قلت له: لمنتحب أن تقرأ؟
قال باستثارة: المتنبي و.. محمود درويش.
قلت له باعتراف الجاهل الذي يدري بأنه جاهل: للأسف أنا لا أفهم كثيرا فيشعر محمود درويش. ثم استطردت بإعجاب: المتنبي من أبدع الشعراء!
قال لي: هو أبدعهم وأروعهم.
حركت رأسي صعودا ونزولا وقلت له: نعم.
نظرت إليه.
كان طفلا لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره.
اهتززت من الفرح وقد خطرت لي اشعارأذوب بها عشقا. قلت: هل تقرأ لأحمد شوقي؟
قال باستهجان: هل هو أروع من المتنبي؟!
أجبته باستهجان مقابل: لا.. لكنه أمير الشعراء!
قال باستهجان لا مثيل له: أمير على المتنبــــــــــــــــــــيييييييييي؟!!
ملكتني طفولته!
قلت وأنا أكتم بسمة: لا، لكنهما كل في زمن.
وشرحت له مختصرا مفيدا.
قال لي: أنا أقرأ لنزار قباني..
وكتمت غصة.
قلت بانشراح وأنا أتخيل الصفحات:ياااااااااااااه لو قرأت حكايات أحمد شوقي!
قال: أحضريها معك غدا.
قلت له: سأعيرك إياها، لكن على بابا أن يحضرها.. لا يجوز أن تخلو مكتبة منالشوقيات!!
**
لفني شعور كئيب وأنا أرى ساحة الأطفال بهذا الخواء!
ربما ما كانت خاوية، لكنها منزوية نوعا !!
كان الوحيد الذي أبدى اهتماما بالشعر، وصرح بحبه له، ولكن.. في أي مجال؟!
وحين قابلت والده ذاك الأستاذ المثقف عرفت:
لم يكن هذا الصغير يمثل نفسه وإنما كان ظل أبيه وصداه!
تذكرت أيام الطفولة: كانت أمي تحب الموسيقى، ولهذا فرضت عليّ تعلمها
ففشلت فشلا ذريعا!!
بينما كان أبي - رحمه الله - يحفظ الشعر ويتغنى به في كل أوان، وتفسر حركاتيديه الصورة البلاغية فيه، فأراني أهيم لهيامه.
ما كان يفسر بأكثر من حركات يديه لأنه ما كان يلقي القصيد لنا نحن الأطفال.كان ببساطة يتغنى.. ويستمتع.. وأظنه لهذا اخترق قلبي!
حين كبرنا قليلا صرنا نسأله التفاصيل.. وكان أروع مفسر. كان صوتا وصورة وروحا!
كان رحمه الله يعشق الشعر العمودي، ويكره الشعر الحلمنتيشي!
في المدرسة كان درس أخي قصيدة لفدوى طوقان.
حين عاد إلى البيت أحضر الكتاب وجاء سريعا إلى والدي، قال:
اسمع يا أبي هذا الشعر الحلمنتيشي.
ضحك أبي ملء فيه.
قال: إذا كان حلمنتيشيا فلماذا تسمعنيه؟ ثم قال: اقرأ.
قال: على أبواب يافا يا أحبائي
وفي فوضى حطام الدار
بين الردم والشوكِ ..
انتفض أبي وقال بانفعال مهاجما أخي: هذا شعر!
هذا شعر جميل. أكمل.
واسترخى في جلسته على الكنب، وأصاخ السمع.
كانت متعته معدية.
حين أنهى أخي القصيدة سأله والدي عن اسم الشاعر، فهناك بعض الأشعار التييتوجب عليك أن تعرف اسم مبدعها. أما إن كان شويعرا فلا حاجة لأن تثقل رأسك بأسماءلا وزن لها.. ولا نهاية لسلسالها!
**
**
ما أجمل أن نعلم أبناءنا كيف يتذوقون! يستسيغون! ويتمتعون!!
وما أجمل أن تكون مكتبتنا روضة نزرع فيها أطيب الثمار من كل نوع وصنف..
حنين حمودة
تعليق