إن الروح الجميلة في شبابٍ دائم , لا تضعفُ ولا تموت ولا تهرم, لأنها آخذةُ بأسباب قوتها
ومنعتها , مُتحصنة من أسبابِ ضعفها وهشاشتها , ولأنها كشجرةٍ مُثمرة حياتها في الأرض
لكن جذورها متأصلةٌ ثابتةٌ في السماء , و لأن لها من صفاتِ الملائكة صفة النور فهي تستمدُ
قوة ضيائه وشعاعه من ورعها و إيمانها بخالقها , فهي دائماً مع الله في أيام سعادتها
و أفراحها وسنين أحزانها ومصائبها , تحمده إن ابتلاها بفتنِ الدنيا و أكدارها وتسمي ذلك
الإبتلاء محنة وتشكره إن أعطاها و أكرمها وتسمي ذلك العطاء منحة , قانونها التسليم بأقدار
الله و قضاءه وتسمي ذلك التسليم الإيمان الواجب على العقل الخضوع لمادته الغيبية
وغذاؤها ذكرُ الرحمن والتسبيح بحمده وتسمي ذلك اللذّة التي يجب أن تستشعر بحلاوتها
وعقيدتها أنها ما خُلقت في الدنيا إلا لتعبده , وتسمي تلك العقيدة الدستور الذي يجب أن يكون لمواده
سمتُ النفاذ المعجّل .
تلك هي حقيقة الروح عندما تسمو وتعلو بالإنسانية لتجعها أقرب ما تكون لملائكة
السماء , و أبعد ما تكون عن شياطين الأرض , وخالتي الحبيبة التقية النّقية , الجميلةُ
الذكية , العالمة المُتعلمة أحبها الله فأحبتها ملائكته وقذفت في قلوب عباده حبها فما بغضها
مُبغض ولا نمّ عليها واشي , ولا شكى منها شاكٍ , ولأنها زرعت الحب والفضيلة أينما
حلت كان حصادها على قدر غراسها , فكسبت من زوجها كل الحب والودّ , ومن أهلها كل العاطفة
والرحمة , ومن أبنائها طاعتهم وبرّهم , ومن الناس احترامهم وتقديرهم , ومن صاحباتها
إخلاصهم ووفاءهم .
لكُلِ انسانٍ أن يُفاخر بأُمه التي أنجبته ووهبته حرصها وحنانها , لكني ازداد افتخاراً بأُمٍ ثانية
علمتني بأن النفس الإنسانية الساعيةِ إلى كمالها هي مدرسةُ راقية , و العاقلُ من ُيسارع
الانتساب إليها , ليكون من خيرةِ طُلابها ومُريديها , ليثبت لنفسه أولاً وللعالم ثانيةَ أنه قد جاء
إلى الدنيا إضافةَ فيها لا زيادةَ عليها.
رحلت خالتي عن الدنيا وعلى شفتيها ابتسامةُ طالبٍ قد قرأ للتّو علامة نجاحه فبدأت أفراح قلبه
ولعلها في لحظة الرحيل قد أبصرت ملائكة الرحمة تقبض روحها لتزفها عروساً مُهداةٍ
إلى أهل السماء , ووصلت البشرى لتراب المقبرة أن هنيئاً لك بضيفك الجديد , المُقبل عليك
إقبال المسافر على المحطة , و يا قبرُ أوسع من جنباتك لذلك الجسدِ الطاهر , وضمه إلى صدرك
ضمةَ قلبِ أمٍ رؤوف رحيم , و كن سريراً ينام عليه نوم المتلذّذ المُستريح من تعبٍ وهم , و ألمٍ
وحُزن وجهادٍ ومجاهدة لفتن الدنيا .
رحلت الحبيبةُ الشهيدة زهرة , تاركة وراءها ثلاُثُ زهراتٍ صغيرات وغصنُ أخضر , لم يتعلم
من ألفاظ الدنيا إلا لفظ اسمها... أمي , فكل الأشياء التي تضحكه وتبكيه كان يناديها باسمها
ليشير بفطرته إلى أن للطفولة في بداياتها قانون واحد , ترجع كل قواعده لتنطوي تحت
ظلال لفظة ......أمي
و أما بنتها الصغرى فكانت تسعدُ بدلال أمها لها , وهي تناديها بدلع ......يا كبد , ذلك الكبد
الذي استوطن السرطان به فكان به موتها , وهي الآن تبحثُ بعد أمها عمن يُسمعها ذلك الغزل
الجميل أن يا.......كبد .
و أما ابنتها الوسطى فقد كانت مع أمها كالتلميذة النجيبة مع أُستاذها الجهبذ , فخالتي أرادت منها
صحة الفهم لما عزمت غرسه في قلبها وعقلها , و هي أرادت صحة الشرح و لطف التلقين .
و أما بنتها الكبرى فكانت مشروع أُمٍ وُضِع حجر اساسه منذ الطفولة ,فأخذت من أمها أساليب التربية
والتهذيب فكانت في حياة أمها أمُ ثانية لبقية ......إخوتها .
رحلت خالتي الحبيبة ولها زوجٌ , عظيمٌ بخلقه , كبيرٌ بإنسانيته , كريمٌ بطبعه , رحيمٌ بقلبه
مرضت خالتي وتحمّل هو آلام المرض و أوجاعه , فكان في أيام مرضها كالأم تقضي الليل بأسره
تهز سرير طفلها الرضيع حتى يكف عن الصراخ و....... ينام .
رحلت الحبيبة والقلبُ يسابقُ العين في الدمع , والنفسُ تتمنى تكذيب الخبر , كيف لا والعينُ
تذكر في كُل جميلٍ شيئاً منها , ترى الزهر فتذكر أن اسمها زهرة , ترى المدارس فتذكر أنها
مربيةَ فاضلة , و صناديق الإحسان فتذكر أنها كريمة مُتصدقة , و المساجد فتذكر أنها قوامة
ووجوه الصائمين فتذكر أنها صوامة .
ماتت حبيبتي فأظلمت الدنيا في قلبي ووجهي , وبتُ خائفاً من سؤال الحدائق والطرقات , وطيور
والدفاتر و الاقلام , و النورس والأمواج عن حبيبتهم ...... زهرة .
ليت شعري من يُفهم العالم أن لفُراقِ الأحبةِ لوعةُ , ونارٌ تضطرم في القلب ثم لا يطفئها إلا الإيمان
بأن لله ما أخذ و أعطى , و أن الروح بأمر خالقها يودعها لمن يشاء ويسترد أمانته متى.... شاء .
ماتت زهرة عمري وقلبي , وكُل الرجاء أن يملأ الرحمن خزائن أفئدتنا بالصبر الجميل , فالخطبُ
جلل تضيقُ به الصدور , وتبكي من أوجاعه العيون , وكُل الدعاء أن يا ربي أرحم تلك
الفقيرة المسكينة , و ألبسها من ثياب الجنة , و أطعمها من موائدها , واسقها من أنهارها
و أجمعها مع من أحبت لقاؤه , و هي ما أحبت لقاء أحد كحبها للقاءك ولقاء حبيبك محمد
عليه أفضل الصلوات و أتم التسليم , فألف سلام عليك يا خالتي و ألف رحمةٍ و فاتحة
على روحك الجميلة وألف ألف لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
ومنعتها , مُتحصنة من أسبابِ ضعفها وهشاشتها , ولأنها كشجرةٍ مُثمرة حياتها في الأرض
لكن جذورها متأصلةٌ ثابتةٌ في السماء , و لأن لها من صفاتِ الملائكة صفة النور فهي تستمدُ
قوة ضيائه وشعاعه من ورعها و إيمانها بخالقها , فهي دائماً مع الله في أيام سعادتها
و أفراحها وسنين أحزانها ومصائبها , تحمده إن ابتلاها بفتنِ الدنيا و أكدارها وتسمي ذلك
الإبتلاء محنة وتشكره إن أعطاها و أكرمها وتسمي ذلك العطاء منحة , قانونها التسليم بأقدار
الله و قضاءه وتسمي ذلك التسليم الإيمان الواجب على العقل الخضوع لمادته الغيبية
وغذاؤها ذكرُ الرحمن والتسبيح بحمده وتسمي ذلك اللذّة التي يجب أن تستشعر بحلاوتها
وعقيدتها أنها ما خُلقت في الدنيا إلا لتعبده , وتسمي تلك العقيدة الدستور الذي يجب أن يكون لمواده
سمتُ النفاذ المعجّل .
تلك هي حقيقة الروح عندما تسمو وتعلو بالإنسانية لتجعها أقرب ما تكون لملائكة
السماء , و أبعد ما تكون عن شياطين الأرض , وخالتي الحبيبة التقية النّقية , الجميلةُ
الذكية , العالمة المُتعلمة أحبها الله فأحبتها ملائكته وقذفت في قلوب عباده حبها فما بغضها
مُبغض ولا نمّ عليها واشي , ولا شكى منها شاكٍ , ولأنها زرعت الحب والفضيلة أينما
حلت كان حصادها على قدر غراسها , فكسبت من زوجها كل الحب والودّ , ومن أهلها كل العاطفة
والرحمة , ومن أبنائها طاعتهم وبرّهم , ومن الناس احترامهم وتقديرهم , ومن صاحباتها
إخلاصهم ووفاءهم .
لكُلِ انسانٍ أن يُفاخر بأُمه التي أنجبته ووهبته حرصها وحنانها , لكني ازداد افتخاراً بأُمٍ ثانية
علمتني بأن النفس الإنسانية الساعيةِ إلى كمالها هي مدرسةُ راقية , و العاقلُ من ُيسارع
الانتساب إليها , ليكون من خيرةِ طُلابها ومُريديها , ليثبت لنفسه أولاً وللعالم ثانيةَ أنه قد جاء
إلى الدنيا إضافةَ فيها لا زيادةَ عليها.
رحلت خالتي عن الدنيا وعلى شفتيها ابتسامةُ طالبٍ قد قرأ للتّو علامة نجاحه فبدأت أفراح قلبه
ولعلها في لحظة الرحيل قد أبصرت ملائكة الرحمة تقبض روحها لتزفها عروساً مُهداةٍ
إلى أهل السماء , ووصلت البشرى لتراب المقبرة أن هنيئاً لك بضيفك الجديد , المُقبل عليك
إقبال المسافر على المحطة , و يا قبرُ أوسع من جنباتك لذلك الجسدِ الطاهر , وضمه إلى صدرك
ضمةَ قلبِ أمٍ رؤوف رحيم , و كن سريراً ينام عليه نوم المتلذّذ المُستريح من تعبٍ وهم , و ألمٍ
وحُزن وجهادٍ ومجاهدة لفتن الدنيا .
رحلت الحبيبةُ الشهيدة زهرة , تاركة وراءها ثلاُثُ زهراتٍ صغيرات وغصنُ أخضر , لم يتعلم
من ألفاظ الدنيا إلا لفظ اسمها... أمي , فكل الأشياء التي تضحكه وتبكيه كان يناديها باسمها
ليشير بفطرته إلى أن للطفولة في بداياتها قانون واحد , ترجع كل قواعده لتنطوي تحت
ظلال لفظة ......أمي
و أما بنتها الصغرى فكانت تسعدُ بدلال أمها لها , وهي تناديها بدلع ......يا كبد , ذلك الكبد
الذي استوطن السرطان به فكان به موتها , وهي الآن تبحثُ بعد أمها عمن يُسمعها ذلك الغزل
الجميل أن يا.......كبد .
و أما ابنتها الوسطى فقد كانت مع أمها كالتلميذة النجيبة مع أُستاذها الجهبذ , فخالتي أرادت منها
صحة الفهم لما عزمت غرسه في قلبها وعقلها , و هي أرادت صحة الشرح و لطف التلقين .
و أما بنتها الكبرى فكانت مشروع أُمٍ وُضِع حجر اساسه منذ الطفولة ,فأخذت من أمها أساليب التربية
والتهذيب فكانت في حياة أمها أمُ ثانية لبقية ......إخوتها .
رحلت خالتي الحبيبة ولها زوجٌ , عظيمٌ بخلقه , كبيرٌ بإنسانيته , كريمٌ بطبعه , رحيمٌ بقلبه
مرضت خالتي وتحمّل هو آلام المرض و أوجاعه , فكان في أيام مرضها كالأم تقضي الليل بأسره
تهز سرير طفلها الرضيع حتى يكف عن الصراخ و....... ينام .
رحلت الحبيبة والقلبُ يسابقُ العين في الدمع , والنفسُ تتمنى تكذيب الخبر , كيف لا والعينُ
تذكر في كُل جميلٍ شيئاً منها , ترى الزهر فتذكر أن اسمها زهرة , ترى المدارس فتذكر أنها
مربيةَ فاضلة , و صناديق الإحسان فتذكر أنها كريمة مُتصدقة , و المساجد فتذكر أنها قوامة
ووجوه الصائمين فتذكر أنها صوامة .
ماتت حبيبتي فأظلمت الدنيا في قلبي ووجهي , وبتُ خائفاً من سؤال الحدائق والطرقات , وطيور
والدفاتر و الاقلام , و النورس والأمواج عن حبيبتهم ...... زهرة .
ليت شعري من يُفهم العالم أن لفُراقِ الأحبةِ لوعةُ , ونارٌ تضطرم في القلب ثم لا يطفئها إلا الإيمان
بأن لله ما أخذ و أعطى , و أن الروح بأمر خالقها يودعها لمن يشاء ويسترد أمانته متى.... شاء .
ماتت زهرة عمري وقلبي , وكُل الرجاء أن يملأ الرحمن خزائن أفئدتنا بالصبر الجميل , فالخطبُ
جلل تضيقُ به الصدور , وتبكي من أوجاعه العيون , وكُل الدعاء أن يا ربي أرحم تلك
الفقيرة المسكينة , و ألبسها من ثياب الجنة , و أطعمها من موائدها , واسقها من أنهارها
و أجمعها مع من أحبت لقاؤه , و هي ما أحبت لقاء أحد كحبها للقاءك ولقاء حبيبك محمد
عليه أفضل الصلوات و أتم التسليم , فألف سلام عليك يا خالتي و ألف رحمةٍ و فاتحة
على روحك الجميلة وألف ألف لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
تعليق