لنتذوق قصص محمود توفيق

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حسين التميمي
    عضو الملتقى
    • 16-08-2007
    • 175

    لنتذوق قصص محمود توفيق

    بسم الله الرحمن الرحيم
    لنتذوق قصص محمود توفيق
    بقلم : حسين التميمي

    ***
    أقرأ لمحمود توفيق حسين المولود في قفط المصرية عام 1968م لأترقى في درجات السرد ، فهو ذكي ولماح ومجدد ومتجدد وصاحب هم وهمة ، نصوصه تثير عقلي وتجدد نفسي ، تشمخ بي إلى قممها الأنيفة ، التي لم يعبث بها عابث ، أراني بعدها قادرا على قبض القلم والدخول في العالم السردي الرحيب.

    ***
    حين تقرأ مجموعته الأولى ( غسيل المنتقبات ) وهي عشرون نصا قصصيا انتقاها من نتاجه ولعلها من أقربها إلى نفسه.
    حين تقرؤها تأخذك لغتها التصويرية التعبيرية الرفيعة ، إنها تنساب بين يديه نهرا عذبا شبما ، تشعر أنك أمام رجل لم ينطق مذ خلق إلا لغة فصيحة شريفة ، فقد جمع في لغته السردية أطراف البلاغة : دقة التصوير وأداء المعنى وجمال الكلمة .
    واقرأ : ( خرجت حبيبة القلب ، تمشي على مهل ، فأسندت رأسي على الحائط خلفي وأرخيت جفوني قليلا ممثلا للنوم..كأني أراها الآن أمامي . خرجت ترتدي البرنس الأبيض، وخرج معها البخار ، أمالت رأسها على جانب ، فتجمع شعرها في ناحية ، وأخذت تضربه بيدها لتنثر منه الماء...) الخبء ص 28
    واقرأ : (وقبل أن يتنبه الرجل إليه ، قفز القرد على فخذ الرجل
    فأفزعه ، وكسح النقود بكفه مسرعا وجمعها في الكف الأخرى ، وتسلق برشاقه ) قرد الماد ، ص 127 .
    واقرأ : ( يد حزينة تطرق الباب الخشبي العتيق ، ففرت الحمامة ، قامت عائشة ، واربت الباب لصوت القريب الشاب ، جاءها الناعي حزين النبرة وأخبرها أن ياعمة ، أحسن الله عزاءك ، عريس بنتك ، مات في سبيل الله على ترابنا الطيب ، تصبري يا عمة ، وصبري بنتك ، لا أدري ما أقول ...) جدار عائشة 206
    أنت في عالم محمود توفيق لا تقرأ حروفا جامدة بل تعيش حياة أخرى بين ظهري حياتك..
    ***
    وكذلك تأخذك هيكلته العجيبة لقصصه ، وبناؤه المتقن لها ، فهو يتسلل بدهاء إلى هدفه مصيبا القارئ بالدهشة جاعلا المتعة تسري في عروقه ..
    فانظر كيف افتتح قصته (غسيل المنتقبات) فقد خلق حدثا تمهيديا مشوقا ليصل بمنطقية إلى الحدث الأهم وهو الاختلاء في المقهى بلص الغسيل ليغلق نصه بعد ذلك بدوي يأكل قلوب أعداء الحجاب.
    ***
    وفيها ينتشر الرمز بأشكاله فقد أخذه محمود بقوة اقرأ قصته ( جبل الذراق ) فقد صور الشذوذ بين الفتيات بدقة وصدق دون أن يخدش عفة أحد وفي (غسيل المنتقبات ) أغناه الرمز عن رفع الصوت بسب أو شتم وقلب الأرض على أعداء العفاف وأن كل من يهاجمه قردا معلما لا يفقه إلا قول سيده ومدربه.وفي (طوفان مهند ) و( خلفات الجند) التي جملها بالشعر و (يعرج وحده ) و( عرائس الموت ) و (كير اليساري ) وفي غيرها كان الرمز فيها خاتما بين يديه.
    ***
    يسدل محمود الستار على نصوصه ويغلقها فتتفجر القراءات في أذهان المتأملين المتفكرين المستمتعين..(الخبء) ، (لست نحسا )...
    و الخيال ملتحم بالواقع بتقنية عالية حافرا الأثر النفسي في الأعماق ( لست نحسا ) ، ( خط العنقز )
    والتشويق أمر لازم في حروفه وإن أطال وإن خفض سرعة سرده بوصف دقيق .فالقارئ يضع يده في يد محمود ويتنقل من حدث إلى حدث ومن وصف إلى وصف غارقا مستمتعا.
    وشخوصه في غالبهم ممن لا يؤبه لهم ولا لمشاعرهم ( المنتقبات ، الحمل في بطن أمه ، ضحايا العنقز ، العاطل الذي يقول اذكروني ولو بزجاجة عطر ، سكان الحي الشعبي، عائشة الجنوبية التي ذاقت ويلات الحوثيين...)
    ولعل تواضع محمود وقلبه الذي لا ينبض إلا بهموم أمته جعلته يهبط بعدسته إلى هذه المناطق التي يأنف منها الكثيرون ..
    ( غسيل المنتقبات ، قصص ، محمود توفيق حسين ، دار اكتب للنشر والتوزيع في القاهرة)
    [CENTER]تشرفني زيارتكم[/CENTER]
    [CENTER][URL]http://www.facebook.com/profile.php?id=100001911292768&v=wall&ref=profile[/URL][/CENTER]



    [CENTER]سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم[/CENTER]
  • حسين التميمي
    عضو الملتقى
    • 16-08-2007
    • 175

    #2
    قرد الماء
    بقلم : محمود توفيق حسين
    ***
    في العام 1907 ميلادية أبْحرت إحدى السفن المصرية إلى ميناء جدة، تحمل الحجيج.

    كانت الرحلة هادئة بلا أيّ مفاجآت، وعلى ظهرها كان الحجيج يمشون في ملابسهم العادية، وبعضهم في ملابس الإحرام في سكينة، لم يَكُنْ ثَمَّة عابث كثير الحركة مهرِّج على ظهرها، إلا ذاك القرد، كما كان عادة بعض أهل البحر في ذاك الزمن من تربية قرود، أو غيرها من حيوانات مستظرفة يلاعبونها فتخفف عنهم سآمة السفر، واضطراد منظر البحر.

    وكان أحد الرجال البسطاء من الحجيج الذين يبيتون على سطح السفينة يجلس متكئًا على الصاري، يعد نقودَه الذهبية، ويتشمَّس في تلك الساعة من الظهيرة، وإذا بالقرد اللاعب ينزل مسرعًا من أعلى الصاري، حتى كان فوق رأس الرجل الذي يمدُّ ساقيه وينظر لنقوده الذهبية بينهما، وقبل أن يَنتبه الرَّجُل إليه، قفز القرد على فخذ الرجل فأفزعه، وكسح النقود بكفه مسرعًا وجمعها في الكف الأخرى، وتسلق برشاقة، والرجل الذي أفاق من فزعه يقف مذهولاً يراقب بقلق ما سيفعله القرد الشقي بماله الذي لا يملك غيره، وإذا بالقرد وقد استوى على منصَّة له أعلى الصاري، يهز كفه التي تجمع النقود فتصدر خشخشة يهتز لها قلب الرجل، وهو من تحته ينظر له متمسكنًا حتى ينزل بها، ثم يبسطها ويأخذ منها قطعة ويرميها للبحر وهو يضحك بشفتين منفرجتين، والرجل يتابعها متحسِّرًا، وأعادها مرة ثانية، حتى رمى أربع قطع من قطع النقود العشر، ثم رمى على الرجل القطع الستَّ من أعلى، بينما أخَذَ الرَّجُل يَجمَعُها دامعَ العينَيْنِ وقد تَدَحْرَجَتْ على الأرض الخشبيَّة للسفينة، حتَّى وعاها كلها، وأخذ يضرب كفًّا بكف حزينًا، ويُشيرُ للقرد بالحذاء متوعدًا، والقرد يضع كفه على فمه كأنما يحاول أن يمنع ضحكة.

    ابتعد الرَّجُل عن جلسته تَحت الصاري، ووقف هنيهة مستنِدًا إلى سور السفينة يُحَدّق في الماء الذي ابتلع ماله وهو في طريقه للحجاز، وفي نفسه شيء من هذا، وأخذ يصارع نفسه التي تودّ أن تنطق مُستهجِنة ما حدث، ولا تقبله أبدًا.

    حتى جلس على الأرضيَّة مستندًا للسور ينظر ذاهلاً مكتئبًا، يوزِّع نظراته بين القرد المستفزِّ، والسحب، والطيور التي تَبْحَثُ عن رِزْقها فيما يرميه أهل السفينة، حتَّى مرَّ من أمامه أحدُ الشُّيوخ فناداه، فأتاه الشَّيخ مُبتسمًا، فأوجز له ما حدَث بنبرةٍ تشي بالسخط.

    - ما صِناعتُك؟

    - أنا لبَّان.

    - اصدُقْني القول إذًا: هل تغشُّ اللبن بالماء؟

    - أفعل!


    - إذًا ما كان من اللبن أعاده القرد إليك، وما كان من الماء ذهب للماء.
    [CENTER]تشرفني زيارتكم[/CENTER]
    [CENTER][URL]http://www.facebook.com/profile.php?id=100001911292768&v=wall&ref=profile[/URL][/CENTER]



    [CENTER]سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم[/CENTER]

    تعليق

    يعمل...
    X