد الذين يتهافتون عليه ويحصلون عليه بشق الأنفس بعد الوقوف ساعات طويلة للحصول علية، وتلك هي النعمة الوحيدة في حياة أدهم.
يغلب النعاس عيون أدهم بعد قضمات من بقايا أحد هذه الأرغفة الملقاه في مشنة العيش، والتي دفعها أده مإلي مكانها المعتاد تحت سريرة المتهالك المغُطي بمرتبة لم يمنع رتقها خروج قطع القطن التي تشبه العيش الرجوع والتي ناداها أدهم دائما بذلك التشبيه حين يعلو ذلك السرير ويذهب في سبات ليس بالعميق متقلبا بجسده النحيل ويداه تنتقل واحدة بعد الاخري متحسسا أماكن مختلفة من جسده وكأنه يضمد جراحا سببتها كلاكيع القطن بالمرتبة ويخُرج من فمه تـأوهات الألم . إلا أن الأحلام تنشط في جميع الأجساد الصحيحة والسقيمة غنية أو فقيرة ناعمة راضية، خشنة أوغضبة لتفيق تلك الأجساد أما مسرورة أو تعسة راضية أو رافضة واقعها.
بدأ العقل ينمو ويكبر ويجد البشر من حوله في مجتمعه الصغير بالمدرسة في صراع لم يجد له اي تفسير هذا التلميذ يضرب زميله ، وأخر يسرق السندوتشات وهذا يكذب, ومدرسوه يسبونه هو وزملائه لأتفه الأسباب ،وفي عودته وذهابة يجد العراك في الشوارع ، وعربة الاسعاف تحمل أحد المصابين، تاركة بقايا دماء تلونت بلون الأسفلت،ومن ناحية أخري ، يجد زميله الذي سبقه مسرعا ليلحق بالترام ، محمولا علي الأكتاف بعد أن قطع الترام أرجله، يلهث أدهم فاغرا فاهه و لم يستطع اغلاقه طوال الطريق ،يفيق علي من يكبره ببعض السنوات ماراُ بجانبه مستعرضاً عضلاتة ليضربه علي قفاة ويفر مسرعا بعد ذلك ، يدعك أدهم قفاه لعله يخفف من الم الصفعة ، يربت أحد الماره على كتفه قائلا له: معلهش يابني حصل خير، ليردد أدهم في دهشة ..... خيييير، يبدأ الم الصفعة يخف رويداُ رويداُ وقد اقترب من منزله يتقابل مع والده الفران يُحملّه سُرة العيش واضعا اياها علي قفا أدهم لتعاود سخونة العيش ألم الصفعة إياه دون أن ينبذ ببنت شفة.
يكبر ادهم وتتكرر نفس المشاهد معه ومع غيرة ويفتح الجرائد وتتكرر المشاهد فيها صفحة أموات صفحة أفراح صفحة حوادث وكأن الدنيا تجمعت في جريدة والدنيا تتكرر مشاهدها يوميا، يحمل هذا علي الأعناق ويصفق لهذا في الأفراح يمسح الدموع ويهنئ في المناسبات يبكي اليوم ويضحك غداًَ يـتألم ساعة ويهنأ نصف ساعة يدخل غرفة العمليات يُجري له جراحات ,يتم استئصال أجزاء من جسده, يدخل الخدمة العسكرية, يموت زملاءه ،يقتل أعداءه يعود لوطنة فرحا بالنصر، الزغاريد تحيطه، الثكالي يبكين، الوطن يرفع رايات النصر، الأعداء ينكسون اعلامهم يلملمون جثث جنودهم، وكانوا بالأمس يفرحون ، مهنئون قادمون ، معزون رائحون.
يعمل ادهم بالتجارة يسطع نجمه في المجتمع تفشل تجارته يدخل السجن لكثرة الديون ، يخرج يواجه الحياة لم يعرفه أحد ويعرف الجميع، يسلم علي الشوارع علي الحيطان ،علي السيارات ولم يرد أحد ، يذهب لمعهد السرطان يزور المرضى يقبل اياديهم، يخرج سعيداُ .
تنمو تجارته من جديد تنمو ، تزدهر يعود لسابق شهرته ،يتزوج ينجب يفرح بأولاده يحملهم علي اكتافه يحبو مثلهم يهرع بهم إلي الطبيب ، يهرول إلي الصيدليات ، يقوم بتوصيلهم إلي المدرسه تتشابك يداه بأياديهم
يصفعونه على قفاه بأصابعهم الرقيقة ،يُعرّض قفاه و يُطيله ليشجعهم علي الصفع،تعلو القهقات تخبو إلي ابتسامات ،مطوقا اياهم، يحتضنهم في نومهم ، يوقظهم بلمس أنوفهم ينعشهم بزغزغات أطراف اصابعه ، يكبرون في أحضانه ، يموت أحدهم غرقا في سن الشباب، ينجب مرة أخرى، يكبرون ،يعملون فى شركاته ، يتزوجون ينجبون، يشيب ادهم ينحني، يمرض ،يبتسم يفتح الجريدة،يبدأ بصفحة الوفيات ،ثم صفحة الحوادث ،اولاده قد باعوا الشركات، زوجتة التي هربت ،ضُبطت في أحضان الخيانة.
يقع أدهم من فوق سريرة ومرتبته المكلكعة واقعا علي الأرض يفيق من أحلامه صارخا أرفض الحياة.
تعليق